أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - المنصور جعفر - هل الديمقراطية السياسية بداية أو نتيجة؟















المزيد.....


هل الديمقراطية السياسية بداية أو نتيجة؟


المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)


الحوار المتمدن-العدد: 3900 - 2012 / 11 / 3 - 19:16
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في هذا السؤآل المهم في تاريخ الشيوعية في السودان هناك وثيقة معروفة عنوانها: "الديمقراطية مفتاح الحل للأزمة السياسية-جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن" وقد أصدرت أصلاً في أغسطس 1977 من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني عن أسس وإجراءات وأهداف "المصالحة الوطنية" بين الأحزاب الدينية الإسلامية الامة والإتحادي والأخوان المسلمون، وحكومة نميري ومؤسساتها الحزبية والتشريعية ، وعن إمكان تقدم الجماهير من الضعف والتناقض الملازم لها إلى حال ديمقراطي يمثل حلاً للأزمة السياسية وإنقاذ الوطن من ويلاتها، جيث دعت تلك الوثيقة مع ضعف الحكم والمعارضة إلى تكوين جبهة عريضة تعيد الديمقراطية لإنقاذ الوطن. وتحدثت عن ملامح وتفاصيل رئيسه في هذا الشأن أولها:

الطبيعة الطبقية للسلطة وما أفرزته من فئات رأسمالية جديدة،

كما إقتبست من وثيقة 1972 قولها عن الطبيعة السياسية لنظام (مايو) : ((إنتصار كامل لمصالح وأهداف وإرادة قوى اليمين والثورة المضادة في السودان والمنطقة المحيطة به في صراعها السياسي والإجتماعي والإقتصادي والفكري ضد قوى الثورة الوطنية الديمقراطية إنتصار لنهج وبرنامج طريق التنمية الرأسمالية وخضوعها لسيطرة وتمويل ودفع الإستعمار الحديث، ومبادرة الديمقراطية، وسياسة العداء للشيوعية، وإستغلال الدين وإستخدام العنف بشقيه –عنف القانون والعنف الدموي- لقهر وتصفية الحركة الثورية.))

((ليس هناك تناقض أساسي بين السلطة ونظامها وكل دوائر التنمية الرأسمالية في البلاد،))

ثم إقتبست من دورة يناير 1974 ما قالته عن طبيعة المعارضة اليمينية:(( المعارضة اليمينية تهدف إلى تغيير محدود من اعلى، ينحصر في إزالة قمة السلطة –نميري وزمرته- والصعود إليها بدلاً منه، مع المحافظة على الأركان الإجتماعية للنظام الإجتماعي ))

وبدورها قام بيان اللجنة المركزية المصدر في يناير 1974 بالإقتطاف من دورات إنعقاد أقدم اللجنة المركزية في يوليو 1972 وفي مايو 1973 قال:
(("الجبهة الوطنية" لا تطرح برنامجاً مختلفاً عن برنامج السُلطة،.....))..و..
((المعارضة اليمينية بحكم مصالحها الطبقية وأهدافها ليست فقط لاترغب في توسيع نضال الجماهير بل وتخشاه))

كذلك إقتبست من خطاب سكرتارية الحزب لأعضاء الحزب عقب إنقلاب 2 يوليو 1976 : ((برنامج ونهج قيادة أحزاب "الجبهة الوطنية" ضار بتطور ونجاح معركة المعارضة الشعبية، ولا يقدم البديل الذي تنشده الجماهير، ويخشى [إتساع] الحركة الديمقراطية الجماهيرية لأنه في جوهره يهدف لإنقاذ طريق التطور الرأسمالي ويسعى لإقناع دوائر الإستعمار الحديث التي تموله وتدفعه بأن قيادة الجبهة الوطنية أكثر قدرة من [حكم مايو]على تحقيق لإستقرار المنشود وتوسيع القاعدة الإجتماعية للنظام الرأسمالي.))

الحزب الشيوعي السوداني طالب في وثيقة أغسطس سنة 1977 بإلغاء القوانين والإجراءات والمقيدة للحريات، وتحقيق الحريات النقابية والأكاديمية والسياسية، وتوفير كثير من نفقات جهاز الدولة لتخفيض الضرائب ومن ثم تحسين مستوى عيش المواطنين وتلبية حاجاتهم الإستهلاكية.
من هذه المطالبات ما تعلق بالسياسة العامة، قال:
((المصالحة تبدأ بتغيير أساسي في جهاز السلطة ودستورها وقوانينها فتتوفر الحريات الديمقراطية الكاملة دون قيود للأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات الجماهيرية والصحف ليدلي الشعب برأيه ويتقدم كل حزب وإتجاه بما يرى من حلول ويبتعد عن مواقع المسؤولية الحكومية كل من أرتكب جرائم في حق الشعب والوطن وقاد الوضع السياسي للأزمة وحافة الإنهيار، وتصفى المعتقلات والسجون، وتنشر حيثيات المحاكمات الجائرة وتعاد للقضاء إستقلاليته ولحكم القانون سيادته، وتوضع قواعد ولوائح جديدة لإنتخابات عامة وتطرح للمناقشة والمراجعة أي معاهدات وإتفاقات خارجية مست سيادة الوطن وإستقلاله...المصالحة الوطنية في العرف السياسي لتجارب الشعوب تمثل فترة إنتقالية للتصفية النهائية لأشكال الحكم التي قادت للأزمة وتكوين أشكال جديدة يقننها دستور ديمقراطي تصون حقوق الجميع ويجنب البلاد كوارث الصراعات الدموية والحروب الأهلية.))

ثم بمنطقية واضحة خلص كتيب اللجنة المركزية إلى أن الشعب يواجه محنة الحكم والمعارضة والوضع الدولي والإصلاح السياسي الشكلي الزيف والمأزوم، قال:
((يواجه شعبنا :
• أزمة نظام وسلطة أزمة حادة وعميقة في كل ميادين الحياة السياسية الداخلية والخارجية، الإقتصاد، الإدارة والخدمات، الثقافة والتعليم، والأخلاق والقيم))
• دوائر أجنبية ذات مصالح سياسية وإقتصادية وعسكرية في السودان تشترط الإستقرار
شعبنا إذن امام برنامج سياسي لقوى إجتماعية حاكمة واخرى معارضة- رأت أن تنتقل لطريق المصالحة والتحالف))

((ليتعاون طرفا التحالف لتكريس الأركان الأساسية للنظام الإقتصادي الإجتماعي وهياكل ومؤسسات السلطة ومناهج الحكم التي قادت البلاد نحو الهاوية ثم تنفجر الصراعات السياسية والعسكرية من جديد))



من المقتطفات السابقة للفقرات الرئيسة في بيان إنعقاد اللجنة المركزية أغسطس 1977 يبدو أن سمات موقف الحزب هي:
1- الوعي بالطبيعة الطبقية الرأسمالية للحكم القائم آنذاك ولمعارضته وللقوى الدولية الداعمة لأتفاقهما،
2- الوعي بالطبيعة الشكلية للتصالح بين الحكم القائم والمعارضة، وتكرسه حول بقاء النظام الإقتصادي الإجتماعي الرأسمالي وتأهيله لإستقبال الطور الجديد من الإستثمار العالمي والأحلاف العسكرية الدولية وتسيير الدولة للمساهمة في القضاء على الحركة النقابية والثورية في السودان والمنطقة.


هناك بعض الأمور التي لم ترد بوضوح أهميتها للديمقراطية وتأثيرها على إمكانات تحقيقها ، ومنها:
1- الموجات السريعة لإرتفاع الأسعار التي واكبت نشاط السوق دفعت بأعداد كبيرة من جماهير المدن إلى التحول إلى حرفيين وإلى الهجرة من السودان مما أضعف الحركات الجماهيرية والنقابية ووجود الحزب.
2- طبيعة الوضع الإقتصادي الإجتماعي الثقافي والسياسي في أرياف السودان،
3- تنوع وزيادة النشاط والترويج الإعلامي حرف تفكير الناس إلى الدين السياسي وثقافة الإستهلاك التلفزيوني(احاديث دينية، مسلسلات، اغاني، مباريات،).


ومع ذا القصور فإن الطبيعة الجذرية للتغييرات المطالب بها في نضال الأحزاب الشيوعية قادت مع تأزم عملية الحكم، وتأزم الأحزاب، وتأزم المصالحة، إلى قيام دورة اللجنة المركزية، للحزب الشيوعي السوداني بعرض "الديمقراطية" والحقوق البرلمانية بإعتبارها مفتاح حل الأزمة السياسية، قال كتاب اللجنة :

((الديمقراطية: مفتاح الحل للأزمة السياسية:
تسلط ديكتاتورية مايو العسكرية، وتفاقم أزمتها الشاملة، إمتداد لأزمة مصادرة الديمقراطية في السودان منذ أن جنحت الدوائر اليمينية، مدنية كانت أم عسكرية، لفرض طريق التنمية الرأسمالية والتبعية للإستعمار الحديث بالقهر والعنف ، وتبقى الأزمة مستفحلة في ظل مايو أو أي حكومة تعقبه ما لم تعاد للشعب حرياته وحقوقه التي قننها دستور السودان المؤقت لعام 1956 وميثاق أكتوبر لعام 1964 ولن يكتب للسودان الإستقرار والتطور والإزدهار إلا بتطوير وإستكمال الحقوق والحريات التي تحققت مع الإستقلال وتبوء بالفشل كل محاولة للإرتداد على تلك الحقوق والحريات والمكتسبات تحت شعار دستور إسلامي أو دستور إشتراكي )) و
(( إنتزع شعب السودان حق إصدار الصحف وتكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات والإتحادات لكل فئاته وطبقاته من براثن السلطة الإستعمارية البريطانية، وبتوسيع تلك الحقوق والحريات والدفاع عنها تطورت حركته الوطنية وحقق إستقلاله الوطني وسيادته على أراضيه ووقف في وجه تسلل الإستعمار الحديث بالأحلاف والقواعد العسكرية، وتوج نضاله بتأسيس دولته المستقلة على هياكل ومؤسسات ديمقراطية للحكم، جمهورية برلمانية، مجلس سيادة رمز لرأس الدولة ودستور ديمقراطي علماني كفل حرية التنظيم والتعبير والعقيدة والضمير وصان حق النشاط الحزبي والنقابي وحق الإضراب والتظاهر، وحرية الصحافة والنشر، وحرية النشاط الثقافي والإجتماعي لكافة المواطنين.))

في هذه المقتطفات التي تقدم التغيير في الخانة السياسية يظهر ان الأسلوب الخطي التتابعي لعرض الحقوق وتوصيف اهميتها تجاوز العمليات الجدلية التاريخية التي حققت هذه الحقوق ثم أطفأتها وماتت بها ومن ثم يتجه خطاب اللجنة المركزية الموقرة بهذا التجاوز مباشرة إلى طلب تعزيز هذه الحقوق والحريات كمدخل إلى الديمقراطية، ولكن هذه المطالبة تتم في ظروف سياسية مختلفة عن ظروف إنتزاع الناس لهذه الحقوق من المستعمر البريطاني، فبعد خروج الإستعمار المباشر إتفقت أسس وسياسات شبه الإقطاع والبرجوازية الكبيرة والصغيرة، على التحكم في هذه الحريات والحقوق لقمع النشاط المعادي لمصالحها الطبقية.

ومع ذلك أصرت اللجنة المركزية حينذاك على أن: ((الحزب الشيوعي السوداني: لا يطرح مبدا الديمقراطية لمكاسب تكتيكية مؤقتة، فهو في نضاله من أجل بناء نظام وطني ديمقراطي يفتح الطريق للإنتقال إلى الإشتراكية ينطلق أولاً وأخيراً من تجرية الحياة السياسية في السودان بتقاليدها ومنجزاتها وعثراتها وتطابق تلك التجربة مع المنطلق النظري والفلسفي الذي يهتدي به الحزب الشيوعي، وهو أن النضال من اجل الإشتراكية مستحيل بدون النضال من أجل الديمقراطية ولهذا صاغ في برنامجه المجاز في المؤتمر الرابع عام 1967 م هذا المبدأ بقوله: (قيادة الحزب الماركسي للنظام الإشتراكي لا يعني وجوب نظام الحزب الواحد، فعلى الصورة التي تصل بها الجماهير إلى السلطة ومدى إتساع الدوائر الإجتماعية التي تقتنع بالنضال من أجل الإشتراكية، فإن طرق الإشتراكية تتعدد وتتنوع ومنظماتها السياسية تتنوع.) ..))

تصور وعرض الحزب للظروف السياسية الداخلية آنذاك كان تصوراً وعرضاً تبسيطياً وضحه بالمعاني والفقرات الآتية:

1- أن هناك أزمة في الحكم مع زيادة الضغط الداخلي مما أضطر الحكم للإذعان لتوجيه الدوائر الأجنبية، بـ((البحث عن وسيلة للتحالف مع قيادة الجبهة الوطنية لتطابق البرامج والأهداف)) ورغم ما في هذه الإشارة من إشارات أخرى كان أوضحها بمعنى أن الحكم -قبل هذه الأزمة- كان في حالة إستقلالية دولية نوعاً ما! أو ان الإرادة الإمبريالية كانت تنتظره، إلا أن جملة تصور الحزب لأزمة الحكم وأزمة محدودية تصورات المعارضة وفهومها، بقي تصوراً واضحاً في أن قيادة "الجبهة الوطنية" ((لن تستطيع إقناع كل جماهيرها بالتخلي عن النضال)) لا حظ كلمة (كل)... خاصة وأن ((هذه االجماهير قد إكتسبت وعياً وتجارب سياسية شبت بها عن الطوق والإشارة والإنصياع التام للقيادات ))

2- أن تسويف أو إرهاب السلطة لن يثني الجماهير ولن تغبش وعيها دعاوى المعارضة الطائفية وإستغلال الدين والتعصب الحزبي. وان لا عودة إلى ما قبل أعلان طريق المصالحة في الأول من يوليو 1977 .


بعد تحديدها أزمتي الحكم والمعارضة اليمينية وأزمة الإتفاق الجزئي المتناقض والضعيف بينهما، وضحت اللجنة المركزية في وثيقتها للشعب السوداني ملامح طريق تكوين وأهداف الجبهة العريضة للديمقراطية وإنقاذ الوطن، قائلة:
(( من هذا المنعطف الجديد، وعلى طريق بناء الجبهة الوطنية الديمقراطية من خلال العمل اليومي [الصبور] وعلى المدى البعيد يدعو الحزب الشيوعي السوداني [الجماهير] لمواصلة نشاط حركة المعارضة الشعبية للتبلور في هذه الفترة ووفق متطلباتها، في جبهة واسعة للديمقراطية وإنقاذ الوطن توحد الأحزاب والمنظمات والتيارات السياسية والإتجاهات الفكرية والشخصيات الوطنية، الراغبة في مواصلة النضال من أجل الديمقراطية والسيادة الوطنية والتقدم الإجتماعي والمصممة على متابعة طريق النضال الجماهيري اليومي وتحمل مشاقه، بعيداً عن المؤآمرات الإنقلابية، لإستعادة الحقوق والحريات الديمقراطية وحشد القوى بمسؤولية وطول نفس لمعركة الإنتفاضة الشعبية للإطاحة بالديكتاتورية العسكرية وإستعادة إرادة الشعب مقننة في دستور ديمقراطي علماني، يؤمن حرية التنظيم الحزبي والنقابي، وحق الإضراب، وحرية التعبير والعقيدة والضمير، وحرية النشر والصحافة، ويصون حقوق المواطن الأساسية من أي تغول من جانب الدولة.))



مما سبق يتضح أن تكوين "الجبهة العريضة" جزء من الطريق لتكوين الجبهة الوطنية الديمقراطية، ولكن هدف الجبهة العريضة محدد ومحصور في إسقاط الديكتاتورية العسكرية وإستعادة إرادة الشعب، مقننة في دستور ديمقراطي علماني يؤمن الحريات والحقوق.. هنا توضح اللجنة المركزية أن إسقاط الديكتاتورية العسكرية يلزمه غير الجبهة العريضة إنجاز أشياء مهمة أو الإنتباه لإنجازها وهي دستور ديمقراطي علماني، وأن الحزب لا يحتكر مقام زعامة أو وصاية في هذه الجبهة، وإنها ((مفتوحة لكل الأحزاب والمنظمات والإتجاهات والشخصيات في شمال البلاد وجنوبها التي تناضل عملياً وبين الجماهير وفق هوية واضحة من أجل الديمقراطية والحقوق الأساسية ومقاومة عسف الديكتاتورية والتدرج بنضال الشعب نحو الإنتفاضة الشعبية للإطاحة بالديكتاتورية العسكرية.. وإستعادة إرادة الشعب وحماية سيادة الوطن وتقنين مكتسبات إنتصار الشعب في دستور ديمقراطي علماني.))

وإذا هذا الإنفتاح يبرز سؤآل طالما أن جملة القوى المعارضة الأخرى وأحزابها الرئيسة شمالاً وجنوباً كانت قد تحالفت حينذاك مع الحكم القائم، وأن الأحزاب القومية العربية كانت في تعاني من تحول السادات وفي قمة خلافاتها مع الحزب الشيوعي فقد أضحى غريباً إصرار الحزب الشيوعي على أن الجبهة العريضة مفتوحة لكل الأحزاب والمنظمات.إلخ!! ولكنه أوضح أن عملية بناءها ((عملية سياسية وتنظيمية ودعائية طويلة)) وفعلاً تحقق نجاح كبير لهذه الفكرة بنضال شاق تليد إزدهى في وسط سنوات الثمانينيات بتشكيل "التجمع النقابي" و"تجمع الاحزاب" وتم ذلك النجاح بالتحديد في في مارس أبريل 1985 في خضم إنتفاضة إسقاط حكم نميري، الذي ذهب غير مأسوف عليه من أغلبية الشعب ومن حلفاءه السابقين.


وفي جهة الصراع الشامل بين القوى السياسية في الأرياف ومركز الحكم في السودان وردت إشارة مهمة هي (( تعترف الجبهة وتصون الحقوق القومية الديمقراطية للأقليات الإقليمية بداية بدعم وتطوير الحكم الذاتي الإقليمي للجنوب، وتبني الأهداف والمطالب الديمقراطية للتجمعات الإقليمية ووإحترام منظماتها التي تعبر بها عن مطامح تغيير وتجديد الحياة في مناطقها)) إلا أن إلتفاف قيادات الريف السوداني التقليدية أو الحديثة حول نظام مايو أو حول المعارضة اليمينية جعل هذه الفقرة التي كانت تستحق التوسع مجرد مقدمة تاريخية لما حدث بعد ذلك بعشرين سنة بالتحالف بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والتجمع الوطني الديمقراطي، ولكنها برغم ذلك مثلت إشارة نظرية وعملية متقدمة ومتكاملة لمستوى إستوعاب مثقفي الحزب ولجنته المركزية لتطور المطالب والنشاطات الثورية السودانية في الريف بصور مستقلة نسبية عن التيار السياسي العام السائد المواشج لإمكانات ووعي المدن الكبرى والعاصمة.


بعد فراغها من إيضاح أهداف وقوى الجبهة إنتقلت وثيقة اللجنة المركزية أغسطس 1977 بنظام وحذق لإيضاح بعض المطالب والإجراءات الديمقراطية المطلوب تحقيقها، بإعتبار أن عملية المصالحة كشفت عن ((إمكانية توحيد المعارضة الشعبية في جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن كبديل سياسي ونضالي)) .
وهنا خطأ فالحزب الشيوعي كان يمثل في تلك السنوات البديل الثوري المتكامل لنظام متسمم ومعارضة مسمومة ولجماهير مشتتة، لكن لأسباب عددا فإن ثقة قيادة الحزب في فاعليته كانت حينذاك الزمان، ولأسباب موضوعية، أقل من ثقة الناس به.


ختام:

بجملة المقتبسات اعلاه يتضح أن مقدمة الوثيقة التي تحدثت عن الطبيعة الإجتماعية الإقتصادية للحكم المايوي وللمعارضة اليمينية ولعملية التصالح بينهما، قد تم إبتلاعها وهضمها في ثنايا التبشير والمطالبة بشروط وتفاصيل حياة ديمقراطية ليبرالية برلمانية.

هذه الشروط الليبرالية التي إجتهدت الوثيقة في فرزها وتأريخها وبيان أهميتها لو أمكن تحقق 80% منها فإن طبيعة التغييرات الرأسمالية الدولية والسودانية ووشائجها الداخلية بحلف البيروقراطية العسكرية والبرجوازية والطائفية كانت ستهلكها مثلما إستهلكت الرأسمالية الديمقراطية الأولى في السودان 1956-1958 وآكلت وإستهلكت الديكتاتورية المدنية (الديمقراطية الثانية) (1965 -1969) التي أنتجت الحكم المايوي المشار إليه، كذلك أكلت الرأسمالية وإستهلكت حالة الديمقراطية الثالثة في السودان (1986-1989 ) التي كانت قد دعت إليها وثيقة دورة إنعقاد اللجنة المركزية في أغسطس 1977.


وإذ تحقق أولى أهداف الوثيقة في سنة 1985 بطرد المشير جعفر نميري من الحكم بعد 8 سنوات من صدور الوثيقة صرفها الشعب في إزالة القشور الموسمية للنظام الرأسمالي قطعة قطعة، فإن الديمقراطية الثالثة نفسها منذ ولادتها وحتى وفاتها سماً وقتلاً سنة 1989 فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق إمكانات تطور ديمقراطي متوازن، بل وفاقمت أزمة الوطن بدلاً من أن تحل تلك الأزمة الشاملة العميقة، وكان ذلك الفشل لأسباب هيكلية وجوهرية في تلك الديمقراطية الليبرالية الفوقية منها: النظام التراتبي المركزي لتوزيع الثروة في البلاد وعدم التوزيع الفعلي للسلطات المالية الأولية على الأقاليم الاخرى نتيجة إحتكار سلطان البلاد وثرواتها في العاصمة، إضافة إلى عجز البنية الإسلامية-الإقطاعية الفكرية والعملية والمالية للأحزاب عن بناء دستور علماني أو الإلتزام به، مما أهدر الحقوق الديمقراطية للكادحين وأهل الريف وزاد إتساع الأزمة الشاملة في البلاد وعمقها. كذلك لم تؤدي حرية الصحافة في عهد الديمقراطية الثالثة ذات البنوك الإسلامية لأكثر من زيادة عددية في صحف اليمين، وتكثف الحملة الإعلامية ضد الشيوعية والحركة النقابية والحركة الشعبية لتحرير السودان وفصم وعي المواطنين بعصبية الدين والنزعة العنصرية.


ومع فرض سيطرة اليمين المالية والإعلامية عبر منظومة الحرية الرأسمالية في تكوين وإمتلاك البنوك وتأسيس الصحف جاءت الزيادة الكبرى لتأثير الرأسمالية المالي والإعلامي على الحياة السياسية العامة، فمع غلاء طاحن وطارد نزح بسببه ملايين السودانيين من أوطانهم وأعمالهم او هاجروا بصورة كشفت خرافة التطور الديمقراطي في خط صاعد مستقيم وفائدته للناس. مما إنتهي سنة 1989 إلى صعود رأسمالية البنوك الإسلامية إلى قمة السلطة بإنقلاب عسكري خصخص ما بقى من البلاد سلم شمالها لمصر وفصل جنوبها عنها، وأحرق غربها، وأغرق شمالها، وشرد كفاءاتها، وأهدر ثرواتها وكفافها، ثم وقف فوق حطامها متبرزاً متبولاً عليها فارداً أجنحته وهو يصفر مبتسماً لدورة أغسطس 1977 صائحاً بحماقة ألله أكبر ألله أكبر ... اللؤم ملاقياً العفاف والمثالية

المفيد الأعظم الذي ورد في النصف الأول لكتيب دورة اغسطس 1977 الماثل في تركيزها على أهمية الطبيعة الوطنية الديمقراطية للبنية الإقتصادية الإجتماعية كأس لنجاح النظام الديمقراطي قتلته الطبيعة الإقتصادية الإجتماعية الليبرالية التي لم توفر النجاح لنوعي الحكم الرأسمالي في السودان الحكم المدني الرأس والحكم العسكري الرأس فالبنية الرأسمالية لم توفر النجاح لديمقراطية الأحزاب التي لجأت إلى ممارسة العنف والفساد ضد الحقوق الديمقراطية التي حملتها إلى السلطة، ولم توفر النجاح لا لديكتاتورية عبود ولا لديكتاتورية نميري، إلا في التصورات المثالية للأمور السودانية فقد كانت الديمقراطيات الثلاثة ديمقراطيات شكلية ومشوهة ومعيقة للتقدم الإجتماعي إذ إمتلئت بأحاديث السادة وثرثرات السياسيين مع بعض الأناشيد الثورية مما فاقم التفاوت بين الفئات والطبقات والأقاليم وزاد التمزق والإنهيار .

من هنا تبدو أهمية إقامة دراسات وسمنارات جديدة حول الدور الرئيس للتغيير والتنظيم الإقتصادي الإجتماعي في تأسيس أي نظام سياسي وتفعيله.

ولكم التقدير



#المنصور_جعفر (هاشتاغ)       Al-mansour_Jaafar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الحرب الأهلية والعالمية في سوريا
- كيف يقع الإسلاميون خارج معنى إنتصار مواطن على نظام ظالم؟
- نداء لإنقاذ معالم تراث ومكتبات تيمبكتو
- الصوفية ... مشارقاً و سحراً
- نقاط من العلاقات الإنتاجية بين الرأسمالية والصهيونية وصراعات ...
- الأخوان المسلمون تنظيم صهيوني البناء والحركة
- الهرم النوبي بين اليهود والعرب
- ضياء الخلق من معاني سواد العين
- لمحات من تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في السودان (1954-2012)
- الإخوان المسلمون... لمحات
- جدل الشفرات الثلاثة في دولة قطر
- ثلاثة شفرات في جهاز الحكم والديبلوماسية القطري شفرة العائلة: ...
- من أهداف الثورة
- مع حكم الشعب ضد ديكاتورية السوق عسكرية أو مدنية، وضد تجزئة ق ...
- بتر أعضاء الجنس الأنثوية: بين إشتراعات الإسلاميين وسكوت الإس ...
- الحركة العمالية والحركة الإسلامية
- جعفر بخيت: لمحة من جدليات اللامركزية والديمقراطية
- الأستاذ. محمد أبراهيم نُقُد
- محمد الحسن سالم (حميد )
- جزئيي البروليتاريا: العمال و المهمشين .. الآن ... مستقبلاً


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - المنصور جعفر - هل الديمقراطية السياسية بداية أو نتيجة؟