سليمان سمير غانم
الحوار المتمدن-العدد: 3893 - 2012 / 10 / 27 - 03:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الله أو المسمى الذي يعبر عنه في الديانات للتعريف بالقوة الخالقة أو المنظمة لهذا الكون، نراه لدى كل الشعوب و بنفس السوية تقريبا. لا يعرف على وجه التحديد متى اخترع الانسان فكرة الله، لكنها من دون شك قديمة جدا. أيضا يبدو أن الانسان ارتاح لهذه الفكرة التي منحته القليل من السلام لمصيره و وجوده. و خففت من أهوال تفكيره في مصيره، لقد طور الانسان هذه الفكرة عبر الزمن و أخذ تطورها مناحي مختلفة لدي الشعوب العديدة الموجودة على هذه الأرض، فتارة نراها بسيطة لدى بعض الشعوب، و تارة أخرى نراها معقدة و غامضة لدى أحد الشعوب. لا بد أن نشير هنا الى أن فكرة الاله ان كانت بسيطة أو معقدة تلعب دورا في وضع الشعب النفسي وشخصية الفرد و اتزانه.
المشكلة في موضوع فكرة الله لا تكمن عند من لا يؤمنون بها، فهم لا يؤمنون بوجود الله و لذلك ليسوا معنين بشرح تصورات عن فكرة الله و أوصاف الله، لذلك فالمؤمن بوجود الله هو من يتوجب عليه شرح الفكرة بشكل جيد، و تقريبها الى عقل و منطق من يحاوره أو يريد منه أن يؤمن بها. المشكلة عندما تسأل المتدين عن فكرة الاله تراه يملك مقدمة للدخول في شرح الفكرة تكمن في تصوير قوة ما عاقلة، قد تشبه في بعض الأحيان انسانا لا محدودا خالقا و قادرا و هو المسؤول و المنظم لهذا الكون، لكن هل هذا كافي من وجهة نظر منطقية ؟ اذا كان المؤمن لا يستطيع ايجاد اثباتات مادية لنظريته عن الله و لا يستطيع تقديم أي اثبات غير ظني، هل يعني أننا يجب أن نتوقف عن البحث عن حقيقة الكون و لغز الوجود ؟! كلا لا يجب الوقوف عند تفسير المتدينين للكون و الوجود عبر وجود خالق و اله يحكم هذا الكون ! هنا في هذه النقطة يكمن الفرق بين الفيلسوف و المتدين، فعندما يبحث الاثنان عن سبب الوجود و النظام الكوني يصل العقل المتدين فورا الى فكرة الله و يجاوب دفعة واحدة على مخاوفه الوجودية بوجود خالق يجعله يرتاح أو يشعر بالسلام، لكن المشكلة تتطور عندما لا يقف عند هذه الفكرة المختلقة فقط، بل يبدأ بالبناء عليها ليقول هذ ا الغيب المسمى الله أشياء كثيرة، من ثم يبني على هذه الأقوال ما يسمى بالدين، و الخطورة تكمن عندما يقوم بفرض ما اخترعه عقله واختلقته مخيلته على الآخرين !
أما الفيلسوف، نراه لا يتوقف كالمتدين عند مفهوم الاله لتفسير الكون، و ان كانت الفكرة مغرية، فنجده يتجاوزها للبحث في مناحي و أمور أخرى ربما تصل مع الوقت الى نتائج أكثر تطورا، لناحية المنهج الذي يتبعه الفيلسوف في البحث عن أصول الأشياء و ارجاع الوجود الى مصادره الحقيقية !
بالرغم من لا محدودية الكون و تعقيدات الوجود، الا اننا نعتقد بأن العلم هو الوحيد القادر على حل لغز الكون، بما يقدمه من كشوفات و اختراقات على صعيد الزمن و المكان ، هنا نعتقد أن الفيزياء و الكيمياء هي أكثر لعلوم ترشيحا، لكون قدرتها في التطور والوصول الى حل أسرار كثيرة تطرق مخيلة الانسان و عقله.
بالعودة الى مفهوم الله و العلاقة مع المتدين، نلاحظ أننا عندما نسأل متدين من أي دين هل الله موجود، تراه حتى و ان كان متسامحا يبتسم لكمية الغباء في سؤالك، لكن عندما تطلب منه شرح المفهوم لاقناعك به يتخبط و لا يستطيع ايصال فكرة متكاملة مبينية على التجريب و المادة، فتراه يحاول فرض يقينه المقتنع به ليقنعك بالفكرة و هي حالة مبررة في علم النفس فالانسان كيان متأخرو ناقص يحاول دوما اقناع نفسه بالوصول و الكمال. الغريبأننا نلاحظ أن الانسان يمتلك العقل الذي يمتلك مقدرات كبيرة يستطيع بواسطتها حل مشاكل كبيرة لم يكن اعتماده على الأديان فقط ليسمح بحلها. كما نراه يفعل في تسخير الطبيعة، فعلوم الفيزياء و الميكانيك سهلت أو سخرت الكثير من المشاكل المادية لتعامل الانسان مع الطبيعة و التي لم يكن من الممكن حلها بالدعاء للاله! مع ذلك تراه يميل الى التدين في أغلب الأحيان !
ستبقى مشكلة المتدين و الله موجودة، حتى آخر متدين، و لن تموت طالما هناك قلق وجودي أو لغز محير للكون، و ستبقى مخيلة الانسان تبحث عن حل سواء عبر الله أو عبر العلم، أو أي تفسير و من الآن و حتى ذلك الوقت سيبقى الصراع الداخلي الانساني متخبطا في حيرته و مخاوفه الوجودية.
يقول نيتشه بما معناه (لا أعرف من خلق الآخر الله أم الانسان ؟!) و هو ما يعبر عن مشكلة من اخترع الآخر؛ أهو الله حقا أم أن مخيلة الانسان و مخاوفه خلقت الله ؟! نرى هذا الصدى في الديانات الرافدية، ففي نص بابلي نرى قصة تحكي ما راح اليه نيتشه، حيث يتكلم النص عن الفيضان و العقاب الذي كان نتيجة غضب الاله الأكبر انليل الذي أمر بعل اله السماء بفتح الخزانات و اغراق البشر الجاحدين لنعم الآلهة، و في النص نفسه نقرأ أنه بعد أن قتل الطوفان أغلبية البشر تكومت الآلهة مذعورة كالذباب في الزاوية مرتعدة لأنها لم تعد ترى أحدا يقوم بعبادتها، و لم تعد الى وعيها الا عندما قام الصالح أوتنابشتيم بالصعود الى الجبل بعد أن نجا من الموت و قام بحرق البخور و تقديم القرابين للآلهة، فعندما اشتمت الألهة البخور ورأت القرابين عادت الى حياتها و سابق عهدها. هنا في هذا النص نرى صدى يجسد أهمية وجود الله فقط لأن الانسان يؤمن به !
عليه سيظل مفهوم الله مفهوما عصيا على الفهم، و سيبقى العلم هو الأقدر على تحليل الكون و الظواهر. هذه المشكلة ستبقى مشلكة المجتمعات التي تؤمن بوجود الله أكثر من قناعتها بالعلم، و ستكون المشكلة أكبر في المجتمعات التي لديها مفهوم الاله معقد و غير بسيط كالاسلام و اليهودية، التي تأخذ فيهما مشكلة الوحدانية مفهوما معقدا و غير واضح عن اله قادر تكمن نقطة قوته في نقطة ضعفه ألا و هي غيابه، فغيابه سبب قوته و ضعفه في آن واحد، على عكس المجتمعات التي يتمتع فيها الله بالبساطة كالمسيحية و الهندوسية و البوذية التي عاش فيها الاله بين أتباعه و تجسد لهم و جلس معهم و فداهم، لذلك تجد المجتمعات المسيحية و البوذية و الهندوسية اليوم تتمتع بالسلام الداخلي و عدم الحيرة في مسألة مفهوم الله كاليهودية و الاسلام التي نلاحظ عنفا مرتفعا عند أنصارهم، عائد الى نقص في فهم صفات الاله ببساطة، مما انعكس تخبطا و نقصا في السلام الداخلي يلاحظ ببساطة عند أتباع هذه الديانات، يعبر عنه دوما بالعنف و الاقصاء الديني للآخرين.
لذلك نستطيع القول، بما أن فكرة الله مخترعة من قبل المؤمنين؛ فهو بالمحصلة متهم من وجهة نظرهم و من دون شعورهم بكل ما يحصل في هذا الكون من أحداث و من شر، على الأقل يقر من يعتقد بوجوده بالشكل الذي تفترضه الأديان في تحمل المسؤولية عن أشياء لم يرتكبها ! و عليه نستطيع أن نقول أن الله من وجهة نظرنا هو متهم برئ من كل ما يحصل و من ورطه في هذا الاتهام هم المؤمنون أنفسهم من حيث لا يدرون، لذلك بالنسبة لنا يبقى ما يسمى بالله بريئا حتى يظهر و تثبت ادانته أو مسؤوليته عن الكون و خلق الكون ! وعليه سيكون علينا في الوقت المستقطع العمل عبر العلم على تحرير فكرة الله أو مفهوم الله من العقول المتخلفة و المتشنجة و العمل أقل ما يمكن على غرس صورة مبسطة أو جميلة عن الاله لا تشوه مفهومه و تجعله مصدر للقلق بدلا من مصدر للطمأنينة و السلام الداخلي لمصير الانسان و وجوده.
#سليمان_سمير_غانم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟