أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليمان سمير غانم - بين اقرأ واسأل يوجد قبر الأمة الفكري















المزيد.....

بين اقرأ واسأل يوجد قبر الأمة الفكري


سليمان سمير غانم

الحوار المتمدن-العدد: 3745 - 2012 / 6 / 1 - 00:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تبدأ قصة الوحي الإلهي في الدين الإسلامي، باستعراض قصة النبي محمد بغار حراء مع ممثل الوحي الإلهي جبريل، القصة الدينية التاريخية المشهورة، تروي الحوار الذي دار بين النبي محمد و جبريل، وتؤكد على أن أول كلمة قالها جبريل للنبي محمد هي اقرأ؛ فكان الجواب ما أنا بقارئ.
لقد أثرت هذه القصة كأيدولوجيا دينية في عقلية الأمة، و طبعت تاريخها بشكل لافت، فإن دققنا بتواتر هذه القصة في المجتمع العربي، نستطيع أن نحصر التداعيات أو التأثير في مجالين: المجال الأول هو أن الأمة الاسلامية، تسمى في كثير من الأحيان، بأمة اقرأ. أيضا تجد النقاد أو مثقفي الأمة في هذا العصر، عندما يتذمرون من الجهل المنتشر، أو قلة القراءة في صفوف الشباب، يرددون دوما عبارة ” أمة اقرأ لا تقرأ”، على اعتبار أن الفكر الديني الإسلامي في أعماقه يحض على القراءة، و يشجع العلم وهو بهذا المعنى، دين يحوي في داخله مكنونات قوته و تجدده.
لكن إذا أخذنا بعين الإعتبار أبعاد القصة من منظور آخر، من منظور التدين، خصوصا أن أمة الإسلام، أمة متدينة، و فكرها الديني ينعكس في واقعها اليومي المعاش، حتى أنه يدخل في تفاصيل الحياة الصغيرة بشاردها و واردها. عليه و بعيدا عن الغيبيات، بطريقة مادية وضعية، نستطيع طرح السؤال التالي : لماذا لم يقل الوحي الإلهي اسأل بدلا من اقرأ؟ و لو قال اسأل بدلا من اقرأ ماذا سيتغير؟ و ما هو حال أمة الاسلام اليوم لو كانت أمة اسأل بدلا من اقرأ؟
قبل الإجابة على السؤال بالتوضيح، يجب العودة إلى زمن النبي محمد، و تخيل كيفية تعاطيه مع الدين و الفكر الديني. لا شك أن محمد كرجل دين أو صاحب فكر ديني، كان يعرف، أو يعي تماما ببعد منقطع النظير، ما تعنيه فكرة ترسيخ اقرأ في عقل المؤمنين الجدد، التي من دون شك كانت تعني التسليم؛ أي خذ الفكر من دون سؤال. بمعنى آخر من دون إعتراض على القصص الدينية الواردة في الفكر الديني الإسلامي الوليد، كأمر واقع يرفض النقاش فيه، و حوله، و يمنع فيه إستخدام كلمة التساؤل الدالة على الشك ( لماذا) ؟ و هي ظاهرة موجودة في كل الأديان من دون استثناء، تكرس دوما جسد العقيدة الصلب الغير قابل للنقاش.
إذا أردنا متابعة إنعكاس هذا الفكرفي أمة الإسلام اليوم، نرى طالب العلوم الشرعية، أو حتى الإنسان العادي، عندما يريد دراسة الدين، يتم تلقينه الدين على يد شيوخه، فيتلقى العلم الديني الغيبي عنهم بالتسليم حصرا و من دون سؤال. لكن، في الوقت نفسه، إذا طلبت منه أن يقوم بنفس الشئ، أي: أن بتقبل التسليم بكل ما هو وارد في دين آخر، على يد شيخ من طائفة أخرى أو دين آخر يرفض فورا !! إن هذه الحالة في التعاطي مع الفكر الديني، تلخص بإختصار موت العقل، الذي لا يزدهر إلا بالتسليم و عدم طرح التساؤلات على الوجود وقضاياه، أي أن تعكس هذه الحالة لمقولة واضحة في الدين، ألا و هي وضع العقل جانبا في المواضيع الدينية، أي عدم التطرق إلى المقاربات المنطقية أو الموضوعية فيما يخص القصص الواردة في النص الديني.
عليه و لتوضيح الفكرة سنستخدم التجريد، لكي نستطيع ببساطة متابعة معنى السؤال و الجواب في الثقافة، فالسؤال دوما يدل بمعنى أو بآخر على مشكلة أو استفسار حول موضوع ما يكتنفه غموض ما. أما الجواب في أغلب الأحيان يكون نوع من التوضيح، أو إعطاء القرار في الأمر أو المشكلة المطروحة. عليه فإن عدم الإمعان في طرح الأسئلة و البحث عن أجوبة، يعني بشكل أو بآخر موت العقل. لذلك فإننا نرى ثقافة عدم طرح الأسئلة في الأمم المتدينة تنتج في المجتمع أثر سلبي، ألا و هو طابع الركود الفكري و عدم التقدم العلمي أو الفلسفي. مثلا فيما يخص الفلسفة التي هي محرك الفكر عبر العصور، نرى أن معظم الفلاسفة و النظريات الفلسفية، كانت قد ازدهرت ضمن شرط واضح؛ هو الحرية الفكرية، التي تتيح حرية التساؤل و التفكير، المتجسدة حصرا في الشك في المسلمات والبديهيات، فهي بعيدة عن التدين و الفكر الأيدولوجي المسبق، أي بمعنى آخر، نشأت ضمن التجمعات التي لا تحكمها الغيبيات المنزلة من السماء، التي من الممنوع مسها أو طرحها على النقاش ! نرى ذلك بوضوح لدي الإغريق، الذين أبدعوا الفلسفة عبر محاولاتهم تفسير الكون بعيدا عن المفاهيم الدينية، و عبر هذه المحاولات، أبدعوا أغلب المذاهب الفلسفية، حتى أنه في عصرنا الحالي، تنسب جميع التيارات الفكرية و الفلسفية إلى قطبي الفلسفة اليونانية الأشهر أفلاطون و أرسطو، تبرير ذلك يعود إلى عدم وجود فكر معلب لدى الإغريق يمنعهم من محاولة تفسير الكون والوجود بطريقة مخالفة له، كما هو حاصل في الديانات الغيبية، نرى أيضا توفر هذا الشرط في إحياء الفكر الكلاسيكي في أوروبا قبل عصر النهضة، الذي أنجب بدوره فلاسفة عمالقة كديكارت، كانت، و الفلاسفة الماديين كماركس، أو الإنسانيين كسارتر، و غيرهم من العظماء في تاريخ الوجود البشري. في أوروبا يقال: أن القارة الأوروبية مدينة في نهضتها لخمسة مفكرين، عملوا على قلب المفاهيم و خلقوا النهضة الأوروبية، هم: نيكولاس كوبيرنيكوس، غاليليو، كبلر، ديكارت، نيوتن، بالعودة إلى تاريخ هؤلاء، تجد أنهم كانوا كثيري الشك و القلق، وعليه كانوا كثيري طرح الأسئلة على الوجود، و التي عبر محاولات البحث عن أجوبة لها، خلقت الأفكار و العلوم المعرفية، التي قلبت ثوابت خاطئة كانت تعتمدها الكنيسة منذ ألفي عام، منها و ليس أقلها إعتبار الكنيسة أن الأرض مركز الكون بالنسبة لمجموعتنا الشمسية، و الذي حطمه نيكولاس كوبرنيكوس بثورته في العلوم الفلكية التي أثبتت أن الشمس مركز الكون. ليكمل بعده فلاسفة و علماء أوروبا تغيير الثوابت الخاطئة و المتوارثة في الكتب الدينية، وعليه شهدت أوروبا ثورة في علومها الفيزيائية و الكيميائية، أدت بها إلى النهضة والإرتقاء.
في الأمة العربية اليوم، و بسبب الموروثات الدينية، للأسف لا يستخدم العقل، و عليه لا تطرح الأسئلة التي هي مفاتيح العقل و الفكر، فطرح الأسئلة على الوجود و محاولة تفسيره كانت و لا زالت محرك الفكر في كل الأزمنة، الذي أنتج بدوره الفلسفة و العلوم، و طبع الأمم المتقدمة بطبيعته. أما في الأمة العربية، فطرح الأسئلة على الواقع و المجتمع غير موجود، لذلك نرى مشاكل المجتمعات تبقي عالقة. فعند وجود مشكلة ما، يجب الوقوف عندها و تعريفها و طرح الأسئلة عليها لكشف ماهيتها، التي ستؤدي إلى معرفة مكامن الخطأ وإمكانيات التصويب و التصحيح، لكن الذي يحصل في مجتمعنا هو العكس، فالمشكلة لا تطرق من باب العقل، ولا يسمح تحليلها عبر أفكار مخالفة للجذور الفكرية الدينية، فوق كل ذلك يأتي الدين ليزيد الأمور تخلفا و تدهورا، عبر معالجة المشاكل أو طرح الحلول من داخل نصوص دينية، كانت قد كتبت قبل آلاف السنين، بطبيعة الحال لم تعد تصلح لعالم اليوم.
اليوم و بسبب غياب إعمال العقل، و الخوف من طرح الأسئلة، نسي المواطن ماهية وجوده، بالدرجة الأولى فكره، لذلك تجده غارقا في حالة من الركود نسي معها حقوقه و واجباته، و انعكس ذلك في شكل أنظمته السياسية، فأصبح المواطن صاحب واجبات اتجاه الدولة من دون أن يسأل عن حقوقه أو عن القوانين التي تحق له، فوق كل شي، ساهمت أنظمة المجتمعات الثقافية و السياسية في زيادة الطين بلة، فالمواطن العربي غير معتاد، أو لا يسمح له طرح أو تلقي الأسئلة بحرية، إلا في جانبين يعيش معهما حالة ضغط نفسي أولهما: عندما يكون لديه إمتحان، و الثاني عندما يكون تحت التحقيق، لذلك تراه دوما لا يحب الأسئلة، و عندما تضغط عليه لمعرفة أشياء معينة في موضوع ما، تراه، إما خائف أو متذمر، و غالبا يجيبك بجملة مشهورة، ماهذا تحقيق؟
عليه، يجب إعادة انتاج ثقافة طرح الأسئلة إلى المجتمع، لتحريك ركوده و النهوض به من ظلمة المسلمات و البديهيات المنعكسة في حالة من الشلل، تبدو واضحة في كثير من الأحيان في مجالات فكرية مقولبة طبعت المجتمع بطابعها العاجز.
دعوة إلى التفكير و إعمال العقل في الكون، وطرح الأسئلة على الوجود، والمشكلات لحلها من منطلق إنساني مادي، يحفظ للكائن البشري إنسانيته و حقوقه، و يرفع من مستوى إنسانيته المغيبة، حتى لا تطغي كلمة اقرأ على اسأل، فتصبح نموذجا لدفن التفكير و التساؤل، نعم للعقل ضد التسليم، نعم للتجريب نقيض الركود، الذي هو الموت. لسنا عاجزين، نستطيع أن نقتبس من ثقافتنا العربية أقوال لفلاسفة عملوا على العقل و الفكر، منهم من إعتمدت أوروبا في نهضتها على فلسفتهم، هم كثر رغم نهاياتهم المأساوية، و الحروب التي تعرضوا لها من عقلية مجتمعاتهم و الفكر الديني السائد، لكنهم خالدون في الضمير الإنساني. لا يسعنا ذكرهم جميعا اليوم، لكننا نستحضر من بينهم في ختام مقالنا هذا الفيلسوف النفري بمقولته الشهيرة "بين النطق و الصمت برزخ فيه قبر العقل و فيه قبور الأشياء الأخرى".




#سليمان_سمير_غانم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يصبح دين الشعب أهم من وجود الشعب (من نحن،عرب أم مسلمون ...
- حنين إلى عقل القرن الثاني و الثالث الهجري (المعتزلة)
- أدلجة المجتمع و عبثية الاسلام السياسي
- الإله المتجسد بين الوسط الاغريقي الهيليني و الديانة المسيحية
- الشرق الأدنى من عبادة المرأة الى استعبادها


المزيد.....




- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليمان سمير غانم - بين اقرأ واسأل يوجد قبر الأمة الفكري