أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - خمسون وهماً للإيمان بالله [7]















المزيد.....

خمسون وهماً للإيمان بالله [7]


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 3891 - 2012 / 10 / 25 - 09:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


50 وهماً للإيمان بالله
غاي هاريسون
ترجمة إبراهيم جركس

الوهم السابع: نظرية التطور خاطئة وسيئة

((سأبيد حكمة الحكماء، وأرفض فهم الفهماء)) [كورنثوس 1: 19]
((الحقيقة الواقعية _حتى عندما تتوقف عن الإيمان بها_ لا تتغيّر أبداً ولا تزول)) [فيليب ديك]

الشيء الجيد بخصوص الجدال القائم بين النظرية التكوينية ونظرية التطور هو أنّ هناك ازدياد كبير في أعداد الناس الذين يقرأون عن التطور. أمّا الجانب السيئ فهو أنّ _بالرغم من هذا الجدال_ أغلب الناس في العالم اليوم ما زالوا لا يعرفون الكثير أو حتى لا شيء عن نظرية التطور. لقد مرّ على وفاة تشارلز داروين أكثر من مئتي عام والأمر الغريب هو أنّ هناك الكثير من الأفكار غير الصحيحة والمغلوطة عن التطور ما زالت تخرج من أفواه ناس لا يعرفون الكثير عن التطور أو لم يفهموا النظرية بشكل جيد ودقيق. على سبيل المثال، الرئيس السابق جورج بوش، خريج من جامعة ييل، قال ((هيئة المحلّفين لم تتوصّل إلى قرار بعد)) بشأن التطور. في عام 2007 وخلال مناظرة جمهورية للترشح لرئاسة الولايات المتحدة، ثلاث مرشّحين رفعوا أيديهم ليعلنوا بفخر عدم إيمانهم بصحة نظرية التطور. أحد ما، سواءٌ كان العلماء في مختلف أرجاء العالم، أساتذة العلوم في المدارس، أو صحفيين، فشلوا في التواصل مع الجمهور وإقناعه بمدى صحّة نظرية التطور. لا بد أيضاً أنّ هناك أحد ما فشل في إطلاق شرارة التعجّب والتقدير لنظرية التطور عند النشء. العديد من البالغين، يحملون اعتقاداً خاطئاً ومغلوطاً أنّ نظرية التطور سيئة، شريرة، شيطانية، أو حتى أنّها غير واضحة ولا يحاولون تعلّم أي شيء عنها. وأسوأ من ذلك حتى، أغلب الناس يحملون أفكاراً مغلوطة سخيفة تعصف داخل رؤوسهم، ويعود الفضل في ذلك إلى أولئك الذين يروّجون للنظرية التكوينية ليل نهار. على سبيل المثال، في الولايات المتّحدة، الأمة التي أرسلت إثنا عشر إنساناً إلى القمر، هناك الملايين من مواطنيها حالياً يؤمنون أنّ عمر الأرض لا يتجاوز بضعة آلاف من الأعوام وأنّ أول بشري مخلوق من التراب على شكله الحالي. كيف حدث ذلك؟ أغلب المواطنون الأمريكان يقضون عدّة سنوات في المدرسة على الأقل. أمريكا فيها نسبة عالية جداُ من التعلم. حيث أنّ الذهاب إلى المكتبات وولوج الشبكة العنكبوتية مرتفع جداً فيها بالمقارنة مع معظم الأمم الأخرى. إذن كيف أمكن لمثل هذا البلد المتطوّر أن يحتوي الملايين من المواطنين الذين لم يسبق لهم أن سمعوا بالإنسان المنتصب Homo Erectus؟ وهذا الأمر لا يقتصر على أمريكا وحدها. أكثر الناس في مختلف أصقاع العالم، استناداً إلى تجاربي، لا يعرفون سوى القليل أو لا شيء إطلاقاً عن تطوّر الإنسان. فالأسترالوبيثسكوس [الإنسان الأسترالي] Australopithecus، على سبيل المثال، شخصية رئيسية ضمن قصّة الإنسانية، لكني اكتشفت أنّ هناك عدّد قليل جداً من الناس سمعوا بهذا الاسم. ربما يعود السبب في ذلك إلى وجود خلل رئيسي في النظام التعليمي، لكنّ اللوم كله يقع مباشرة على النزوع للإيمان بالآلهة.
فعندما يسير الإنسان في طريق الإيمان بالآلهة فإنّه غالباً ما يلتقط أشياء وسيئات أكثر من مجرّد الآلهة خلال مسيرته. في بعض الأحيان يتمّ التقاط الكثير من الأفكار التي تتعارض مع الأدلة والبراهين العلمية. هذا الرفض الواسع الانتشار لنظرية التطور في الولايات المتحدة هو مثال مؤلم عن الأثر المدمّر الذي يمارسه الإيمان بالله على العقل الإنساني. طبعاً ليس جميع المؤمنين، بل الملايين منهم يثقون بالوعّاظ والقساوسة ومروّجو نظرية الخلق والتكوين أكثر مما يثقون بألمع وأذكي العلماء في العالم ليقدموا لهم حقائق عن التطور. وكنتيجة لذلك، هؤلاء الناس عملياً لا يعرفون شيئاً عن التطور. اليوم بعض القادة الدينيين يهاجمون التطور على أنّه فلسفة شريرة وسيئة. وهذا الأمر متعب ويثير الكثير من المشاكل لهؤلاء المؤمنين الصادقين فكرياً مع أنفسهم والذين يريدون حقاً مع حقيقة التطور وكيف أنّ الحياة على الأرض قد مرّت بتغيرات عديدة خلال البعضة مليارات عام الماضية. لكن عندما يقوم واعظ موثوق،أو حاخام، أو إمام بإعلان يقول فيه أنّ نظرية التطور غير أخلاقية وقد تسبب في تحلّل العائلات، المدارس، وحتى الحضارات وتفكّكها، عندها نرى أغلب المؤمنين يديرون ظهورهم لها ويصمّون آذانهم عنها. سيكون هذا موقفاً مضحكاً إن لم يكن مأساوياً. هنا نحن بين أيدينا هذا التاريخ المثير والحقيقي عن أنفسنا وعم باقي الحياة على الأرض، لكنّها قصّة تحيف وترعب مئات الملايين من الناس حول العالم لذلك تمّ رفضها، استبعادها والهزء منها. في العديد من الحالات يعتقد المؤمنون أنّ قبول نظرية التطور سيغضب إلههم. أغلب المؤمنون يتبعون هذا النمط الغريب من التفكير، وهذا ما يعطيهم سبب إضافي آخر للإيمان بالله. ويتمّ الأمر على النحو التالي: ((التطور نظرية خطيرة وسيئة، أمّا التكوين فإنّه نظرية صحيحة وجيدة. لذلك، فإنّ إلهي حقيقي)). بغضّ النظر عن خطأ هذه المحاكمة واعوجاجها، فإنّ هذا السبب للإيمان شائع جداً. مرةً أخرى، من المهم جداً إضافة أنّ هذا لا علاقة له بالعقل أو الذكاء بالضرورة. فعندما يقصف المؤمنون بمزاعم التكوينيين وخرافاتهم، ولا يتعلّمون سوى القليل [أو حتى لا شيء] عن العلم، عندئذٍ ليس من الصعب الخروج باستنتاجات خاطئة ومغلوطة بغضّ النظر عن مدى ذكاء الفرد.
السؤال حول أياً من المزاعم هو الحقيقي والصحيح يمكن الإجابة عنه من قبل أي مراقب موضوعي يمتلك قدراً من المصداقية والنزاهة الفكرية لأنّ التكوين لا يمتلك أي دليل صالح ومعتمد يدعم مزاعمه في حين أنّ التطور يمتلك أدلّة قوية وثابتة من العديد من المصادر. الأحافير والأدلة الوراثية الجينية التي تدعم القول بأنّ الحياة تتطوّر قاطعة وساطعة. فالأمر ليس مجرّد لهبة وكأنّ هناك مجموعة صغيرة من العلماء المتآمرين السريين الذين يروّجون للتطور بأنفسهم. هذه النظرية تمّ تأكيدها وإثباتها منذ عقود طويلة من العمل المضني والمستقل من قبل العديد من علماء بيولوجيا، علماء حيوان، علماء نبات، علماء بيولوجيا مجهرية، وعلماء إحاثة وإناسة عملوا طويلاً في العديد من البلدان. وهم يقولون أنّ لا شيء يصبح مفهوماً وواضحاً في مجالات أبحاثهم الخاصة بدون نظرية التطور كأساس ثابت. بغضّ النظر عمّا قد يقوله بعض الرؤساء الأمريكيين، فقد سلّمت هيئة المحلّفين حكماً حول التطور منذ زمن طويل. والسبب وراء استمرار الجدل حتى يومنا هذا يكمن في أنّ بعض المؤمنين يرفضون مواجهة الحقائق. لا وجود لمثل هذا الجدل داخل المجتمع العلمي. فالتطور حقيقة.
الاتهام المرن وغير العادي الذي يوجّهه المؤمنون بأنّ التطور شرّ يكون التعامل معها أصعب. ما معنى عبارة "التطور شر" بأيّ حال؟ حسناً، أنا موافق أنّ التطور مسألة صعبة وقاسية. فهو جزء من طريق صعب وتعيس جاءت من خلاله الحياة إلى الوجود وذلك لأنّ المعاناة، الموت، والانقراض هي المعيار الطبيعي لسير العملية التطورية. لكنّ كرهي الشخصي للمفترسات، الطفيليات، والانقراض لا يعني بأنه يمكنني القول وببساطة شديدة: ((أنا لا أؤمن بها))، وأنّها بذلك ستزول نهائياً. الحياة على هذا الكوكب ستستمر في التنافس، القتل، الموت، والتطور سواء أكنّا جميعنا معمّدون أو علماء بيولوجيا تطورية. لكنّ المؤمنون ليسوا من محبّي عمليات الطبيعة. فعندما يلقون الاتهام جزافاً بأنّ التطور شر ويهدّدون بإذلالنا جميعاً، فإنّهم يعنون بذلك أنّه فلسفة أو طريقة في الحياة تقوم على رفض آلهتهم. إنّهم يعتقدون أنّ قبول نظرية التطور هو سبيل شيطاني ودنيوي يقود إلى الخراب، نظام عقائدي فاسد وخطير سيحوّلنا إلى حيوانات ووحوش. المؤمنون المعادون للتطور غالباً يشيرون إلى فظاعات عمليات تحسين النسل الوحشية التي ارتكبتها الحكومات ضدّ الجماعات الفرعية "غير المناسبة والمنبوذة" ضمن شعوبهم والتي أرادوا استئصالها وإزالتها. البعض يذكر أمثلة عن محاولات لاستخدام التطور كتبرير للتفرقة العرقية. بأيّة حال، هذا الهجوم المستمر على التطور لا ينفع. فمن الواضح أنّ الناس الذين قد جرّبوا استغلال نظرية التطور لتبرير عمليات القتل، العنصرية، أو التطهير العرقي كانوا مخطئين. لكنّ رفض نظرية التطور فقط لأنّ مجموعة من الأشخاص السيئين في الماضي حاولوا استغلالها لتبرير الجرائم رفضٌ يقوم على أساس خاطئ وغير منطقي. وسيكون الأمر شبيهاً برفض الجاذبية فقط لأنّ أشخاصاً أشقياء وسيئون ألقوا حجارة فوق رؤوس الناس من على سطوح أبنيتهم. سيكون الأمر أشبه ما يكون بإدانة جميع الأديان فقط لأنّ بعضها كان يبرّر جرائمه. الطبيعة تعمل بطريقتها الخاصة، بالرغم من جميع الذين يزعمون أنّهم يتكلّمون باسمها. حتى إذا كان التطور بمثابة نداء تحشيد لكل شخص شرير على مرّ التاريخ، فإنّ ذلك لن يغير حقيقة أنّ النباتات، والحيوانات، والجراثيم تتطوّر.
بعض المؤمنون يروّجون لنظرة متطرّفة مفادها أن تعليم نظرية التطور في المدارس وتدريسها أمر بالغ الخطورة لأنّ ذلك يشجّع الأولاد على النظر إلى أنفسهم على أنّهم "حيوانات دنيا" ويمنحهم الإذن بالسرقة، الاغتصاب، والقتل. العديد من الناس عبّروا عن قلقهم هذا لي. والمفاجئ في الأمر أنّ هذا أمر شائع. فالمؤمنون يبدون قلقين جداً من أن تقوم نظرية التطور بتحويل البشر إلى همجيين. ليس هناك أي أساس لهذا الكلام طبعاً. فكّر فقط بالمؤيدين الأكثر حماسة في العالم من للعلماء التطوريين. حتماً إنهم لا يغتصبون ولا يقتلون بنفس المعدل الذي يرتكب فيه أعداء ومناوئو نظرية التطور هذه الفظاعات. أنا لا أمتلك البيانات والمعلومات اللازمة لدعم قولي هذا، لكني أراهن بحياتي على أنّ العلماء التطورين في مختلف أنحاء العالم هم _بمعدّل وسطي_ أكثر التزاماً بالقوانين من معظم الجماعات الأخرى في العالم.
هذه التهمة التي يوجّهها المؤمنون لنظرية التطور والتي تنصّ أنّ فهم النظرية واستيعابها يعني اللاأخلاق، الجريمة، أو الأناركية، هي تهمة باطلة. إنّ إدراك حقيقة أنّ هناك كمية هائلة من الأدلة الأحفورية والوراثية تظهر أنّ أشكال الحياة قد تغيّرت على مرّ ملايين السنين لا تعطي الضوء الأخضر لإلحاق الأذى والضرر بالناس. فالمؤمنون الذين يعتقدون أنّنا لا يمكن أن نكون أخلاقيين بدون النظرية التكوينية هم للأسف مضلّلون من خلال فكرة أنّنا بحاجة لأن يكون لدينا آلهة غاضبة فوقنا تهدّدنا بالصواعق ومستعدة لضربنا بها إذا ما أسأنا التصرف. البشر قادرون على السلوك الأخلاقي القائم على أسباب طبيعية لوحدها. فقد لاحظ العلماء أنّ القردة العليا تظهر أشكالاً مشاعر الشفقة والتعاطف والمشاركة في البرية. ألا يبدو ذلك كسلوك أخلاقي؟ إنّه يبدو كذلك بالنسبة إلي. هذه "الحيوانات المتدنية" تتشارك وتساعد بعضها البعض لأنّه أمر طبيعي بالنسبة لها أن تقوم به، لأنّها تعلّمت القيام بذلك، ولأنّ ذلك يخدم مصلحة الجماعة ويساعدها على البقاء والاستمرار. من غير المحتمل أن تظهر الشمبانزي ما قد يبدو أنّه سلوك أخلاقي لأنّها تؤمن بإله القردة. وإذا كان بإمكانها فعل ذلك، فبإمكاننا نحن أيضاً. في الحقيقة، الحيوانات في كافة أنحاء العالم تتصرّف بشكل أخلاقي كل يوم من دون الحاجة للآلهة. تذكّر عزيزي القارئ، هناك مئات الملايين من غير المؤمنين والملحدين موجودون اليوم يتمتّعون بأخلاق سليمة وجيدة، ويعيشون حياةً مسالمة، هادئة، وإيجابية.
إنّ الخوف من نظرية التطور وبغضها من قبل العديد من المؤمنين أمر مأساوي لأنّ قصّة التطور الإنساني وكافة أشكال الحياة على الأرض قصّة مثيرة، ملهمة، ومهمّة جداً لنا. فنحن لن نفهم أنفسنا بتاتاً أو العالم من حولنا من دون فهم [حقيقة] التطور. يثيرني كثيراً تصوّر خطّ الحياة الطويل الذي أوصلني إلى ما أنا عليه اليوم. ثمّ أشعر الانتشاء. طبعاً أنا لا أشعر بأني منحط أو من الحيوانات الدنيا لأني انحدرت من الإنسان الأسترالي بدلاً من مجيئي عن طريق نقلة سحرية. أنا واثق أيضاً أنّ قبولي بالتطور لن يدفعني إلى قتل أخي الإنسان لكي أتقدّم في الحياة وأكون الأصلح في الصراع من أجل البقاء.
في إحدى المرات أمضيت عدّة أسابيع بين الأجمات في شرقي إفريقيا. ولم يمضي يوم من دون أن أفكّر حول إمكانية أن يكون أحد أفراد الهومو إريكتوس أو الهومو إيرغاستر قد وقف على نفس البقعة التي أقف عليها. كنت أجلس القرفصاء وأتأمّل الأفق، استمع إلى الحشرات، وأحسّ بالريح، ربما كما كان يفعل أسلافي البعيدون قبل زمنٍ طويل جداً. حاولت تخيّل حياتهم القاسية والوعرة، استخدامهم البارع للنار والأدوات المصنوعة من الحجارة. لم أكن أشعر بالخجل، أو العار، أو الانحطاط، أو بأني لا أخلاقي. لقد شعرت بالفخر بالعلاقة التي تربطني بهؤلاء البشر اللطيفين الذين حققوا الكثير بالقليل الذي كانوا يمتلكونه. من المحزن أنّ أغلب الناس لا يفكّرون بمثل هذه الأمور لأنهم لا يعرفون سوى القليل عن التاريخ الإنساني.
التطور ليس بصعوبة وتعقيد نظرية الأوتار الفائقة أو حساب التفاضل. إنّه مفهوم بسيط نسبياً يمكن لأي شخص فهمه واستيعابه. التطور ببساطة يصف الطريقة التي تغيّرت فيها الحياة على مرّ الزمن. على عكس بروباغندا التكوينيين، نظرية التطور لا تقول أي شيء مباشر حول كيفية بدء الحياة، بل كيفية تغيّرها وتطوّرها. هذه التغيرات تحدث بشكل رئيسي بفضل (1) عملية التطفّر الوراثي Genetic Mutation و(2) الانتقاء الطبيعي Natural Selection. فالتطفّر الوراثي مجرّد عبارة مبهرجة للتغيرات المفاجئة التي تصيب الجينات. هذه الطفرات لا تعني شيئاً معظم الوقت. لكنّها في بعض الأحيان قد تكون سيئة وخطيرة. إنّها في بعض الأحيان تمنح الكائن الحي من حيوان ونبات تحسينات صغيرة تمنحها الأفضلية على الآخرين ضمن البيئة التي تسكنها. وعندما يحدث ذلك، تدخل عملية الانتقاء الطبيعي على الخط. فتلك الكائنات التي ورثت هذه الأفضلية من آبائها تكون هي الأصلح والأجدر بالبقاء، الازدهار، وأن تكون لها سلالة أكثر من تلك التي تفتقر لتلك الأفضلية. قد تكون تلك الأفضلية بأن تجعل الكائن أسرع، أو أطول، أو ذو أرجل أطول، أو أقصر، أصغر، أكبر، أي نوع منها طالما أنّها تمنحه الأفضلية داخل بيئته. في النهاية، وعلى مرّ عدّة أجيال، فالأفراد الذين يمتلكون هذه الأفضليات سيتفوّقون على باقي أقرانهم ويسودون. وعندما تحدث هذه العملية طوال ملايين السنين يصبح من السهل رؤية كيف يمكن للتغييرات التدريجية أن تضيف إلى النوع تكيفات جذرية.
والآن، أطرح السؤال التالي: كيف يمكن استيعاب وفهم هذه العملية أن يجعل من الإنسان لا أخلاقياً؟ كيف يمكن لأي إنسان عاقل وبكافة قدراته العقلية أن يرى في هذه العملية تبريراً لكافة المذابح والفظائع والتصفية العرقية التي ارتكبت على مرّ التاريخ؟ التطور ليس أمراً سيئاً. قد يكون سبيل الطبيعة القاسي والمؤلم والمعهود، لكنّه ليس صيغة لدمار الإنسان والقضاء عليه كما يزعم المضلّلون وعديمي النزاهة. إنّ تعليم الأولاد طريقة تطوّر الحياة على الأرض على مرّ الزمن لن يجعلهم يفقدون عقولهم ليتحوّلوا إلى مجرمين أكثر ممّا تفعله بهم عملية تلقينهم أنّ الأرض تدور حول الشمس.
التطور موضوع مثير وبالغ الأهمية. ومن المحزن أنّ هناك الكثير من المؤمنين الذين يرفضونه لأنّهم يفترضون بشكل خاطئ ومغلوط بأنّه موضوع معقّد ومن الصعب فهمه أو أنّه مجرّد كذبة. إنّهم يحرمون أنفسهم من أمر من المحتمل أن يحسّن تقديرهم لحياتهم الخاصة وللحياة بشكل عام. والأغرب من ذلك كله، أنّه ليس ضرورياً رفض التطور ليبقى الإنسان على إيمانه بالآلهة. فهناك العديد من المؤمنين ممّن لا يقبلون بكلا الأمرين فإمّا تصديق نظرية التطور أو الإيمان بالله. بالرغم من أنّ أغلب الزعماء الدينيون يقدّمون نظرية التطور بهذا الشكل، إلا أنّ هذه لنظرة ليست صحيحة. فهناك عدّة ملايين من المسيحيين، المسلمين، الهندوس، اليهود، وأتباع ديانات أخرى في مختلف أرجاء العالم يقبلون نظرية التطور وينظرون إليها على أنّها صحيحة. فهو يرون الأحافير والمستحاثات في المتاحف، يستمعون للتفسيرات المنطقية والمسؤولة من العلماء، وقادرون على قبول النظرية من دون أن يتخلّوا عن معتقداتهم وإيمانهم بآلهتهم. العالم فرانسيس كولينز، قائد مشروع الجينوم الإنساني، يؤمن أنّ يسوع إله حقيقي في الوقت الذي يقبل فيه بالتطور كنظرية حقيقية. طبعاً هو لا يملك خياراً آخر سوى القبول بالتطور وذلك لأنّ عمله لن يكون له أي معنى إذا قام برفضها. تمكّن كولنز من لوي معتقداته ولفها حول نظرية التطور لكي تتوافق مع الحقيقة الواضحة التي بانت أمامه. مؤمنون آخرون وصلوا إلى نفس الموقف الذي وصل إليه كولينز. فهو والعديد غيره أثبتوا أنّ بإمكان الإنسان أن يؤمن بالله من دون أن يتّخذ موقفاً عبثياً عنيداً من مسألة تطور الحياة. يجب ألا يسمح المؤمنون لأنفسهم بأن يضلّلوا من قبل الآخرين بالتفكير بأنهم يجب أن يختاروا بين التطور والإيمان بالله. يمكنك أن تمتلك كلا الأمرين، كما فعل العديد من الناس.
***********************
مراجع الفصل السابع
Mayr, Ernst. What Evolution Is. New York: Basic Books, 2001. Outstanding book on evolution by a great scientist.
Zimmer, Carl. Evolution: The Triumph of an Idea. New York: HarperCollins, 2001
هذا الكتاب هو القراءة الأفضل لكل من لديه أي شكوك بشأن التطور أو يريد فهمها أكثر. ويتضمّن الكتاب فصلاً بعنوان "ماذا عن الله؟" والذي يتناول فيه الكاتب الجدال الدائر بين التكوينيين والتطوريين.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمسون وهماً للإيمان بالله [6]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [5]
- الفرق ما بين الثرى والثريا (الإمّعات والآلهة)
- خمسون وهماً للإيمان بالله [4]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [3]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [2]
- خمسون وهماً للإيمان بالله [1]
- الله والعلم (2/2)
- الله والعلم (1/2)
- الله والإلحاد
- اختلافات التجربة الإلحادية: بول كليتيور
- الإله: الفرضية الخاطئة
- فيروس الإله [4]
- فيروس الإله [3]
- فيروس الإله [2]
- فيروس الإله: مقدمة
- فيروس الإله [1]
- القرآن في الإسلام (بحث في معصومية القرآن وموثوقيته)
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 3 ترجمة: إبراهيم جركس
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 2


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - خمسون وهماً للإيمان بالله [7]