أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - فصل من رواية-برد الصيف-















المزيد.....



فصل من رواية-برد الصيف-


جميل السلحوت
روائي

(Jamil Salhut)


الحوار المتمدن-العدد: 3889 - 2012 / 10 / 23 - 14:59
المحور: الادب والفن
    


فصل من رواية"برد الصيف" التي ستصدر في القدس في الأيام القليلة القادمة

في أول حزيران وبينما كان أبو سالم عائدا من صلاة العشاء في المسجد، رأى خليل الأكتع خارجا من بيت الأستاذ داود، وفي يده رزمة أوراق ملفوفة، تحاشاه خليل ولم يطرح عليه التحية، بل سار في طريق أخرى لا توصله الى بيته، انتبه أبو سالم لذلك....و(لعب الفار في عبّه) حكّ أنفه وكأنه يستعيد وعيه، تساءل بينه وبين نفسه عمّا يريده هذا الفتى؟ هل هو غرور الشباب المبكر؟ أم هو يتعالى على الآخرين؟ لا...لا يمكن ذلك فهو لا يترك مناسبة في القرية إلّا يشارك فيها، بغضّ النظر إن كانت فرحا أم ترحا...لكنه يتعالى عليّ أنا، فهل هو متأثر بأحاديث الكبار...أعلم أنهم لا يذكرونني بالخير، لكنّهم (عندما تناطح العين العين) يرحبّون بي، ويجالسونني، بل ويتملقونني، وهذا الفتى يبدو أنّه مخلوق من طينة أخرى، يختلف عن أقرانه الآخرين، فالآخرون عندما يرونني يطأطئون رؤوسهم احتراما وهم يطرحون التحيّة عليّ، بل ويصافحونني باحترام شديد، إلّا هذا الأكتع فإنه يتخذ منّي موقفا معاديا، فهل يرى نفسه أفضل من الآخرين خصوصا بعد سفره الى بلاد الانجليز، فقد عاد إلينا بيد اصطناعية، وبملابس جديدة فاخرة، ومن يومها ظهرت النّعمة على والده وأسرته، وهو يجالس الكبار والصغار، بمن فيهم الأساتذة، وأصبح الناس يطلقون عليه لقب أستاذ، مع أنّه ليس أستاذا...صحيح أنّه أكمل المدرسة، وصحيح أنّني سمعت أنّه يدرس في كليّة بير زيت، لكنّه لم يكن يوما أستاذا ولم يُعلّم تلميذا....فليذهب الى الجحيم.
وصل أبو سالم بيته....طلب من زوجته أن تنقل فراشه الى "البرندة"المكشوفة التي هي سطح السكنة التحتية التي يسكنها ابنه سالم...أسند ظهره الى الحائط القصير المكوَّن من مدماكين، احتسى كأس شاي....وشعر أنّ النوم يهرب من عينيه....في حوالي منتصف الليل انتبه الى حركة في الطريق التي تبعد عن بيته عدّة أمتار...رفع رأسه ونظر...الجوّ صاف والقمر بدر...والحرارة فوق معدّلها العام...رأى "خليل"بصحبة شاب آخر لم يتبيّن ملامحه، كلّ واحد منهما يسير على رصيف...يمشي عشرة أمتار وينحني الى الأرض...يضع شيئا ويمشي...بعد أن ابتعدا بضع مئات من الأمتار...نزل الى الطريق يستطلع ما كانا يضعانه على الأرض...وجد أوراقا كل واحدة منها مثبتة بحصاة فوقها...أخذ اثنتين منها وعاد الى فراشه...لم يستطع قراءة المكتوب فيها...طواها في جيبه...وقال:(في الصباح رباح) لكن هذه الأوراق لا تبشر خيرا...وبالتأكيد هي من الرّزمة التي خرج بها خليل من بيت الأستاذ داود، وربما تكون منشورات ضدّ الدولة...سآخذها غدا الى الكابتن نمرود...وسيرى أن عينيّ أبي سالم ساهرتان لا تنامان...
بعد منتصف الليلة القادمة كانت سيارات المخابرات وحرس الحدود تحيط ببيت الأستاذ داود، الجنود يتمركزون حول البيت شاهرين أسلحتهم...كشافات الإضاءة تخترق النوافذ، جنود يضربون باب البيت بكعاب بنادقهم وهم يصرخون طالبين فتح الباب بسرعة، وما أن فتح الأستاذ الباب حتى اندفعوا بقوّة فيه... قيّدوا يديه خلف ظهره...انتشروا في الغرف يفتشون كلّ شيء، طوّحوا بالملابس من الخزانة، وفي المطبخ خلطوا الطين بالسكر والعدس والملح....كانت زوجته وبناته يرتعدن خوفا...فقال رجل المخابرات لزوجة الأستاذ ساخرا:-
لماذا ترتعدون أنت وأطفالك؟ ألهذا الحدّ طقس هذا الصيف بارد؟
كانت درجة الحرارة 28 درجة مئوية.....ابتلعت غيظها وإهانتها ولم ترد...بعدها قال:-
نريد الأستاذ ساعة من الزمن لاستيضاح بعض الأمور....وعندما خرجوا من البيت عصبوا عينيه، وألقوا به في سيارة حرس الحدود الذين انهالوا عليه ضربا بقبضات أيديهم وبكعاب بنادقهم، وركلا بأقدامهم....واتجهوا الى بيت الأستاذ خليل....
اقتحموا البيت بالوحشية ذاتها، وعندما تبيّنوا شخصية خليل احتاروا في كيفية تقييده...فهو بيد واحدة...فقيّده ضابط حرس الحدود بيد أحد جنوده...فتشوا البيت ولم يعثروا على شيء...حملوا معهم بعض كتب لم يفهموا محتواها...وعندما سألهم أبو كامل والد خليل عمّ يريدون من خليل؟ أجابه رجل المخابرات:-
نريده نصف ساعة لاستيضاح بعض الأمور.
في الخارج فكّوا قيد الجندي المقيّد مع خليل وربطوا "الكلبشات" بجدار سيارة حرس الحدود، عصبوا عينيّ خليل وانهالوا على مختلف أعضاء جسده ضربا ولكما.
وفي مقر التحقيق وضعوا الأستاذ خليل والأستاذ داود-بعد أن فكّوا قيديهما في زنزانتين-...كلّ واحد منهما في زنزانة تشبه القبر...لا نوافذ لها...مضاءة بلامبات صفراء قوية...جدرانها مدهونة باللون الأصفر...فيها دلوان بلاستيكيان...واحد لمياه الشرب وآخر لقضاء الحاجة...وفيها بطانية قذرة...رائحة العفونة تملأ المكان...لم يتكلموا معهما أيّ شيء...ولم يسألوهما عن أيّ شيء...خليل لا يعلم بأن الأستاذ داود معتقل، بينما الأستاذ داود قدّر – لأنه كان معصوب العينين- بأن الدورية قد انطلقت من بيته بعد اعتقاله الى بيت خليل....افترش كلّ واحد منهما البطانية…تحسسّ جسده وتفقّد مواضع الضربات التي تلقاها...ودارت في رأسه مئات الأسئلة حول التهمة التي ستوجه له...وشرع يرتب في رأسه الإجابات على كلّ سؤال....لم يعرف النوم طريقا لعيونهما...ومع ذلك كانا يسمعان صرير مفاتيح حديدية كلّ بضع دقائق...وضربات قوية على باب الزنزانة..حتى يُخيّل للواحد منهما أنّهم سيفتحون باب زنزانته لأخذه للتحقيق...أرّقهم أصوات رجال ونساء يصرخون ألما تحت تعذيب شديد...وصوت جلّاديهم يعلو بلا رحمة مرددا بلهجة آمرة ولئيمة:- إن لم تعترف فستبقى تحت التعذيب حتى تموت ببطء...يشتمون الأعراض...ويشتمون الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم-....أصوات لا تنقطع ولا تتوقف...لكنّها تضع سامعها في حالة نفسيّة سيئة...فالإنسان يبقى إنسانا في كل الأحوال والظروف....فما بالك إذا كان مستهدفا...وسيقف في نفس الموقف الذي يسمعه الآن سياطا تجلده...استمرارية هذه الأصوات أكّدت للأستاذ داود أنّها اسطوانات مسجّلة القصد منها تدمير نفسية المعتقل قبل التحقيق معه، ليقف أمام المحقق منهارا...بينما خليل لم تخطر له فكرة التسجيل...فانطوى على نفسه يتألم، ويسأل الله أن ينقذه من هذه الأوضاع...صحيح أن الأستاذ داود لم يكن مرتاحا...لكن وضعه النفسي كان أفضل من حالة خليل...لم يغمض أيّ منهما جفنا.
في ساعات الصباح فُتحت نافذة صغيرة بباب كل واحدة من زنزانتيهما...قذف شرطي لكلّ واحد منهما قطعة خبز، وقطعة جبنة صفراء مغلفة، وبيضة مسلوقة...قذفها بشراسة مصحوبة بسيل من الشتائم البذيئة...أغلق النافذة وانصرف....أكل الأستاذ داود ما قُدّم له من طعام، وفي ذهنه أن ذلك سيساعده على الصمود...بينما خليل لم يستطع أن يأكل شيئا...حاول أن يأكل قطعة خبز صغيرة لكنه لم يستطع ابتلاعها...أصوات من يتألمون من التعذيب لم تنقطع...أمضيا يومهم وليلتهم في الزنزانة دون أن يسألهم أحد شيئا...في صباح اليوم الثالث أحضروهما للتحقيق...
جلس الأستاذ داود أمام محقق شاب في أواخر العشرينات من عمره...كان يقلب أوراقا في ملفّ أمامه...بينما يقف خلف داود ثلاثة شبان طويلي القامة، مفتولي العضلات...ينتظرون أوامر المحقق بالانقضاض عليه.
ارتعد جسد الأستاذ داود وارتجف ...لاحظ المحقق ذلك فسأل ساخرا:-
لماذا ترتجف؟ جوّ هذا الصيف بارد، ودرجة الحرارة هذا اليوم فوق معدلها بأربع درجات...إنها 32 درجة مئوية....شعر الأستاذ داود بقوة داخلية في جسده لم يعهدها من قبل...خصوصا بعد أن أمسك أحدهم بكتفيه ضاغطا بقوة كبيرة...استجمع قواه الجسديّة والنفسيّة ولم يعد يرتجف...فقد تبخرت هيبة المحقق من عقله...قال له المحقق:-
سأعرفك على نفسي...اسمي أبو سامح...اسمعني جيدا...نحن نعرف قصّة حياتك منذ ولدتك أمّك حتى هذه اللحظة...ونعرف نشاطاتك الحزبية من يومها الأوّل حتى يومنا هذا...ونعرف مع من كنت تجتمع...وأين طبعتم المنشورات المناوئة لنا...ونعرف المهام الحزبية لكلّ واحد منكم...ولا نريد أن نتعبك أو نتعب أنفسنا معك، ولا نريد أن نستعمل القوّة معك...فأرحنا واسترح...هذه هي الأوراق...وهذا قلم...سأطلب لك الآن فنجان قهوة وكأس ماء وزجاجة عصير...وسأتركك وحدك...نريد منك أن تكتب لنا سيرتك الذاتية منذ ولدت وحتى الآن...ونريد منك أن تكتب لنا عن علاقتك بخليل الأكتع منذ تعرفت عليه حتى المنشور الذي أعطيته إياه لتوزيعه في شوارع وطرقات البلدة...فهو قد اعترف لنا بكلّ شيء، وإذا كنت جائعا سأحضر لك الآن طعاما...فكّر بهدوء واكتب...واعلم أننا لا نحب استعمال القوّة مع أحد إلّا إذا هو أجبرنا على ذلك...وبالتأكيد فإنك تعلم بأن أمن الدولة مقدس...ولم ولن نسمح لأحد بأن يمسّه.
حاول الأستاذ داود أن يتكلم لكنه منعه من ذلك...وقال له:-
أنا خارج الآن وكلّي أمل بأنك ستكتب لنا ما طلبته منك بصدق، ولن تستطيع الكذب علينا....فلدينا المعلومات كلّها...باي...قالها واستدار ليخرج....فالتقى بأحدهم وقد أحضر فنجاني قهوة...فطلب منه قائلا:-
ضع واحدا للأستاذ وخذ واحدا لي في المكتب الآخر...والتفت الى الأستاذ داود وقال:- آسف...لقد نسيت أن أعطيك علبة سجائر...هذه علبة سجائر Kent من نفس السجائر التي تدخنها...ومعها علبة كبريت...قالها وخرج...أغلق الباب خلفه...شرع يراقب الأستاذ داود من المكتب الآخر...فكاميرات التصوير الخفيّة تنقل كل حركة من حركاته.
تلفت الأستاذ داود ناظرا الى كلّ أرجاء الغرفة...لم يشاهد شيئا غريبا...غرفة فارغة...لا شيء فيها سوى طاولة وكرسيين...كرسي أمامها كان المحقق يجلس عليه...وكرسي يجلس عليه الأستاذ داود.
لم يحتسِ الأستاذ داود القهوة، فقد خاف أن يكون فيها شيء ما قد يفقده وعيه، أو يخفف من قوته في إدراك الأمور...التقط علبة السجائر...أشعل سيجارة...والأفكار تتزاحم في رأسه...لكنه قرّر أن لا يكتب شيئا.
أشعل سيجارة أخرى...المحقق يراقبه من خلال البث المباشر لكاميرات التصوير...يراقب انفعالته التي ترتسم قلقا على قسمات وجهه...قرّر أن يُدخل مفتولي العضلات الى الغرفة في حركة استعراضية أمام الأستاذ داود...دخل ثلاثة منهم بطريقة استفزازية...لم يتكلموا شيئا...كانوا فقط ينظرون بعيون غاضبة الى الأستاذ داود....يتنافخون حقدا وكراهية...واحد منهم ضرب الطاولة بقبضة يده ضربة قوية كادت تكسرها....أمسك الثاني علبة السجائر ومزقها بأسنانه...مضغها بطريقة كريهة....ثمّ لفظها أرضا...أوجس الأستاذ منهم خيفة...لكنّه تظاهر بالثبات...فليس أمامه خيارات أخرى....بينما كان الثالث يدور حول الأستاذ كوحش يدور حول فريسته....استمروا في حركاتهم هذه حوالي ربع ساعة، ثم خرجوا غاضبين، والمحقق يراقب انفعالات الأستاذ.
بعد حوالي ساعة دخل المحقق المكتب حيث يجلس الأستاذ داود...جلس على الطاولة...سأل:- أين ما كتبته؟
- لم أكتب شيئا.
- لماذا؟
- ولماذا أكتب؟
- يبدو أنك لا تقدر مدى خطورة عنادك....لا بأس...سأسألك أنا وأنت تجيب...وأنا سأكتب إجاباتك.
- متى وُلدت؟
لا جواب
- أين درست؟
لا جواب.
- هل أنت أخرس؟
لا جواب.
تظاهر المحقق بالغضب وقال:-
أنت الآن أمام أبي سامح....وبالتأكيد فإنك تعلم بأن هذا ليس اسمي الحقيقي...ولكنهم لقبّوني بأبي سامح لأنني أتسامح مع الآخرين مهما كانوا قذرين....وإن خرجتُ من هنا فلن ترى وجهي مرّة أخرى....سترى آخرين لا يعرفون معنى التسامح...سترى أشخاصا فقدوا أعزاء عليهم على أيدي مخربين أمثالك....قلوبهم ملأى بالحقد والثأر....وعندها لا أحد غير الله يعلم ماذا سيحلّ بك...فأنصحك بالإجابة على أسئلتي وإلّا فـ (ذنبك على جنبك) ولا تنسَ أنّني يهودي من أصل فلسطيني....ولدت كما وُلد آبائي وأجدادي على هذه الأرض...وأنا أتعاطف مع الفلسطينيين كونني عشت بينهم...لكن عندما تصل الأمور الى تهديد أمن الدولة والمواطنين...فلا مكان للتسامح ولا للمتسامحين...أنصحك مرة أخرى بأن تجيب على الأسئلة كلها...والآن.. من هم أصدقاؤك؟
تنحنح الأستاذ داود وقال: قلت لي سابقا بأنّكم تعرفون كلّ شيء عني...فما دمتم تعرفون فلماذا تسأل؟
أسأل لأنني أريد أن أسمع منك مباشرة.
- وأنا لن أجيب على أيّ سؤال من أسئلتك.
ضحك المحقق ضحكة صفراوية وقال ساخرا:-
لا تتظاهر بالبطولة...فقد سبقك آخرون أقوى منك...وادّعوا البطولة...وعندما أحسّوا بأن الأمر جدّيّ انقلبوا الى أرانب ضعيفة خلال دقائق...فلا تكن مثلهم.
سكت الأستاذ داود ولم يتكلم شيئا....غضب المحقق وعلا صوته صارخا:-
قل لي لماذا لا تجيب؟ أعطني سببا منطقيا.
- إن كنت تعرف المنطق فاعلم أنني لن أجيب على أسئلتك لأنني أتعامل معكم كدولة محتلة....ولا سيادة لكم عليّ وعلى شعبي وعلى وطني...وما عليكم إلّا الرّحيل عن أرضنا.
ابتسم المحقق وقال ساخرا:- فصيح...أكيد إنّك فصيح...فالعالم جميعه يعلم أننا انتصرنا في حرب الأيام الستة قبل سنة...وأننا حرّرنا أرضنا التي كان العرب يحتلونها...والعالم كلّه لن يستطيع زحزحتنا من شبر فيها.
- لكنكم اعترفتم بقرارات مجلس الأمن الدولي...ومنها قرار 242 الذي ينص على انسحابكم من الأراضي التي احتللتموها.
- مشكلتكم أنتم العرب أنكم لا تفهمون ما تقرأون...حسب قرار 242 لن ننسحب من شبر واحد من أرض اسرائيل...وأنا هنا لست صاحب قرار سياسي....ولا أحبّ النقاشات السياسية...مطلوب منّي أن أحقق معك...وأن أنتزع اعترافات منك..فإن تجاوبت معي فهذا لمصلحتك، وإن لم تستجب فهناك من يعرفون كيف يجبرونك على الاستجابة وأنت صاغر...أمّا أنا فقد عاهدت نفسي أن لا أمارس العنف مع أحد مهما كانت جنايته...فماذا تقول؟
- ما أردتُ قولَه قلتُه...ولا شيء آخر عندي.
يبدو أن عقلك لا يسعفك...أنا سأرفع يدي عنك وسأترك الأمر لغيري.
خرج المحقق من الغرفة...وبعد دقائق دخل شرطي...قيّد يدي الأستاذ داود خلفه...واقتاده الى الزنزانة....فكّ قيده ودفعه فيها...استلقى الأستاذ على البطانية القذرة...وقد أنهكه التفكير....كان قلقا على خليل...لكنّ ثقته به لم تتزعزع.
في ساعات الصباح الأولى فتح شرطي باب الزنزانة...طرح تحية الصباح...قيّد يدي الأستاذ الى الخلف...عصب عينيه واقتاده بأدب...ألقاه في سيارة فيها آخرون...سارت السيارة حوالي نصف ساعة...فكّوا قيود من فيها، كانوا ستة أشخاص وقرأ ضابط عليهم قرارا من وزير الدفاع يقضي بإبعادهم الى الأردن...كانوا على حافة جسر اللنبي الغربية...أشار اليهم ضابط بالتوجه شرقا بينما كان عدد من الجنود يصوبون أسلحتهم باتجاههم...مصوّر التلفاز الإسارئيلي يصوّر اللحظات الأخيرة...التفت الأستاذ داود الى الضابط وقال:-
سنعود رغما عن أنوفكم والأيام بيننا.
كانت الصدمة كبيرة على المبعدين، فأن تترك زوجتك وأبناءك ووالديك وذويك، وملاعب الصّبا في الوطن، وتجد نفسك في أرض أخرى لا تملك إلّا ملابسك التي ترتديها أمر ليس هيّنا على المرء، ويصعب تقبله، كما كانت كبيرة على زوجاتهم وأطفالهم ووالديهم وذويهم.
في الضفة الشرقية من النهر، استقبلهم موقع عسكري أردني...قدموا لهم القهوة والشاي...وطعام الفطور....لم تكن لهم شهيّة لتناول الطعام ...احتسوا القهوة والشاي، وأقلتهم سيارة عسكرية إلى عمّان، حيث استقبلهم وزير الداخلية، وعقد بصحبتهم مؤتمرا صحفيا استنكر فيه عمليات الإبعاد، واعتبرها مخالفة واضحة للوائح حقوق الإنسان، ولاتفاقات جنيف الرابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت احتلال عسكري، كما أنها مخالفة للقانون الدولي. وردّا على سؤال لأحد الصحفيين حول تعرضهم للتعذيب، أجاب الأستاذ داود:-
تعرضنا للضرب أثناء اعتقالنا من بيوتنا وحتى وصولنا لمركز التحقيق، وهناك وضعونا في زنزانة نتنة كريهة الرائحة، ولم نتعرض لتعذيب جسدي بل الى تعذيب نفسي، وتهديدات بالتعذيب والتصفية، وهذا لا يعني أنهم لا يعذبون، لكن يبدو أن قرار إبعادنا كان جاهزا...ونفّذوه قبل الخامس من حزيران ومرور عام على وقوعنا تحت الاحتلال بيوم واحد، وهم يخافون من حملات إعلامية مضادّة إن كانت علامات تعذيب على أجسامنا ظاهرة للعيان.
نشرت محطات الإذاعة المختلفة خبر الابعاد...فهرع الأهالي الى بيوت المبعدين...ليعلنوا تضامنهم مع أسرهم، وكان أبو سالم أول من وصل الى بيت الأستاذ داود، وفي اليوم التالي في 5 حزيران عمّ الاضراب العام كافة المناطق المحتلة، كما اندلعت مظاهرات في مختلف المدن والمخيمات...قمعها جيش الاحتلال بالهراوات وبالغاز المسيل للدموع، واعتقل مئات الأشخاص.
****************************
في صباح اليوم الثالث لاعتقاله، اقتادوا "خليل" للتحقيق، عندما فتح الشرطي باب الزنزانة شعر خليل وكأن نسيم الصباح يضحك له، كما شعر بالهواء الكريه يندفع خارجا، كان الجوّ حارقا في الخارج، بينما كانت الزنزانة خانقة، عبّأ رئتيه بالهواء النقيّ من خلال الشهيق المتواصل بشكل عفوي....فجسمه بحاجة الى الأكسجين...أدخلوه غرفة ينتظره فيها محقق...يبدو في الأربعينات من عمره...ربع القامة....أشقر البشرة....عيناه زرقاوتان....الشيب يتسلل الى صدغيه، ويضع نظارات طبية. طلب من خليل أن يجلس على الكرسي قبالته، تصفح ملفا أمامه وقال اسمي أبو تامر وسأل:-
ما اسمك؟
- خليل منصور.
- تاريخ ميلادك؟
- 8 نيسان 1949.
- ماذا تعمل؟
- أنا لا أزال طالبا...أدرس سنة أولى في كلية بير زيت.
- لماذا يدك مقطوعة؟
- وما شأنك بيدي؟
- عليك أن تجيب لا أن تسأل...هل تفهم؟ لماذا يدك مقطوعة؟
- وقغت عليها وأنا في الخامسة من عمري، وتضاعفت حالتي حتى قطعت يدي.
- منذ حرب الأيام الستة وحتى الآن...ماذا عملت خلال هذا العام؟
- قلت لك بأنني طالب في كلية بير زيت.
- من هم أصدقاؤك؟
- لا أصدقاء لي.
- وهل يُعقل ذلك؟
- ولماذا لا يعقل؟
- قلت لك أجب ولا تسأل.
- من هم أصدقاؤك؟
- لي صديقة انجليزية اسمها ستيفاني.
ابتسم المحقق وقال:- أعلم ذلك...أنا أسألك عن صديقاتك وأصدقائك العرب؟
- أمّي وأبي.
- وغيرهما....من هم أصدقاؤك؟
- قلت لك أمّي وأبي.
- لا تتظاهر بالغباء....لك أصدقاء آخرون ...من هم؟
- هذا غير صحيح.
- ما علاقتك بالأساتذة داود وفؤاد ومحمد؟
- أبناء قريتي.
- أعلم أنهم أبناء قريتك...وأسألك عن علاقتك بهم؟
- لا يوجد لي علاقة بهم.
- لماذا كنت في بيت الأستاذ داود قبل ثلاثة أيام؟
- لم أكن في بيته.
- أنت تكذب...كنتَ في بيته...وخرجت برزمة منشورات تحريضية، قمت بتوزيعها في شوارع وطرقات البلدة....وقد اعترف الأستاذ داود بذلك كما اعترف زميلك الذي كان معك.
- هذا غير صحيح.
أخرج المحقق منشورا من الملف ودفعه الى خليل قائلا:- هذا هو المنشور الذي وزعتموه...انظر اليه وتأكد أنّه هو.
لم يلمس خليل المنشور وبقي صامتا....دخل شابّان مفتولي العضلات، واحد منهما يحمل عصا لبّاديّة سميكة، والثاني يحمل سلكا كهربائيا مغطى بالبلاستيك ...طوله حوالي متر وسمكه سنتمتر واحد. ووقفا خلف خليل...لم يتكلما شيئا....فقال المحقق لخليل:-
أنصحك بأن تتكلم صدقا وإلّا......لم يتحرك خليل من مكانه، ولم يقل شيئا...فعاد المحقق وسأل من جديد:- من هم أصدقاؤك؟
- قلت لك لا أصدقاء لي غير أمّي وأبي.
- وأنا قلت لك إن لم تجب بصدق فستتحمل عواقب كذبك....على كل زوجتي في المستشفى...ولا وقت لديّ...أريد زيارتها للاطمئنان عليها...وخرج..
ما أن خرج المحقق من الغرفة حتى انهال الشابان على خليل ضربا، ضرباه بأيديهما وركلاه بأرجلهما، وعندما سقط أرضا ضرباه بالعصا اللباديّة وبالسلك الكهربائي...خليل يتلوى ويصرخ ألما...وكلما ازداد صراخه...كلما ازداد الضرب عنفا، وازدادا ضحكا وقهقهة....كانا يضربان دون أن يسألا شيئا...فقط يضربان من أجل الضرب....لم يعرف خليل كم مضى من الوقت عليه وهما يضربانه،...لكنه صحا عليهما وهما يسكبان ماء باردا على وجهه لإعادته الى وعيه بعد أن سقط مغمى عليه...عاد الى وعيه منهكا...لا يقوى على الحراك...واذا بالمحقق أبي تامر الذي كان يراقب من غرفة مجاورة، حيث كانت الكاميرات تنقل له ما يجري على شاشة تلفزيونية، يدخل الغرفة...رأى خليلا ممددا متورم الوجه فصاح بهما:-
ماذا تفعلان بهذا الأكتع المسكين؟ من أمركما بضربه؟ أنا لا أسمح بهذا، وسأحاسبكما على عملكما الشنيع هذا...انصرفا من هنا أيها المجرمان....انحنى فوق خليل...أمسك بيده...حاول مساعدته على النهوض، فنهض خليل متثاقلا...كانت دقات قلبه متسارعة...ويلهث بطريقة مقلقة...أجلسه على الكرسي، وطلب له كأس ليمون، وكأس شاي وساندويتش....وقال:-
كان العرب أيام زمان(يشترون النصيحة بجمل) وأنا قدمت لك نصيحة مجانية، بأن تقول الصدق كي تعود الى بيتك معززا مكرما، لكنك رفضت...وحتى الآن لم تشاهد شيئا....ومن حسن حظك أنني عدت بسرعة، وإلّا فلا أحد غير الله يعلم ماذا كان سيحلّ بك...اشرب الليمون والشاي...وكل الساندويتش كي تتعافى.
نظر خليل اليه باحتقار...لم تنطل عليه حركاته، وتعجب من غروره...فهل يُعقل أن يصل به الغرور الى درجة استغباء من يحقق معهم...أم هو جنون القوّة؟ شرب خليل كأس الليمون فقد كان فمه جافا...شربه دفعة واحدة وهو يئن....لكنه رفض تناول الشاي والساندويتش.....لم يتوقف لهاث خليل، ولم يعد قادرا على الجلوس...فسقط من على الكرسي أرضا...تقيّأ وازداد أنينه...خرج المحقق من الغرفة...وطلب من شرطي أن يضع خليلا في زنزانة فيها تهوية، وأن يقدم له طعاما وماء...فوضعه الصحيّ مقلق، ولا نريده أن يموت عندنا.
تمدّد خليل على "البورش" وغفا مرغما...فقد أنهكه السهر والقلق في اليومين الماضيين، فزاده ما تعرض له من ضرب اعياء...نام نوما عميقا لم يعكر صفوه سوى الشيخ أبيض الملابس واللحية، فقد جاءه زائرا بعد غياب طويل...جلس أمامه مبتسما وقال:-
"ما النصر إلّا صبر ساعة"قالها واختفى...وكان في ذلك شحنة قوية لدعم صمود خليل...في ساعات المساء جاءه شرطي...قدم له قطعة خبز وقليل من المربّى..لم يلمسها خليل...كان يئنّ ويرتعد جرّاء حرارة جسمه المرتفعة...أكثر من شرب الماء الذي كان يخرج من جسمه عرقا...قاده الشرطي الى مكاتب التحقيق...أوقفه أمام شاحط دَرَجٍ لا دَرَجَ عليه...دفعه من الخلف فتزحلق حتى نهاية الدَّرَجِ...لم يستطع النهوض، وبقي يئن مكانه...نظر حواليه فوجد نفسه في قاعة كبيرة...نورها خافت...جدرانها وسقفها بدون"قصارة"فيها نعجة معلقة بكلّاب من فكّيها السفليين...أمامها رجلان يحملان السكاكين والبلطات...أجسامهم ضخمة...ملابسهم قذرة....وعلى مقربة منهما طاولة عليها هيكل عظمي لإنسان...لم يتبين إن كان الهيكل العظمي والنعجة دُمى أم حقيقة...تقدم منه أحدهما...أمسك بيده وسحبه بقوّة دون كلام...فوجد نفسه يقف مرتعدا، تقدم منه الآخر شاهرا البلطة يريد أن يهوي بها على رأسه...وفجأة ظهر المحقق أبو تامر...وقف بينه وبينهما...وصاحب البلطة يحاول التقدم باتجاه رأس خليل، إلّا أن المحقق حال دون ذلك، ومع ذلك هوى بظهر البلطة على رأس خليل...فشجّ رأسه وسالت الدماء منه...أمسك المحقق بخليل وهرب به باتجاه بيت درج آخر وخرج به...وهو يسأل:-
من أتى بك الى هؤلاء؟ إنهم لا يعرفون إلّا القتل والسلخ...وأنت محظوظ لأنني جئتك في الوقت المناسب وأنقذتك من بين أيديهم....أخذه إلى غرفة التحقيق...ولاحظ لهاثة المتزايد وجسده المرتجف...فقال له:-
يبدو أن برد صيف هذا العام ثقيل جدا، أراك ترتجف...هل تريد تدفئة؟ ازداد أنين خليل...شعر بأسى شديد، وتذكر ما قاله له الشيخ ذو الملابس واللحية البيضاء فازداد عزيمة...لاحظ المحقق العرق المتصبب من جسد خليل...تقدّم منه ووضع يده على جبينه...فتأكد أنه يعاني من ارتفاع حرارة جسمه، وهذا سبب ارتجافه....واعتبرها فرصته كي يضغط عليه لانتزاع اعتراف منه...أحضر كأس ماء بارد وقدّمه لخليل...وقال:-
لا أريدك أن تموت يا خليل...ولا تغترّ بقدراتك...فأنت شاب ضعيف البنية ولا قدرة لك على الاحتمال...أنت بيد واحدة، وأخشى أن يكسروا يدك الأخرى، أو أن يقطعوها...وبعدها ماذا ستستفيد من فلسطين؟ أو ماذا ستستفيد فلسطين من شخص بلا يدين...أعلم أنك انسان مضلل...وأعلم أن هناك أشخاصا استغلّوك ليحققوا مكاسب شخصية على ظهرك، وهذا أمر لا يقبله عاقل مثلك...ساعدني حتى أساعدك...وأنا أعلم أنك انسان ذكيّ وتدرك الأمور جيدا...قل لي من أصدقاؤك؟ وعد الى بيتك الآن....هل هذا صعب عليك؟
لم يجبه خليل...ولم يعره انتباها....تركه المحقق وخرج من الغرفة...دخل عليه الشابان اللذان ضرباه في ساعات الصباح...أمسك واحد منهما بيده...وضع السلك الكهربائي بين أصابعه...وهوى الآخر بضربة قوية عليها...صرخ خليل من شدّة الألم...وشعر أن كل عقدة من أصابع يده قد انفلتت من مكانها...ولم يعد يسيطر على حركة أصابعه وكفّ يده...تركاه وانصرفا دون كلام...فجاء شرطي وأعاده الى زنزانة أخرى...فيها شخصان عربيان ملتحيان...وجدهما يصليّان ويدعوان الله بالفرج القريب...استقبلاه بترحاب زائد...تعاطفا معه...وأبديا حزنهما عليه...وعندما أراد أن يقضي حاجته لم يستطع حلّ بنطاله، فهو لم يعد قادرا على التحكم بأصابعه التي تؤلمه كثيرا...تقدم منه أحدهما وحلّ له البنطال وأدخله الى الحمّام، وهكذا فعل عندما انتهى...جلسا واحد عن يمينه، والثاني عن يساره فقال أحدهما:-
أهلا يا بطل...نحن فخورون بأمثالك الذين يصمدون أمام المحقق....وكي يطمئن ثوارنا وأهلك في الخارج، فإننا نطلب منك أن تزودنا بالمعلومات الكافية عنك..فإلى أيّ تنظيم تنتمي؟ ومن معك في التنظيم؟ ومن جنّدك في هذا التنظيم؟ وما هي الأعمال التي قمتم بها؟...نريد هذه المعلومات كي نهربها بطريقتنا الخاصة الى الخارج، كي يأخذوا احتياطاتهم.
نظر خليل إليهما ونهشته الوساوس حول أسئلتهما فقال بهدوء تام:-
- أنا لا أعرف شيئا ممّا تقولانه...فماذا تقصدون بالتنظيمات وغيرها؟
- نقصد هل أنت مع فتح أم مع الجبهة أم مع الحزب؟
- لا مع هذا ولا مع ذاك...أنا مع دراستي.
انتفض الآخر من مكانه يريد استفزاز خليل فقال:-
إذا أنت مدسوس على المناضلين...أنت جاسوس...أشفقنا عليك وساعدناك كي تدخل الحمام، ظنّا منّا بأنّك مناضل، وهذا ما تقابلنا به؟ يا للعجب.
ابتسم خليل رغم حرارة جسده المرتفعة....ولم يتكلم....فسأله أحدهما:-
هل تضحك علينا أيها الأكتع الجاسوس؟
لم يجب خليل....لكنه كان يغفو ويستيقظ تحت تأثير ارتفاع حرارته...فقال أحدهما لزميله:-
يبدو أنه مريض فعلا...اعطه حبتي دواء لتخفيف حرارته...وبعدها سيكون لنا معه شأن آخر إن لم يعترف لنا بكل شيء....تناول خليل حبتي الدواء ونام....استيقظ في ساعات الصباح على ضربات الشرطة على الباب....لقد جاء اثنان منهما لتعداد المعتقلين...وقف خليل وعاد الى فراشه بسرعة....فقال أحدهما للشرطيين:-
إنه مريض وعندما يتعافى سنحصل منه على المعلومات المطلوبة كلها...وإن لم يتجاوب معنا فسيندم على اليوم الذي ولدته أمّه فيه...كان خليل يتظاهر بالنّوم لكنه سمع كلّ شيء...فتيقن بأنهما جاسوسان يحاولان الايقاع به....تقدما منه...وضع أحدهما يده على جبينه يتحسّس حرارته...فوجدها قد انخفضت...وطلب منه أن يتناول افطاره كي يساعده على الصمود...أكل خليل وذهب لقضاء حاجته...ساعده أحدهما على حلّ البنطال...كما فتح له صنبور الماء كي يشرب...فعل ذلك وهو يشتم اليهود ويشتم الاحتلال...ويشتم اليوم الذي وقعنا فيه تحت الاحتلال...يشتم ويحوقل ليوهم خليل بأنه ضحية مثله، وأنه متعاطف معه.
عندما عاد خليل الى مكانه...قاما وتوضأ كلّ منهما، وأقام أحدهما الصلاة في حين وقف الثاني إماما...وقبل تكبيرة الاحرام التفت(الإمام) الى خليل وسأل:-
لماذا لا تقوم للصلاة يا أخي الكريم؟ إذا أردت سأساعدك على الوضوء.
فردّ خليل عليه:-
أنا لا أصلي...
فقال "الإمام":-هداك الله يا أخي ...فالصلاة عمود الدّين.
صلّيا وسبّحا ودعيا الله بأن يفرّج الكرب، وبأن ينصر الاسلام والمسلمين...ورفع أحدهما صوته داعيا:-
اللهم يا الله فرّج كرب أخينا خليل منصور...اللهم اشف يده الوحيدة يا الله، واكلأه بعين رعايتك...اللهم إننا نحمدك ونشكرك بأن سخرتنا لخدمته، لا نريد إلا رحمتك ورضاك يا ربّ العالمين....تمتم ومسح وجهه بيديه وهو يردّد: آمين...آمين يا رحمن يا رحيم....
وعلى "برشه" كان خليل يدعو الله في سرّه قائلا:- اللهم احمني من شرور هذين الخائنين...اللهم إنك تعلم أن (كلب الشيخ أوسخ من الشيخ).
جلسا بجانب خليل وقال كبيرهم:- اعطنا معلومات عنك وعن نضالاتك...كي نطمئن اخوتنا ورفاقنا في الخارج...وكي يتحققوا من أن موقفك مشرف.
فردّ عليهم بهدوء:- إن كانت لكما اتصالات مع الخارج، فأوصلا خبرا لوالدي بأنّني بخير...وأن لا شيء عندي...وما أنا معتقل إلّا لمجرّد شبهة غير صحيحة...وبعد أيام
سيطلقون سراحي ولا داعي للقلق عليّ.
فصاح به أحدهما:- ومن لا يقلق في أوضاع كهذه؟ هل أنت مجنون أم جاسوس؟
التفت اليه خليل ولم يجب، فازداد الرجل صراخا وأمسك بيد خليل، وأخذ يضغط على أصابع يده...صرخ خليل من شدّة الألم...تلوّى مكانه...وتحيّن الفرصة ورفع قدمه وضربه بها على وجهه بقوة، دافعا إياه الى الحائط المقابل...نزلت الدماء من أنفه...فعاد الى خليل وهجم عليه بشراسة...في حين أخذ الشخص الآخر دور العاقل، فأمسك بزميله وهو يردد:-
وحّد الله يا محمد...فصاحبنا مناضل طيّب...وليس جاسوسا كما تتوهم...وسيثبت لنا الآن أنه مناضل أكثر مني ومنك...والتفت الى خليل سائلا:-
أليس كذلك يا خليل؟....فلم يرد خليل. واذا بالشرطي يفتح الزنزانة ويقتاد خليلا وهو يتغامز مع الرجلين.
وجد خليل أمامه محققا جديدا...ما أن رأى خليلا حتى صاح به مستهزئا:-
هل أنت خليل الأكتع؟
نظر خليل اليه ولم يتكلم فصاح به:- لا وقت لديّ...ولا رحمة عندي لأحد...أريد إجابات صادقة على كلّ سؤال، واذا لم تجب فأنا لا أحبّ تعذيب الآخرين...رصاصة واحدة تكفي...وكلب آخر يذهب الى الجحيم...أخرج مسدسا ووضعه أمامه على الطاولة وسأل:-
من هم أصدقاؤك أيها الأكتع؟
ردّ خليل بهدوء:- أمّي وأبي.
صاح المحقق وهو يصفع وجه خليل بقوة:- يا ابن الشرمو............هل تستهزئ بي؟ أسألك من أصدقاؤك؟
لم يتكلم خليل.....فحمل المحقق المسدس وصوبه إلى جبين خليل وسأل:-
ماذا فعلت مساء الاثنين الماضي في بيت الاستاذ داود؟
- لم أكن في بيته.
لطمه بكعب المسدس على أمّ رأسه وهو يصرخ:- كيف لم تكن في بيته وهو من أخبرنا بذلك؟ كما أن صديقك الذي وزع المنشورات معك أخبرنا بذلك.
- قلت لك بأن هذا الكلام غير صحيح.
- هل أنت على استعداد لمواجهة الأستاذ داود وتكذيبه؟
- نعم أنا على استعداد.
- أنا خارج الآن لإحضاره....خرج من الغرفة وذهب الى غرفة مجاورة وأخذ يراقب حركات خليل....أسند خليل رأسه الى الحائط الذي على يمينه...أغمض عينيه وتظاهر بالنوم...لكنه غفا حقيقة، فقد كان مرهقا...وعندما تأكّد المحقق من ذلك طلب من شرطي أن يأخذه الى زنزانة صغيرة...ففعل.
بعد ساعات من مكوثه في الزنزانة...لم يستطع شرب الماء...ولم يستطع افراغ مثانته...فهو لا يتحكم بحركة أصابع يده التي تؤلمه كثيرا...اقترب من باب الزنزانة وأخذ يركل بابها بقدمه اليمنى ويصرخ بأعلى صوته....جاءه شرطي...فتح نافذة باب الزنزانة الصغيرة وصاح به:- اخرس...لماذا تصرخ وتضرب الباب؟
- أريد أن أفرغ مثانتي.
- ومن يمنعك من ذلك...افرغ مثانتك....قالها وأغلق النافذة وانصرف....فعاد خليل يضرب الباب ويصرخ من جديد...كان يتلوّى على نفسه محاولا حبس البول حتى يأتي من يساعده على حلّ بنطاله....تلوّى وتلوّى وتألم حتى نفذ صبره...وانطلق البول خارجا يبلل رجليه وبنطاله...وينساب على أرض الزنزانة كأفعى...ينساب على نفس المكان الذي يجلس خليل وينام عليه....بقي واقفا....سقطت الدّموع من عينيه ثأرا لكرامته المهدورة...لكنه شعر بأنّه انتصر، وقال في نفسه:(بيت الظالمين خراب) وهذه بلاد مقدسة(لا يُعمّر فيها ظالم).
لم يتناول طعام الغداء على رداءته ولا طعام العشاء...فقد كان خائفا من كيفية قضاء الحاجة...فارتأى أن لا خيار أمامه سوى الامتناع عن تناول الطعام.
في صباح اليوم التالي اصطحبه شرطي الى غرفة التحقيق..أبدى تقززه من رائحة خليل الكريهة..أخبره خليل بأنه يريد قضاء حاجته..فردّ عليه الشرطي:-
ومن يمنعك؟ ولماذا تطلب مني ذلك؟ ألم تشاهد الدلو المخصص لذلك في زنزانتك؟
فأجابه خليل بأنه لا يقوى على حلّ بنطاله....فصاح به الشرطي قائلا:-
وهل تحسبني baby sitter "مربية أطفال" أيها القذر؟
أدخله الشرطي الى غرفة التحقيق فصاح خليل بأنه يريد قضاء حاجته، وأنه لا يقوى على حلّ بنطاله...فطلب المحقق من الشرطي أن يعيده الى غرفة فيها"مخربون" كي يساعدوه على حلّ بنطاله...وأوصاه بأن ينتظره كي يعيده الى غرفة التحقيق دون أن يسمح له بالحديث مع أحد.
في غرفة التحقيق أخبره المحقق أن قاضي محكمة الصلح قرّر توقيفه أسبوعا آخر على ذمّة التحقيق...ولوّح له بقرار المحكمة...ووضعه في الملف...ثم قال:-
هل يعجبك يا خليل ما أنت فيه؟ هل تشمّ رائحتك النتنة؟ ألا تريد أن تريحنا وأن تستريح؟...أجب على الأسئلة وأنا أعدك بالافراج عنك فورا.
لماذا كنت في بيت الأستاذ داود قبل اعتقالك بيوم؟
- لم أكن في بيته؟
- بل كنت في بيته وهو من زوّدك بالمنشورات التحريضية.
- هذا غير صحيح.
- بل صحيح 100%.
- وأنا أقول لك بأنه كذب 200%.
دعنا من هذا الموضوع وأخبرني من هم أصدقاؤك في كلية بير زيت؟
- لا أصدقاء لي.
أيعقل أن تدرس عاما كاملا في كلية وأن لا تتخذ صديقا فيها؟
- قد يعيش المرء عمره دون أن يكون له صديق.
- من هم أقرب زملائك إليك؟
- جميع الطلبة.
- ما هي أسماؤهم؟
- سجل أسماء الطلبة جميعهم.
احتدّ المحقق وسأل:- أيّ المعلمين في الكلية قريب الى قلبك؟
- جميعهم.
- هل أفهم من كلامك أن لا أصدقاء لك سوى ستيفاني تلك الفتاة الانجليزية.
- نعم.
- ما مدى علاقتك بها؟
- هذه أمور خاصة لا تعني أحدا سواي.
- سأشيع في قريتك وأخبرهم بأنك داعر تمارس الدعارة مع فتاة انجليزية.
ردّ خليل دون مبالاة:- اذهب الآن وأخبرهم.
- هل تتحدّاني؟
- أنا لا أتحدى أحدا.
اسمعني جيدا قال المحقق...يبدو أنّك لا تفهم مصلحتك...إن لم تجبني بصدق فستبقى على هذا الحال الى أن تموت.
- لقد أجبتك بصدق.
- أنت تكذب في كلّ شيء...قالها وخرج من الغرفة...فدخل ثلاثة شباب مفتولي العضلات وانهالوا على خليل ضربا وركلا....ولم يصحُ على نفسه إلا وهو متكوّر على نفسه في زنزانة يئن من شدّة الألم.
تركوه في الزنزانة ووضعوا معه سجينا عربيا جنائيا اسمه فايز....اعتقلوه بعد أن ضبطوه متلبسا بسرقة محلّ تجاري في شارع يافا...أشفق السجين الجنائي على خليل وساعده في كلّ شيء...ساعده في تناول طعامه وشُربِ مائه...كما ساعده في حلّ بنطاله عند قضاء الحاجة....بل إنه بكى حزنا على حالة خليل....بقيا ثلاثة أيام دون أن يستدعي المحقق خليلا، لم ينغّص وجودهما سوى سماع أصوات رجال ونساء يبكون تحت التعذيب...وأصوات معذبيهم وهم يصرخون بهم طالبين منهم الاعتراف....فقال فايز لخليل:-
إنّ هذه الأصوات مسجلة على اسطوانة...رأيتهم يشغلونها عندما أوقفوني أمام مكتبهم لمدّة ساعتين قبل اسبوع...إنهم يريدون تحطيم المعتقلين الأمنيين نفسيا...فلا تسأل عنهم.
ابتسم خليل لفايز، وحزن عليه في سرّه كونه يلجأ الى السرقة والمخدرات....لكنه كان واثقا من صدقه فقال له:-
عندما تخرج أريدك أن تذهب الى أهلي في جبل المكبر، وأن تخبرهم بأنّني بخير، وقل لهم بأن يوكلوا لي محاميا- لم يكن يعلم بأنهم قد أوكلوا له محاميا منذ اليوم الثاني لاعتقاله، لكنهم لم يسمحوا لمحاميه بلقائه بحجة عدم انتهاء التحقيق-.
استدعوا خليلا للتحقيق...ولم يكن هناك جديد.... الأسئلة نفسها والأجوبة نفسها والتعذيب نفسه...لكنه أقلّ قسوة ...وبعد مرور سبعة عشر يوما أخرجوا "خليل" الى محكمة الصلح لتجديد توقيفه...وجد محاميته فليتسيا لانجر في انتظاره أمام قاعة المحكمة...لم يستطع مصافحتها لأنّ كفّ يده وأصابعها تؤلمه...شاهدت أصابعه متورمة، وأنه لا يستطيع تحريكها... وشاهدت آثار الضرب على وجهه وظهره وصدره وبطنه، فأبدت حزنها على ذلك وقالت له:-
لا تقل لهم شيئا غير ما قلت.
فقال لها:- لم أقل لهم شيئا.
فردّت عليه:- ممتاز...ستتحرر قريبا.
دخلا الى قاعة المحكمة فتكلم المدعي العام وقال:-
سيّدي القاضي هذا مخرب شرس، قام بأعمال تخريبية وأزهق أرواحا، وسيواجه عقوبة الصلب، وبما أنه لا يوجد في اسرائيل عقوبة الاعدام، فسيواجه السجن مدى الحياة...وأطالب بتمديد توقيفه خمسة عشر يوما حتى استكمال التحقيق معه.
وتكلمت محامية الدفاع بعد أن سمح لها القاضي فقالت:-
سيّدي القاضي...ما قاله زميلي المدعي العام ليس صحيحا، فلم توجه تهمة القتل لموكلي، وهو يتعرض لتعذيب قاس، انظر الى يده الوحيده...تقدمت الى خليل وأمسكت بيده من المرفق ورفعتها...كما رفعت قميصه ليرى القاضي جسمه...انني أطالب بالافراج عن موكلي تحت الكفالة، حتى يوم المحكمة إن كانت هناك تهمة...كما أطالب بعرضه على طبيب فورا وبوقف تعذيبه.
فرد المدعي العام قائلا:- هؤلاء المخربون هم من يعذبون بعضهم بعضا، لتظهر آثار التعذيب عليهم لتشويه ديموقراطيتنا التي يشهد بها العالم أجمع.
فصاحت به المحامية كي يتوقف عن هذه الأكاذيب....غير أن القاضي أنهى الجلسة بتوقيف خليل خمسة عشر يوما أخرى.
اقتادوه من قاعة المحكمة مقيدا الى غرفة التحقيق، شعر بنوع من الراحة بعد لقاء محاميته، سأله المحقق عمّن أوكل له المحامية لانجر؟ فأجابه:-
أبي.
- ومن أين يعرفها أبوك؟
- لا أعلم.
- هل تعرفها من قبل؟
- لا.
- وهل تعرف أنها يهودية شيوعية؟
- لا يهمني ذلك.
- هذه المحامية تهاجم الحكومة...ودفاعها عن موكليها يجلب لهم أحكاما عالية، ونحن على استعداد أن نوكل لك محاميا عربيا بدون مقابل إذا ألغيت وكالتك لهذه المحامية الشيوعية.
لم تنطل الخديعة على خليل، بل زادته اصرارا على التمسك بالمحامية لانجر، فرد على المحقق قائلا:-
سأبقى على المحامية التي اختارها أبي لي.
- لكن هذا ليس في مصلحتك.
- وأنا لا أستطيع مخالفة رأي أبي.
- ماذا قالت لك المحامية؟
- ما قالته مسجل في ملفات المحكمة.
- ألم تقل لك لا تعترف لهم بشيء؟
- لم تقل.
- الشرطي سمعها....على كلٍّ هي ضرّتك وستضرّ بك ولن تنفعك...فهي لا تعاني مثلك....ما علينا...ألا تريد أن تقول لنا الحقيقة؟
- قلت لكم الصدق...لكنكم ترفضون التصديق.
- أنت تكذب...ونحن نعرف أنك تكذب...ونعرف عنك كلّ شيء.
- إذا لماذا تسألونني ما دمتم تعرفون كلّ شيء؟
- نريد اعترافك الشخصي.
- ما أعرفه قلته لكم.
- لكنك لم تقل شيئا.
- بل قلت كلّ ما أعرفه.
- أأفهم من هذا أنك مُصرّ على أن تبقى على عنادك؟ وهذا سيكلفك ثمنا غاليا...وإذا ما تركتك الآن...فالله وحده من يعلم بالذي سيجري لك.
- أنا لست عنيدا لكنكم أنتم لا تصدقون.
صاح المحقق:- أنت أحمق...لا وقت لديّ كي أضيعه معك...أنا ذاهب لأعمالي ولا ردّك الله.
بقي خليل في غرفة التحقيق قلقا خائفا...تذكر والديه، واستذكر حنان والدته الجارف...فدمعت عيناه عندما تذكر دموع والدته التي تنهمر عندما يصيب أحد أبنائها أيّ سوء مهما كان بسيطا...وتمنى لو يستطيع أن يراها كي يطمئنها عليه...ودارت في ذاكرته لقاءاته باستيفاني صديقته الانجليزية....استذكر أيامه في المدرسة وكلية بير زيت، وفجأة دخل عليه ثلاثة رجال يتطاير الشرر من عيونهم، أحدهم يحمل حبلا، والثاني يحمل أسلاكا كهربائية، قاموا بتعرية خليل، لم يتركوا من ملابسه سوى سرواله الداخلي، أجلسوه على كرسي معدني، لفّوا الحبل على جسده، وثبتوه على الكرسي، أدخلوا الأسلاك في"ابريز"الكهرباء، ثبتوا في رأس الأسلاك الخارجي ما يشبه سماعة الطبيب التي يفحص بها المرضى...اقترب منه أحدهم وقال:-
أمامك دقيقة واحدة عليك أن تعترف خلالها بكل شيء، وإلّا سنصعقك بالتيار الكهربائي لتموت أو لتصاب بالجنون، وفي كلتا الحالتين سنرتاح منك، ونحن جادون بما نقول، وسأريك تجربة بسيطة لتتأكد من أننا جادون فيما قلته لك، أمسك بطرف السلك الكهربائي ولمس به ساق خليل اليمنى....انتفض خليل وصرخ من شدة الألم، فقد سرى التيار الكهربائي في جسده...تعالت ضحكاتهم الهستيرية القبيحة...تقدم أحدهم منه وقال:-
تكلم وإلّا سنواصل...لم يتكلم شيئا...تلوى ألما فانقلب به الكرسي، فتعالت ضحكاتهم من جديد، لم يتكلم شيئا.... رفعوه والكرسي لحالة الجلوس....دخل شخص نحيف طويل القامة كريه المنظر،، يرتدي مريولا أبيض، ويضع على رقبته سماعة طبيب، رحبّوا به، وقال أحدهم له بالعربية:-
لو سمحت يا دكتور حدّد لنا مكان قلب هذا المخرب حتى نصعقه بالكهرباء مرّة واحدة، ليموت ونرتاح منه ونريحه، فنحن لا نحب التعذيب.
تقدّم الرجل من خليل باسما، أخرج من جيبه قلما...وضع السماعة على صدر خليل من الجهة اليسرى، ثم رسم دائرة بالقلم وهو يقول:- القلب تحت هذه الدائرة تماما، ثم فعل نفس الشيء من الخلف على ظهر خليل، وقبل أن ينصرف قال:-
أنا كطبيب واجبي الانساني يحتم عليّ أن أحافظ على حياة البشر، وبهذا أستأذنكم بأن تعطوا هذا المسكين فرصة كي يعطيكم ما تريدونه منه حفاظا على حياته بدلا من أن تقتلوه، فمن حقه أن يعيش....وتقدم من خليل وقال:-
أنا أكفل بأن يطلقوا سراحك فورا إذا أجبت على أسئلتهم بصدق، وسأقدم لك العلاج اللازم، وسأوصلك بسيارتي الى بيتك.
لم يتكلم خليل شيئا، ورغم ألمه الشديد، فقد كان على قناعة تامة بأنه أمام تمثيلية تراجيدية، البطل الضحية فيها هو نفسه، وحديثهم بالعربية أكد له ذلك، وأن في انتظاره وجبة جديدة من التعذيب لا يعلم إلّا الله متى ستنتهي؟ وكيف؟ لكنه لا يزال مصرا بأن لا خيار أمامه سوى الصبر والصمود في هذه المحنة القاسية، ولتكن النتائج ما تكون، وما الحياة إلّا رحلة قصيرة نهايتها الموت.
تقدم منه الرجل الذي يزعم أنه طبيب وسأل:-
ماذا قلت يا فتى؟
لم أقل شيئا قال خليل بانكسار وضعف.
- أعلم أنك لم تقل شيئا...ولكنني أنصحك بأن تقول ما عندك كي تنقذ حياتك.
- لقد قلت ما عندي لكنكم لا تصدقون.
- أنت تكذب...وأنصحك مرّة أخرى بأن تقول الصدق قبل أن أخرج من هنا، فلم تعد لك خيارات...فأنت أمام طريقين قصيرين جدا، واحد يوصلك الى النجاة، والثاني الى الموت، فأيهما تختار؟
نظر اليه خليل نظرة ازدراء ولم يقل شيئا.....خرج الرجل متظاهرا بالغضب فتقدم أحدهم من خليل... عصب عينيه وهو يقول:-
لا أريدك أن ترى كيف ستموت فهذا حرام.
رغم آلام خليل الجسدية والنفسية إلّا أنه تساءل في سرّه إذا ما كان هؤلاء الوحوش البشرية يعرفون الحلال والحرام؟ أو أنهم حتى يعرفون الله!!!.ودعا الله بأن يخلصه من هذه الورطة اللعينة....وإذا بلسعة كهربائية سريعة في ساقه، فصرخ من شدّة الألم، فقد سرى التيار الكهربائي في جسده، وتعالت الضحكات الشامتة...وبينما خليل يئن ألما شعر بتيار كهربائي خفيف جراء لسعة كهربائية جديدة على صدره... فسأله أحدهم:- هل ستعترف أم تريدنا أن نواصل عملنا؟
لم يجبه خليل الذي ارتفع أنينه ألما....فصفعه أحدهم على وجهه وهو يسأل:-
ألا تسمع يا ابن الشر..م.....؟ ثم قال بالعربية لزملائه:-
انا أنصح بعدم قتله ففي ذلك راحة له، وأقترح ضرب دماغه بالتيار الكهربائي، فسيجن فورا، وبعدها سنطلق سراحه مجنونا لا علاج له، وبهذا سيصبح أضحوكة للآخرين....أعطوه دقيقة لتغيير موقفه، وإذا بقي على عناده...اصعقوا دماغه بالكهرباء.
لم يستبعد خليل أيّ عمل شرير منهم، فهو يعرف إيغالهم في عالم الجريمة، لكنه مستعد- رغم معاناته الشديدة- لتقبل كل الاحتمالات بما فيها الموت، بل إنه تمنى الموت للخلاص مما هو فيه، لكنه كان يخشى أن يكون سببا في أحزان ستصيب والديه إذا ما حصل له مكروه، وفجأة تقدم أحدهم بالأسلاك الكهربائية من صدغيه، شعر ببرودة الأسلاك، ولم يشعر بالتيار الكهربائي، فربما لم يكن تيار هنا، أو أنه خفيف جدا، بعدها شرع أحدهم يضربه على رأسه بالأسلاك وهو يردد:-
هل جننت يا ابن الزانية أم أن رأسك رأس حمار؟
تركوه على الكرسي حوالي ربع ساعة... تقدّم أحدهم منه...رفع قدمه اليمنى وداس بها خصيتي خليل، ضغطهما بحذائه مستمتعا بصراخ خليل من شدة الألم، بعدها فكّوا الحبل عنه، وساعدوه على ارتداء ملابسه...أعادوه الى الزنزانة، وتركوه مع آلامه وأحزانه.
بعد اثنين وثلاثين يوما...حرّك خليل أصابع يده...واستطاع استعمالها مع ألمٍ خفيف...جاؤوه صباحا..قيدوا رجليه، عصبوا عينيه واقتادوه الى سيارة عسكرية، ربطوا يده بحديد السيارة...كان في السيارة آخرون لم يتبين مَنْ هم؟ كانوا مبطوحين على ظهورهم والعصي تنهال عليهم...ألقوا عليهم بطانية وقالوا لهم: من يتحرك أو يتكلم فلا يعتبنّ إلّا نفسه...سارت السيارة بهم حوالي ساعة وتوقفت...أنزلوهم واحدا واحدا...وجد خليل نفسه في غرفة بابها خشبي مغلق... فيها سريران معدنيّان يفصل بينهما طاولة صغيرة، وفيها تلفاز معلق على الجدار قرب الباب..... بعد أن حلّوا القيود من قدميه...وحلّوا العصبة عن عينيه....تفقد الغرفة...وراودته أفكار كثيرة...فهو لا يعلم أين هو الآن؟ ولا ماذا يريدون منه في هذا المكان؟ لكنه صمّم أن لا يغيّر من موقفه شيئا...بعد حوالي ساعة فتح البابَ رجلٌ طويل القامة...أسمر البشرة، شاربه كثّ أسود الشعر، يرتدي بدلة سوداء وربطة عنق حمراء على قميص أبيض، ويرتدي كوفية حمراء مهدّبة، صافح خليلا مرحبا وسأل: ما اسمك؟
- خليل منصور.
- أهلا بك...هل أنت بدويّ؟
- نعم أنا بدويّ.
فقفز الرجل مرحبا مرّة أخرى وابتسامة عريضة تعلو وجهه وقال: أنا بدويّ مثلك، اسمي ابراهيم...وسعيد جدا بلقائك...وفَرِحٌ لأنني رأيتك...وضعك لا يعجبني...سأحضر لك الآن ملابس جديدة كي تستحم وتغير ملابسك القذرة هذه، وسأحضر لك طعامَ غداءٍ يليق بك يا ابن العمّ فأنت ضيفي...خرج الرجل وأغلق الباب خلفه...لكنّ خليلا دعا الله في سرّه قائلا:-
اللهمّ استرنا من"ابن العمّ" هذا...فبالتأكيد وراءه مصيبة مؤكدة...عاد الرجل بعد أقل من خمس دقائق يحمل ملابس داخلية وبدلة عسكرية، وقطعة صابون...قاد خليل الى حمّام فيه "دش"باب الحمام فوقه فراغ بارتفاع حوالي 30 سنتمتر...أعطاه الملابس وطلب منه أن يضع ملابسه فوق الباب كي يأخذها للغسيل...استحمّ خليل...وشعر براحة والمياه تنساب على جسده....استمرّ تحت الدّشّ أكثر من ساعة...وراودته وساوس كثيرة حول اللباس العسكري، فقرّر عدم ارتدائها مهما كلّف ذلك، وفكّر بأن هناك محاولة لاغتياله...فربما سيطلقون عليه الرصاص من الخلف وهو في اللباس العسكري، وسيبرّرون قتله بأنه حاول الهرب بلباس جندي....لكن "ابن العمّ الذي يدعي البداوة" أعاد اليه ملابسه نظيفة مكويّة...وضعها له فوق الباب وقال:-
أسرع يا ابن العمّ فالغداء جاهز...ارتدى خليل ملابسه وهو مدهوش من كيفية غسل الملابس وتجفيفها وكيّها بهذه السرعة، فلم يسبق له أن رأى أو سمع عن آلات التجفيف من قبل...خرج فوجد" ابن العمّ" ينتظره...قاده الى غرفة فيها طاولةُ طعامٍ عليها صحنان، بجانب كلّ صحن شوكة، ملعقة وسكين، وجاءت امرأة حسناء بلباس عسكريّ...وملأت صحن خليل بالأرزّ، ووضعت قليلا منه في صحن" ابن العمّ": ثمّ جاءت بصحن آخر فيه قطعتا لحم خروف تزنان أكثر من نصف كيلو، ووضعته أمام خليل، وما يعادل نصفها أمام"ابن العمّ"..ثم وضعت صحني مَرَقِ خضار... وزجاجتي كولا وعصير برتقال، وزجاجة ماء مثلج...سعة الواحدة لتران...وصحن فواكه كبير...رحّب"ابن العمّ" بخليل قائلا:- أنت ضيف عزيز عليّ...وأعلمُ أنهم لم يقدموا لك طعاما لائقا وكافيا في الفترة السابقة....فكُلْ كما تشاء يا ابن العمّ...
وبعد الغداء قدّمت الحسناء لهما كأسي قهوة سوداء كبيرين، بعد أن سألتهما عمّا يريدان احتساءه قهوة أم شايا؟ فأحال"ابن العمّ" الإجابة لخليل...فاختار القهوة.
أكل خليل حتى الشبع مع أنّ التفكير بما وراء هذا أرهقه...عاد به"ابن العمّ" الى الغرفة وقال له:-
هذه غرفتي يا ابن العمّ...سننام أنا وأنت فيها...بامكانك مشاهدة التلفاز كما تشاء...شاهد محطة التلفاز الأردنية أو الاسرائيلية كما يحلو لك...وأدار"ابن العمّ" التلفاز على المحطة الأردنية...صعق خليل عندما رأى بعد نشرة أخبار الثانية ظهرا مقابلة مع الأستاذ داود يتحدث فيها عن قسوة الابعاد...ويؤكد فيها أن الاحتلال سينتهى حتما، وأنه سيعود الى وطنه....لم ينتبه ابن العمّ بأن خليلا قد تفاجأ بما رأى وسمع....وفتح مع خليل موضوع تربية الأغنام، وكيفية صنع الأجبان والألبان والزبدة والسمن البلدي....وعند المساء تعشّى مع خليل دجاجا مشويا على الفحم...قدّم لخليل دجاجة كاملة، بينما أكل هو نصف دجاجة...في حوالي العاشرة ليلا قال ابن العمّ لخليل:-
آسف يا ابن العمّ أنا مرهق وأريد النّوم...ويجب أن أقيّد يدك ورجلك بالسرير.
في صباح اليوم الثاني قاد"ابن العمّ" خليلا الى لخارج...نزل به درجا...فوجد خليل نفسه في ساحة ترابية فيها أشجار وورود، ويحيط بها بناء حجري مستطيل الشكل يتكون من طابقين...يتقدمهما من الداخل برندة بعرض حوالي ثلاثة أمتار، وبعدها أقواس تفصلها أعمدة حجرية جميلة...رأى خليل جنودا برتب مختلفة يتحركون في البناء...لكنّه لم يتبين مدخل البناء...كانت تحت احدى الأشجار طاولة بجانبها كرسيّان...جلس"ابن العمّ" على كرسيّ وطلب من خليل أن يجلس على كرسي قبالته...سأل خليل عن ماذا يحب أن يشرب صباحا...قهوة أم شايا...أم حليبا؟ فاختار خليل الشاي بينما طلب"ابن العمّ" قهوة... أحضرت الطلب مجندة حسناء...عندما رفع خليل كأس الشاي الى فمه...خبط"ابن العمّ" على الطاولة كأس قهوته وهو يقول:-
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم...كيف سيشرب المرء القهوة وهو يرى هذا المنظر المخيف؟
انظر ماذا فعل أبناء الزانيات؟ كان على مقربة منهما ما يشبه القبر...عند شاهِدِه حجر ملفوف بكوفيّة سوداء...وعند آخره مقدّمة حذاء"بسطار"فقال "ابن العمّ":
هذا مخرب كانوا يحققون معه قبل يومين، ويبدو أنّهم قتلوه لأنه عنيد ولم يتجاوب معهم... ودفنوه هنا...ويبدو أنه انتفخ فخرج رأسه وقدماه من القبر...واصل خليل احتساء شايه وهو متيقن من أن ما يراه تمثيلية...فقال "ابن العمّ":-
يبدو أنّك لا تصدّق يا خليل ما قلته لك...ألا تصدّق بأن الاشكناز مجردّون من الرّحمة وأنّهم يقتلون المخربين؟
فأجاب خليل:- بل أصدّق...ولا أستبعد عنهم فعلا قبيحا....لكنّني لا أستطيع عمل أيّ شيء.
قدّمت المجندّة لهم افطارا فاخرا وكأنهم في فندق فاخر...وبعدها عادا الى الغرفة ذاتها...
جلسا على كرسيّين في البرندة حوالي ساعتين...شربا بعدها شايا...وعاد به"ابن العمّ"الى الغرفة...قيّده الى السرير واستأذن زاعما أنّه مشغول...وسيعود قبل وجبة الغداء...واستمر الحال هكذا...وفي اليوم الرابع...أخذ "ابن العمّ" خليلا الى غرفة قريبة...غرفة عارية تماما...فيها طاولة وكرسيّان..جلس خلف الطاولة، وأجلس خليلا قبالته...أمامه على الطاولة ملف بجانبه ورق أبيض...فوقه قلم رصاص...وقال لخليل باسما:-
انتهت الضيافة يا ابن العمّ...وهم يعلمون عنك كلّ شيء...وأنا تدخلت في الأمر لحمايتك....فأريد منك أن تحدّثني عن قصّة حياتك...وعن علاقتك بالمخربين ومنظمات التخريب...وأنت تعلم أنّنا نحن البدو(سرّنا في بير عميق) وأشار بيده الى فمه المغلق دلالة على كتمان السرّ...ولا أهدف من ذلك إلّا مساعدتك...فلنبدأ...
ما اسمك الرباعي؟
- خليل منصور سعيد منصور.
- ما تاريخ ميلادك؟
- 8 نيسان 1949.
- ماذا تعمل؟
- طالب في كلية بير زيت.
- من هم أصدقاؤك؟
- أمّي وأبي.
وضع"ابن العمّ" على ورقة أمامه عددا من النقاط بقلم الرصاص...رفع الورقة أمام خليل وسأله:- ماذا يوجد على هذه الورقة؟
نقاط صغيرة أجاب خليل.
بخفة وسرعة وصل النقاط ببعضها البعض فتشكلّ رسم حمار ....رفع الورقة أمام خليل وسأل:- ماذا ترى على الورقة؟
فأجاب خليل:- صورة حمار.
فقال "ابن العمّ" غاضبا:- يبدو يا خليل أنك أكثر حمرنة من الحمار....لا تحاول التلاعب معي....أنا أسألك عن أصدقائك وليس عن والديك...هل تفهمني؟
- لكن لا أصدقاء لي غير والديّ.
- وفي البلدة وفي القرية أليس لك أصدقاء؟
- نعم أقول لك صادقا بأن لا أصدقاء لي.
- هل تعرف الأستاذ داود؟
- نعم أعرفه...فهو واحد من أبناء قريتنا.
- ما علاقتك به؟
- لا علاقة لي به.
- لماذا كنت في بيته قبل اعتقالك بيوم؟
- لم أكن في بيته.
- أنت تكذب ولا تريد أن تساعدني كي أساعدك....وستتحمل عواقب ذلك...وأخشى إن تركتك وذهبت، بأن أجدك مقبورا بجانب المخرب الذي رأينا قبره في الحديقة...فماذا تقول؟ وفكّر قبل الإجابة.
- لا شيء عندي أقوله لك...هل تريدني أن أكذب؟
- أريدك أن تقول الصدق.
- ما قلته لك صدق.
- غضب"ابن العمّ" فتح جارور الطاولة أخرج حبة من بذور البطيخ، وكسرها بين نواجذه....فدخل الغرفة شخصان - لم يتبين خليل إن كانت عملية بذرة البطيخ عفوية أم مقصودة- وقفا خلف خليل يتنحنحان بغضب...خرج"ابن العمّ" من الغرفة...فقيّدا رجلي خليل وانهالا عليه ضربا استمر لساعات...ضرباه على مختلف أنحاء جسده...صرخ وتلوّى ألَما لكنهما لم يتوقفا...وإذا بـ"ابن العمّ" يظهر فجأة...صرخ عليهما وهو يتقدم مبعدا إياهما...أمسك بيد خليل...وساعده على الوقوف...اقتاده الى غرفة التحقيق وسأله:-
- هل غيّرت ما في رأسك يا خليل؟ هل ستقول الصدق؟
فردّ خليل بكلام متقطع وهو يلهث:- ما قلته صدق...لكنكم تريدونني أن أكذب....
خرج"ابن العمّ" من الغرفة وهو يشتم...وترك خليل يئن ألما...دخل جندي...قيّد قدمي خليل واقتاده...الى زنزانة في الطابق الأول...يطلّ بابها الحديدي على الحديقة...مساحة الزنزانة أقل من 80سم x80سم...وارتفاعها يزيد على الثلاثة أمتار...دفعه في الزنزانة والقيود في رجليه...أغلق الباب الحديدي المصفح عليه...في سقف الزنزانة التي تشبه القبر ضوء ساطع...الزنزانة تشبه القبر تماما...قرفص خليل في الزنزانة يتألم ويسأل الله الفرج...لم يتبين ليله من نهاره...إلّا عندما فتح جندي نافذة الزنزانة الصغيرة، وقذفه بقطعة خبز وحبّة بندورة....وناوله كأس ماء في كأس بلاستيكية قذرة.
استمر وضعه هكذا أسبوعين....كان"ابن العمّ" يأخذه كلّ صباح للتحقيق على أمل أن يجيب على الأسئلة...لكن خليلا لم يغير موقفه...يتعرض بعدها للضرب المبرح...ثمّ يعيدونه الى نفس الزنزانة....في نهاية الأسبوعين أخرجه"ابن العمّ" من الزنزانة وسأل:- هل يعجبك هذا الوضع يا خليل؟ إن لم تجب فستبقى على هذه الحالة حتى الموت.
لم يجب خليل سوى بقوله:- لقد قلت لك الصحيح لكنك لا تصدقني وهذه مشكلتك.
فقال "ابن العمّ":- بقي لي سؤال واحد هو:
هل تحب الاحتلال يا خليل؟
- لا أحبّ الاحتلال ولا أعتقد أنه يوجد شخص واحد في العالم يحب احتلال وطنه.
- أنت صادق في إجابتك هذه ...ولكنها تعني أنّك تقاومه.
- أنا لا أقاوم الاحتلال لأن وضعي الصحي والاجتماعي لا يسمحان لي بذلك.
- ولو كانا يسمحان أكنت تقاومه؟
- نعم.
- أنت ابن زانية يا خليل....خذ هذه الورقة واكتب لي قصة حياتك....أخذ خليل الورقة وكتب"
" أنا خليل منصور المولود في القدس في 8 نيسان 1949 قامت حرب حزيران 1967 قبل عام وأنا على مقاعد امتحان الثانوية العامة"التوجيهي" وبعدها التحقت بكلية بير زيت ولا أزال طالبا فيها.
التوقيع:خليل منصور."
قرأها "ابن العمّ" وهو غاضب...كتب على ورقة أخرى سطرين باللغة العبرية وطلب من خليل أن يوقع عليها....فرفض خليل قائلا:-
أنا لا أوقع على لغة لا أفهمها...فردّعليه"ابن العمّ":- معك حق... سأترجمها لك....وكتب تحتها باللغة العربية:
"أنا الموقع أدناه خليل منصور سعيد منصور أقرّ واعترف، بأنني لم أتعرض الى أيّ معاملة سيئة أو ضرب أو تعذيب أو إهانة، منذ اعتقالي في 2 حزيران 1968 وحتى الآن وعليه أوقع".
قدّمها لخليل كي يوقع عليها ...نظر اليه خليل نظرة غضب...أشاح وجهه الى الجهة الأخرى مستغربا وقاحة الرجل.



#جميل_السلحوت (هاشتاغ)       Jamil_Salhut#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بدون مؤاخذة-خروف العيد
- السيدة من تل أبيب والتميز الروائي
- بدون مؤاخذة-أردوغان الناتو أم السّنّة؟
- بدون مؤاخذة- الخرافة والشعوذة
- بدون مؤاخذة-التنسيق الأمني
- هل بدأت الحرب الدينية؟
- نوافذ رفعت زيتون في اليوم السابع
- بدون مؤاخذة- اليهود العرب
- بدون مؤاخذة-سوريا هي الأهمّ
- رواية -من الشاطئ البعيد- في اليوم السابع
- ما وراء الاساءة لخاتم النبيين
- بدون مؤاخذة-توريط المسلمين
- رواية عاشق على أسوار القدس في اليوم السابع
- اذا عرف السبب....
- أزمة السلطة الفلسطينية الاقتصادية لها اسباب خارجية
- بدون مؤاخذة- انتفاضة المستوطنين
- قراءة في رواية عاشق على أسوار القدس
- رواية -هوان النّعيم- لجميل السّلحوت بقلم:مهند جابر
- سموم اسرائيلية وأياد فلسطينية
- ذات خريف لكاملة بدارنة في اليوم السابع


المزيد.....




- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...
- ليبيا.. إطلاق فعاليات بنغازي -عاصمة الثقافة الإسلامية- عام 2 ...
- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - فصل من رواية-برد الصيف-