أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عصام عبد العزيز المعموري - ذكرياتي في اليمن - الحلقة الرابعة















المزيد.....

ذكرياتي في اليمن - الحلقة الرابعة


عصام عبد العزيز المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 3867 - 2012 / 10 / 1 - 10:19
المحور: سيرة ذاتية
    



الأستاذ المساعد الدكتور عصام عبد العزيز المعموري – معهد إعداد المعلمين – بعقوبة
...............................................................................................................

توجهت صوب( مودية )التي تبعد حوالي ثلاث ساعات بالسيارة عن مدينة زنجبار مركز محافظة أبين وأنا أحمل هموم الغربة والسير نحو المجهول ، وللتخفيف عن هذا العبء الذي أحمله توالت أسئلتي على سائق السيارة عن طبيعة أهل مودية وأين سيكون سكني هناك وهل يوجد فندق فيها ، فضحك السائق من سذاجة أسئلتي قائلا" : وهل نحن في صنعاء أو عدن لكي يكون لدينا فندق ؟ أين سيكون سكني إذن ؟ قال : لا تستعجل سأوصلك إلى مدير مدرستك التي عينت فيها وهو الذي يتولى أمرك .
وصلت السيارة إلى محطتها الأخيرة وكأن الساعات الثلاث دهر في حساباتي الزمنية . أخذني السائق إلى بيت المدير واستقبلني بوجه طليق عليه علامات الطيبة والصلاح والبساطة التي يتسم بها اليمانيون بشكل عام وساعدني في حمل حقائبي الى سيارته واقترح عليّ المبيت في بيت مدرس عراقي لحين الصباح ويتدبر أمري فيما بعد .
طرقنا بيت المدرس العراقي ( حسن عبد اللطيف ) وهو مدرس متقاعد من أهالي بغداد والذي كان يدرّس اللغة العربية في (مودية ) واستقبلني بحفاوة وودعنا شاكرين مدير المدرسة .
اقترح ( حسن ) عليّ أن أشاركه السكن وأدفع نصف الإيجار فرفضت الفكرة لثلاثة أسباب أولها أنني جئت لليمن لتحقيق هدف راسخ في ذاكرتي هو أن يكون لي مسكن في العراق فلماذا هذا الإسراف في النفقات ؟ وثانيها هو أن استقلالي في السكن مع زميل عراقي يحرمني من متعة الاستقصاء وحب الاستطلاع ، فأنا شغوف بعلم الاجتماع ومتابعة تقاليد وعادات الشعوب وطقوسهم في أفراحهم وأتراحهم ، وثالثهاهو أن زميلي كان مصابا" بوسواس النظافة القهري فكان يغسل يديه بمسحوق الغسيل ( التايد ) بعد كل مصافحة للأخوة اليمانيين وفي مرة كنت مدعوا" عنده لتناول العشاء وذهبنا لجلب الصمون الذي يسمونه ( روتي ) وفور وصولنا هناك رأينا بوادر ذهاب صاحب فرن الصمون لقضاء حاجته في مكان قريب من الفرن فقال لي ( حسن ) : انتظر ودعنا نراقب صاحب الفرن ونراه كيف يستنجي بعد الانتهاء من قضاء حاجته.. ولاحظنا أنه يستنجي بحجارة بدلا" من استخدام الماء وغضب ( حسن ) غضبا" شديدا" عند رؤيته ذلك ، وقال : لن أشتري من هذه الفرن مادمت هنا ويبدو أني كنت مغفلا" طيلة الفترة الماضية ، وقلت له : ما الذي يضمن لك أن أصحاب الأفران الآخرين يختلفون عن صاحبنا هذا ؟ ولا أستطيع التعميم بالقول أن غالبية الشعب اليمني يستنجون بالحجارة فهذا إجحاف بحقهم ولكني رأيت بعض دورات المياه في عدن قد كتب عليها : يمنع استخدام الحجارة في الحمامات فاستغربت من هذه التعليمات . وفي يوم ما أصيب مدير المدرسة بملاريا أقعدته عن العمل فاتفقت مع (حسن ) لزيارة مديرنا لأن عيادة المريض واجبة وقال لي : ماذا اعمل لو قدّم لي المدير عصيرا" أو ماء ؟ فأنت تعلم بأنني لا أشرب أي سائل عند أحد هنا ولا أتناول وجبة .. فإذا قدموا لنا أي سائل .. أطلب منك إشغال المدير بالحديث لكي أبصق السائل ولكن هذا لم يحدث لأن نظرات المدير ظلت باتجاهنا سوية فأحرج حسن وشرب العصير على مضض.
اخترت السكن في القسم الداخلي في الثانوية التي أدرّس فيها وكان في القسم جناحان أحدهما يسكن فيه زملاء يمانيون من محافظات أخرى والجناح الثاني فيه مدرسون سودانيون ويمانيون فاخترت الجناح الثاني لكي أتعرف على عادات وتقاليد شعبين بدلا" من شعب واحد .
كان جناحنا يضم 8 مدرسين ( يمانيان وخمسة سودانيين وأنا) . في المساء تم تقسيم الواجبات بيننا فكانت مهمتي إعداد الرز وغسل الصحون أما مهمة الآخرين فتوزعت بين التسوق وتنظيف القاعة والطهي . تعلمت إعداد الرز بطريقة عملية بسيطة تعلمتها عندما كنا في الخدمة العسكرية الإلزامية وذلك بوضع ملعقة من الدهن أو الزيت السائل في القدر وإضافة عدد من أقداح الماء فوق هذا الدهن يكون عددها بقدر عدد الأفراد الذين يتناولون هذا الرز ووضع كمية من الملح فوق ذلك ثم تتذوق هذا الخليط لكي تتعرف على مدى ملوحته وبعد ذلك تضيف عددا" من أقداح الرز المغسول جيدا" يكون عددها بقدر أعداد أقداح الماء ثم تخلط هذا الخليط لمرة واحدة فقط وتتأكد بأن الماء قد غطى الرز وتضع هذا الخليط لمدة عشرين أو 25 دقيقة على نار هادئة .
حل الصباح وبدأ توزيع الحصص وكان نصيبي ( 9 ) حصص أدرّس فيها مادة الفيزياء للصف الثالث العلمي ( يعادل السادس العلمي لدينا ) ومادة الفيزياء للصف الثاني العلمي وكنا نشعر بسعادة غامرة في المدرسة ونكره أيام العطل فهي كثيرة جدا" لديهم فالدوام الرسمي في شهر سبتمبر ( أيلول ) ولكن لا تجد طالبا" يواظب على الدوام الا بعد شهرين على أقل تقدير بعد المناداة عليهم في مكبرات الصوت في الجوامع وترى غالبية الطلبة يعتبرون الغش في الامتحانات كأنه حق لهم فشاهدت في بعض الصفوف عبارات مكتوبة مثل : ( حاجة الطلبة للبراشيم مثل حاجة السمكة للخياشيم ) ولم أرى تشددا" عليهم في الامتحانات باستثناء مانفعله نحن العراقيون ، فكانوا يتذمرون مني عند تكليفي بالمراقبة عليهم في الامتحانات فأعلم أنهم يحملون نوعين من الغش الامتحاني ( ثابت ومتنقل ) وأسمعهم يقولون ( جاءنا صدام .. ياويلنا) .
تعرّف مدير المدرسة وزملائي المدرسون على إمكانياتي في التدريس فكان يكلّفني بتدريس أي مادة مهما كانت وعندما يعترض الآخرون على ذلك كان يقول لهم : ( امعراقي عبدو فشفشي يفهم في كل شي ) حيث كان الاخوة في الجنوب اليماني يلفظون أل التعريف ( ام) والفرد الذي يفهم في كل شيئ يسمى ( عبدو فشفشي ) .
لم نكن نمتلك أي مبلغ من المال طيلة العام الدراسي وكنا نشتري كل مانريد بالدين ويعرف البقالون وكل أصحاب الحرف بوضعنا هذا وفي شهر نيسان من كل عام وربما في مايس أحيانا" نستلم الدفعة الاولى من مرتباتنا وهي راتب ستة أشهر بالريال اليماني الذي تقل قيمته يوما" بعد آخر تبعا" للعلاقة مع المملكة العربية السعودية بالدرجة الاولى ونقوم بعد ذلك بتسديد ديوننا التي تقسم على ثمانية أفراد فيكون المبلغ هينا" أمام مصروفات 7أشهر .
كان القسم الداخلي جامعة عربية مصغرة نتعرف فيها على عادات وتقاليد المجتمعات العربية وفي يوم ما في سنتي الدراسية الأولى في اليمن اتفق الزملاء على أن نقيم مباراة لكرة القدم بين فريقين أحدهما أسموه فريق الجامعة العربية يضم كافة المدرسين العرب في مودية وغيرها وفريق آخر يضم لاعبين يمانيين ولما اعتذرت عن المشاركة في المباراة غضب الزملاء غضبا" شديدا" واستغربوا من عدم المشاركة فقلت لهم : أنا لا أميل الى كرة القدم ولا أهواها فطلبوا مني الاشتراك الرمزي واخترت موقع حامي الهدف وكنت أظنه هينا" لأنه لا يتطلب الجري وإنما مجرد الوقوف وصد الأهداف ، وفور نزولي إلى الساحة الرئيسية لكرة القدم في مودية التي حضرها جمهور غفير متحمس لفوز أبناء جلدتهم على فريق المدرسين العرب وإذا بالجمهور ينادي بأعلى صوته : أحمد راضي .. أحمد راضي لكوني عراقيا" وأحمد راضي هو اللاعب الأنموذج لديهم ، فشعرت بجسامة المهمة الملقاة على عاتقي وأني سوف أمثل سمعة بلد بأكمله وأنا لست بمستوى هذا التمثيل .. فيا لجسامة الموقف وكم تمنيت لو أعفى من هذه المهمة ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل .
ابتدأت المباراة وكأننا في دراما فيها مقدمة وعقدة وخاتمة وماهي إلا دقائق معدودة وإذا بأحد المهاجمين اليمانيين يقترب مني وشعرت بهلع لا نظير له وعجزت عن صد ضربته التي دخلت الشباك وسجلوا هدفا" بعد خمس دقائق من بدء المباراة وتصاعدت صيحات الغضب ضدي مستنكرين هشاشة موقفي ورضخوا أخيرا" لطلبي بالإعفاء من مهمة إكمال المباراة وتولى مهمة حماية الهدف مدرس سوداني كانت كرة القدم عشقه الذي لا يدانى ولم يجرؤ أحد من فريق الخصم على ادخال كرة في شباك فريقه وانتهت المباراة بفوز فريق المدرسين العرب بهدفين مقابل هدف و احد للفريق الخصم .. وكان هذا الموقف شديد الوطأة علي لأني كنت أشعر أنني أمثل بلدا" لم أكن بمستوى تمثيله في هذا المجال الرياضي .



#عصام_عبد_العزيز_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرياتي في اليمن - الحلقة الثالثة
- ذكرياتي في اليمن - الحلقة الثانية
- ذكرياتي في اليمن - الحلقة الاولى ( قبل دخولي الى اليمن )
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - حر ...
- الاصول الأجنبية لبعض الكلمات الشعبية التي نتداولها - الجزء ا ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - ال ...
- البادئات واللواحق Prefixes&Suffixes في اللغة الانكليزية - ال ...
- البادئات واللواحق prefixes &Suffixes في اللغة الانكليزية- ال ...
- البادئات واللواحق prefixes &Suffixes في اللغة الانكليزية- ال ...
- من دفتر ملاحظاتي - الجزء الرابع
- البادئات واللواحق prefixes &Suffixes في اللغة الانكليزية- ال ...
- من دفتر ملاحظاتي - الجزء الثالث
- من دفتر ملاحظاتي - الجزء الثاني
- من دفتر ملاحظاتي - الجزء الأول


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عصام عبد العزيز المعموري - ذكرياتي في اليمن - الحلقة الرابعة