وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3866 - 2012 / 9 / 30 - 14:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يؤكد الباحث والكاتب والروائي يوسف زيدان في كتابه (اللاهوت العربي واصول العنف الديني ) ان وصف الديانات الابراهيمية الثلاث ب (السماوية )هو وصف غير دقيق وهو توصيف محدث لم يستعمله الاقدمون , حيث قالوا بالديانات ( الكتابية ) نسبة الى اهل الكتاب من اليهود والنصارى .
ان اي دين هو بالضرورة ( سماوي ) لغة واصطلاحا ! فالسماء في اللغة تعني العلو , ومن هنا وحسبما يقول العلامة ابن منظور وغيره من علماء العربية فان كل ما اظلك وعلاك هو سماء .فالسماء في حقيقة الامر ,لفظ لايقع معناه على شيء محسوس محدد , وانما على اي سقف كان , ولو كان سقف الغرفة .وقد قيل للسحاب (سماء ) , لانه يعلو يظل , لااكثر من ذلك ولا اقل . ولم يستخدم الاقدمون كلمة (وثني ) بالمعنى الاصطلاحي في فجر الاسلام , وانما اشير الى ان الكفار يعكفون على اصنام واوثان يعبدونها من دون الله . فهم بهذا المعنى ( يكفرون ) العبادة الحقة ,ايا ما كان الذي يكفرون به ,اي يخفونه ويغطونه ,اذ لفظ الكفر يعني اصلا : الاخفاء والتغطية , لذا وصف الزراع الذين يدفنون البذور في الارض بالكفار . ولذلك فقد يكون الكفر صنما مقدسا عند قسم من العرب قبل الاسلام ,او نارا معبودة عند المجوس , او كواكب منيرة في السماء عند غيرهم .وهؤلاء ( الكفار ) يتعالون بمعبوداتهم الى سقف سماوي يفارق واقعها المحسوس , بحسب ما يتوهمونه في معبوداتهم . ومن هنا فان كل الديانات السابقة واللاحقة هي ديانات سماوية في نظر معتنقيها . ولعل الاصح (والكلام ليوسف زيدان )اذا اردنا تمييز الديانات الثلاث عن غيرها ,ان نصفها بانها ديانات رسالية او (رسولية ) لانها اتت الى الناس برسالة من السماء ,عبر رسل من الله وانبياء يدعون الى الله ويخبرون عنه الناس .
كذلك وصفت الديانات السابقة للديانات الابراهيمية بصفة ( الوثنية )التي الحقتها المسيحية بالديانات الاخرى ,على اعتبار انها ديانات تحتفي بالاصنام والاوثان .
ان الوثن هو ماكان على صورة وهيئة محددة ,مثل العجل ابيس عند المصريين قبل المسيحية , او اثينا وفينوس ويقية الهة اليونان القديمة ,او هبل واساف ونائلة عند عرب قريش قبل الاسلام , وغير ذلك من الاوثان .اما الصنم فهو المعبود الذي لايتخذ هيئة.
محدودة , مثلما هو الحال في اصنام اللات , التي كانت غالبا احجارا بيضاء مكعبة الشكل . ومن هنا (والكلام لكاتب المقال ) اتخذ شكل الكعبات رمزا مقدسا يشير الى الالوهة المطلقة غير المشخصة , مثل كعبة نجران وكعبة مكة وغيرهما من الكعبات . وعليه لايشترط ان تكون كل الديانات التي تحتفي بالتماثيل هي بالضرورة ( وثنية ) .فالديانة البوذية , تحتفي بتماثيل بوذا ,لكنها لاتقدسها قداسة التعبد لها ,ولا تعدها صورة حجرية للاله , ومن هنا نفهم لماذا لم تثر ثائرة البوذيين في العالم حين دمرت عناصر مخبولة من حركة طالبان في افغانستان تماثيل بوذا .والبوذيون هم اكثر عددا في العالم من المسلمين جميعا .
وحدة الديانات الابراهيمية
ان الديانات الثلاث ( اليهودية والمسيحية والاسلام ) هي في حقيقة امرها ديانة واحدة , جوهرها واحد ,ولكنها ظهرت بعدة تجليات . ففي الديانات الابراهيمية المعبود واحد , مهما تعددت صفاته واقانيمه واسماؤه . وهو يختص قوما بخطابه الالهي . وفي كل ديانة شريعة هي وحدها واجبة الاتباع , واهلها هم فقط المؤمنون , وغيرهم غير مؤمنين .وفي كل مرة نرى الدين اللاحق يؤكد الدين السابق , بينما الدين السابق ينكر اللاحق ويستنكره . ويفعل اهل الديانات ذلك في انفسهم ,ثم يفعلونه داخل كل ديانة على حدة , حين يجعلون ( المذهب ) معادلا للدين , فيصير الذين خارج المذهب خارجين عن العقيدة والدين .
يطيب لكثيرين وصف الديانات الثلاث بانها ديانات ( توحيدية ) لانها دعت الى عبادة الله الواحد ,في مقابل الديانات الاخرى القائلة بتعدد الالهة . غير ان صفة التوحيد ليست هي المعبر الجوهري عن وحدة الديانات الثلاث , والا فهناك ديانات اخرى سابقة واخرى لاحقة , نادت بالتوحيد منذ عبادة اتون التي قال بها اخناتون والى ديانة زرادشت ( والكلام لكاتب المقال ) التي ظهر تاثيرها اللاحق في اليهودية والمسيحية والاسلام وفي المانوية .
ان الجوهر الجامع بين الديانات الثلاث , هو تاسيس اللاحق منهم لذاته على السابق ,وتاكيد نبوة الانبياء ( الاوائل ) في الديانات الثلاث مجتمعة ,مع بعض الاختلافات في صورة هؤلاء الانبياء بين اليهودية والمسيحية من جهة , والاسلام من جهة اخرى .
هناك فرضية قائمة بين الناس مفادها تاثير الديانة الاقدم في الديانة الاحدث , كتاثير اليهودية في المسيحية والاسلام اللاحقتين لها . ولكننا قد نرى العكس احيانا , فيؤثر اللاحق في السابق حين يتعاصران ,والامثلة عديدة على ذلك , ومنها مثال واضح وهو ان الافلاطونية الحديثة في التراث اليهودي الاسبق منها ظهورا , من خلال شروح الفيلسوف اليهودي فيلون الاسكندري للتوراة وتاويلاته لنصوص العهد القديم , وهي التاويلات التي صارت مع الزمن تراثا يهوديا , مع انها استمدت مادتها الاولى من اصول فكرية , تالية على اليهودية زمنا , ومختلفة عنها تماما . وكذلك استكمال المنظومة الدينية اليهودية لذاتها ,اعتمادا على الديانتين التاليتين عليها ,اي المسيحية والاسلام ,بادخال فكرة البعث او القيامة ومايتعلق بها من الاخرويات , وهو ماخلت منه النصوص اليهودية المبكرة ( التوراة في اسفار موسى الخمسة وفي اسفار الانبياء الكبار ) وتم ادخاله في النصوص اليهودية المتاخرة , كالمشناة والجمارا ,وهما يؤلفان معا كتاب التلمود . ومن هنا صارت عقيدة البعث , جزءا رئيسيا من الديانة اليهودية . وهو جزء رئيسي تاخرت اضافته قرابة سبعة قرون . كما ظهر المذهب الغنوصي اليهودي ( القبالاه ) بتاثير الزرادشتية والغنوصية المسيحية والافلاطونية الحديثة والتصوف الاسلامي .
كلمات اخرى
( لاهوت ) :
هي كلمة سريانية انتقلت بلفظها الى العربية .وهي مرتبطة بالكلمة السريانية المقابلة لها وهي ( الناسوت ) . وكلمة لاهوت مقصود بها العلم الالهي او ذات الله وصفاته ,او الثيولوجيا . والثيولوجيا كلمة يونلانية تتكون من مقطعين theos ( ثيو ) اي اله , ولوجوس logos اي المعرفة والعلم والدراسة . وقد اصبحت كلمة ( ثيولوجيا ) مرتبطة على نحو وثيق بالمسيحية .الا انها اقدم من المسيحية منذ ان استعملها افلاطون وارسطو . وفي التراث الفلسفي لمدرسة الاسكندرية السابق على المسيحية . من المدهش ان المسيحيين الاوائل كانوا يكرهون كلمة ثيولوجيا لانها ارتبطت في اذهانهم بالتراث الفلسفي (الوثني ) . وكانوا ينظرون الى ماسبقهم تاريخيا ,باستثناء اليهودية على انه تراث وثني .وهي نفس نظرة المسلمين عندم اطلقوا لفظ (الجاهلية ) على الفترة السابقة للاسلام . ولكن الفيلسوف المسيحي اوريجين كان اول من استعمل كلمة ثيولوجيا في المسيحية للاشارة الى علم الالهيات عنده وهو ماعرف لاحقا بلاهوت اللوجوس , او لاهوت الكلمة . والكلمة ( اللوجوس ) صارت عند المسيحيين هي المسيح ذاته استنادا الى مطلع انجيل يوحنا : (في البدء كان الكلمة , والكلمة كان عند الله , وكان الله الكلمة ) . واصبحت الثيولوجيا لاحقا اي اللاهوت في المسيحية علما يشمل كل ما له علاقة بالله والمسيح والاقانيم الثلاث وطبيعة المسيح والعقيدة المسيحية .
ان ترجمة التوراة والانجيل والقران الى اللغات المختلفة قد يغير معنى الكلمة والمصطلح الاصلي, او قد يؤدي الى الظن ان المعنى مختلف . ومن ناحية اخرى قد تؤدي الترجمة بين اللغات , الى تغيير تسميات الشيء الواحد , فيصير مع تعدد التسميات كانه متعدد , وهو واحد ! وهو مانراه في اسماء الاشخاص مثلما هو الحال في يسوع الذي هو عيسى ذاته , ويوحنا المعمدان الذي هو يحيى ابن زكريا , والعذراء القديسة مريم التي هي ( الصديقة ) مريم ابنة عمران ,اخت هارون . وغيرها كثير .
هذه لمحات ومقتطفات بسيطة عن كلمات ومصطلحات نستخدمها في كتاباتنا ولانعرف مصدرها ودلالتها اللغوية الاصلية . وبالتالي يتغير معناها الاصلي عبر الزمن , وهنا يحدث الافتراق بين اصحاب الديانات بتبني المعاني الجديدة ونسيان القديمة .
انها دردشة دينية ...
على المودة نلتقيكم ...
المصدر
( اللاهوت العربي واصول العنف الديني ) تاليف وبحث يوسف زيدان –ط2 – 2010 – دار الشروق – القاهرة – مصر
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟