أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم النبريص - إدريس: الصخب نهاراً, والاكتئاب ليلاً














المزيد.....

إدريس: الصخب نهاراً, والاكتئاب ليلاً


باسم النبريص

الحوار المتمدن-العدد: 3862 - 2012 / 9 / 26 - 15:46
المحور: الادب والفن
    


هو الكاتب الذي يخدعك في انطباعك الأول عنه. بالأحرى: الكاتب الذي تظلمه لو ركنت إلى انطباعك الأول عنه.
أظنّ أنّ هذا هو تلخيص معقول ليوسف إدريس.

قابلته ورأيته مرات.
في 82 بمكتبه بالأهرام. بعدها بمسرح الطليعة بالعتبة, حين عُرضت مسرحيته: "المخططين".
الثالثة في المقر الرئيسي لحزب التجمع, وكانت لمرور أربعين يوم على وفاة أمل دنقل.
أما الرابعة وغيرها وغيرها ففي مقهى ريش.
وفي المرات كلّها, كان يوسف هو هو: تحسبه زعيماً لا أديباً. رئيس حزب ثوري لا أبا القصة المصرية الحديثة في أبدع وأبسط تجلياتها.

كانت تلك الفترة من أسوأ فترات عمره كمبدع, وربما كذلك كمواطن.
كان يعيش "أزمة نضوب", كما قيل. وكما صدّق هو ما يقال.
وكان يكابر, ويشاكس, ويفتح ألف مسرب للصخب, كي يغطّي على تلك الأزمة.

واليوم, إذ أعود لملابسات ذلك الزمن القاسي, وقد فهمت قليلاً ماذا تعني الحياة وماذا يعني أن تكون مبدعاً _ اليومَ, أقول: يا كم ظُلم يوسف إدريس. بل: يا كم ظلَم َهو نفسه!

ظُلِمَ: فقد كان بعض من حوله يتكلمون عن إفلاسه القصصي. وبعض البعض لا يخفي شماتته سواء كلاماً أو كتابة. وكأنّ المبدع, حسب وجهة نظرهم (يا ليتها مجرد وجهة نظر) ما هو إلا ماكينة تفريخ. ولا يحق له التوقف أو حتى الإفلاس. لقد نسوا أنّ ثمة كتاباً كباراً مقلّين. ومع هذا فهم كتّاب, وكبار أيضاً. فالمسألة ليست عَدّ ليمون, ولن تكون كمّاً بالمطلق.
وهناك عشرات الأمثلة, في أدبنا وأدب غيرنا.
أما يوسف, فكان قبل تلك الأزمة, قد كتب كل ما جعله يوسف إدريس. كتب كثيرة, تكفيه خمسة منها فقط ليتكرّس فاتحاً عظيماً للقصة القصيرة العربية.
أين الأزمة إذاً؟
لم تكن, وكل ما كان: عوار نظر فحسب.

وظَلَمَ نفسه: حين فتح ألف مسرب للصخب, وللتواجد في غير محلّه. مرة كمقدم ونجم تلفزيون, يستضيف مثقفين وسياسيين وفنانين. ومرة ككاتب مسرح. ومرة ككاتب مقالات أسبوعية كبيرة الحجم في الأهرام. ومرة كدون كيشوت, وأمور من هذا القبيل.
فلو كان اعتصم بالعزلة, والتجأ للصمت, كما يفعل كبار أدباء الغرب, لما كان حاله ساء على نحو ما حصل.

لكنْ من أين.. ويوسف حالة مصرية خالصة؟ من أين وهو مزيج من الصخب نهاراً, والاكتئاب ليلاً؟ نتيج الشمس الساطعة وطبع النيل الساطع؟ من أين وهو المصنوع من طين ساخن والمنذور لنجوميةٍ وكاريزما وأضواء, يموت لو ابتعد عنها؟ لذا ظلّت أزمته تمتدّ وتتواصل سنيناً حتى قضت عليه في العام 91. فانطفأ نجم القصة العربية, وخسرنا بموته أفضل قصّاصي زمانه.

أعود لتعرّفي عليه.
ولا بأس لو خلطت الملح بالسكّر. وفصلت بعض الأحداث والتواريخ عن سياقها.

في مقهى ريش, الذي حاز شهرة أكبر بكثير من حجمه, كان يوسف لا يجلس إلا ديكاً بين الجالسين. هو مركز الجلسة, والآخرون الأطراف. هو القطب, وسواه مريدون.
هكذا كوّنت انطباعي الأول عنه, فاستأت. والعجيب أنني, حين عرفته أكثر, أحببته وأحببت انطباعي ذاك معاً.

في ندوة ثانية حاشدة بمقر حزب التجمع, صرخَ مخاطباً أمل دنقل: "نحن أكبر من الدولة". وكان يقصد بالدولة حسني مبارك ما غيره. ولن أنسى أبداً بعض تفاصيل ذلك المشهد: الجمهور يصفق بحماس. يوسف ينزل عن المنصة ويجلس في الصف الأول بجوار لويس عوض المكتئب جداً, والغائب عمّا حوله. ويوسف مأخوذاً لا يزال بصرخته: أنا أقوى من الدولة. ولويس ينظر حوله مستغرباً, كمن قام من نوم طويل ووجد نفسه في مكان غريب!
ويكون بعد ذلك أن يتصالح يوسف مع الرئيس, ويا دار ما دخلك شرّ.

أما في مسرح الطليعة بالعتبة, فأذكر جاءت نورا وبوسي لتحضرا العرض مع المتفرجين, فلزق بهما يوسف, وترك بعض ضيوفه من المثقفين وهات يا كلام.

لقد كانت النجومية هي مقتلته.

كان متنبي عصرنا لو جاز التشبيه. عين على الإبداع الباهر, وعين على المكانة الاجتماعية.
عين على الخلق, وعين على السلطة. فكيف يمكن الجمع بين نقيضين ومتضادّين ومتخالفين يتوازيان ولا يلتقيان؟

هو أراد للخطين المتوازيين أن يتلاقيا. يوسف أراد ذلك, وهنا بالضبط: كعبُ أخيلِهِ.

رحمك الله يا يوسف.

اليوم, حين أعود لمجموعاتك القصصية الباهية الباهرة, أقول لنفسي: أية موهبة! أيّ جبار قصصيّ! أيّة إشراقات ذهبت مع الذاهبين؟

وأية ثروة بدّدناها, وبدّدها صاحبها الجميل؟

يوسف أجمل من محفوظ في جلساته.
أطيب.
أصخب.
أحبّ.
ومرةً رأيت دمعته وهو يتابع أخبار حرب بيروت.

أي والله .. وهو يتابع تلك الحرب!



#باسم_النبريص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محفوظ: المجامل على حساب الحقيقة!
- محمد خضيّر .. النبيل في سبعينِه!
- احتفلال الكتلان ب -إستيل-: لستم وحدكم أيها الفلسطينيون
- جبرا إبراهيم جبرا: كتابتي نقش على الهواء!
- نوماً هادئاً يا عزيزي خوان!
- ساعات مع خوسيه ساراماغو
- ست زفرات صغيرة
- لقاء وحيد مع توفيق الحكيم
- احتفالية فلسطين للأدب: أدباء عرب في غزة!
- قصائد جديدة
- غونتر غراس ولسعات الدبابير!
- ومضات(2)
- مثقفون في المحرقة
- ومضات
- 13 نصاً
- مبسوط ومطمئن
- تأملات في الوردة
- تأملات في -المكتبة-
- 4 نصوص
- -خيانات اللغة والصمت- : كتاب يفضح النظام السوري


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم النبريص - إدريس: الصخب نهاراً, والاكتئاب ليلاً