حافظ سيف فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 1120 - 2005 / 2 / 25 - 09:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ولكم في مصر اسوة حسنة
تجربة توحيد الآذان
في احصائيات وزارة الاوقاف والارشاد ان مجموع المساجد في اليمن (80) الف مسجد. وجميعها ترفع الآذان بمكبرات الصوت, وبمختلف الاصوات الحسنة والاقل حسنا والرديئة. وفي صنعاء وحدها تتحاشر المساجد حشرا, ويصبح بين كل مسجد ومسجد, مسجد اخر, لدرجة ان مكبرات الصوت (الميكرفونات) تمتد الى بعض شبابيك المنازل فتصبح عامل قلق وضجيج للمرضى والاطفال والقاعدات من النساء وكبار السن في المنازل. خاصة عندما تطلق الخطب النارية والمحاضرات (دروس اسلامية مؤدلجة) -للعن الاخر- في غير مواعيد دخول وقت الصلاة وخاصة (بين المغرب والعشاء, وبعد صلاة الفجر في رمضان والناس نيام), الاستخدام العبثي لمكبرات الصوت والصراخ عندما يحمى ويسخن الخطيب او المحاضر من شدة التفاعل مع تصوراته الشخصية للاحداث الممزوجة بخلطة الدين بالسياسة. ان لنا في مصر اسوة حسنة, اذ انها تبحث بشكل حثيث حل لهذه المشكلة المقلقة للمواطن وتداخل اصوات الآذان, فما ان ينتهي آذان حتى يبدأ أخر وعلى مدى الصلوات الخمس, الى ان حسم مفتي ووزير الاوقاف المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق, الجدل المثار حاليا في مصر حول خطة توحيد الآذان باعتباره مسألة تنظيمية, وقد احل مفتي مصر علي جمعة توحيد الآذان في مساجد القاهرة وقال في فتوى نشرتها وكالة الشرق الاوسط المصرية "اتفق الفقهاء الاربعة (مالك, ابو حنيفة, ابن حنبل, الشافعي) على انه يمكن ان يكون الآذان واحدا في البلدة كلها وانه يكفيها الآذان الواحد لان الاصل في الآذان هو الاعلام ويقضي احد التصورات بربط مساجد القاهرة بدائرة هاتفية مغلقة ليذاع آذان واحد من خلالها في مختلف المساجد". وصرح وزير الاوقاف "ان الهدف من توحيد الآذان هو تنظيمي بحت لراحة الناس واظهار المسجد بمظهر حضاري يتناسب مع قدسية بيوت الله التي بنيت للعبادة, سوف يتم تحديد مسجد رئيسي في القاهرة يذاع لبقية المساجد ولكن لن يذاع الآذان من الزوايا الصغيرة التي تبنى اسفل العمارات طالما هناك مسجد في المنطقة, لان الآذان هو الاعلام بدخول وقت الصلاة, وهناك دولتان عربيتان بالاضافة الى تركيا تطبقان توحيد الآذان". انها فكرة جيدة لو تبادر وزارة الاوقاف و الارشاد اليمنية لاتخاذ مثل هذا العمل التنظيمي لمساجد العاصمة صنعاء وكل مدينة اخرى بضواحيها, وكل يوم تختار من اندى الاصوات الشدية لتعلم لحظة دخول وقت الصلاة. وكما نعلم في الاصل انه في زمن النبي - ص- لم يكن هناك مكبرات صوت او وسيلة اعلام تلفزيونية تنقل الآذان حتى لايظهر مزايدون -كالعادة - يحرمون الفكرة ويكفرون اصحابها, او مجموعات مسلحة محرضة خاطفة للمساجد تفتعل ازمة. فالآذان في الاسلام هو (الاعلام) بدخول الوقت للصلاة فقط, ودون شئ اخر لعدم وجود الساعات اليدوية والجدارية انذاك.
ان هذه الكثرة في اعداد المساجد المبالغ بها فوق حاجة المجتمع وعلى حساب مجموع التنميات الاخرى للمواطن, افقد الدولة السيطرة على معضمها فتسلمتها التيارات المتطرفة والجماعات المسلحة وسلبت عنها قدسيتها بالمماحكات السياسية والصراع على منابر الخطابة, اذ تبين في نفس الاحصائية السابقة - قبل سنة ونصف- لوزارة الاوقاف والارشاد ان (66) الف مسجد يقع خارج السيطرة ويسيطر عليها الاسلاميين -المصدر- (الوطن, ائمة مستوردون لتعديل مسار الوعظ, 4 نوفمبر, 2003).
تخطئ الدولة اذا لم تتعامل مع هذه الامور بجدية كما تعاملت مع منع الزجاج العاكس عن السيارت, او تأخذها بمنظور سياسي مصلحي او لحشد تيار ضد تيار او ضرب أخر, فالارهاب اليوم اصبح عابر للقارات ولم يوفر احدا, وما فتنة الحوثي المخمودة عن اليمن ببعيد. ان خطة توحيد ودمج التعليم ليصبح رسميا وتحت سمع وبصر الدولة وتطوير مناهجه بعيدا عن السلفية والوهابية والطائفية والمذهبية منذ عام 2001م, ومحاولة الغاء كافة المعسكرات الصيفية ومعلامات حفظ القرآن الخارجة عن نطاق وزارتي الاوقاف والتربية والتعليم يعد الخطوة واللبنة الاولى الصحيحة للاصلاح العام ووقف تفريخ الارهاب.
هناك حاجات ملحة لبناء المدارس في ربوع البلاد, كما هناك حاجة قصوى لانشاء المرافق الصحية والمستشفيات وبناء المراكز النفسية وخدمات الاعاقة الجسدية والعقلية. فالتعليم والصحة من اهم اولويات الدولة ويتطلب على الدولة ان تنشر اعلانات توعوية لاصحاب الضمائر الحية من اهل الخير والمتبرعين انهم ببناء او انشاء مدرسة في قرية او منطقة للتعليم او مستوصف للعلاج والخدمات الصحية, يدخل ضمنا في بند "الصدقات الجارية" وليس بالضرورة ان يقتصر المفهوم على بناء مسجد, اذ تعاني اليمن من تخمة شديدة في بناء المساجد على حساب بقية الخدمات والمرافق الاساسية للمواطن, في حين جعلت الارض مسجدا وطهورا.
وكان يفترض ان يطبق ذلك على ارض الواقع الاخ رئيس الجمهورية وينشئ بدلا عن مسجد (الرئيس الصالح) مستوصف للاعاقات الجسدية والاحتياجات الخاصة او مستشفى كبير للامراض العصبية والنفسية (ليجمع مجانين الشوارع الملفتين للنظر لكثرتهم) او فتح مركزا بحثيا علميا يضرب به المثل في الشرق الاوسط, يشكل الكوادر الاكاديمية وينميها ويدعم البحث العلمي, فـصنعاء ليست ناقصة مساجد ولكن ينقصها مراكز للبحث العلمي ودعم العلماء وبرامجهم المتنوعة. لسنا هنا ضد المسجد او بنائه ولكن ضد العشوائية في البناء وعدم تنسيق الاولويات من حيث الاهمية, وكذلك في عدم تحمل الدولة مسؤلية من يستولي على المساجد من التيارات المختلفة المتطرفة. فالاولوية تكون على سبيل المثال, اذا قدمنا الى منطقة نائية بها مسجدين ولايوجد بها مدرسة لابناء المنطقة, عندها لايبنى مسجد ثالث ولكن تبنى مدرسة, حتى لو كان الباني والمتبرع من المواطنين الميسورين او القطاع الخاص على اساس المفهوم النابع من "الصدقة الجارية", ايضا في بناء المدرسة صدقة جارية لانها تعلم علما ينتفع به. وهنا يظهر مدى اهمية التوعية الاعلامية والتوجيه المستمر بهذا الخصوص, وعلى الدولة ان تعتمدها في سياستها وتعاملاتها مع المواطنين في ارساء صرح المسيرة التنموية العامة ليصبح هناك عامل تنسيق وتكاتف في البناء بين الدولة والمواطن وليس العشوائية كما هو عليه الحال اليوم. لقد اصاب رئيس الوزراء باجمال في حديثه للصحفي داوود الشريان في برنامج (المقال) عندما قال انه بعملية دمج التعليم والتطوير المستمر للمناهج الدراسية, تعني تغيير افكار الناس وثقافاتهم القديمة بنبذ الثأر, والقاء السلاح والحد من انتشاره, اي ان المسالة تكمن في تغيير العقليات.
[email protected] بقلم: حافظ سيف فاضل, كاتب وباحث اكاديمي ,
#حافظ_سيف_فاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟