أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشير ونيسي - ملحمة السندباد الجزائري















المزيد.....



ملحمة السندباد الجزائري


بشير ونيسي

الحوار المتمدن-العدد: 3847 - 2012 / 9 / 11 - 12:30
المحور: الادب والفن
    


ملحمة السندباد الجزائري
بشير ونيسي
*مقام الشهيد
وحدك الواله ‘ الشهيد
في هذا الوجود المديد
لاشيء لك غير همس التجلي
مخضب ببحر الحال
تنسج جنائز الروح
وأنت لاأنت
لا جزائر لك غير جزائر النور وجودا
الوجود جزائر النور
الكينونة على جناح السرعة تهفو
تغمس في فراغ العدم شجر الوحي
في بحر النور تسري لتعاو
الفوضى إمرأة تسقيك جنة ضائعة ..
الجحيم جسدك التائه
في سرمد اللحظة العذراء البيضاء
مولع بكيمياء السعادة .
ها أنت تشبه السماء
وجهك يسمي الوطن غربة
وظل طير وكأس عودة أبدية للوجود للحب الشهيد لل...
لاشيء لك على باب الله غير حدس المستحيل
تفتح به مدن العدم الفظيع
ترحل في مرآة وجودك
عبر بساط الريح والمدى صدى الروح
الكينونة براق أندى من قطر الندى
إثمك المقدس تفاحة خلد
قطفتها من شجرة التجلي
ذات وطن يتلاشى
كنت توشم في عين الشمس
طوق حمامة وغزالة ...
بإسم الحب ...

هذا نص نقرأ فيه الظاهرة الشعرية الأزراجية قراءة تراهن على البنية الفكرية الجسد الوجود اللغة في الجسد نريد أن نعرف هذا المعطى الكينونة سر الذات الطافح بالحرية والهوية وهو متوهج بارادة الحياة للوصول الى جنته الضائعة وفي الوجود نتحسس عالم الأشياء وتجلياتها وانعكاستها على مرآة الكينونة وفي اللغة نفسر شعرية الكلام كانزياح للمتخيل لا كمؤسسة تؤطر الذات بمعرفة مسبقة غثيانية المعنى .
لكن السؤال الذي نطرحه بشدة لماذا السندباد الجزائري ؟ السندباد هو الشاعر الجزائري الكبير عمر أزراج شاعر أشكال ارتبطت سيرة حياته وموقفه السياسي بشعره الذي راهن فيه منذ الوهلة الأولى على الحداثة الشعرية كشكل ابداعي ينسجم مع تجربته ‘ والسندباد هنا في ملحمته ليس السندباد المحكي بالصوت الشهرزادي المغامر في البحر بل السندباد الشعري كشخصية مفهومية تخوض بحر الشعر بالاجبار أو الاختيار ‘ لتحدس تكشف ترى وضعية الكينونةوشكلها وجهها جسدها ظلها طيفها حلمها وحيها وقتها دمها المتلبس بالبحر حتى صار قرمزيا قابلا للمحو والاثبات في الوجود ومعه ‘السندباد يماثل أزراج في حكاية الجسد عن الروح المفقود والوطن جنة ضائعة يريد أزراج أن يعود اليها ليحيا الخلود ‘ السندباد وجه أزراج التائه في عدمية الأشياء وهي تفقد هويتها أما جسد حرم من وطنه ‘فالتعلق بالوطن في جوهره فطرة ‘ أزراج يخوض بحر الوجود وقد توهج بالنور ‘ يخوض بحر النور بشراع الوجود ‘ السندباد شخصية مفهومية توحي بسر الشعر كنظرية للتجلي تأثل كينونة شعرية لها شكلها وايقاعها وصورتها ‘ وتحيلنا هذه الشخصية الى ثلاثة مفاهيم أساسية
1 الحرية كفعل للذات في اختيار عتبة الفعل الشعري واعادة اللغة الكينونة في لحظة البدء والتجلي الأول .
2 الوطن الفردوس المفقود والجحيم الموجود وأن نازعته في الفردوس كينونته فقدان الوطن لا يمكن أن تعوضه الجنة أنه هوية الكينونة ‘ انها تعيش شظايا عدم وشتات وتيه وقد اجتثت من أرضها وهي تذبل حتى ولوكانت جذورها في الماء ‘ السندباد هنا يستدعي جزائرالطفولة والبراءة والحب ‘ الجزائر عند السندباد شوكة في القلب .
3 الوجود الذي يفيض على المغترب فيفقد حلمه السرمدي الذي سوف يسترجعه في ملحمته الشعرية‘ غزالة في عين الشمس هي كينونته الراحلة عبر همس الحال وترتيلة المقام ‘ الوجود إمراة تشبه العنقاء تنبعث كل لحظة من رماد الوقت ‘ الوجود زمن يشتهيه السندباد ويرحل زمن له أجنحة الملائكة وصدى الشياطين ‘ زمن يعلو به فيسقط ‘ يسقيه فيظمأ ‘يبقيه ليفنى ‘ يعاني حب الحياة في الموت .
السندباد يرسم لنا شخصية الشاعر كمفهوم شعري يظهر لنا عمر أزراج بسمة حركية تمارس جدل الوصل ‘ و سمة وجودية تبتكر صيغا خلاقة لامكانية الحياة ‘ وقد يغدو الشاعر شيئا آخر فلا يقين مادام القلب يتقلب في الشك ولاوطن مادام الجسد يغترب ولا وحي مادام الحلم لم يتجل .
السندباد يشتهي المستحيل ليوشم وجهه على جدران الزمن ‘ يتمرد على مرآته ليعود لطفولته كي يعرف العالم فراشة تحتضن الفضاء والصدى تشطح على السطح تمرح تترنح تصدح.
نريد في هذا المقال أن نقرأ السندباد الجزائري عمر أزراج في المفاهيم التالية :

1 نداء الكينونة / عيد الوجود
* أنا من أنا الآن
*أنا لا أنا / أنا لاشيء
*أنا كل شيء
*مرآة الجسد
2 – القصيدة بين المتخيل الوجودي واللغوي
3- اغتراب اللامنتمي
4- معنى الوجود وجود المعنى

1 نداء الكينونة / عيد الوجود

* الشعر فن المطلق للعقل * هيجل

الكينونة هي أن تكون أن تعيش أن تتواجد انها وعي الغبطة المطلق بكل شيء وهذا الوعي يرتبط بالوجود في حينونته والكينونة في الشعري تشتهي التوحد أو الحلول في الوجود المجرد اللطيف في حين هي الموجود الملموس ‘ انها قائمة على قاعدتين الامتلاء بالوجود المدهش وتجاوز عدمية الوقت بلحظة التجلي ‘ الكينونة هي البعد الرابع الزمن الشعري المخضب بهمس الحال تمزج الذات بالماضي والحاضر والمستقبل للتقنص زمن التجلي المتوج بشبق اللحظة‘ انها أنا زمني والشاعر يقيم في قلب الليل كشمس يقيم في ما يجي أو قد يجي ‘ منزلة بين منزلتين لذة / ألم جسد / روح علو / سقوط محو / اثبات .
أزراج في مشروع الكينونة يعيد خلق اللغة من حالات الشعور المتوهجة ببراءة الوجود شيء من الماضي شيء من الماضي يفلت من اليد وشيء من المستقبل يتراءى في ذاكرة الذات لنقرأ هذا السطر والشاعر يعلن فيه الكينونة وهي تتحسس كل شيء لتعرف كنهه :
هل هكذا ترتدي رؤياك كل شيء سوى نفسك ؟
يوحي هذا بوضعية الكينونة الحرجة وهي ترى الرؤية / الرؤيا لكن هذه الرؤيا تلبس كل شيء الا نفسها الكينونة برؤيتها تلبس كل شيء واللباس تقمص ووحدة وجود لكن لا تلبس نفسها .
هذا السطر يرسم لنا حالة الكينونة حين ترى في :
- ترى بالبصر كل شيء وتلبسه
- لا ترى بحدسها نفسها
‘ الكينونة مع الأشياء تسمي لتخلق الشكل في زمنها الكلامي ‘ ذلك هو تعيين الذات فعليا في الزمن الذي يجمع ماضيها ويستبق هذا الماضي .
هل ترتدي الظلام ليضيئك
هذا السطر يراهن على الفعل المضارع المكرر لتبدو الكينونة بين الرؤيا والعمى يحدث العمى الرائي يريد أن يكشف طقس الكينونة مع كل شيء.الكينونة تلبس الظلام لترى نورها الوهاج كأن الظلام عدم الأشياء الذي منع يحدث الاشراق للكينونة البيضاء إنه الوله الشجن .
أكتب نفسك خارج المدارات
الكينونة هنا تسطر نفسها خارج الوجود المزيف تتعلق بلحظة الوجود الأصيل خارج مدارات الأشياء كلام الكينونة يفسخ سراب اللحظة ليعيدها الى تكوينها الأبدي حين لاشيء الا الذات كينونة ترتدي فيض الوجود .
يقول أزراج بنداء الكينونة :
لتنساك غربتي ‘ ولتتهجاك أحلامي
نجد هنا شكل للغربة يطابق الأحلام وفعل للنسيان والتهجي لو قلبنا لتنساك أحلامي وللتتهجاك غربتي نرى نقرأ في هذا المقام الكينونة تنسى وتعود للبدء القراءة في النسيان تطفح الغربة على كلام الكينونة وفي الأحلام تتهجى اسمها الأبدي لكن سؤال الحالة يدل هنا على الوجود الأنثوي إمرأة أعاد للطير رذاذ غنائه فتهدهدت الكينونة بنشوة تشبه الصلاة .
ثم يأتي العلو للكينونة لتصعد عبر براق لغتها الجسدية المعنى :
ها أ أنا أمضي الى بلاد الغمام
لم يعد سطح الأرض كافيا لأن يحتوي الكينونةالطائرة التي فضلت التعلق بالسماء لمعانقة المطلق .
يمكن أن خلص في هذا الفصل الى ثلاث دلالات وجودية للكينونة
الدلالة الأولى هكذا عدت وما أردت في زمني الرؤيا ترتدي كل شيء الا ذاتها .
الدلالة الثانية هكذا رأيت الكينونة ترتدي الظلام لتضيء نفسها .
الدلالة الثالثة هكذا تكلمت لأكتب نفسي أكتب نفسك خارج المدارات .
هذه الحيرة هي التي سكنت الكينونة الشعرية بين ذاتها المتوحشة والآخر المدهش امرأة وبين الوجود الأصيل المؤنس والوجود الهش .
نشير في تحليلنا للوردة الكينونة في الشعرية الأزراجية في كونها تناصا ملتصقا بالرومنسية التي نظر لها كانط في فهم الظواهر انطلاقا من الحدس الذاتي وشهوة الحساسية التي تولد نشوة التوغل بحرية في الفناء الأبدي كذلك تناص هذه الكينونة والتصاقها بزاردشت وحلم العودة الأبدية الذات كيف تصير تطير لا تسير انها ذاكرة اللحظة الموشحة بارادة الكلام الزمن لم يسعني واللحظة تخلصني من ظلي السراب أيضا نجد هذا التناص يلتصق بانفتاح الوجود كما ينظر مارتن هيدجر أمام الموت في مستقبلها وأمام العدم في حاضرها اذن
الرومنسي أنا أحدس
الزاردشتي أنا أصير
الوجودي أنا أكون
الشاعر الجزائري الكبير عمر أزراج شاعر الوجود الذي أعاد للوجود انفتاحه وتجلياه وللكينونةشكلها وملحمته الشعرية تحكي وردة الكينونة أنا أريد والوجود كوطن يسلبني
أنا أرى والوجود والوجود كوطن أعمى وأنا أوجد والوجود كوطن يعدمني ‘ يحيل هذا الى الكينونة الشعرية الأزراجية أوسع من وجودها منفتحة وووجودها مغلق تثبت ووجوده يمحو كينونة مع وجود مثال في وجود محال ‘ كينونة يثقلها يثقلها الوطن بماضيه يسحقها بحاضره يحيرها في مستقبلها القرمزي الدم جسد والبحر وجود .
الكينونة رؤيا من الجسد الى الوجود‘ ارادة الجسد يخطف وجوده باللحظة ‘ كلام حكاية حكاية التجلي الصامت المنبعث من الوجود وحكاية الرؤيا المنطوقة المنبعثة من الجسد .
ملحمة أزراج الشعرية تريد مشروع وجود قائم على الأقانيم التالية :
الأشياء
شكلها
الجسد
الأشياء وكيفية تسميتها لا معرفة ماهيتها على حد تعبيرنيتشه أزراج يسمي الأشياء بكينونة المحو واللطف يعود باللغة الى أصلها الفطري لا المؤسساتي ويترك هذه الأشياء تتجلى في الكلمات بحرية الظهور دون فرض اللغة عليها أما شكلها فهو مشحون بكينونته حين يخلق المعنى ايقاعه وصورته وأفقه أما الجسد فهو مولع بالوقت المنسي تاريخيا والمتذكر جغرافيا واذا فككنا مركزية الكينونة نجدها بالخطاطة التالية
ما يمكن أن نصل اليه هو القول أن الكينونة هي أن الكائن على ماهو عين ذاته ‘ وأزراج أن ان يقول الوجود بكينونته المتوهجة باللحظة لحظة الشطح بالتجلي الوجودي فأعاد للأشياء سرها الأصلي وحل في الوجود كما يريد وكما يرى توحد في الأشياءوتمظهر في كل الذوات وتماهى مع الوجود واستعار أوجه أخرى وجه كانه ووجه يمكن أن يكونه ووجه قد يكونه كأن نداء الكينونة الشعرية الأزراجية يصدح بالكوجيتو التالي وهو سندبادي بصوت شهرزادي أنا أشعر حيث لا أوجد وأوجد حيث لا أشعر .شعر أزراج يخلق معنى من لا معنى له و لا احادية للمعنى لأن هذه الأحادية تعتبر كوليانية .
* أنا من أنا / يقول أزراج
في ليالي الأرض التي يأسرها الماء وقبضات الغمام
في بكاء الجدران سوف ألقي ببرق الكلام
علني أشعل جسمي لأرى دربي
سؤال الذات في هذا المقطع يبدأ من ليالي الأرض التي يأسرها الماء في بكاء الجدران تبدو الذات في عدمية الوجود وصمته فالكينونة في هذا العمق السحيق تبحث شكلها الذي يبدأ بمستقبل الكلام والكلام صوت الكينونة في صمت الوجود ويبقى الحلم يشتهي اشعال الجسد ورؤيا الدرب .
هذا المقطع الوجودي الحس يكشف حالتين حالة فيزائية تكشف مادة الأرض المأسورة بالماء وقبضات الغمام ‘ الماء يأسر متخيل وجودي أسقطت عليه شطحة الكينونة وقبضات غمام متخيل له معنى المجاز ثم نجد بكاء الجدران تعادل ليالي الأرض هي ثنائيات تتشتت فيها الكينونة مبدأ التكوين الأرض الماء الغمام وللأرض ليالي تدل على سكونها وصمتها والجدران تبكي عودة للوحدة والهجر .
حالة نفسية للكينونة وهي تريد أن تكون فتلقي انطلاقا من حاضرها ببرق الكلام كخلق قبل أن يرحل همزة ألقي ذات تعلو مثل بعد رابع يتجاوز الماضي والحاضر والمستقبل لعل وعسى تشعل الجسد والمعنى متخيل انزياحي الايحاء يدل على نار الذات وهي تتلبس بطقس بروميثيوس ثم ان هذا الاشتعال يأخذ حالة الاشراق النور من أجل رؤية رؤيا الدرب . أنا الشاعر هنا تلقي ببرق الكلام في زمن مستقبلي الحال لتعلن عن شكلها الجسد نار تؤنس .

*أنا لا أنا /لاشيء أنا / يقول أزراج
هذا وطن من رماد والموت حجر في جدول
هذه الشذرة الشعرية هي شظية كينونة منفية في وطن من رماد والموت حجر في جدول انه جحيم العدم أنا بلا وطن لاقيمة له فأزراج يجد الكينونة مطفأة وهي العنقاء جوهر الكينونة الوطن والموت وكلاهما حضور الكينونة متشظية بين الوطن والموت الكينونة بدون وطن تفقد هويتها وبدون موت تفقد حريتها .
*أنا كل شيء / يقول الشاعر
عندما يهطل المطر
والسحابات تنتظر
اذكريني... تعبدي
ياهوى كان معبدي
عندما ينساني البشر
انقشيني فوق الحجر
ربما ينبت الزهر
حوله ‘ ربما المطر
يرتديه حين السفر
عندما يحزن القمر
والسحابات تنتظر
اسألي عني الأنجما
ربما كنت الأنجما
هذه القصيدة هي موشح للكينونة تكشف للآخر المؤنث الحبيب عن ذاتها التي تحل في كل شيء ‘ وهذا الموشح يأخذ في ظاهره ايحاءات رومنسية منذ القراءة الأولى لكن لو تعمقنا في كنه المعنى نجد البنية منشطرة الى مشهدين الأول عندما يهطل المطر يجب أن تذكريني بطقس العبادةلأنك هيكلي النوراني وانقشيني فوق الحجر وشما للروح على جسدك السماوي المائي الجسد والمشهد الثاني كينونة النجم في حزن القمر .موشح الكينونة يهدهد بطقس الطبيعة والوقت إمرأة بلون المطر ورقة القمر .
* مرآة الجسد /
* أنا الآن أنت وصوتي ندالك *عمر أزراج
الجسد في حكاية شعره وسيرته لايستغني على المرآة التي يرى فيها وجهه وشكل الآخر حتى يعرف صورة وجوده وحجم كينونته مع / في الوجود ..المرآة وجهك البعيد‘ ظلك التائه ‘ شكلك حين يسري في النور ..المرآة بها يشهد الوجه جسدا ‘ عين الشمس ‘ قمر القلب وهوينبض في ظلمة الدم ‘ الوجه حقيقة الشيء ...
المرآة بها ترى الجسد وجها ‘ الشجن وله الوقت ...
المرآة تجلي الروح عبر الوجه ‘ وحدك تحدس كينونتك البحر الطافح بغواية الأشياء .
نظرية لاكان في المرآة تكشف انفصام الذات عن المحيط باستثناء الأم وتظهر المرآة مسافة البعد بين الذات وحدها ويولد هذا التشظي انحرافا جسديا عن ماهية الأشياءكما أن الهوية المكانية تعادل وجه الأم ‘فلو أعادنا تشكيل منظومة لا كان وفق ثلاثية الجسد الذات الشعرية في لحظة الكوجيتو والوجود كمحيط تتشظى فيه الكينونة والأم تدل على اللغة يمكن القول أن الشاعر عمر أزراج في مرآة شعرة يتبين لنا مايلي :
المرآة الذات تحدق في نفسها لتعرف نفسها بنفسها وجسدها بجسدها .
المرآة الآخر وجه الذات الغائب والذات وجه الآخر الغائب .
المرآة الكينونة تحدس بالشهود مثل الصوفي في كشفه وشطح حاله
يقول أبو زيد البسطامي :
فصرت أنا المرآة
كنت لي كالمرآة
ابن الفارض يقول :
كنت جلاء مرآة ذاتي من صدا
صفاتي ومني أحدق ت بأشعة
أما ابن عربي في فتوحاته المكية يرى أن قلب المحقق مرآة .
نيتشه يقول عندما نظرت في المرآة صرخت وقد ارتج قلبي هلعا اذ لم أر وجهي هناك بل وجها بشعا لشيطان .
محمود درويش يقول :
أما أنت
فالمرآة قد خذلتك
المرآة في الشعر يمكن أن تصاغ بالشكل التالي جسدناه شعريا
أنا بعدك
في المرآة لي وجه النار الجدار
أنا بعدك
في المرآة لي الجسد جنة
مولع بالمرآة يا وجهي الظل
فأعدني الى عين أمي
لأكون أنا ما أريد وأرى .
في شعر أزراج ذات متوهجة بوجه يريد شكل جسده عبر الوقت يقول الشاعر في قصيدة الموناليزا اللوحة الخالدة ليوناردو دافينشي هي مرآة الغريب في منفى الروح يقول الشاعر :
هي لا تدري ولكن الغيوم
كبلت أجنحة الضوء وعرت
جسد الموال في عز صباه
آه لو يدري المساء
كيف تبكي الروح في سجن الشقاء
هي لا تدري لماذا انتحر العاشق في نهر العزاء ؟
كان يوما داكنا والشمس تغفو فوق أهداب غزال
حينما رفرف في عيني هلال
وأنا كنت أغني وصدايا
يرضع التحنان من نهد الرمال
صورة الكينونة في هذا المقطع تكشف عن مرآة الموناليزا والبصر من حديد يكشف سرها أجنحة الضوء ‘ جسد الموال تبكي الروح ‘ الشمس تغفو فوق اهداب غزال يرفرف هلالا والذات تغني وصداها يرضع التحنان من نهد الرمال ‘ الموناليزا صدى للروح فلو رتبنا شكل المشاهدة حسب بؤرة الشاعر لوجدنا المرآة تأخذ صورة أجنحة الضوء التي تحمل الشاعر صوب روحها النوراني ‘المرآة جسد موال في رقتها وانسيابها ‘ المرآة هي الشمس تمحو ظلمة الجسد ‘ المرآة أهداب غزال مقام الرؤيا أشبه بالبرق في لطفها ‘ المرآة هلال يرفرف .
قصيدة الموناليزا هي قصيدة المرآة من خلالها يشخص الشاعر جسده المثقل بحبه الضائع وهو يرضع التحنان من نهد الرمال ويحدس وجههالتائه في لحظة اغتراب تشبه السراب .
حدقت في وقالت :
أنت عصفور غريب في الخليج
وبكت والحيرة الحيرى دخان في الوريد
كان ميعادي مع البرق قديما والبريد
أغلق الأبواب من عهد بعيد
ولذا صرنا غريبين ولو في الحلم يا لوحة صبح
قد تعفر ..
هنا حوار المرآة وهي تصف الشاعر بعصفور غريب في الخليج عن السرب وتبكي وحيرتها دخان ‘ ويعلن الشاعر في آخر المقطع عن الغربة هي وحدة وجود .
آه موناليزتي أنت حزينة
رمشك الراعش يغري بالسفر
يجعل القلب يغني
عبر أحزان البشر
لون عينيك زمان ظل في منفاه قلبي
صدرك الخافق شردني ياليتني أعرف أسرار الدروب
اضحكي رب انفتاح الشفتين
سيحيل الصمت موسيقى وحزن القلب حقل ياسمين
ويحيل الموت ميلادا وريح الوطن المهجور بيتا
الموناليزا مرآة بلون الحب يقرأ الشاعر كينونته في نسب الموناليزا الى ذاته وهي حزينة ‘ لكن رمشها الراعش همس الجسد المتوج بأنوثة تشبه أسطورة الآلهة هذا الرمش يغري بالسفر يجعل القلب يغني ‘ ولون العين هو فضاء المرآة زمان للوصل ظل في منفاه الفؤاد وصدرها الخافق شرده ‘ الكينونة حين تحدق في مرآة الموناليزا الرمش الراعش لون العينين الصدر الخافق تعلن مشروعها الوجودي المتمثل اغراء السفر ‘ غناء القلب ‘ زمان المنفى الذي تاه فيه القلب ‘...
ثم يختم الشاعر المقطع بطلب الضحك لأن وجه الموناليزا مازال اشكالا هل هو ابتسامة أو فرح أو بهجة أو دهشة او براءة أو عشق ...لكن الشاعر يريده ان تضحك لتمحو الكينونة الصمت بالكلام الموسيقى ‘ وحزن القلب حقل ياسمين ‘ والموت يتحول الى عيد ميلاد ‘ وريح الوطن المهجور بيتا .
اذن ضحكة الموناليزا بدء نداء الكينونة تريد سكنى الموسيقى بدل الصمت ‘ والميلاد بدل الموت ‘ وحقل الياسمين بدل حزن القلب ‘ والبيت بدل ريح الوطن .
مرآة الموناليزا تعري الكينونةلتكشف عن هشاشة الكائن المتمثلة في الصمت ‘ حزن القلب ‘ الموت ‘ ريح الوطن ألا يوحي هذا بحالة الكينونة وهي تعاني مشكل الوجود انها تريد ما ترى والموناليزا تمنح التجلي للكينونة لتطير وتصير...
آه موناليزتي ..أنت غريبة
أنت حلم أبيض الريش تمنى
أن يصير النسر أحلى حمامة
هي لا تدري لماذا يصمت القيثار في كف الطفولة ؟
ولماذا يقتل العصفور في عرس الخميلة
هي لا تدري ومليون سؤال
يحصد الفرحة في غمزة عينها وأسرار الجديلة
وأنت تقرأ السندباد الجزائري عمر أزراج تحس كأنك أمام شاعر رومنسي بوله وليام بليك في أغاني البراءة ولكن التأمل في البنية الفكرية تجد القصيدة تحيل الى معاناة الكينونة وتشظيها بألم الوحدة والحيرة في بحر هذا الوجود الذي يبتعد اذا اقتربت الكينونة وجه الموناليزا حلم أبيض الريش يحلم انه صفاء المرآة وطهرها تريد أن يصير النسر أحلى حمامة حب وسلام بعيدا عن الوقت الشرس لا تدري حين يصمت القيثار في كف الطفولة ولماذا يقتل العصفور في عرس الخميلة هذا عالم يكشفه الشاعر انطلاقا من مرآته السحرية الموناليزا الحلم الأبيض الريش والايماء بالريش للاحالة الى التحليق هذه المرآة تكشف عن غثيان الجسد وخوفه من النسر حين يصير أحلى حمامة وقتل العصفور وصمت القيثار هذه العلمات تؤشر بحالة ترقب وما يحدث في وجود يهجسه الشاعر موت القيثار بين أصابع الطفولة ‘ وتقنع النسر بأحلى حمامة وقتل العصفور في عرس الخميلة .
أليس لعصفور وأحلى حمامة والطفولة هي صور وشكل الكينونة المتجلية في المرآة وهي تصارع شراسة الوجود الطافح بجحيم العدم .
آه موناليزتي ..أنت أيا وجه بلادي في الغروب
يا ويا أجنحة الريح التي تحكي لنا هي نداء
الأهل وهويجتاز الظلام
هكذا قلبي يهيم
حين تنقر حزني يدك الممدودة الشريان نهرا من حنان
أنت حلم وجناح أبيض اللون على صدر كمان
الموناليزا في هذا المشهد تعيد الكينونة الى يوتوبيا الوجود الوطن الفردوس المفقود انها وجه الوطن في الغروب ‘ أجنحة الريح وهي تحكي نداء الأهل وهو يخترق الظلام ‘ تنقر بيدها الممدودة الشريان نهرا من حنان ‘ المرآة تعادل عين الأم في نظرية لاكان الموناليزا هي عين الشاعر التي تكشف عن شقاء الروح في عدمية الجسد .
يمكن أن نرصد في مرحلة المرآة في قصيدة الموناليزا في ما يلي ك
*جسد موال * تبكي الروح* أهداب غزال * هلال * يرضع التحنان من نهد الرمال * عصفور غريب في الخليج *قمر يهزأ بالغيم الحقود * زمان ضل في منفاه قلبي * الموسيقى * حقل ياسمين *ميلاد * بيت * احلى حمامة * قيثار في كف الطفولة *وجه بلادي في الغروب * جناح أبيض على صدر كمان * هذه صور وتجليات الكينونة عبر مرآة الموناليزا كينونة تتحسس لطفها ببراءة الحكي الشجي هذا يؤكد على المعنى الوجودي للشعرية السندباد الجزائري عمر أزراج الكينونة حمامة قمر يسخر من الغيم ذات غريبة هلال يرضع التحنان من نهد الرمال يمكن صياغة الصورة بشكل شعري مفترض :

ها أنا ذا كينونة
ترحل في عينيك يا موناليزتي
مرآتك نور على نور
وجهك موسيقا ضوء
يبعثني جسدا موال
يحاكي وجه بلادي في الغروب
أهداب غزال
تطفيء عين الشمس
قيثار في كف الطفولة يعيدني لفجر الروح
جناح أبيض على صدر كمان
يحملني صوب حقل ياسمين
حيث الميلاد والبيت
طوق حمامة وهلال .
نداء الكينونة احتفال بعيد الوجود ظهر ذلك في تجليات المرآة وقد كشف السندباد الجزائري عمر أزراج عن ملحمة شعرية تثبت هوية الروح وهمس الوجود وارادة الجسد المشتاق لحرية تنبع وطن مدهش يشبه جزائر السندباد .

2 القصيدة بين المتخيل الوجودي واللغوي /

* الانسان يحيا شعريا على هذه الأرض *هلدرلين

في هذا القسم نقرا في الملحمة الشعرية الأزراجية الوجودية القصيدة كنص برزخ بين المتخيل اللغوي والوجودي ‘ يجب أن نسلم افتراضيا بالفكرة التالية قبلية الماضي بعدية الجسد مثل الوجود بعدي الجسد قبلي التاريخ ‘ والوجود نفي / اثبات كل شيء لاعادة تشكيله بالمتخيل الكينوني حلما ووحيا ‘ في حين أن اللغة نفي / اثبات الكلام لاعادة صياغته حسب مقتضى الحال ‘ لكن هل يوجد في اللغة ذلك الشيء الذي أنا هو ‘ وهل يوجد في الوجود أنا ذلك الشيء هناك ‘الشاعر في طقسه الشعري ما بين بين اللغة كمسافة والوجود كمساحة وهو يريد أن يرى مايتجلى بسر المتخيل ‘ المتخيل اللغوي يعطيه اللفظ ليرسم المعنى ‘ والوجود يعطيه المعنى ليرسم اللفظ ‘ذلك هو الجسد في حركية التجلي والخلق ‘والشاعر في المتخيل اللغوي يسمي كل شيء وفي المتخيل الوجودي يسكن كل شيء ويعيد له وهجه العذري ‘في المتخيل اللغوي يتكلم ‘ وفي المتخيل الوجودي يفكر ‘ هو يؤسس للوجود عبر اللغة ‘ لكن كيف يتم المتخيل يحدث بالجسد حين يرى كل شيء ببراءة وحلم وحي كأنه يعيد الوحي للحياة ‘ الشاعر نبي الوجود بوحي اللغة ‘ نبي اللغة بوحي الوجود ‘ والمتخيل
يرى ما يتجلى ‘ ويريد مايرى حتى يتم التجلي بارادة الرؤيا ‘ لكن الجسد ماذا يرى وجهه يلبس كل شيء وجسده يسكن الجحيم والفردوس مرة ملاكا واخرى شيطانا وماذا يتجلى له يتجلى له جسده بشكل النور .
المتخيل اللغوي يجسد المجرد ‘ يجرد المجسد بالكلام ‘ في حين أن المتخيل الوجودي يجرد المجسد ‘ يجسد المجرد بالجسد ‘ أي تأتي الأشياء في الكلام على ما عي عليه في نفسها ‘ وفي الجسد على ما هي عليه في نفسها .
المتخيل اللغوي يراهن على ايمائية اللغة لا على التصور العلامي الألسني الذي يراهن الاسم يدل على المسمى بدلالة العلامة القائمة على اعتباطية الدال والمدلول ‘ في حين أن ايمائية اللغة الدال يدل على المدلول بالايماءة فاطلاق الدال على المدلول ليس تعبيرا عنه أ تصويره وانما اظهار الشيء عينه الى الوجود اذن الدال شرط خروج الشيء الى الوجود ‘في حين ان المتخيل الوجودي يقوم ايماءة الفكر المتصلة بالتجربة الحية والشعر والرهان على الخروج من الخفاء الى الظهور لا الخروج من العدم الى الوجود وبذلك تكشف حجب الجسد الذي له معنى الآخر ليتجاوز ظلمة الغياب وسرابه اذن يمكن أن أن الى فكرة بسيطة تقول كلام + وجود يؤدي الى اللغة وجسد + لغة يؤدي الى الوجود ومنه يمكن القول ان اللغة تحمل سر الوجود كما يقول هيدجر مارتن الوجود الكلام جسد اللغة الجسد كلام وذلك هو الظهور المنور على حسب تعبير طه عبد الرحمن في كتابه فقه الفلسفة .
نلح هنا على فكرة أساسية الوجود الكلام جسد يقول أزراج :
صرت تقيس أيامك بظل المطارات
هل أنت مشغول بترويض خيل العزلة
عد الى الكلمات لا ملك خارج الحرف
منحنية هي الطريق. المصباح يتضاءل
الريح تمطر في قلبك ‘
الارض تتشقق في صوتك كالجثة
هل أدركت أخيرا أن كل البلاد قبض الرياح
نقرأ في هذه القصيدة الزبد حضور الوجود كلاما يوميء بالجسد وتجلي الوجود ولنا أن نعرف عد الى الكلمات العودة الى الكلام لتكشف ملكية الجسد ونرى الجسد يروض خيل العزلة ولكن الطريق منحنية والضوء يخفت والريح تنحرف عن وظيفة الهبوب الى وظيفة المطر بانزياح المتخيل الجسدي ولك بعد ذلك أن تعرف الأرض تتصدع في صوتك أصل كلامك كينونةوتصير جثة تشبه العدم وتدرك أن كل البلاد التي يرحل فيها الجسد تتلاشى في الغياب العدم .
اللغة الجسد كلام يقول أزراج :
جسمها مسيج بغابة النمور
جسمها رذاذ الأجراس
يأتيني متلعثما
جسمها يكسو الينابيع ويطرزها بالأوشام
كالعشبة الظمأى في منحدرات بني مليكش جسمها
وهل من شباك توؤي الصفصاف
جسمها راقص أخضر
في محطة مهجورة
في هذه القصيدة قصيدة لها عنوان موازي هو المطلق نرى اللغة بكنه امراة الجسد مسيج بغابة النمور خطر وحشة الكلام رذاذ الجرس ‘ يأتيني ملعثما نرى الكلام يسري في الجسد بحال التلعثم ليرضى ألهة اللغة الجسد يكسو الينابيع ويطرزها بالأوشام عشبة ظمأى ‘ راقص اخضر في محطة مهجورة كل هذه الأيقونات اللغة غابة نمور بشكل الجسد رذاذ الجرس ‘ يكسو الينابيع يطرزها بالأوشام ‘ كالعشبة الظمأى ‘ راقص أخضر تجعل الكلام متلعثما بشكل الصفصاف يبحث عن مأوى له خلاص الشباك ليطل على أفق الوجود الأصيل .
ان الحضور الذي يشتهيه السندباد الجزائري أزراج يجمع بين المكان والزمان أنه زمكانية الحالة والتجلي انه الحضور القريب الذي يسكن الى الانسان وهذا يمنح القصيدة عطاء وجوديا يوحي بقدر عليه وله بقدر أنزل بالوجود يصنع به هذا الوجود مصيره ويحدس أيضا عطاء زمنيا له معنى الامداد الذي يفيض على المتخيل اللغوي والوجودي بكينونة الكلام الكينونة كلام ‘ الكلام كينونة ومنه يختص الوجود بالحضور والزمان بالانفتاح وعليه يمكن القول أن المتخيل اللغوي كلام يتجسد والمتخيل الوجودي وجود يتكلم والكلام يتجسد في الشيء وكينونته وشكله.
كلام يتجسد يفرض علينا جغرافيا للغة وتاريخ للجسد أما وجو يتكلم يفرض جغرافيا للجسد وتاريخ للغة أي يمكن صياغة الفرضية على النحو التالي الوجود جغرافيا الجسد تتجاوز تاريخ اللغة لبعث الكينونة أما اللغة تاريخ الجسد لتجاوز جغرافيا الروح من أجل شجن الكينونة .
الكلام يقول للأشياء أن تجيء في الوجود.
الجسد يقول للأشياء أن تجيء في اللغة .
الوجود جسد له جغرافيا الكلام .
اللغة كلام له تاريخ الوجود .
الكلام جغرافيا الوجود
الجسد تاريخ اللغة
الوجود روح الكلام
اللغة جسد الكلام

3اغتراب اللامنتمي /
*على طرق ملتوية الى الذات ‘ نضج الرجل هذا يعني استرجاع الجد ‘ الذي كان له حين كان طفلا يلعب *
نيتشه ماوراء الخير والشر

*أنا البربري النحيل
أدق على الطبل ليلا
وأخفض للغرباء جناح الهديل *
عمر أزراج

يبدأ الاغتراب حين تنشطر الذات عن هويتها ووطنها ‘ فتعيش حالة من الشتات والحنين لشيء مفقود يشبه الجنة الضائعة ‘حينما يحيا الانسان شعريا في الأرض فيحس بالاغتراب ‘ الاغتراب معطى وجودي بامتياز يجعل الكينونة تشعر بتلاشي ذاتها ‘حين تحل في الوجود ويشرق عليها والشعر عبر كل أشكاله اغتراب يخلع الجسد من انتمائه ‘ تشتاق الذات في جحيم اللحظة الى فردوسها الطفولة البراءة ‘ألم اللحظة بمستقبل مفجع عدمي الحساسية نتيجة فقدان الموطن الأصلي
الوجود اغتراب يعني أن تشعر الكينونة بما لا يشعر به الغير فيصير أنا لا أنا فلا أمسه يعود ولا غده يأتي ولا يسمع صوته عبر أفق الوجود ‘ يبحلق في المرآة فيجد نفسه غريبا عن نفسه ولا يعرف نفسه بنفسه ‘السراب دليله والغياب لاأرض هناك لا سماء فيشتد وهج القلق ليولد نسيانا وقذفا هناك ويعيش الأنا جحيم العدم اذن يمكن في الاغتراب حسب الزمن الشعري في ملحمة السندباد أن يشير الى الأسئلة التالية :
أين أنا ؟
هل أنا هنا أو هناك ؟
هل أنا بعيد عني ؟
هل أنا مع أو وحدي ؟
أنا – وطن
أنا + وطن

هل أين أنا هو فقدان المكان واذا فقد ت أنا المكان أين أضع القدم وأنتمي ‘ أزراج يعرف جيدا هذا السؤال بمكاشفة مدهشة ‘حينما فقد الوطن وحمله في حقيبة سفر الى المهجر فسرت روحه باشراقتها في كل شيء فكانت القصيدة الخلاص والوطن الجديد ‘لكن أنا ليس هنا حرم منه وهل يمكن أن يكون هناك حيث الآخر نشوة بلا شهوة ‘ وانا في وحدته هل هو هو أو أنه مع أو بعيد عنه الاغتراب في ملحمة السندباد الجزائري يحدث بصورتين الأولى وله بالحرية حتى العلو الى السماء وخطف النار من الآلهة التي آنس بها وتقديمها الى أهله والثاني تمرد الكينونة عن الوجود البائد ومحاولة تجاوز امكاناته بالتسامي .
وهنا تبدأ مغامرات السندباد وله بالحرية وتمرد الكينونة لاكتشاف سر الوجود ‘ السندباد في أل ليلة وليلة مغامر مكتشف رحالة يحضن البحر لا يشبع من موجه وهوله وقد وظف هذا القناع الشعري في الشعر العربي المعاصر عند صلاح عبد الصبور وخليل حاوي ‘ يكشف أزراج في شعره اغتراب اللامنتمي عبر وجه السندباد وجه الكينونة الجديد بلا وطن وعيش الطفولة في وطنه ثم حلم الجسد بنبوءة الوقت وبشارة عودة الروح يقول الشاعر
لقد سقط الحلم . تلك بلاد بعيدة
وهذي الطريق طويلة
ولكنني سأعود
وهل أهجر الآن ؟ هذي الحقيبة مثقلة بالدموع
وكيف أغادر ؟
وكل الشجر
يغتي ويبكي علي
ويحرسني الظل يهرب طير الي
تغزلني غيمة راحلة
وما الفرق بين قطار يجرك للغربة
وبين قطار يعيدك للأمهات صدى أغنية
هذه القصيدة أنشدها الشاعر في السبعينيات 1973 وتعلن أن أزمة اغتراب اللامنتمي سقوط الحلم والوطن بعيد الطريق طويل لكنه سيعود وهل الرحيل الآن وحقيبة السفر مثقلة بالدموع كيف يغترب وهو اللامنتمي وهو يرى رؤيا الشجر يغني ويبكي ويحرسه الظل لم يعد للجسد وجهه ويهرب اليه طير وتغازله غيمة ترحل في أفق بعيد ولك هل السفر الى مكان آخر تفقد فيه كينونتك أو تعود الى صدى أغنية الأمومة والطفولة والبراءة المنبثقة من أنامل الأم يقول الشاعر :
تساءلت فارتد صوتي غريبا بدون عيون
الجسد هنا مغترب تفجعه الوحشة ولا عيون تحكي له عن الوطن
مضيت وقلت أعود
وكنت أرى فيك كل المدن
وهل أجهش الآن هذي حقيبة مترعة بالشجن
ووجهك يرتفع الان يعلو
فأرسم ظلك بيتا
فتحذفه الريح أسمع خلف الصدى خطوات الغريب
فأبكي
بعيدا
بعيدا
الحقيبة رمز اغتراب اللامنتمي هي مترعة بالشجن ووالوجه يعلو ليرسم من ظله بيتا لكن الريح تمحوه ويسمع من وراء الصدى خطى الغريب
تناءيت أيها الليل تنهمر الان ذكرى جريحة
على وحشة الروح تنهمر الان دون غياب

هذا يدل على شعرية المكان تيزي راشد والشاعر يعود اليه ليقبض على ذاته الضائعة كأنه يبحث عن زمانه الضائع ومكانه الضائع تائه مشتت الروح .
الاغتراب غبر شعرية أزراج يمكن رصده في المفاهيم التالية
* تشظي الذات عن الوطن
*وحشة الروح في الجسد
*لحظة العدم لم أكن معي
في تشظي الذات عن الوطن يحدس أزراج ذاته تفسخ عن الوطن ‘ فيتموقع بين السراب والغياب
- نما الحزن على عش على شفتي.
- أنا طائر الليل أين بلادي
- يبست على اسمك ياطائرا مغترب
- أيها الوطن الرغوة الصاعدة ‘ اننا نذبل
- طفولتي تهجر في المنافي
- أعيش بعيدا ..أموت غريبا
- هكذا سيدتي هاجر قلبي شرفته
فاذا أنت جناح مغترب
دنت منه ظلالي الخائفة
- وعيناك نافذتا وطني
- ليت هذا العالم المحزون كوخ
وأنا ضوء فرح
ليت هذا العالم الظمآن حقل
وأنا قوس قزح .
- إنني من ملكوت الجرح
موسمي ليس صراخا . محزن أن تشرح الغربة زهوا
- أكون أصير ‘ يادمي لتنطلق الى البعيد حيث زرقة الريح
- الدم أصل الأرض ‘ والأرض سحابة
هذا جمع شتات وشذر من تشظيات السندباد تدل على اغتراب اللامنتمي وبحثه عن الوطن الضائع .

في وحشة الروح نقرأ للسندباد الشذرات التالية :
- أحلم ان أشربها حتى الظمأ الأخير
أن أملكها حتى الفقدان
- ودار بي التاريخ والأرض أعلى فأعلى
فصرت بقرب الاله شبابيك مفتوحة
- عندما يبكي المطر
يرحل القلب الجريح
راكبا زورق ريح
باحثا في الليل عن وشم بلادي
في ذراعك ..
في جفونك ..
- لماذا تنسج الروح قفص؟
- اهدئي ..ان شبابيك روحي مفتوحة كي أرى
تراتيلك تهوي على قفري غماما
- تعاسة الانسان أن يموت في فؤاده انسان
- كيف تبكي الروح في سجن الشقاء .
- على وحشة الروح تنهمر الآن دون غياب

هذه مقاطع شذرية تعلن شجن الروح في سجن الجسد .
أما لحظة العدم فالسندباد كأنه يقول لم أكن معي:؟
* متى أسلخ الجلد عني لأكشف جعرافيا الجسد .
عمر أزراج يعرف الذات أنا لم تعد يعد معه الا اذا سلخ الجلد ليعرف جغرافيا الجسد ‘ لقد أدرك الشاعر أنه لم يكن معهتاريخ روحه عبر جغرافيا الجسد يقول :
وداعا أيها الأزراج يا نصفي الخبيث
أذهب الآن بعيدا في الهوى
انشطار الذات عن ذاتها يوميء بأن الشاعر لم يعد له ذات تهمس له بكينونته فهو يذهب بعيدا لأن نصفه الآخر صار خبيثا صار ظلا دجالا .

4 معنى الوجود وجود المعنى
* من سحيق الغموض تتقدم النظائر المتناقضة
دائما جوهر وكثرة دائما جنس ‘ دائما حياكة هوية
دائما تميز دائما نسل حياة *
ولت ويتمان
الوجود تجل صدر ‘ فيض أشرق ‘ يجمع كل شيء يشتته‘ لا علة له ‘ كل شيء فيه يقوم دليله في ذاته ‘ الذي يجليه ويتجلى به ‘ يحركه ويتحرك به ‘ يسكنه ويسكن به ‘ يزمنه بحلوله يمكنه بسطحه ‘يختبيء ليظهر ‘ ويظهر ليختبيء ‘ يأتي ليروح ‘ يعلو ليسقط ‘يولد من ذاته ولكن ليس من ذاته مع ذاته وانما من ذاته مع ماهو قائم في ذاته لاشكل له غير الكينونةفي تغيره وتطوره وتحوله ‘ ذلك هو الوجود شكل الأشياء في ذاتها ولذاتها ‘ في ذاتها كل شيء ثابت ولذاتها فرد بديع لا وضع نهائيا له تجاوز مستمر وليس ذاته الأصلية والمعنى قد يأخذ صفات الوجود في جدله وصيرروته يجيء ليروح ‘ يتجلى ليختفي ‘ انه العمى الرائي ‘ الرؤيا العمى ‘ يحتمل لفظا ليحدد سطحه ‘ ينفى ليثبت ‘ يتلاشى ليبقى ‘ يسمي كل شيء بكلام الكينونة له المجاز للتجاوز والاستعارة ليتقنع يتشخصن ‘ المعنى متزمن في الروح متمكن في الجسد ‘ تقتنصه الكينونة نورا واشراقا لتحل في الوجود ‘ تشتهيه لتولد نشوة الوجود ‘ من غسقه شفقه ‘ من ناره جنة .
معنى الوجود في ملحمة السندباد عمر أزراج يطرح أمامنا حالتين الأولى انفتاح الكينونة أمام الوجود فيجيء عطاء المعنى بلغة تجمع بين الوحي والحلم في الصورة ‘ أما الحالة الثانية عودة اللغة الى جوهرها الفرد ومن ثم يبدأ الشاعر في خلق لفظها بنفس خلاق يعيد للأشياء عذريتها ‘ المعنى مختبيء في الوجود وأزراج يكشف سره ‘ الكينونة تفضح المعنى تعريه لحظة تجلي الوجود هذا من جهة ومن جهة ثانية يصير الوجود معنى له طقسه وشكله المصبوغ بدم الكينونة ‘ المعنى فرض على الكينونة سلفا وهي تريد أن تتخلص منه لتعرف كنه الوجود‘ ان الفرد كما يقول كيركجورد في صيرورة دائمة وتحرك وهو ليس موجودا ولكنه يوجد ويصبح شيئا مختلفا ‘ أرى المعنى لأكتشف الوجود ‘ الوجود معنى الكينونة .
المعنى لا يعطى للكينونة بل توشمه على جدران اللغة لتخط معالم وجودها ‘ والكينونة حين تحدس معنى الوجود ‘ تسقط القناع عن وجهها الأصيل ‘ وتعرف شكل جسدها ومنه يظهر الوجود كمعنى له ذاتيته وتفرده وبصمته .
اذا فرض الوجود على الكينونة تعدم وتكرر شكل غيرها تماما مثل المعنى اذا فرض على الكينونة يمحو كلامها .يشرق بك الوجودحين يتجلى لك المعنى كما تريد ترى ما تريد تشهد ما يتجلى حتى ولو كان المعنى في عين إبرة يجب على الكينونةأن تلج من عين الابرة لتقبض على المعنى البديع الخاص بها ‘ وربما نشهد ذلك في شعرية عمر أزراج :
لماذا ترسم دائما من تحب على الهنيهة ؟
هذه الشذرة الشعرية تحمل معنى الوجود ووجود المعنى بمنطق الجسد الذي يحدد الحب ‘رسم من تحب على جناح الهنيهة ‘ معادلة المعنى وجود قائمة على ذات تشكل الجسد معنى الحب على الزمن في لحظة أسرع من النور ‘ اذن معنى الوجود هو الحب والحب هو وجود المعنى الذي يتجدد في كل لحظة .
يقول أزراج :
قالت لك المرأة التي وحدتك باللامنتهى
معنى الوجود في هذا السطر يحيل اللامنتهى هو شكل الوجود ‘ والمعنى إمرأة تعيد الجسد للاشراقه ‘ تبقى كلمة وحدتك للاشارة الوجود إمرأة لها كل المعنى .

لاشريك له
يسير مع الناس في زمان آخر
يحزم بالنار سجادة
وفي مهب الريح يقيم دولة للناي
هذه الومضة تبين لنا كينونة الشاعر في العالم فهو فرد بديع وغيره الصدى يخلق بنار جسده سجادة لا زمن له مع الناس ‘ الشاعر آن يثب الى المستقبل يقيم في مهب الريح دولة للناي ‘ معنى الوجود
للشاعر الوحدة العزلة ينفصل زمنه عن ناسه ينشيء دولة مدينة فاضلة للناي نجد هذا ما يماثلة في ملحمة جلال الدين الرومي المثنوي وهو ينظم حكاية الناي * ان صوت الناي هذا نار لا هواء فلا كان من لم تضطرم في قلبه مثل هذه النار .*
السندباد يقيم دولة للناي مدينة فاضلة للشاعر ‘ الشاعر هنا لها صفتان وهي يسير مع الناس في زمن آخر صفة الوحدة والتفرد البديع ‘ والصفة الثانية توهجه بالنار لينشيء سجادة نورانية وله فعل خلال يتمثل في تأسيس دولة للحب والبراءة .

*خاتمة لحاشية لم تكتمل *


من يقٍرأ للسندباد الجزائري عمر أزراج يكشف مدى عبقرية هذا الشاعر الوجودي الذي رسم مسار الكينونة في الوجود ‘
شعره يحمل معرفة متنوعة توحي بسر الجسد وعلاقته بالأشياء .
شعره يدل على انسان اغترب عن الوطن وفقده فهو يسترجعه في كونه الشعري كجنة .
شعره أعاد المعنى للوجود وأسكن الكينونة في المعنى الأبدي .
شعره كشف عن غنائية مائية الروح سماوية الوجود قرمزية الدم .
شعره يسمي الوطن الوجود والوجود معنى الكينونة حين تحب . في البدء شعر . في الشعر بدء .في البدء كينونة يذوب فيها كل شيء في الكينونة بدء ‘ بدء للوجود ‘ بدء للجمال الذي يوحد العالم .





بشير ونيسي الجزائر















#بشير_ونيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوافذ على جدران الصمت 2
- فوضى الجسد
- ظل الجسد
- كينونة الوقت
- زمن يشبه البراءة
- قلب للصمت ووجه فوق كل اللغات
- القصيدة مقام الوردة
- جدلية المثقف الجزائري والسلطة
- كتاب المرأة - رجل
- بيان من أجل الثقافة الجزائرية
- نوافذ على جدران الصمت
- لون الماء
- امرأة بلون السماء
- سينات الجسد فراشة الروح على نار الوردة
- قراءة الوجود في رواية الولي الطاهر يعود الى مقامه الزكي
- عروس البحر
- ظل الفراشة
- دم الروح قصص قصيرة
- جدل الجسد والعدم في موت التاريخ
- مقام التحول نظرية التفكيك والحفر عند الكاتب الجزائري أحمد دل ...


المزيد.....




- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشير ونيسي - ملحمة السندباد الجزائري