أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمّار المطّلبي - إححححححح !















المزيد.....

إححححححح !


عمّار المطّلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3842 - 2012 / 9 / 6 - 20:05
المحور: الادب والفن
    


إهداء: إلى الأديب الكوردي سردار محمّد سعيد

أجلسني معلّمنا صدام حمادي الزهيري في أحسن رحلة .. الرحلة الأولى .. لم يكن مكاني قرب الشبّاك .. هذا أفضل .. سيمرّ المعلّم قربي، و أكونُ أقرب التلاميذ منْ منضدته قرب السبّورة، و سأكون أوّل من يقفز خارج الصفّ حين يدقّ الجرس !
شيءٌ واحد كان يحزّ في نفسي، ذلك هو أنّي لن أكون أوّل مَنْ يلمح إحسين و حماره حين يظهران في الدرس الأخير كلّ يوم !
شبابيك صفّنا تطلّ على الساحة، و الطريق الترابي الذي لا يحجبه السياج .. هناك بابٌ حديديّ وضعوا فيه ثلاثة أقفال .. يتسلّقهُ الطلاّب الكبار حين يهربون من المدرسة ..
عند ذلك الباب يقف الحمار .. لا تظهر منهُ في البداية سوى أذنيه .. كلّ يوم في الدرس الأخير يصيح إحسين بأعلى صوته:
حِمااااااااااااااااار!!!
فيجيبهُ أحدٌ من مكانٍ ما في المدرسة: إحححححححححححححح !
يسودُ الهرجُ و المرجُ صفّنا .. نقفُ فوق الرحلات .. لا يفعل معلّمنا صدّام شيئاً ، بل يبتسم بلطف، و يرجونا الجلوس بصوتٍ خفيض .. لا نخاف من معلّمنا .. عصاهُ مثل عصا الراعي في القراءة .. الراعي لا يضرب خرافهُ أبداً .. لكنّا نخاف من رشيد السكّير معلّم شعبة باء .. في عيد البنجة غاب معلّمنا صدّام، فجمعونا مع طلاّب تلكَ الشعبة .. بقيتُ أرتجف طول الدرس و أنا أرى عصاه تهوي بقسوة على الطلاّب .. ديك .. شبّاك .. ديك... شبّاك .. ديك .. شبّاك .. إذا اتّجه نحوي سأقفز نحو الباب مثلما فعل عبد الرحمن ، و أهرب إلى الساحة ، و لن يستطيع اللحاق بي .. عبد الرحمن في الخامس ، شعبة ألف .. سأل معلّم الوطنيّة فجأةً .. إستاد إستاد .. مريم بت عمران ياهو أُبوهه؟!! (1)
فزمجر معلّم الوطنيّة، و اندفع بعصاه ، لكنّ عبد الرحمن كان أسرع .. و قد شاهدناه يجري أمام المعلّم في الساحة، ثمّ يتسلّق الباب ذا الأقفال الثلاثة هارباً ، أمّا المعلّم فكانَ يلهث بشدّة من الركض، و قد بقيّ واقفاً يسبّ و يبصق على الأرض حتى دقّ الجرس في ذلك اليوم!
يقف إحسين فوق الحمار، فننسى أنفسنا ، و نلوّح له بأيدينا ضاحكين ..إحسين قصير و شعر رأسه أصفر بلون التِبن، ينحني فوق الحمار كأنّهُ يهمسُ في أذنه الطويلة ، فيبدأ الأخير بالنهيق بأعلى صوت ، ثم يرفس الهواء بقائمتَيه الخلفيّتين، و يدور به قرب الباب.
يُهرع هويجل الفرّاش ، و هو يحمل عصاً رفيعة طويلة .. هويجل لا يركض بسهولة، لأنّهُ قصير و سمين .. يشاهده الحمار، فينهق ساخراً ، وعبثاً يلوّح بالعصا التي لا تخيف إحسين و لا الحمار، لأنّ هويجل لا يستطيع تسلّق الباب .. و إذا حاول أن يفتح الأقفال، فإنّ الأمر سيستغرقُ وقتاً طويلاً ، بعد أن يوافق المدير على ذلك.
في الأسبوع الماضي، جمعونا في الساحة .. كان مردوخ حاضراً.. لا يحضر المدير إلا و بيده ورقة بيضاء عليها أسماء الطلاّب الذين سيضربهم بالعصا .. هذه المرّة جاء بلا عصا .. تطلّع في وجوهنا طويلاً .. و قال بصوتٍ يشبه الفحيح:
أنا أعرف الحمار الذي يصيح إححححححح كلّ يوم !
ارتفعت نبرة صوته حين رآنا نكتمُ ضحكاتنا، و راح يقول بصوتٍ متهدّج:
تريدون تصيرون مثل إحسين المطّاي ..
هذا ما عدّه مستقبل .. ما لِزم إبحياته إكتاب ! (2)
قالت لي أمّي ، حين رأتني أبكي :
إشبيك إبني إتخبّلتْ ؟ نشتريلك مطي؟!!!! (3)
و حينَ تحوّل بكائي إلى عويل ، كان البديل الذي عُرِضَ عليّ هو مرافقتي لأخي حين يذهب يوم الجمعة إلى مدينة العمارة، و شراء حذاء جديد من زبلوق !
لمْ ألتفتْ للطريق عند عودتنا .. كنتُ مشغولاً باستنشاق الحذاء الجديد الذي يرقد في حضني حتّى وصولنا إلى جسر المشرّح .. عند الجسر رأينا الناس قد تجمهروا .. شكو؟! سأل السائق .. إحسين خذوه الانضباطيّه .. أجابوا وهم يشيرون نحو مركز الشرطة !!!
هَمْ أخذوا المطي ، لو بس إحسين وحده ؟!
ضحكت أختي .. شيسوّون بالمطي !!..
مسكينة أمّه .. قالت أمّي التي تبكي على كلّ شيء .. ماعِدهه مُعيل .. وين راح ياخذوه ؟ سألتُ و أنا أكاد أبكي ..
وين؟ للشمال .. أجابتْ .. (4)
لازم واحد يِقرَه حتّى ماياخذونه عسكريّه .. قال صديقي جاسم، و نحنُ نجلس في الساحة أمام الباب الذي كان إحسين و الحمار يقفان عندهُ كلّ يوم .. آنه إذا خذوني ما أحارب العصاة !! همستُ .. ثمّ أضفتُ موضّحاً أُبُوي إيگول الكِرد أهـ ..
ماتِگدَر .. قاطعني جاسم ..
ليش؟ .. سألتُه ..
غير أنّ الجرس دقّ في تلك اللحظة ، فأضاع عليّ الجواب.. (5)
ليش ما أگدر ؟ سأفعل مثلما فعل .. مااسمهُ يا أمّي ؟ أمّي قالت ، و هي تتطلّع من نافذة السيّارة التي أخذتنا لزيارة علي الشرجي :نشمي أو سبع .. ليش كِتْلوه؟ ، أسألها .. مارِضى بالذلّ ، تجيبني .. تضيف، حين تراني أحاول أنْ ألمحهُ، وهو يتقهقر باندفاع السيّارة قدماً .. صِلبوه بس مااطّاها بالسَهِل .. كِتَل منهم إهوايه گبل مايكِضّوه .. (6)
جاسم مِن أكبر أروح أو أطَلْعه من جوّه الاسْمِنِت ..
هههههههه.. لكْ هذا تمثال مال جندي ..
لا مو تمثال .. هذا گرايبنا !! صلبوه .. جابو إسمنت أو صبّوه فوگه ! (7)
حمار.... إحححححح
هذا الدرس ما داخل بالامتحان ولدي ..
إستاد .. صاح رعد ..
ها إبني ..
في تلك اللحظة، اندفعنا جميعاً .. كانت المدرسة كلّها تركض .. و الباب ذو الثلاثة أقفال كان مفتوحاً على مصراعيه .. كان المدير و المعلّمون واقفين بلا حراك .. و في وسط الدائرة كانت أم إحسين تصرخ ، و هي تتشبّث بالسيّارة :
وين ماخذين ابني ؟
يمّه إلمنْ إتعوفني ، ولك يُمّه !!! (8)
يداها النحيلتان تحاولان عبثاً أن تصلا إلى التابوت الذي يرقد فيه إحسين ... جارتنا نعيمة تمسك بها ، و هي تبكي .. و رأيت أمّي قادمة من بعيد، فرحتُ أبكي بحرقة ..
لم أكن وحدي الذي يبكي .. كان مردوخ يبكي بصمت .. رأيتُ دموعه تسيل من وراء النظّارة .. و المعلّمون أيضاً .. و عمّي هويجل الفرّاش نزع عويناته التي تشبه دوامات الماء، و أقعى على الأرض ، ثمّ صرخ ، وجسمه يختض:
ولك بُويَه .. يا بَعَدْ شِيبي بُويه .. (9)
أحّححححححححوي .. أحّحححححححوي .. كانت العجوز أم حسين تضرب الأرض و صدرها، حين بدأت السيّارة تتحرّكُ بالتابوت الذي كان مربوطاً بالحبال:
صرخت العجوز ، و هي تنثر التراب على رأسها ، و تتمدّد على الأرض:
يُمّه أمطيّك .. أمطيّك يمّه ... (10)
كان الحمار .. حمار حسين المربوط قرب الكوخ يتطلّع بوجوم إلى ما كان يجري.
الدهر لِفاچ بغداد .. إنتي و الحكومة ... الدهر لِفاچ بغداد .. (11)
كانت أم حسين ما تزال تصرخ و قد أمسكت بها من يديها النحيفتين جارتنا نعيمة ..
و لمْ يلبث أن قال مردوخ : إدخلوا وِ لْدي للمدرسة .. ثمّ استدار، فتبعناهُ بصمت ..
حمار......................... إحححححححححححححححححححح
كمْ أكرهكِ يا بغداد !! (12)
______________________________________________________________________________________

(1) مريم بنت عمران، مَنْ أبوها ؟!!
(2) هذا ما عندهُ مستقبل( لا مستقبلَ له) .. لمْ يمسك في حياته كتاباً.
(3) مابكَ يا بنيَّ ، جُنِنتَ؟... نشتري لكَ حماراً ؟!!
(4) وين: أين ، للشمال: شمال العراق ( كوردستان) .
(5) شيسوّون بالمطي: ما يفعلون بالحمار ؟!، ماعِدهه مُعيل: ليس لديها مَنْ يُعيلها ، آنه: أنا ، أُبُوي إيگول: أبي بقول ، ماتِگدَر: ما تقدر، ليش: لماذا (6) لازم واحد يِقرَه حتّى ماياخذونه عسكريّه: على المرء أن يقرأ حتّى لا يُساق للجنديّة ، نشمي أو سبع: شهِم و سبع ( بطل)، ليش كِتْلوه؟: لماذا قتلوه ؟ ، صِلبوه بس مااطّاها بالسَهِل: صلبوه لكنّهُ ما استسلم بسهولة ، كِتَل منهم إهوايه گبل مايكِضّوه: قتلَ منهم الكثير قبل أنْ يعتقلوه (7) جاسم مِن أكبر أروح أو أطَلْعه من جوّه الاسْمِنِت: يا جاسم حين أكبر أذهبُ و أُخرجه من تحت السِّمنت، لكْ: ويلك، هذا گرايبنا: هذا أقاربنا، جابو إسمنت أو صبّوه فوگه: أتوا بِسِمِنت و صبّوهُ فوقه (8) يمّه إلمنْ إتعوفني: بُنيَّ لِمَنْ تتركني ( في ميسان تُخاطب الأمّ ابنها بأمّي من شدّة الحنان !!) (9) يا بَعَدْ شِيبي بُويه: يا ذخري في شيخوختي بُنيَّ !
تعبير مَيساني رائع .. لكأنّ الابنُ يصيرُ أباً لأبيه، حين يكبر الأخير و يغزو شعرهُ الشَّيب ! (10) يُمّه أمطيّك: بُنيَّ حماركَ !
(11) الدهر لِفاچ بغداد: أصابكِ الدهرُ بنوائبه يا بغداد، إنتي: أنتِ
(12) بلسان الطفل الذي كنتُهُ يومذاك ، لا بلسان الرجل الذي أحبّ بغداد بعدئذ .. بغداد كانت لا تعني لنا سوى مركز قوّة غامض قاهر يحطّم تلك الحياة الوادعة لفقراء الجنوب .. لا أظنّ أنّ الصورة تبدّلتْ كثيراً.



#عمّار_المطّلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطّاعون
- الكُرسيّ
- رُقادي صارَ نفياً للرُقادِ !
- نوح
- سَلَفي !!
- راية كوردستان تُرفرف فوق أنقاض ( المثقّف )!
- حمامة گلَوِي !!
- الحريّة فتاة عاقلة


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمّار المطّلبي - إححححححح !