أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - طلعت خيري - الثورة الأمريكية والمناورات المالية -2















المزيد.....


الثورة الأمريكية والمناورات المالية -2


طلعت خيري

الحوار المتمدن-العدد: 3842 - 2012 / 9 / 6 - 01:34
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    




حاول لينكولن بعد هذا فكّ القيود المالية التي طُوقت بها الولايات الشمالية، وعمد إلي تطبيق الدستور متمسكا بالفقرة الخامسة من المادة الأولي، التي تمنع غير الكونغرس إصدار العملة، وأصدر 450 مليونا من الدولارات الرسمية، التي جعل غطاءها القرض القومي.. وانتقم المرابون العالميون من لينكولن، بجعل الكونغرس يصدر قانونا يقضي بأن لا تقبل "أوراق لينكولن" المالية في دفع الفوائد للقروض الحكومة أو في شؤون الواردات.. ولم يقبل المرابون العالميون قبض تلك الأوراق المالية، مما جعلها بدون قيمة تقريبا!!.. وهكذا سببوا خفض الدولار من هذه الأوراق إلي 30 سنتا!!

ولما تم لهم ذلك عمدوا إلي شراء تلك الأوراق بمجموعها.. بعد ذلك أخذوا بشراء القروض الحكومية بهذه الأوراق، معتبرين الدولار منها دولارا كاملا.. وبذلك يكونون قد تغلبوا علي عقبة خطيرة، وجنوا أرباحا تقدر بـ 70 سنتا للدولار الواحد!!!

وظهرت في صحيفة (لندن تايمز) مقالة موحى بها من قبل المرابين العالميين، وكان موضوعها لينكولن وأوراقه المالية.. وجاء في تلك المقالة: "لو أن هذه السياسة المالية الخاطئة التي ابتدأت في أمريكا الشمالية قبلت وأعترف بها، لأصبح بإمكان الحكومة إصدار أوراق النقد التي تريدها بدون كلفة.. وستدفع بتلك الأوراق كل ديونها، مما يعني أنها ستصبح بدون ديون.. وسيكون لديها كل المال اللازم لإجراء تجارتها والمبادلات.. وهكذا ستكون الأمة الأمريكية الأولي في تاريخ العالم التي ستحقق مثل هذا الازدهار.. وبذلك ستجلب الأدمغة والثروات من جميع أنحاء العالم.. يجب تحطيم هذه الدولة وإلا فإنها ستتسبب بتحطيم كل العروش علي وجه الأرض".

وكانت النشرة الدورية "دي هازا رد سيركيولار" تعنى بشؤون المصارف ما وراء البحار.. وقد جاء فيها: "إن الحرب تقضي علي الرقّ.. وهذا ما نؤيده نحن وأصدقاؤنا الأوربيون، لأنّ الرق ما هو إلا امتلاك اليد العاملة.. أما الخطة الأوروبية التي بدأتها إنكلترا، فتقوم علي أن رأس المال يستطيع أن يسيطر علي اليد العاملة عن طريق الأجور.. ويجب علي أصحاب رؤوس الأموال أن يعملوا علي استعمال الأرباح الطائلة التي يجنونها من الحروب، في السيطرة علي قيمة العملة.. وللقيام بذلك، يجب اعتماد السندات الحكومية كأساس من أسس العمليات المصرفية.. ونحن الآن بانتظار أن تنفّذ وزارة المالية الأمريكية هذه النصيحة.. كما أنه ليس من المفيد لنا أن نسمح بتداول" أوراق لينكولن المالية الخضراء" لمدة طويلة، إذ أننا لا نستطيع السيطرة عليها.. ولكن بالمقابل نستطيع السيطرة علي السندات ومن ورائها علي العملة كلها والاقتصاد بأجمعه".

وعمد المرابون العالميون إلي تمويل الحملات الانتخابية لعدد كبير من النواب والشيوخ، ليعملوا من خلالهم علي إقرار مشروع قانون الصيارفة.. وقد أصبح هذا المشروع قانونا عام 1863، بالرغم من معارضة الرئيس لينكولن الشديدة له.. وهكذا ربح المرابون العالميون جولة أخري.
جاء في رسالة وجهتها مؤسسة روتشيلد وإخوانه الصيارفة في لندن بإنكلترا بتاريخ 25 حزيران 1863، إلي مؤسسة السادة أيكلهايمر وموتون فاندر غولد وعنوانها: 3 وول ستريت نيويورك:

"سادتي الأعزاء.. كتب إلينا السيد جون شيرمان من مقاطعة أوهايو في الولايات المتحدة، لإعلامنا عن تقديراته للأرباح التي يمكن الحصول عليها نتيجة للقانون الأخير الذي أصدره الكونغرس بشأن المصارف.. والظاهر أن هذا القانون أتي وفق الخطة التي تبنتها جمعية المصارف البريطانية.. كما نصحت هذه الجمعية الأصدقاء الأمريكيين بأن هذا القانون، في حال تصديقه وإقراره، سيكون سببا في تدفق الأرباح الطائلة علي جماعة الصيارفة في العالم بأسره.. فهذا القانون يعطي المصرف الوطني السيطرة المطلقة علي الأوضاع المالية في الدولة، والقلة التي سوف تنفذ إلي سر ذلك القانون وتعرف حقيقته، لن تبدي أية معارضة له، لأنها ستكون طامعة في جني الأرباح، أو أن مصالحها ستكون متوقفة علي إقراره.. أما جمهور الشعب فسيكون عاجزا عن تفهم طبيعة المشروع، والامتيازات التي سيحصل عليها أصحاب رؤوس الأموال منه، ولن يخامرهم أي شك حتى في أن هذا النظام سيكون ضد مصالحهم.

المخلصون: روتشيلد وإخوانه"

وجاء في الرسالة التي ردّ بها أيكلهايمر ومورتون وفاندرغولد ما يلي:

"يبدو لنا أن السيد جون شيرمان يتصف بالصفات التي تميز رجل المال الناجح، وقد وضع نصيب عينيه الوصول إلي رئاسة الولايات المتحدة، وهو الآن عضو في الكونغرس، وقد قاده تفكيره الصحيح لأن يدرك أن الربح الأكبر، هو في الحفاظ علي صداقة الأشخاص والمؤسسات ذوي الموارد المالية الواسعة.. أما بخصوص تنظيم المصرف الوطني وطبيعة الأرباح الممكن جنيها من توظيف الأموال فيه، فالمرجو مراجعة النشرات المرفقة والتي نصها:

• يستطيع أي عدد من الأشخاص لا يقل عن خمسة تأليف هيئة مصرفية.

• لا يجب أن يقل رأسمال أي مصرف عن مبلغ مليون دولار، باستثناء البلدان التي لا يتجاوز عدد سكانها 6000.

• تكون المصارف هيئات خاصة، هدفها جني الأرباح للأشخاص، ولمؤسسيها الحق في اختيار موظفيهم.

• لا سلطة لقوانين الولاية علي المصارف في الولاية، باستثناء ما يقره الكونغرس بين وقت وآخر.

• تتقبل تلك المصارف الودائع، وتقدّم القروض المناسبة لمصلحتها الخاصة، كما تستطيع شراء السندات وبيعها وتقاضي الأعمال المصرفية العامة.

• يستوجب إنشاء مصرف برأسمال مليون دولار، شراء سندات حكومية بما يوازي هذه القيمة.. وبما أن السندات الحكومية تباع بخصم يبلغ 50%، فبالإمكان الآن إنشاء مصرف برأسمال قدره 500.000 دولار.. وستودع هذه السندات الخزانة الأمريكية في واشنطن كضمان للأوراق النقدية التي ستقدمها الحكومة للمصرف.

• تقدم الحكومة فائدة عن قيمة السندات 6%، وتدفع هذه الفائدة مرتين في السنة.. وإذا ما أخذنا بالاعتبار القيمة الحالية للسندات، لأدركنا أن الحكومة تدفع فائدة بنسبة 12% ذهبا علي المال المودع.

• وتقدم الحكومة مقابل المستندات المذكورة السيولة اللازمة للمصرف الذي يودع هذه السندات، وتتقاضي عنها فائدة سنوية بنسبة 1%.

• ولما كان الطلب علي السيولة المالية شديدا، فبإمكان المصرف أن يستخدم الأموال مباشرة في تقديم قروض للناس بفائدة صافية تبلغ 12%.

• وهكذا فإن الفائدة التي سيحصل عليها المصرف عن السندات، يضاف إليها الفائدة التي تنتج عن إقراض الأوراق المالية والسيولة، ويضاف إليهما الأرباح الطارئة، لترتفع أرباح المصرف إلي نسبة بين 28 و33.3%.

• وبإمكان المصارف زيادة حجم مبادلاتها أو تقليصه يحسب إرادتها، كما أنها تستطيع منح القروض أو حجبها كما تراه مناسبا.. ويجمع عقد تلك المصارف جمعية مصرفية وطنية توحّد أعمالها.. وهكذا تستطيع المصارف التأثير علي السوق المالية كما تريد.. فبإمكان المصارف أن تتفق مثلا علي رفض إعطاء القروض، فتسبب بذلك هبوطا في الأسواق المالية وتستطيع أن تؤثر علي كافة الإنتاج الوطني.

• لا تدفع المصارف الوطنية أي ضرائب علي مبالغ السندات أو علي رؤوس الأموال أو علي الودائع.

مع رجائنا بأن تعتبروا هذه الرسالة سرية جدا.. تقبلوا فائق احترامنا"

***

عمد أصحاب المصارف الأمريكيون إلي تطبيق المبادئ المذكورة بعد تبادل تلك الرسائل.. وهكذا عملوا علي سحب السيولة وخفضوا قيمة القروض، إلي درجة أصبح معها المدينون غير قادرين علي مواجهة مسؤولياتهم المالية، فوضع أصحاب المصارف أيديهم علي العقارات والضمانات المرهونة، والتي تفوق قيمتها بكثير قيمة القروض الممنوحة.. وهكذا جني الصيارفة محصولا طيبا.

وشعر لينكولن أن الشعب الأمريكي قد أصبح مستعدا لسماع صوت العقل هذه المرة بعد هذه التجربة الحزينة والباهظة، فشنّ للمرة الثانية حملة علنية شديدة علي المرابين العالميين.

وفي خطاب للأمة قال: "إنني أري في الأفق نذر أزمة تقترب شيئا فشيئا.. وهي أزمة تثيرني وتجعلني أرتجف من الخشية علي سلامة بلدي.. فقد أصبحت السيادة للهيئات والشركات الكبرى.. وسوف يتبع ذلك وصول الفساد إلي أعلي المناصب.. وسوف يعمل أصحاب رؤوس الأموال علي الحفاظ علي سيطرتهم علي الدولة، مستخدمين في ذلك مشاعر الشعب وتحزباته.. وستصبح ثروة البلاد بأكملها تحت سيطرة فئة قليلة، الأمر الذي سيؤدي إلي تحطيم الجمهورية".

كان لينكولن في ذلك الوقت في نهاية مدة رئاسته، ولكن الانتخابات الجديدة حملته إلي الرئاسة مرة ثانية، وهو عازم علي أن يقوم بعمل تشريعي ما للقضاء علي سلطان الماليين العالميين الجشعين.. ولكنه قبل أن يتمكن من ذلك اغتيل، بينما كان يحضر استعراضا مسرحيا مساء الرابع عشر من نيسان عام 1865، علي يد جون ويلكس بوث.. ولا يعرف إلا القليل من الأمريكيين سبب هذه الجريمة.. وقد عثر المحققون آنئذ علي رسالة بالشفرة في أمتعة القاتل.. ومع أن الرسالة لا تشير من قريب أو بعيد إلي الجريمة، إلا أن اكتشافها أثبت وجود علاقة بين بوث وأصحاب المصارف العالميين.. ولو عاش لينكولن مدة أطول لكان بالتأكيد قد تمكّن من قصّ أجنحة المرابين العالميين.

قبيل مصرع لينكولن أدلي سالمون ب. تشايس وزير المالية الأمريكي (1816 ـ 1846) بتصريح قال فيه: "إن مساهمتي في إقرار قانون الصيارفة هي أكبر خطأ ماليّ ارتكبته في حياتي.. فقد ساعد هذا القانون علي إنشاء احتكار كبير يؤثر علي كل المصالح في البلاد.. ويجب علينا أن نصلح هذا الوضع.. ولكن قبل ذلك سنشاهد مواجهة عنيفة بين مصالح الناس ومصالح المصارف بشكل لم نعرفة من قبل".

عام 1866 كان هناك مبلغ 1.906.687.770 دولار في التداول في الولايات المتحدة.. وهبط هذا الرقم سنة 1876 إلي 605.250.000.. وهكذا نجد أن أصحاب المصارف بسحبهم الأوراق المالية من التداول تسببوا في إنقاص السيولة بين أيدي الشعب، وسحبوا مبلغا يفوق 1.300.000.000 دولار، ممّا سبّب 56.446 حادثة انهيار ماليّ تمثل 2.245.105.000 دولار من الخسائر التي لحقت بالتوظيف المالي.. وكانت الحصة الكبرى من الخسائر في المرهونات والمحجوزات.. وهكذا نري أن أصحاب المصارف بسحبهم السيولة من الأسواق وبتمديد القروض الممنوحة، أضافوا إلي ثرواتهم مبلغا أكثر من بليوني دولار، في وقت لا يزيد علي العشر سنوات كثيرا.

***

عندما سيطر آل روتشيلد علي مصرف إنكلترا، أصّروا علي أن يكون الذهب غطاء للعملة الورقية.. وفي سنة 1870 تضايق أصحاب المصارف الأوروبيون عندما واجهتهم صعوبة السيطرة علي النقد في الولايات المتحدة.. فقد كانت الولايات المتحدة تستعمل الفضة في سبك وإصدار عملاتها.. وهكذا قرر هؤلاء تجريد الفضة من قيمتها الإبرائية في الولايات المتحدة.

أوفد أصحاب المصارف الأوروبيون (إرنست سيد) مندوبا عنهم إلي أميركا، ووضعوا تحت تصرفه مبلغ نصف مليون دولار، لاستخدامه في شراء ضمائر الشخصيات الرئيسية في الهيئات التشريعية الأمريكية.. وأعطي أصحاب المصارف التعليمات لعملائهم عام 1873، لاقتراح مشروع قانون "إصلاح إصدار العملة المعدنية".. وكانت مسودة المشروع مصوغة بمهارة، بحيث لا تظهر الغرض الرئيسي منه.. وكان السناتور الذي قدم المشروع هو (جون شيرمان) ذاته، الذي أشرنا قبل قليل إلي رسالته الموجهة إلي مؤسسة روتشيلد.. وكان يساند شيرمان في هذا عضو الكونغرس (صموئيل هوير).. و مر القانون بدون أي معارضة، بعدما أدلي شيرمان أمام الكونغرس بكلمة رائعة ومضللة!

ومرت سنوات ثلاث، قبل أن يتحقق أحد من الخطر الحقيقي الكامن في إقرار ذلك القانون.. فقد كان ذلك القانون محاولة مموهة لإفقاد الفضة قيمتها الإبرائية.. ويقول تقرير للكونغرس إن أحدا من الأعضاء لم يفهم بشكل صحيح مضمون القانون، باستثناء أعضاء اللجنة التي قدمته.

ويقول السيد (جون ر. إيلسوم) في الصفحة 49 من كتابة "عاصفة علي الخزانة الأمريكية": "كان إرنت سيد قد قال لصديقه (السيد فردريك أ. لوكتباك) من دنفر بكولورادو: لقد واجهت لجنة مجلس الشيوخ والكونغرس ودفعت الرشاوى اللازمة، وبقيت في أمريكا حتى اطمأنت إلي أن كل شيء علي ما يرام".

عام 1878 أقدم أصحاب المصارف علي سحب المزيد من السيولة، وعلي تحديد القروض الممنوحة، مما تسبب في 10.478 حالة إفلاس تجاري ومصرفي في الولايات المتحدة.. ولكن الكونغرس عام 1879 أصرّ علي إصدار كميات كبيرة من العملة، لوقف الأزمة الخانقة المصطنعة، مما خفّض حالات الإفلاس إلي 6.658 حالة.. ولكن القوي الخفية أصدرت تعليماتها عام 1882، فكانت حصيلة المناورات المالية التي جرت بين عامي 1878 و 1892، ارتفاع حالات الإفلاس الاقتصادي في أميركا إلي 14870 حالة، بينما استمرت عمليات الحجوزات علي المزارع والمساكن التي يملكها الأفراد.. وكان المستفيدون الوحيدون هم أصحاب المصارف وعملاؤهم، الذين وضعوا أيديهم علي الممتلكات المرهونة.

ويظهر من الأحداث، أن أصحاب المصارف العالميين كانوا يتعمدون خلق حالة من الفشل والفقر واليأس في الولايات المتحدة، لإيجاد مناخ ملائم للحركة الثورية العالمية، التي تعتبر وسيلة بأيديهم للعمل.. ويؤيد هذا الاتهام، رسالة صادرة في 11 آذار 1893 عن جمعية أصحاب المصارف الأمريكيين وموجهة إلي جميع الأعضاء، وتقول:

"يجب سحب الشهادات الفضية والأوراق التابعة للخزينة من التداول فورا، ليحل محلها أوراق مالية جديدة يكون أساس غطائها الذهب.. وهذا يتطلب إصدار سندات جديدة تتراوح قيمتها بين 500 مليون دولار ومليار دولار، وتكون هي أساس التداول في العملة الجديدة.. وهذا يفترض من جانبكم سحب ثلث العملة المتداولة، كما يفترض إلغاء نصف القروض الممنوحة.. كما يجب أن تولوا العناية اللازمة لخلق شعور بالضغط الاقتصادي".

وانصاع أصحاب المصارف الأمريكيون للأمر، وكانت النتيجة حالة من الذعر الشامل عمّت الشعب الأمريكي عام 1893.. وكان المواطن العادي ينحي باللوم علي الحكومة.


عام 1899، عقد في إنكلترا مؤتمر كبير لأصحاب المصارف في العالم، وحضره عن أميركا مندوبان، هما (ج. ب. مورغان) و(أنطوني دريكسيل).. وعند عودتهما إلي أميركا عهدت مؤسسة روتشيلد إلي مورغان بتمثيل وإدارة مصالحها.. وقد برهن مورغان علي كفاءته لهذا المنصب، عندما تمكن من بيع بعض الأسلحة الفاسدة للحكومة الأمريكية.

وكانت النتيجة التي تمخض عنها مؤتمر لندن، هي إنشاء احتكار عالمي يضم المؤسسات التالية: (ج. ب. مورغان) وشركاء من نيويورك، (دريكسيل) وشركاء من فيلادلفيا، (غرنفيل) وشركاء من لندن، (مورغان هارجيس) وشركاء من باريس، مؤسسة م.م واربورغ في ألمانيا وأمستردام.. وكانت المؤسسة المشرفة علي هذا الاحتكار هي دار روتشيلد.

واندمجت مورغان ودريكسيل، وأسستا هيئة التأمينات الشمالية عام 1901، التي كان الهدف منها إفلاس شركة هاينز ـ مورس.. وكانت شركة هاينز ـ مورس تسيطر علي قطاعات مهمة من الصرافة والشحن وصناعة الفولاذ وصناعات أخري.. وكان من المتعين إفلاسها وإخراجها من السوق الأمريكية، لتستطيع مؤسسة مورغان ـ دريكسيل السيطرة علي الانتخابات الاتحادية.

ونجحت مؤسسة مورغان ـ دريكسيل في إيصال (تيودور روزفلت) إلي منصب رئاسة الجمهورية عام 1901.. وكان هذا هو السبب في تأخير إصدار الحكم عليهم، بشأن الاتهامات التي تدينهم باستعمال وسائل غير مشروعة للتخلص من المنافسة.. وكانت الخطوة التالية هي ربط مؤسسة مورغان ـ دريكسيل بمؤسسة كوهن ـ لوب.. وكان أن قامت المؤسستان بتجربة مشتركة لاختبار قواهما مجتمعة.. وكانت التجربة عبارة عن "مجزرة" اقتصادية جديدة.. فقد نظمت المؤسستان ما عرف بـ "الرعب في وول ستريت 1907".. وكانت ردة الفعل الشعبية لوسائل العصابات تلك، كافية لحثّ الحكومة علي اتخاذ بعض الإجراءات.

وقامت الحكومة بتعيين لجنة خاصة اسمها "لجنة النقد الوطني"، وعهد إلي السناتور (نيلسون ألدريك) برئاسة هذه اللجنة.. وتبين فيما بعد أن ألدريك كان مرتبطا باحتكارات المطاط والتبغ القوية.. وكان ألدريك آخر من يمكن أن يعهد إليهم بهذه المهمة في الكونغرس!!.. وعلي إثر تسلمه لرئاسة اللجنة، اختار ألدريك بعض الضباط وسافر وإياهم إلي أوروبا.. وأثناء إقامتهم بأوروبا، أعطيت لهم كل التسهيلات الممكنة لدراسة الطرق التي يعتمدها أصحاب المصارف في السيطرة علي اقتصاديات الدول.

وقضي الدريك في أوروبا سنتين، صرف خلالهما مبلغ 300 ألف دولار من نقود الشعب الأمريكي، ثم عاد إلي الولايات المتحدة.. وكان كل ما حصل عليه الشعب، هو أن صرح لهم ألدريك أنه لم يكن قادرا علي الوصول إلي أية خطة محددة، تكفل عدم تكرار الأزمات المالية التي كانت تعصف بالولايات المتحدة، ناشرة البطالة ومبددة الثروات ورءوس الأموال الصغيرة!

كان ألدريك منذ الحرب الأهلية مقربا من آل روكفلر، حتى إن أحد شباب آل روكفلر تزوج من ابنته آبي.. وقد تلقي ألدريك قبل سفره إلي أوروبا نصيحة باستشارة بول واربورغ، الذي نزل في الولايات المتحدة عام 1902 مهاجرا من ألمانيا، وتبين فيما بعد أنه لم يكن إلا عضوا في مؤسسة م.م. واربورغ الأوروبية المالية في هامبورغ وفي أمستردام.. وكانت هذه المؤسسة كما أسلفنا تابعة لمجموعة روتشيلد.. وقد تمكن في وقت لا يذكر من شراء حصة في مؤسسة كوهن ـ لوب وشركائهما في نيويورك، ومنح مرتبا يبلغ النصف مليون دولار سنويا.. وكان من الشركاء الجدد في المؤسسة يعقوب شيف، وهو الذي موّل الحركات الإرهابية في روسيا خلال الأعوام 1883 ـ 1917.

ولقد قام شيف بالسيطرة الكاملة علي حركات النقل ووسائل المواصلات وخطوط الإمدادات في الولايات المتحدة بأسرها.. وقد ثبت أن السيطرة علي تلك المرافق من أشد الضرورات اللازمة لنجاح أي حركة ثورية في أي بلد من البلدان.

في ليلة 22 تشرين الثاني عام 1910، كانت عربة سكة حديد خاصة تنتظر في محطة هوبوكن في نيوجيرسي.. ووصل إلي هناك السناتور ألدريك وبصحته أ. بيات أندروز وهو خبير اقتصادي وأحد كبار موظفي وزارة المالية، وكان قد تربي وتلقي تعليمه في أوروبا.. كما وصل أيضا سكرتير ألدريك الخاص (شيلتون)، ولحق بهم (فرانك فاندرليب) رئيس مصرف نيويورك الوطني.. وكان هذا المصرف هو الممثل لمصالح آل روكفلر ومصالح شركة كوهن ـ لوب في سكة الحديد.. وكان مدراء هذا المصرف قد اتُهموا علنا بمحاولة إثارة الحرب بين الولايات المتحدة وأسبانيا عام 1898.. وبصرف النظر عن صحة هذه التهامات أو بطلانها، فقد كان هذا المصرف إثر انتهاء الحرب مسيطرا علي زراعة قصب السكر وصناعته في كوبا.

وكان الآخرون الذين انضموا إلي الاجتماع (هـ. ب. دافيسون) وهو أحد المساهمين الكبار في شركة مورغان، و(شارل د. نورتون) رئيس المصرف الوطني في نيويورك التابع لشركة مورغان.. وهؤلاء الثلاثة الآخرون متهمون بمحاولة السيطرة علي العملة والحسابات في الولايات المتحدة الأمريكية بأسرها.

وكان آخر الواصلين بول واربورغ وبنجامين سترونا.. وكان واربورغ من الغني والنفوذ بحيث يقال إنه كان وراء المسرحية الفكاهية "آني اليتيمة" التي تصور آل واربوك أغني رجال العالم، وباستطاعتهم حماية أنفسهم ومصالحهم بوسائل خارقة.. أما بنجامين سترونا فقد اشتهر خلال المناورات المالية التي قادت إلي الأزمة الكبرى عام 1907.. وكان سترونا أحد كبار المتنفذين لدي شركة ج. ب. مورغان، وقد اشتهر في ذلك المنصب بكفاءته في العمل وتنفيذه الأوامر دون سؤال.

وعلم مراسلو الصحف باجتماع أولئك الرجال الذين يسيطرون علي المرافق الاقتصادية الكبرى في الولايات المتحدة، فتوجهوا كالجراد ناحية العربة الخاصة.. ولكنهم لم يستطيعوا الحصول علي تصريح من أي من المجتمعين.. وتولّي أخيرا السيد فاندرليب إبعاد المراسلين بقوله: "إننا جميعا ذاهبون لقضاء عطلة نهاية أسبوع هادئة".

لم يعرف ماذا جري في عطلة نهاية الأسبوع الهادئة تلك إلا بعد سنين.. أما الذي جري فكان ما يلي: عُقد اجتماع سري في جزيرة جيكيل بجورجيا.. وكان هذا المقر النائي من أملاك ج..ب. مورغان وعدد من شركائه.. وما جري بحثه في ذلك الاجتماع السري كان "بحث الطرق والوسائل الممكنة لتخريب التشريعات المقدمة للكونغرس، والهادفة لتقليص سلطة الاحتكارات والحد من المناورات، والاستعاضة عن هذه التشريعات بتشريعات أخري لصالح أولئك الذين يحضرون الاجتماع".

وتلت ذلك الاجتماع اجتماعات أخري في نيويورك، عقدها الرجال أنفسهم وذلك لبحث وإقرار التفاصيل الصغيرة.. ودعا المتآمرون مجموعتهم باسم "نادي الاسم الأول"، لأنهم خلال اجتماعاتهم لم يكونوا يتنادون إلا بالاسم الأول لكل منهم.. وبالاختصار فقد أعد ألدريك وواربورغ وشركاؤهما تشريعات جديدة، هي التي قدمت إلي الكونغرس فيما بعد، تحت صيغة مقترحات تقدمت بها اللجنة التي شكلت ورأسها الدريك.. وأقرت تلك التشريعات عام 1913 تحت اسم "قانون الاحتياط الفدرالي عام 1913".. واقتنعت غالبية المواطنين العاديين في أميركا بأن تلك التشريعات إنما جعلت للحفاظ علي مصالحها، وأن تلك التشريعات وضعت اقتصاد الأمة بين يدي الحكومة.

وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.. كان ذلك القانون يسمح لأصحاب المصارف في أوروبا وأميركا بأن يسيطروا علي المقدرات المالية في القارتين، وهذا ما مكّنهم من إشعال الحرب العالمية الأولي، التي لم تكن إلا وسيلة للتسبب في قيام الثورة الروسية سنة 1917.


في عام 1914، كان جهاز الاحتياط الفيدرالي يتألف من 12 مصرفا، اشترت بـ 134 مليون دولار من سندات الاحتياط الفيدرالي.. ويشير تقرير الكونغرس بتاريخ29/5/1936 أن أرباح هؤلاء بلغت حتى ذلك الوقت أكثر من 23 مليار دولار.. وكانت تقديرات عام 1940 تدل علي أن الاحتياط الفيدرالي قد بلغ 5 ملايين دولار.. ووصل عام 1946 إلي 45 مليون.. وهكذا نجد أن أصحاب المصارف حصلوا علي مالا يقل عن أربعين مليار دولار من عملياتهم المالية خلال الحرب العالمية الثانية.

وتظن الغالبية من المواطنين في الولايات المتحدة أن جهاز الاحتياط الفيدرالي يفيد الأمة ككل، وبعتقدون أنه يحمي مصالح المودعين في المصارف لأنه يجعل إفلاس تلك المصارف مستحيلا.. كما يظنون أن أرباح الاحتياطي تعود إلي الخزينة.. ولكنّ الأمريكيين مخطئون في كل ذلك، فالحقيقة هي أن جهاز الاحتياط الفيدرالي وضع بالأساس لحماية مصالح الأمريكيين، ولكن مشاريع القوانين التي رسمت في جزيرة جيكيل في جو رجيا عام 1910، والتي أقرها الكونغرس الأمريكي عام 1913، لم تكن لصالح الشعب الأمريكي بأسره، بل كانت لصالح أصحاب المصارف الأمريكيين المرتبطين بزملائهم الأوروبيين الذين يسعون للسيطرة علي العالم.

إن الإحصاءات تشير إلي أنه منذ إقرار هذا القانون عام 1913، أفلس في أميركا ما يزيد عن 14.000 مصرف، مما سبب فقدان الملايين والملايين من الدولارات للمودعين الصغار!

أحجار على رقعة الشطرنج



#طلعت_خيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعري والإباحية في شريعة المسيح ابن الله (جنة عدن أنموذج )
- سامي لبيب ومسلسل طاش ما طاش .. رد على مقالته
- الشذوذ الجنسي في شريعة المسيح ابن الله (الاعتداء على الاطفال ...
- الثورة الأمريكية والمناورات المالية -1
- جهاد علاونه بين القران والإنجيل .. رد على مقالته القران دمر ...
- كامل النجار منظر ديني سياسي للغرب اليسوعي .. رد على مقالته
- اله المسيحية لا يصلح بعرة ولا بعير ..رد على مقالة سامي لبيب
- اعترافات من داخل الكنيسة على تحريف الكتاب المقدس
- اعترافات من داخل الكنيسة على تحريف الكتاب المقدس ..
- الإرهاب الكنيسي والإكراه الديني في شريعة المسيح ابن الله
- بناء المسجد الأقصى -4
- بناء المسجد الأقصى -3
- جحشنة المراجع الدينية والإسلام السياسي في شوال
- عنصرية المسيح ابن الله في العقيدة اليسوعية
- بناء المسجد الأقصى -2
- بناء المسجد الأقصى -1
- - زنا - باسم الله (فضائح رجال الدين السنة)
- - زنا- باسم الله (الفضائح الجنسية لرجال الدين )
- الإرث والتركات في شريعة الأعوج المسيح ابن الله
- الدكتور يسوع أخصائي بالإمراض النسائية والتوليد..(لوقا) -2


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - طلعت خيري - الثورة الأمريكية والمناورات المالية -2