عندما يكبر الاولاد قبل الاوان ( 3 )

مجدى زكريا

الحوار المتمدن-العدد: 3831 - 2012 / 8 / 26 - 21:06
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    

عندما يعيش الولد طفولته
تعتمد الطفولة السعيدة كثيرا على التربية الابوية الجيدة. لكن ماذا يشمله ذلك ؟ لا بد انك سمعت بعض النصائح بشأن هذا الموضوع. اصرف وقتا مع اولادك, اصغ اليهم, امنحهم الارشاد السليم, شاركهم افراحهم واتراحهم, كن صديقا حقيقيا لهم دون ان ترخى سلطتك كوالد. طبعا ستساعد هذه المبادئ الشائعة الوالدين على القيام بدورهم جيدا. لكن هناك امر مهم ينبغى ان توليه الاولوية.
يجد ملايين الوالدين حول العالم ان اتباع مبادئ الكتاب المقدس هو مفتاح التربية الابوية الجيدة. لماذا ؟ لأن واضع الكتاب المقدس الحكيم الله البالغ القداسة, هو الذى ابدأ ترتيب العائلة, ويشاء ان يخرج بها الى شاطئ الامان فى بحر الحياة المضطرب. فمن الطبيعى ان تكون كلمته الموحى بها هى المرجع الافضل لاستقاء الارشاد بشأن تربية الاولاد. لكن كبف يمكن للكتاب المقدس, هذا الكتاب القديم جدا, ان يلقى الضوء على موضوع الاولاد الذين يكبرون قبل اوانهم ؟ فلنتأمل فى بعض مبادئ الكتاب المقدس المتعلقة بهذا الموضوع.
على " خطى ىالاولاد " :
كان ليعقوب ابن اسحق, اكثر من اثنى عشر ولدا. ويرد فى الكتاب المقدس ماقاله بشأن رحلة عائلية : " الاولاد ضعاف . . . فتقدمنى يا سيدى ( عيسو, اخو يعقوب الاكبر ) وانا امشى متمهلا على . . . خطى الاولاد " - تكوين 33 عدد 13و14.
عرف يعقوب ان اولاده ليسوا راشدين صغارا, انهم " ضعاف " - اصغر, اطرى عودا, ولديهم حاجات اكثر من الراشدين. وعوض ان يجبر اولاده ان يمشوا على خطاه, ابطأ هو خطاه لتتماشى مع خطاهم. من هذه الناحية عكس الحكمة التى يظهرها الله تجاه اولاده البشر. فأبونا يعرف طاقتنا, وهو لا يتوقع منا ان نعطى اكثر من قدرتنا.
حتى بعض المخلوقات الحيوانية تعكس عذه الحكمة, اذ ان الله جعلها " حكيمة " بالغريزة. فقد لاحظ علماء الطبيعة ان قطيعا كاملا من الفيلة يعدل سرعته لتتناسب مع سرعة فيل صغير يمشى فى الوسط, فيمشى القطيع ببطء حتى يستطيع الصغير مجاراته.
لقد اهملت بعض فئات المجتمع العصرى اتباع الحكمة الالهية. لكن ليس من الضرورى ان تحذو حذوهم, فلا تنس ان اولادك ضعاف - غير قادرين على تحمل الاعباء والمسؤوليات التى يتحملها الراشدون. مثلا اذا كنت متوحدا ( واحدا, دون الرفيق الاخر ) تواجه مشاكل شخصية صعبة وتغرى بأن تفضى بهمومك الى ولدك, فحارب هذا الميل. وعوض ذلك, ابحث عن صديق راشد ناضج يستطيع مساعدتك لتعالج مشاكلك بفعالية.
ايضا لا تجعل حياة ولدك مثقلة بالاعباء ومبرمجة جدا بحيث تكون خالية من كل فرح. ضع لولدك برنامجا يناسبه, لا برنامجا يجارى بشكل اعمى نمط الحياة اليوم. ينصح الكتاب المقدس بحكمة : " لا تدعوا العالم حولكم يضغطكم فى قالبه ". روما 12 عدد 2.
" لكل شئ زمان " :
يقول مبدأ حكيم اخر فى الكتاب المقدس : " لكل شئ زمان ولكل امر تحت السنوات وقت ". طبعا, هنالك وقت للعمل, فلدى الاولاد الكثير من الاعمال ليقوموا بها - بما فيها الفروض المدرسية, الاعمال المنزلية, والنشاطات الاخرى. لكن النص نفسه فى الكتاب المقدس يقول انه يوجد ايضا " للضحك وقت " و " للرقص وقت ". - جامعة 3 عدد 1و4.
يحتاج الاولاد بشكل خصوصى ان يلعبوا, يضحكوا, وينفسوا عن طاقتهم بطريقة خالية من الهموم نسبيا. فاذا كانت كل ساعات يقظتهم مبرمجة لتشمل الذهاب الى المدرسة, نشاطات ما بعد ساعات الدراسة, ومسؤوليات مهمة اخرى فلن تشبع حاجتهم الى اللعب. وقد يغيظهم ذلك ويؤدى الى تثبط عزيمتهم. - كولوسى 3 عدد 21.
تأمل فى كيفية تطبيق مبدأ الكتاب المقدس نفسه بطرائق اخرى عديدة ايضا, مثلا, بما انه يوجد وقت لكل شئ, افلا يعنى ذلك ان الطفولة هى الفترة المخصصة ليعيش الولد طفولته ؟ ستجيب على الارجح : " نعم, لكن اولادك لا يوافقونك الرأى دائما, ففى اغلب الاحيان, يريد الفتيان والفتيات التمثل بالراشدين, مثلا, قد ترغب الفتيات ان يلبسن ويزين انفسهن كالنساء, وابتداء مرحلة البلوغ فى سن مبكرة قد يزيد الضغط الذى يشعرن به ليظهرن اكبر سنا.
يميز الوالدون الحكماء الخطر الكامن وراء هذا المنحى, فبعض الاعلانات ووسائل التسلية فى هذا العالم المنحط تصور الاولاد كأشخاص ناضجين قبل اوانهم, ويفهمون الامور الجنسية. ويتزايد عدد الاولاد الذين يلبسون الحلى, يستخدمون مستحضرات التجميل, ويرتدون انماط الثياب المثيرة. لكن لم نجعل الاولاد اكثر اغراء للذين يحبون استغلالهم جنسيا ؟ ان الوالدين الذين يوجهون اولادهم ليرتدوا بطريقة تناسب عمرهم, يطبقون مبدأ الكتاب المقدس : " الذكى يبصر الشر فيتوارى ". امثال 27 عدد 12.
مثل اخر : ان السماح للالعاب الرياضية ان تحتل الاولوية فى حياة الولد يمكن ان يؤدى الى حياة غير متزنة, حياة لا يكون فيها لكل شئ وقت. ينصح الكتاب المقدس بحكمة : " التدريب الجسدى نافع لقليل ".
لا تدع اولادك يتبعون موقف " الفوز هو اهم شئ " فكثيرون من الوالدين يجعلون الرياضة والالعاب خالية من كل فرح اذ يحثون اولادهم على امتلاك روح المنافسة الشديدة وعلى الربح مهما كان الثمن. فيشعر بعض الاولاد بالتالى انهم مجبرون على الغش او حتى ايذاء لاعبين اخرين من اجل الفوز. لكن الفوز لا يستأهل على الاطلاق دفع هذا الثمن.
تعلم ضبط النفس :
غالبا مايصعب على الاولاد الادراك ان لكل شيئا وقتا. فليس سهلا عليهم الانتظار بصبر عندما يرغبون فى نيل امر ما. وما يزيد الطين بلة هو ان المجتمع البشرى يميل على مايبدو الى الارضاء الفورى للرغبات. فغالبا ما تكون الرسالة التى تنقلها وسائل الاعلام الترفيهية : " حقق فورا كل رغباتك ".
لا تستستسلم لمثل هذه التأثيرات بتدليل ولدك وافساده. يقول كتاب الولد والماكينة : " القدرة على تأجيل اشباع الرغبات هى وجه مهم للتحكم فى العواطف ". ويضيف : " التأديب الذاتى والانسجام الاجتماعى يزودان ترياقا فعالا ضد ازدياد العنف بين الاولاد داخل المدرسة وخارجها على السواء ".
ومن اهم حاجات الاولاد التأديب الحبى. فالتأديب الحبى يساعد الاولاد على تطوير صفات مثل ضبط النفس والصبر. وهذه الصفات تساعدهم على ايجاد السعادة والاكتفاء فى الحياة.
عندما يولى كل مايهدد الطفولة :
قد تتساءل : " هل قصد حقا الاله الحكيم المحب ان يكون عالمنا ماهو عليه اليوم ؟ هل قصد ان يكبر الاولاد فى عالم غالبا ما يكون خطرا عوض ان يؤمن لهم الرعاية ؟ " قد نتعزى حين نعرف ان الله يكن محبة رقيقة للجنس البشرى, بما فيه الاولاد من كل الاعمار, ولن يطيق صبرا مما يراه اليوم من شر وصل الى اقصى درجاته, ولقد وعد بنهايه قريبة واكيدة للشر والاشرار تستأصل شأفتهم الى الابد. مزمور 37 عدد 10 و 11.
فى عالم تتحطم فيه الطفولة بقساوة ويكبر فيه الاولاد قبل الاوان لن يصبر الله الى ما لا نهاية.

#مجدى_زكريا (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل