كوريا الشمالية ترتدي المعطف لحماية ملابسها الداخلية

وديع بتي حنا

الحوار المتمدن-العدد: 1114 - 2005 / 2 / 19 - 10:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

كنت قد كتبت قبل اربعة أشهر مقالا باللغتين العربية والسويدية نشر في العديد من المواقع العربية واحدى الصحف السويدية تناول بالتحليل واقع ومستقبل برامج الاسلحة النووية في ما تبقى مما اطلقت الولايات المتحدة عليه بمحور الشر والمقصود هنا ايران وكوريا الشمالية. وفي الوقت الذي اشار المقال الى اننا سنعيش ولفترة محدودة فصولا اخرى من لعبة القط والفأر بين الولايات المتحدة وايران في نزاعهما حول برنامج الاخيرة النووي فان المقال نفسه قد تنبأ بان تعلن كوريا الشمالية رسميا و خلال ستة أشهر او سنة على ابعد تقدير عن امتلاكها للسلاح النووي وقد تحقق هذا حيث اعلنت بيونغ يانغ قبل عدة ايام - وبالفم المليان - انها قد سجلت نفسها في النادي النووي

لانريد هنا الخوض في ازدواجية المعايير التي تستخدمها الولايات المتحدة في مواقفها ازاء الازمات والملفات الدولية لان ذالك اصبح بديهيا وليس بشئ جديد وقد تأكد مرة اخرى من خلال الرد الباهت والبارد الذي عبرت عنه وزيرة الخارجية الامريكية في معرض اجابتها عن سؤال بشأن الاعلان الكوري الاخير حيث اكتفت بالاشارة الى ان الولايات المتحدة كانت لديها شكوك حول امتلاك كوريا الشمالية للقنبلة النووية منذ اواسط التسعينات ودعت بيونغ يانغ الى مواصلة المباحثات السداسية. من الواضح ان هذا الموقف لايحتمل المقارنة مع الضجة الكبرى التي افتعلتها الادارة الامريكية ضد العراق في قضايا انابيب الالمنيوم الشهيرة او شحنة اليورانيوم المزعومة من النيجر او برنامج التخصيب الايراني او محاولات ليبيا لسرقة التقنية النووية

ان التساؤل الاهم يكمن في اسباب اتخاذ كوريا الشمالية قرارها الخطير الان في الاعلان عن اسلحتها النووية. هنالك قول عربي مأثور يقول ( اني لأعجب من إمرءِ لا يجد شيئا يأكله في بيته ولا يخرج الى الناس شاهرا سيفه ) . من المعروف ان النظام في كوريا الشمالية يعاني من عزلة دولية خانقة بسبب الحصار المفروض عليه بمختلف جوانبه من قبل الولايات المتحدة والكثير من الدول السائرة في فلكها بهدف إركاعه لابل إقصائه وقد ألحق الحصار الاقتصادي ضربات قاسية وموجعة بالاقتصاد الكوري الشمالي حيث يعاني الشعب من أزمة غذاء رهيبة و تشير بعض التقارير الى ان الملايين يعانون من خطر المجاعة وان العالم امام كارثة انسانية . ليس غريبا ازاء هذا الوضع الكارثي ان يلجأ النظام الدكتاتوري الوراثي في كوريا الشمالية الى الابتزاز عن طريق التلويح باكثر الاسلحة فتكا في الارض كحل اخير لفك هذه العزلة بعد ان اثبتت الوسائل الاخرى عجزها عن تحقيق ذالك

ان الدرس الاخر الذي يبدو ان قيادة النظام في كوريا الشمالية قد استوعبته جيدا من خلال احداث السنوات القليلة السابقة في العالم يتلخص في ان حصول ذالك النظام على شهادة حسن سلوك تُوقِعُها الادارة الامريكية يمثل هدفا مستحيلا . لقد فعل سابقا النظام العراقي كل شئ ممكن وغير ممكن من اجل الحصول على تلك الشهادة ولكن دون جدوى بل على العكس فقد سهَل ذالك عملية التمكن من رأسه, اما ايران فقد وافقت على مضض وبعد اغراء واغواء اوربي على فتح قسم من أزرار قميصها من خلال الموافقة على التوقف في برنامجها لتخصيب اليورانيوم لكن الدلائل تشير الى ان حصولها على شهادة حسن السلوك يكاد يكون ( بالمشمش ) كما يقال. كما ان ليبيا قد عرضت بمحض ارادتها عن رغبتها في التخلي عن كل مالديها من اسلحة ودفعت من اجل صفحة بيضاء جديدة مالا سخيا الا ان كل ذالك لم يمنحها الا عبارات تشجيع شفوية فورية ما لبثت ان تبخرت سريعا وهي لازالت تهرول بشهادة حسن سلوكها من عاصمة الى اخرى لغرض تصديقها ولكن دون جدوى لان الجميع يعرف ان الادارة الامريكية لن تمنح اطلاقا ليبيا تلك الشهادة كما لاتعترف باية شهادة اخرى لاتحمل ختمها
امام كل هذا وصل النظام في كوريا الشمالية الى قناعة اكيدة بانه يجب عليه ان يرتدي المعطف النووي فان ذالك إن لم يأت بالاهداف المتوخاة فانه سيكون بالتاكيد حاجزا اضافيا يحول دون الوصول بسرعة الى الملابس الداخلية

ربما ينتقدنا البعض على هذه السطور بحجة ان منطقتنا متخمة بالتحديات ومالَها وما يحصل في شبه الجزيرة الكورية البعيد عنها ولكن حجتنا في ذالك سببان الاول ان الاشعاع بطبيعته رهيب في نهم المسافات واختصارها , اما السبب الثاني فيكمن في تساؤل يفرض نفسه يتمثل في ان تحذو ايران حذو كوريا الشمالية وتعلن عن ارتدائها لمعطفها النووي ليكون الورقة الاهم في المحافظة على النظام خاصة وان العديد من الاشارات تشير الى انعدام الثقة بين ايران من جانب والولايات المتحدة والدول الاوربية من جانب اخر في نوايا تلك الدول تجاه ايران كما في نوايا ايران الصادقة في استخدام التقنية النووية للاغراض السلمية لا بل يشك البعض في موافقة ايران على فتح بعض الازرار البسيطة كونها مناورة محسوبة لكسب الوقت في جهودها للوصول الى نتائج حاسمة يتم طرحها كواقع جديد في المنطقة
يا رب سترك على شعوب المنطقة من نوايا وألاعيب مراكز القرار في العواصم الثلاث طهران و تل أبيب و واشنطن

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل