أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - بطلان العمل السياسي















المزيد.....


بطلان العمل السياسي


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3813 - 2012 / 8 / 8 - 20:53
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بطلان العمل السياسي

الكثيرون من المعارضين لخطابي الماركسي يعزون تهافته المزعوم، بعد أن تُعْييهم الحيلة لنقضه، لإحجامي عن العمل السياسي، وهو ما يتخذونه حجة دامغة على ما يزعمون متسائلين عما يحول دون تعرّضي بالنقد مثلاً للأوضاع في بلادي وهي الأولى باهتمامي، وأن أقدم مقترحات تعنى بحلول ما يواجهها من صعاب وأزمات. هؤلاء المرجفون من مجندي البورجوازية الوضيعة لا يدركون بالطبع ماهية السياسة، ولذلك تراهم يتداعون لممارسة العمل السياسي حيث أن العمل السياسي يمنح هالة للسياسيين لا تمنحها الأعمال الأخرى، وفي هذا قوة جذب قوية تجتذب جميع العاملين في السياسة تقريباً، وليس أرخص من عملهم السياسي طالما أنه يتم تحت راية المصلحة العامة وخير الشعب المخادعة.
ليس هناك من سياسة خالصة تنتهي في مصلحة وخيرالشعب، كل الشعب؛ فالشعب يتشكل دائماً من ثلاث طبقات متناحرة ذات مصالح متعارضة، لكن السياسي العائم يصنف سياساته على أنها سياسات شعبية ليس إلا لتزييف سياساته البعيدة عن مصالح الشعب بمجموعه أكثر مما هي لصالحه؛ بمعنى أنه يطنب في الحديث الأجوف عن شروط العمل السياسي من مثل الديموقراطية والحريات العامة والشفافية، لكن ليس في السياسة نفسها اللصيقة بشروط عيش الناس. مثل هؤلاء السياسيين ليسوا إلا سياسيين جوفاً يعملون في السياسة الشكلية الباطلة بطلاناً بائناً. تسألهم عما سيغيرون من شروط العيش الخاصة بشعبهم فتجدهم جوفاً لا يفقهون ولا يخجل الكثيرون منهم بالقول أن الله هو مغيّر الأحوال !! ويزيدون .. إنما الأسعار والأعمار بيد الله !! يقولون بهذا دون أن يتحسبوا أن قولهم هذا يجعلهم كسياسيين متطفلين على عمل الله ومخالفين له كما في ديانتهم !! مفهوم الشعب مفهوم غائم حيث ليس من مدلول (Exponent) ثابت ومحدد لمفردة الشعب. ففي كل شعب ثلاثة شعوب متعارضة المصالح ومتناقضة. هناك شعب يملك وهو البورجوازية الدينامية الرأسمالية، وهنالك بالمقابل شعب ممن لا يملكون حتى أنفسهم وهم البروليتاريا، وهناك من هم بين بين أي أنهم يملكون أنفسهم فقط وهم البورجوازية الوضيعة. ثلاثة شعوب متصارعة تتنازع الكعكة الوطنية في السوق حيث كل شعب أو طبقة تجهد لأن تبادل إنتاجها بالحصة الأكبر من الكعكة. ما من شعب في الدنيا إلا وحياته محمولة على هذا التنازع في السوق حيث تتحدد حصة الطبقة من الكعكة تبعاً للقيمة التبادلية لإنتاجها. أية سياسة ومهما كانت وجهتها، ومنها السياسة التي يصفها أصحابها بالشعبية، لا بدّ وأن تصب في النهاية في مصالح طبقة بعينها، وهي بالنتيجة تعارض مصالح الطبقتين الأخريين. السياسة هي أولاً وأخيراً أدب الصراع الطبقي. ليس من سياسي جامع لكل الطبقات طالما أنه أخيراً ينتصر لطبقة بعينها ويعادي بنفس الوقت الطبقتين الأخريين. السياسة العائمة اليوم، وهي سياسة الانتصار للطبقة البورجوازية الوضيعة، كطبقة وسطى تجلب الاستقرار المنشود ـ وهو ما يعني تجميد حركة المجتمع ـ هي أسوأ السياسات، إنها حقاً السياسة الهدامة الوحيدة بين مختلف السياسات طالما أن البورجوازية الوضيعة التي تعيش على إنتاج الخدمات لا تنتج أية ثروة وتستهلك بالمقابل القسم الأعظم من الثروة. الانحياز للبورجوازية الوضيعة، وهو الطابع العام للسياسات الرائجة، مكنها من اغتصاب السلطة في شتى المجتمعات في مختلف بقاع الأرض، وهو فعلاً ما أورد العالم إلى حافة التهلكة المتمثلة اليوم في الديون الفلكية على الدول التي كانت إلى أمد قريب أغنى دول العالم. أدعياء سياسة الدفاع عن مصالح الشعب العائمة اليوم في البلدان العربية بصورة خاصة إنما هي في حقيقتها السياسة المعادية للشعب طالما أن الشعب في عرف هؤلاء هو الطبقة الوسطى، طبقة البورجوازية الوضيعة، الطبقة التي تأخذ دائماً ولا تعطي أبداً. مثل هؤلاء السياسيين من أنصار البورجوازية الوضيعة، ويدّعون نفاقاً أنهم الطلائعيون في الدفاع عن الشعب، هم ليسوا جوفاً فقط بل هم في حقيقة الأمر أعداء للشعب وأعداء للإنسانية. هؤلاء هم أنفسهم الذين يعتبرون الخطاب الماركسي متهافتاً وباطلاً بالتقادم وخاصة لأنه يظل بعيداً عن العمل السياسي الذي هو هوايتهم في التضليل الشعبوي. الخطاب الماركسي، أو قل البحث الماركسي لا ينحاز حتى لطبقة البروليتاريا، فما بالك للطبقات الرجعية كانحيازهم.

يخلط الكثيرون بين البحث والتحليل العلمي الماركسي من جهة، والخطاب السياسي من جهة أخرى. أية سياسة ومهما كان لونها هي بالتالي نشاط غارق في الغرض الإجتماعي، وهي لذلك لا بدّ وأن تفسد كل بحث ماركسي موضوعي إذا ما تسربت إلى ثناياه. صحيح أن ماركس ما كان ليكون ماركس الذي نعرف لو لم ينحَزْ مبكراً للعمال، لكن ذلك لا بعني إطلاقاً أن الإنحياز انتقل من موقفه السياسي متسللاً إلى نظريته العلمية؛ فماركس وهو القامة الفارعة في الفلسفة، بل هو أبوها ومحررها من كل أمراضها الموروثة كان يعي تماماً أن التحليل العلمي عماده الموضوعية بعيداً عن أية أغراض. الماركسية نظرية علمية تقوم على الحقيقة المطلقة التي هي ديالكتيك الطبيعة الذي لا يتوقف للحظة حتى مع انهيار الأكوان وبعده. الديالكتيك قانون فيزيائي صارم يحكم كل موجودات الطبيعة بغير أهداف محددة أو أغراض بعيداً عن كل السياسات. وهكذا عندما قال ماركس أن الصراع الطبقي سينتهي بدكتاتورية البروليتاريا إنما كان يفسر قانوناً من قوانين علم الاجتماع المتفرع عن ديالكتيك الطبيعة دون أن يشوب هذا التفسير أية أغراض أو أي انحياز للبروليتاريا. سواء انحاز الآخرون للبروليتاريا أو عارضوها فذلك لن يغير من حتمية دكتاتورية البروليتاريا كخاتمة للصراع الطبقي. منذ أن بدأ تاريخ البشرية قبل عشرات ألوف السنين كان مقدراً له أن ينتهي بدولة دكتاتورية البروليتاريا تحل مختلف التناقضات في المجتمع الرأسمالي وتجعل من الشعب قواماً واحداً ووحدة واحدة. لم يتطور التاريخ منحازاً لطبقة دون أخرى بل تطور وفق الميكانزمات العاملة فيه والمتمثلة بصورة رئيسية بتطور أدوات الإنتاج. الماركسيون يظلون بحاثة في علم الاجتماع ليس أكثر إلى أن يشكلوا حزباً يعبّر عن مصالح البروليتاريا ويدافع عنها كونها آخر الطبقات، إذاك فقط ينقلبون إلى سياسيين يناضلون من أجل تحطيم علاقات الإنتاج الرأسمالية.

يُتعذر اليوم تشكيل أي حزب شيوعي حقيقي وفاعل بغياب علاقات الإنتاج الرأسمالية. الأحزاب الشيوعية التي قامت أصلاً للمساهمة في الثورة الاشتراكية التي أعلنها لينين في مارس آذار 1919 انهارت ولم يعد لها وجود حقيقي بعد أن استطاعت البورجوازية الوضيعة السوفياتية أن تستولي على قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي وتقوم بثورة مضادة أخمدت الثورة الاشتراكية في المركز وفي الأطراف، وقوضت المشروع اللينيني بعد أن نجحت الثورة الاشتراكية بقيادة ستالين من تفكيك الرأسمالية العالمية الذي اكتمل في السبعينيات. الحزب الشيوعي يغدو ضرورة حيوية عندما يعجز النظام الرأسمالي عن تصريف الانتاج المتراكم الذي تراكمه طبقة البروليتاريا المتطورة كمّاً وكيفاً. وسيسأل بعض المتثاقفين هنا عن قيام أحزاب شيوعية في بلدان طرفية لم تصل بعد إلى النظام الرأسمالي كالبلدان العربية. مثل هذه الأحزاب قامت كأطراف للثورة المركزية في روسيا وبغير الثورة في روسيا ما كانت لتقوم. ففي خطابه يفتتح المؤتمر الأول للأممية الشيوعية في السادس من مارس آذار 1919 قال لينين .. " نضال العمال الروس أقنع الطبقة العالة في العالم أن مصائر الثورة العالمية يتقرر هنا في روسيا ".
انهيار المشروع اللينيني لم يلغِ نفاذ ذلك التصريح التاريخي للينين. فالبلاشفة الروس كانوا قد سدوا الطريق نهائياً أمام تطور النظام الرأسمالي في روسيا وفي حوافها ولن تقوم له قائمة فيها عكس ما يتشاءم بعض أنصاف الماركسيين؛ والثورة الاشتراكية التي تعالى أوارها بقيادة ستالين استدعت ثورة التحرر الوطني في العالم كله 1946 ـ 1972 فكان أن انتهى النظام الرأسمالي في الغرب الرأسمالي وفي العالم كله بالتالي.

لقد رافق انهيار المشروع اللينيني انهيار الأحزاب الشيوعية في أطراف العالم خاصة وأن هذه الأحزاب بمجملها كانت قد أيدت بحماس كبير الثورة المضادة التي قامت بها البورجوازية الوضيعة السوفياتية بقيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وأمينها العام خروشتشوف. خلال الربع الثالث من القرن العشرين انهارت العوالم الثلاث التي ورثها العالم من نتائج الحرب العالمية الثانية، فكان ما عرف بالعولمة التي تعني تسطيح العالم، كل العالم، ليهمد بدون نظام إنتاج حيوي يساعد في تقدم الإنسانية، وليس بنظام رأسمالي كما يدعي الذين ليس لهم في علم الإقتصاد علم. الإنتاج الرأسمالي العالمي انخفض بنسبة 60% عما كانت نسبته في مجمل الإنتاج العام مع بداية النصف الثاني من القرن المنصرم، وبنفس النسبة تقلص حجم طبقة البروليتاريا، وعليه تراجع الدور الرئيس الذي كان يلعبه التناقض عمال/رأسماليون، أو قوى الإنتاج/علاقات الإنتاج، خلال القرنين 1750 – 1950 ليغيب اليوم تماماً عن المسرحين الدولي والمحلي سواء بسواء. العالم المسطح بالعولمة هو عالم ميت سكن نبضه تماماً بسكون الصراع الطبقي التام. السكون التام للصراع الطبقي ينفي نفياً قاطعاً إمكانية قيام الحزب الشيوعي حيث أن الحزب الشيوعي ليس أكثر من هيئة أركان البروليتاريا تقود صراعها ضد البورجوازية الرأسمالية بداية ثم البورجوازية الوضيعة من بعد.

هنا سيرفع الكثيرون من الماركسيين احتجاجهم ضد الافتراض القائل " بسكون الصراع الطبقي التام " في أي مفصل من مفاصل التاريخ، حيث لا يتوقف الصراع الطبقي أبداً في المجتمعات الطبقية. صحيح أن الصراع الطبقي لا يتوقف طالما هناك سوق تُبادل فيه مختلف الطبقات إنتاجها بالنقد، لا يتوقف على الإطلاق. لكن للصراع شروط وميكانزمات ونتائج. على كل طبقة من طبقات المجتمع أن تعي بداية مع من تبادل إنتاجها ووفق أية شروط. مبكراً وفي العام 1848 أصدر كارل ماركس وفردريك إنجلز بيانهما الشيوعي الشهير يشرح للبروليتاريا كيف هم يبادلون قوتهم للعمل مع الرأسماليين بأقل من قيمتها الحقيقية، وأن عليهم أن يتحدوا في جبهة متراصة كي يحطموا أغلال الإستغلال الرأسمالي ليمتلكوا كل ما ينتجون ولا يسمحوا للرأسماليين بسرقتهم. اليوم لا يجري التبادل في السوق على ذلك النحو الرأسمالي. اليوم وعلى صعيد العالم كله يجري مبادلة الخدمات بضعف قيمة البضاعة وهو ما يشير إلى أن منتجي الخدمات وهم البورجوازية الوضيعة يسرقون 60% من إنتناج العمال دون مقابل، أو مقابل أقل من 20% من قيمة الخدمات، بينما كان الرأسماليون سابقاً يسرقون 20% من إنتاج العمال ويعيدون إليهم 80% من قيمة الإنتاج بشكل أجور. لأن كل ذلك يتم في السوق بعيداً عن دائرة الإنتاج فإن البروليتاريا لا تتواجه مباشرة مع من يسرقها اليوم وهو البورجوازية الوضيعة. ولذلك يكون من الصعب تماماً نقل فصائل رئيسة من البروليتاريا من جبهة المواجهة مع الرأسماليين التي تفككت ولم يعد لها وجود إلى جبهة أخرى مختلفة تماماً إن بالتكتيكات أو بالأسلحة أو حتى بالنتائج. قبل أن تنتقل فصائل رئيسية من البروليتاريا إلى الجبهة الجديدة ينقطع بالطبع الصراع الطبقي وتستمر البورجوازية الوضيعة توغل بنهب البروليتاريا دون حسيب أو رقيب. في مثل هذه الحالة، وهي ماثلة اليوم، لا يجوز لأي فرد عاقل أو حتى مجموعة أفراد أن يفتحوا وحدهم جبهة حربية في مواجهة أكبر وأصعب جبهة تواجهها البروليتاريا. هنا يتوقف الطلائعيون في جبهة البروليتاريا عن العمل السياسي وينشطون في توجيه البروليتاريا للإنتقال إلى جبهة جديدة في مواجهة البورجوازية الوضيعة.
وقد يتساءل بعض الرفاق الماركسيين هنا كيف لا نشكل حزباً شيوعياً يقود صراع البرولتاريا ضد البورجوازية الوضيعة التي باتت تسيطر على العالم بكل قاراته وبكل أنظمته. البروليتاريا تغدو بحاجة إلى تشكيل هيئة أركان لها حالما تتعرّف على عدوها بالتحديد وتعرف كيف ستواجهه، بأية شروط وبأية أسلحة. للأسف البالغ لم تتعرف بروليتاريا العالم حتى اليوم على عدوها الجديد الذي غدا البورجوازية الوضيعة بعد انهيار النظام الرأسمالي في العالم. وقد بلغ الأمر بأحد الشيوعيين القدامى في مصر أن كتب مستهجناً الدعوى بتبديل العدو الرأسمالي الكلاسيكي بعدو مستجد هو البورجوازية الوضيعة، لكن دعيّ الشيوعية هذا ورفاقه لم يلاحظوا حقيقة كبرى تغشي الأبصار وهي أن البورجوازية الوضيعة هي نفسها التي قوّضت المشروع اللينيني للثورة الاشتراكية العالمية وليس الرأسماليين. البورجوازية الوضيعة هي التي تحكم في الدول الرأسمالية سابقاً كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وتقيم فيها دولة الرفاه (Welfare State) التي تنفق أكثر مما تنتج وتغرق في ديون فلكية لا تقوى على خدمتها عكس الدولة الرأسمالية التي تقوم أساساً على مراكمة الأموال.

الماركسي الحقيقي الأمين أمانة لينين وستالين لتعاليم ماركس ليس بإمكانه أن يقوم بأي عمل سياسي طالما أنه يعيش في عالم مسطح تتراجع فيه وسائل الإنتاج إلى الخلف خاصة وأن ذلك يحدث في أكثر البلدان تقدماً، في البلدان التي رآها ماركس وإنجلز قبل أكثر من قرن ونصف القرن على عتبة الثورة الاشتراكية. هل يستطيع الماركسيون الشيوعيون أن يعيدوا وسائل الانتاج التي انهارت قبل نصف قرن إلى حيويتها السابقة من أجل أن يتمكنوا من العمل في السياسة !؟ هذا سؤال لا يطرح بصورة جادة إذ ليس من قدرة الشيوعيين إعادة الرأسمالية إلى الحياة، ولن يقوموا به حتى لو استطاعوا.
سيكف الشيوعيون طبعاً عن العمل السياسي طالما أزاحت البورجوازية الوضيعة البروليتاريا عن المسرح الدولي. لكن ذلك لن يدوم طويلاً ولا يؤذن بنهاية العمل الشيوعي كما يتصور مجندو البورجوازية الوضيعة، بل على العكس تماماً فالعمل الشيوعي سينشط أكثر من ذي قبل من أجل أن تستعيد البروليتاريا السيادة على المسرح الدولي حيث أن سيادة البورجوازية الوضيعة تقوم على الخواء الفعلي. وهذا ليس من قبيل التمني أو الرغبة بل هو من طبيعة الأمور حيث سداة الصراع الطبقي هو غريزة البقاء والتمسك بالحياة والدفاع عنها. حياة البشرية الرخيّة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بازدهار البروليتاريا.

ينتهز مجندو البورجوازية الوضيعة عبور مثل هذا المفصل الطارئ في التاريخ ليطلبوا من الشيوعيين وطلائع البروليتاريا التخلي عن نظريتهم الماركسية بدعوى تقادمها. طبعاً البورجوازية الوضيعة لا تحمل إلا أفكاراً وضيعة من جنسها. لم يدرك طلائعيوها ومجندوها أن الماركسية إنما هي التعبير الكامل والمباشر عن انتقال ديالكتيك الطبيعة إلى المجتمع كونه شيئاً من أشياء الطبيعة. لذلك لا تجوز مطالبة الشيوعيين وطلائعيي البروليتاريا بالتخلي عن الماركسية إلا بعد أن تخرج المجتمعات من الطبيعة إلى ما وراءها ربما !! ويخادع بعض صغار مجندي البورجوازية الوضيعة فيدّعوا لأنفسهم الحرص على حصانة الماركسية كي يعلنوا بغباء لا نظير له أن الماركسية أُسيئت قراءتها إن من قبل السوفيات أو من قبل شيوعيي الأطراف. للدلالة على الخداع الغبي لهؤلاء المجندين الصغار فإنهم لا يذكرون القراء الصحيحة للقراءات الخاطئة. بل إن مجرد الإدعاء بهذا إنما هو دلالة قاطعة على أن مثل هؤلاء الصغار لا يعرفون حرفاً واحداً من ألفباء الماركسية. كل ما قاله ماركس فيما يتقوّلون هو أن البروليتاريا تقوم بثورة في هذا البلد أو ذاك لتقيم حصراً دولة دكتاتورية البروليتاريا، ورفض أن يتحدث بأكثر من ذلك سواء عن الشروط المحلية للثورة وعن قضايا عبور مرحلة الاشتراكية. وعليه فإن أي ادعاء بسوء قراءة السوفييت للماركسية لن يكون مشروعاً إلا بعد الإثبات أن الدولة السوفياتية منذ مارس آذار 1919 وحتى فبراير شباط 1959 لم تكن دولة دكتاتورية البروليتاريا. لكن ذلك بات مستحيلاً بعد أن إضطر خروشتشوف أن يعلن إلغاء دولة دكتاتورية البروليتاريا في المؤتمر الاستثنائي العام الحادي والعشرين للحزب الشيوعي في فبراير شباط 59 ، وليس من هو أكثر خبرة في طبيعة الدولة السوفياتية من خروشتشوف بعد أن خدم في قيادتها أكثر من عشرين عاماً. لقد كانت حقاً دكتاتورية البروليتاريا قبل العام 59 كما أعلن.

كل الذين هللوا ورحبوا بخروشتشوف وتحريفاته لم يدركوا أسباب انهيار مشروع لينين ولهذا السبب تحديداً انقلبوا من شيوعيين إلى وطنيين، وباتوا يرون أن بإمكانهم تطوير مشروع وطني ينسج شبكة أمان لمختلف طبقات الشعب وشرائحة. هؤلاء الذين قصروا في إدراك أن إلغاء دكتاتورية البروليتاريا في العام 59 إنما كان رجوعاً عن الاشتراكية، هؤلاء لن يكونوا محل ثقة تسمح لهم برسم مشروع وطني يبدأ بعزل البلاد عن سائر العالم الذي يعاني من أزمة كارثية. نشير هنا إلى حقيقة كبرى وتاريخية يتم القفز عنها دون تروّي. في السبعينيات بدا واضحاً أن المعسكرين المتعارضين في انهيار سريع مروّع نحو القاع. إذّاك رأت البورجوازية الدينامية أن ليس من أفق هناك لبناء مشروعها الإقتصادي الخاص بها رغم كل ما كانت تملك من إمكانات مادية واقتصادية، فبارحت سلطة الدولة دون مقاومة. فكان أن تهيأت الفرصة لاختطاف السلطة من قبل عصابات معادية لكل الطبقات وهي العصابات التي يطيح بها ما يوصف بالربيع العربي. كان ذاك هو موقف البورجوازية الدينامية المدعومة آنذاك من كل الطبقات والعمال إحداها، فكيف بالشيوعيين الذين انقلبوا إلى وطنيين وتخلوا عن طبقتهم بعد أن أخذوا يدعون إلى التعددية وتداول السلطة، كيف بهم يتبنون برنامجاً كانت قد تخلت عنه البورجوازية الدينامية !؟ وما عساها تكون حجتهم كشيوعيين في النضال لتحقيق برنامج في صالح جميع الطبقات، هذا إذا كان قابلاً للتحقيق !؟

عالم اليوم عالم مسطح بالعولمة تستبد بكل دوله قوانين منظمة التجارة الدولية (WTO) التي لا تسمح بعزل دولة بحالها لبناء مشروعها الاقتصادي المستقل تماماً عن الاقتصاد العالمي. بناء عليه فإن أي دعوى وطنية يطلقها أولئك المتلبسون لبوساً وطنياً إنما هي دعوى كاذبة ومخادعة لاستحالة تحقيقها. وبالعكس من هؤلاء فمن يشعر بالمسؤولية تجاه مواطنيه عليه أن يتلمس سبل المساعدة وفتح الطريق واسعة أمام شعبه للتطور وتوفير سبل عيشه باستكناه أزمة العالم التي تنوخ بكلكلها على بلاده وطرح المعالجات المناسبة لها وصولاً إلى حلحلة أزمة بلاده، وغير ذلك إنما هو قبض الريح.
لهذا دعونا وندعو اليوم إلى تشكيل اتحادات عالمية للماركسيين تأخذ على عاتقها البحث في تحليل أزمة العالم المفتقر لأي نظام للإنتاج بعيداً عن كل أغراض سياسية، واقتراح الحلول المناسبة لانتشال العالم، كل العالم، من الهاوية التي يهوي فيها منذ أن امتلكت البورجوازية الوضيعة زمام الأمور فيه. تلك هي الطريقة الوحيدة لخدمة الشعب والوطن.

www.fuadnimri.yolasite.com






#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عَالَمية الثورة الإشتراكية وعِلم الثورة
- لا حرية مع العمل المأجور - بشرى الحرية لنساء العالم -
- الشيوعيون المرتدون
- ونستون تشيرتشل يفضح مجندي البورجوازية الوضيعة
- الأميّة في السياسة
- المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة ودورها
- ماذا علّمنا ستالين ؟
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (3)
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (2)
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (1)
- محطتان رئيسيتان لمشروع لينين في الثورة الاشتراكية
- الوحدة العضوية للثورة الاشتراكية العالمية
- شهادة الشيوعيين
- الجمود العقائدي
- لماذا يغير المثقفون قناعتهم
- الساقطون الهاربون من انهيار مشروع لينين
- لينين باقٍ في التاريخ
- الإسلام كما القومية لا يمتلكان فكراً
- رسالة إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني
- شبح الشيوعية لم يعد يحوم في السماء


المزيد.....




- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - بطلان العمل السياسي