أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - لا حرية مع العمل المأجور - بشرى الحرية لنساء العالم -















المزيد.....

لا حرية مع العمل المأجور - بشرى الحرية لنساء العالم -


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3796 - 2012 / 7 / 22 - 18:11
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


لا حرية مع العمل المأجور
" بشرى الحرية لنساء العالم "

يجابهني اليوم عدد من المتثاقفين الليبراليين بالإدعاء أن الاشتراكية ممثلة بالاشتراكية السوفياتية تقوم على القمع والإكراه وتنفي نفياً قاطعاً حرية الانسان التي هي أغلى قيمة إنسانية. أنا أتفق مع هؤلاء المتثاقفين الليبراليين بأن الحرية هي أغلى قيمة إنسانية، بل هي القيمة الإنسانية الوحيدة التي تحفظ للإنسان إنسانيته وإلا عاد حيواناً كما كان في الأصل، لكنني بذات الوقت أنبّه إلى أن هؤلاء المتثاقفين الليبراليين لا يعرفون معنى الحرية بالجوهر، وهم لذلك ليسوا مؤهلين للإدعاء بأن الاشتراكية السوفياتية قامت على نفي الحرية وعلى القمع والإكراه. يُسألون عن معنى الحرية فلا يتعرّفون إلا على الحريات السياسية، حرية القول والفكر وحرية الاجتماع والتنظيم وما إلى ذلك من الأنشطة السياسية، وهم بذلك يجهلون، إن لم يكونوا يتجاهلون، حقيقة أن الحريات السياسية بمختلف أشكالها إنما هي من مقتضيات سبل العيش، السبل المتعلقة جميعها بالإنتاج وعلاقات الإنتاج. عندما يدرك هؤلاء المتثاقفون الليبراليون معنى الحرية بالجوهر، عندئذٍ فقط يكتشفون أن الحريات السياسية كانت مصونة بالعمق في المجتمع الاشتراكي السوفياتي، ويدركون أيضاً أن " الحريات " التي افتقدوها في المجتمع السوفياتي إنما كانت حرية أعداء الحرية، أعداء التنمية الاشتراكية، أعداء البروليتاريا ـ غياب حرية أعداء الحرية إنما هو بحد ذاته انتصار للحرية. في المجتمع الاشتراكي السوفياتي كان كاتب روائي من مثل إيليا أهرنبورغ قادراَ على مجابهة ستالين وجهاً لوجه ورفض طلبه الملح بخصوص بعض المسائل الثقافية بكل ما كان لستالين من هيبة ووقار في المجتمع السوفياتي، عداك عن كونه رئيس دولة دكتاتورية البروليتاريا. الحريات التي توفرت بالعمق في المجتمع السوفياتي انعكست على الإنسان السوفياتي المختلف اختلافاً عميقاً عن الإنسان في البلدان الأخرى غير الاشتراكية. يستطيع مجندو البورجوازية إنكار الحرية في المجتمع السوفياتي لكنهم لا يستطيعون تفسير البنية السيكولوجية الراقية للإنسان السوفياتي التي لا تبنيها غير الحريات الإنسانية المتحررة من قيد الإنتاج.

إن أفضل وأدق تعريف صاغه علماء الأنثروبولوجيا للإنسان هو أنه " الحيوان المنتج ". ذلك يعني أن الإنسان كان سيبقى مجرد حيوان لولا أنه اهتدى بأسبابه الخاصة إلى سبل إنتاج حياته. سائر الأحياء تحقق ذاتها عن طريق التناسل إلا الإنسان فهو الحيوان الوحيد الذي يحقق ذاته عن طريق الإنتاج أولاً قبل أن يحققها عن طريق التناسل الذي غدا في المجتمعات المتقدمة أمراً ثانوياً. من هنا كانت فكرة إنجلز الكبيرة التي تقول أن المجتمعات المتخلفة تستعيض عن تطوير علاقات الإنتاج الواهية فيها بالعلاقات الجنسية، فيزداد التناسل مع زيادة الفقر. بريطانيا مثلاً لم يزد عدد سكانها منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين بينما تضاعف عدد سكان مصر أكثر من ثلاث مرات وسكان غزة خمس مرات خلال نفس الفترة. ولذلك أيضاً تتسم سائر المجتمعات الطبقية بالسيادة الذكورية حيث يحقق الرجال ذواتهم بالإنتاج بينما تحقق النساء ذواتهن بالتناسل.
أن يكون الإنسان هو الحيوان المنتج فذلك ينطلق بدايةً من حقيقة يجب التسليم بها دون تردد وهي أن أولى أدوات الإنتاج التي استخدمتها الحيوانات الشبيهة بالإنسان هي التي قدحت الشرارة الأولى لطاقة التفكير في الحيوان الإنسان. وبالتساوق مع هذه الحقيقة تتوجب الموافقة على أن التطور الفكري في الإنسان هو الإنعكاس المباشر لتطور أدوات الإنتاج وهو ما يعني بكلمات أخرى أن فعل الأنسنة يتجسد فقط بتطور أدوات الإنتاج من خلال العلاقة الديالكتيكية بين عقل الإنسان وأدوات الإنتاج، حيث يتبادل الطرفان التطور والاغتناء.

كانت السمة العامة للإنسان في التاريخ القديم هي الوحشية، كما تجلت في الحروب التاريخية بين الفرس واليونان ثم الفرس والرومان وبعدها الفتوحات العربية ثم الحروب الصليبية فحروب المماليك والأتراك ثم الفتوحات الاستعمارية التي انتهت بأكبر حربين عالميتين في تاريخ البشرية 1914 و 1939 وقد أهلكتا 70 مليوناً من البشر. أما اليوم فتقوم الدنيا ولا تقعد حين تقتل عصابة البعث السورية عشرات ألوف السوريين أو عندما قتلت عصابة البعث في العراق مئات الألوف. ما الذي ميّز العصر الحديث بالحس الإنساني الرفيع خلافاً للعصور القديمة ؟ ما ميّزه ليس إلا التطور في الإنتاج وأدوات الإنتاج وهو ما يُوصف عادة بالتطور الحضاري. ومن هنا جاء تصنيف مراحل التاريخ المتعاقبة وفقاً لجنس أدوات الإنتاج، فهناك العصر الحجري والعصر البرونزي ثم الحديدي وانتهاءً بالعصرين البخاري والذري. وهكذا فإن الحس الإنساني الرفيع هو رفيق لطاقة الكهرباء ولطاقة الذرة. وحديثاً تحقق التواصل الحميم بالرأي وبالأحاسيس على أوسع نطاق بين الأمم عن طريق مواقع الاتصال الشخصي على الإنترنت بعد أن غدت هذه المواقع من أدوات العمل الرئيسة.

ما يلزم تأكيده في هذا السياق هو أن تقدم إنسانية الإنسان يتم كانعكاس مباشر لتطور الإنتاج وأدوات الإنتاج. إن منظومة الحريات السياسية اللازمة للحفاظ على إنسانية الإنسان وتطورها إنما هي أساساً من لزوميات تطور الإنتاج وأدواته. الإنسان يدافع عن الحرية كي ينتج أفضل من حيث الكم والنوع. والطبقة العاملة تدافع عن الحرية كي تحدّ من عبوديتها فتزيد عوائدها من إنتاجها. التجسيد الحقيقي للحرية على الأرض، كيلا تظل أفكاراً سديمية معلقة في الهواء، هو تحرير التواصل بين الإنسان وأدوات الإنتاج، أي إزالة كافة المعوقات التي تعيق الإنسان عن الاشتباك الحر والمباشر مع أدوات الانتاج التي يرغبها لا التي يرغم عليها. حتى الليبراليين أنفسهم، وربما دون وعي منهم، يقرنون ليبراليتهم باقتصاد السوق. ليس من أحد ينكر ارتباط الحرية بالإنتاج سوى أبناء الله في السماء وليس أبناء الإنسان في الأرض.
أكبر عائق يعيق الإنسان عن الاشتباك الحر والمباشر مع أدوات الإنتاج هو شرط الأجر، أي أن يكون العمل مأجوراً. بعض المتثاقفين يدعي أن الأجر هو الحافز الرئيسي والوحيد للعمل، غير أن الأمر على العكس من ذلك تماماً، حيث للعمل المأجور ثلاثة شروط لازمة مسبقاً : أولها شرط الإكراه فالعمل المأجور يملي على الأجير "خياراً" وحيداً وهو الفناء .. " إعملْ تَعِشْ ". أن يكون العمل المأجور شرط البقاء فذلك يعني أن الأجير محروم أصلاً من " حق " البقاء قبل استئجاره وهذا مخالف لقوانين الطبيعة، لذلك هو شرط مكروه يسلب الأجير حريته التي هي العامل الأهم في عملية الإنتاج. وثانيها هو شرط الاستغلال الذي هو أول شروط العمل المأجور فالأجر ينبغي أن يكون أدنى قيمة من الإنتاج. ولما كان كل عاقل يكره الاستغلال فالعمل يصبح لذلك مكروهاً من قبل الأجير، ولميل غريزي نحو العدالة ينحو الأجير دائماً، حتى دون وعي منه، ألا ينتج قدر استطاعته. والشرط الثالث، ولعله أبلغها أثراً، وهو تغريب المنتوج عن المنتج وهو الأجير؛ فالأجير عليه أن ينتج بالتالي بضاعة لا يريدها ولا يستفيد منها وليس له أدنى علاقة بها. عين هذه الشروط الثلاثة تضعف العلاقة الديالكتيكية بين العامل وأداة الإنتاج فلا يعود التفاعل بين الطرفين قوياً فيتأخر الانسان في الأجير ويتأخر تطور الأداة وفعلها

لعل إبناً لله يتقدم معترضاً يتساءل .. لئن كان صحيحاً أن الأجير لا ينتج قدر استطاعته لأن أجره أقل قيمة من إنتاجه، فلماذا ينتج أصلاً عندما لا يتقاضى أجراً على الإطلاق ؟ ـ هذا سؤال في العمق حقاً ويحتاج إلى مقاربة عميقة لعل ابن الله يستطيع استقبالها وفهمها.
الأجر، وكما يعترف ابن الله، قد غدا بفعل ما يسمى باقتصاد السوق وسيلة البقاء الوحيدة للإجير ولعائلته. لكن البشرية عاشت آلاف السنين قبل أن تعرف السوق واقتصاد السوق. لا العبد في عصور العبودية القديمة، ولا القن في عصور الإقطاع الوسيطة كان يواجهه شرط الإكراه الفج يوميا مثلما يواجه البروليتاري في عصر الرأسمالية، حيث إن لم يخضع البروليتاري لشروط عقد العمل ويؤجر قواه للعمل وفق تلك الشروط فالفناء جوعاً يتهدده وعائلته. العبد والقن لم يبيعا جهدهما في السوق كما على البروليتاري أن يبيعه يومياً، لذلك كان شرط البقاء مضموناً لديهما وهي الضمانة التي تضمن للعبد غده العبودي وللقن غده القنانوي، بينما يفتقد البروليتاري مثل هذه الضمانة لغده البروليتاري. ولذلك وصف ماركس الاستغلال الرأسمالي بأنه أبشع أنواع الاستغلال عبر التاريخ. طالما كان هناك ضمانات للحياة والبقاء قبل السوق واقتصاد السوق وفيه تنعدم الضمانات تقريباً فلا مكان للشك في أن ضمانات البقاء والحياة يمكن أن تتواجد فيما بعد النظام الرأسمالي والسوق الرأسمالية حين تنعدم مكافأة العمل بالنقود والاستهانة بأرفع خصيصة إنسانية، خصيصة العمل في الإنتاج.

في عهود المشاعية البدائية الغابرة، التي يُرجّح أنها امتدت ملايين السنين، لم يكن الإنتاج هو ما يحدد العلاقات بين أفراد المجموعة البشرية الواجدة. واستمر الأمر كذلك في عهود الأمومة (Matriarchal Stages) التي امتدت ربما لعشرات آلاف السنين حين كانت الأم تقوم بدورها الطبيعي وهو التناسل كما تقوم نفسها بالإنتاج لتأمين الغذاء لأبنائها وبناتها. في عهود البطريركية (Patriarchal Stages) حين بدأ الرجل رحلته التاريخية في الانتاج ظهرت أولى أشكال الملكية فكان أن امتلك الرجل المرأة لقاء توفير الغذاء لها ولعائلتها، إمتلك المرأة وامتلك الأبناء محرماً على زوجته معاشرة رجال غيره. إمتلاك الرجل للمرأة كان أول شكل من أشكال الملكية يتحقق في التاريخ. ملكية العائلة امتدت إلى خارج العائلة فامتلك الرجل الزرع والضرع. الملْكية أنهت المشاعية خارج العائلة في المجموعة البشرية لكنها لم تقوَ على إلغائها داخلها. ما زالت العائلة التقليدية في عصرنا الحالي تحيا حياة الشيوعية فلا تقوم أية حقوق داخل العائلة حتى للأب بالرغم من أنه المنتج الوحيد بين أفرادها.
ما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو أن المتثاقفين الليبراليين المسكونين بعبق الحرية يحافظون بكل عزم وإصرار على حياة شيوعية كاملة داخل عائلاتهم، لكنهم مع ذلك يرفضون بكل عزم وإصرار أن يحيا المجتمع حياة الشيوعية كما تحيا عائلاتهم !! أليس هذا هو النفاق بعينه أم هو مرض الشيزوفرينيا !؟

خلال رحلة الأنسنة التي بدأتها الانسانية قبل ملايين السنين برزت عقبات كأداء على الطريق عبر مراحل التشكيلات الاجتماعية المختلفة، العبودية والإقطاعية والرأسمالية، وقد برهنت دوافع الأنسنة دائماً على أنها الأقوى في عالم الإنسان فتجاوزت كل هذه العوائق ولو بتضحيات جسام إلى أن وصلت إلى تفكيك النظام الرأسمالي في سبعينيات القرن العشرين. من المفيد أن نشير هنا إلى أن جميع العقبات التي واجهتها الإنسانية على طريق الأنسنة تخلّقت كلها في رحم واحدة تتحدد بفقر أدوات الإنتاج. وأن المجتمعات البشرية تشكلت بأشكال متباينة كتنظيم ضروري لمواجهة مستوى تطور أدوات الإنتاج أو مستوى فقرها. البشرية اليوم تبحث عن تشكيلة اجتماعية ملائمة لمواجهة العقبات المستجدة التي زرعها على طريق الأنسنة في آخر أشواطها آخر الأعداء للإنسانية وهو البورجوازية الوضيعة. البورجوازية الوضيعة الروسية قوضت مسيرة الأنسنة الكبرى التي قادها البلاشفة منذ ثورة أكتوبر 1917 وحتى رحيل آخر البلاشفة 1953، ووضعت حدّاً صارماً لتطور أدوات الإنتاج باستثناء العسكرية منها. واستكمل ذلك دهاقنة النظام الرأسمالي الخمسة الأغنياء في مؤتمرهم في رامبوييه 1975 بانحرافهم إلى الإقتصاد الاستهلاكي المغاير تماماً للإقتصاد الرأسمالي حيث تتخلف أدوات الإنتاج لحساب تقدم وسائل الإستهلاك. كان ماركس ولينين قد رسما تصورهما لتنظيم المجتمع المؤهل لتفكيك التشكيلة الرأسمالية التي رآها ماركس تحد من تطور أدوات الإنتاج في مراحلها الأخيرة. لم يدر في خلدهما أن تطرأ الحاجة لتنتظيم المجتمع بصورة مختلفة لأجل تفكيك نظام طارئٍ هجين بقيادة البورجوازية الوضيعة يسبق الاقتصاد الاشتراكي ويتجسد بالاقتصاد الاستهلاكي. صحيح أن البورجوازية الوضيعة لا تمتلك أية أسلحة حقيقية تدافع بها عن نظامها الهجين العابر لكن يبدو أن صعوبة المواجهة مع البورجوازية الوضيعة تتأتى من هذه الحالة الاستثنائية بكل المقاييس. كيف على المجتمع أن ينتظم لأجل حل مثل هذا التناقض الغريب حقاً، تناقض البروليتاريا مع البورجوازية الوضيعة، الذي يفرض نفسه من خارج دائرة الانتاج وعلاقات الانتاج حيث أن إنتاج الخدمات ليس شرطاً جوهرياً من شروط إنتاج السلع.

فعل الأنسنة وهو أقوى ظاهرة من ظواهر الحياة لن يستكين إزّاء كل العوامل الطارئة التي تحد من تطور أدوات الإنتاج طالما أن تطورها هو العلامة الفارقة للأنسنة. لن تبقى قوى الإنتاج الهائلة التي تنامت عبر آلاف السنين إلى أن انتهت علاقات الإنتاج الرأسمالية غير قادرة على استيعابها ضمن إطارها الضيق كما بدا ذلك واضحاً خلال الربع الثالث من القرن العشرين، لن تبقى مثل هذه القوى الهائلة ممسوكة من خناقها في محطة دولة البورجوازية الوضيعة، دولة الرفاه (Welfare State)، تدير الإقتصاد الاستهلاكي، إقتصاد الإفقار. ستنتفض قوى الإنتاج في ثورة تاريخية عارمة تحطم كل الكوابح والأصفاد، وآخرها أصفاد البورجوازية الوضيعة، وستنطلق في قفزة كبرى تطيح بكل قيود الإنتاج التي أولها تأجير العمل واستئجاره، وثانيها سيادة الرجل الممتدة عبر التاريخ. لن تعبر البطريركية القرن الحادي والعشرين وسيكون العمل المأجور إذّاك من ذكريات التاريخ القديمة.
هَهُنا يمكن أن نزفّ بشرى لسائر نساء العالم، نبشّرهنَّ بأن عهود البطريركية ستنتهي في القرن الحالي على الأرجح. إن أول مُلْكية تحققت في تاريخ البشرية وهي ملكية الرجل للمرأة ستنتهي مع انتهاء العمل المأجور. طريق الأنسنه التي طرقها الإنسان قبل ملاىيين السنين ارتسمت فقط في تطور قوى الإنتاج وأدوات الإنتاج. كوابح تطور قوى الانتاج التي ابتدعتها البورجوازية الوضيعة الروسية أثناء ولاية الغبي خروشتشوف 1954 – 1964، واستكملها دهاقنة الرأسمالية (G5) في السبعينيات في إعلان رامبوييه 1975، هذه الكوابح وبالرغم من كل قواها الشيطانية الخبيثة الهائلة لن تقوى على أقوى ظواهر الحياة وقوة اندفاع الإنسانية في رحلة الأنسنة التاريخية. فالإنسانية في مواجهتها لهذه الكوابح تكون في معركتها الأخيرة فإما أن تكون أو لا تكون، إما أن تستكمل رحلة الأنسنة أو أن ترتد عائدة إلى أصولها الحيوانية. لن ترتد الإنسانية فالعدو في الجبهة المقابلة هو عدو دونكيشوتي وهو البورجوازية الوضيعة التي لا تمتلك من مفاصل الإنتاج المادي مفصلاً واحداً، وليس في أيديها أسلحة حقيقية تدافع بها عن مصيرها المحتوم سوى الغدر والخيانة المتحققين عبر الخديعة والمناورة فقط.

يدعي أبناء الله والليبراليون في مقدمتهم أن الحرية هي هبة الله للإنسان وهو لذلك يجب ألا يفرّط بها وعليه أن يرعاها بكل قدراته. لكن هؤلاء الأبناء والليبراليين يتناسون أن إلههم الذي وهبهم الحرية هو نفسه الذي صادرها منذ بدء التاريخ. لماذا يهب وبذات الوقت يحجب !؟ على هؤلاء المثاليين أن يتفهموا أن قدسية الحرية لا تتدنس باعتبارها من متاع الدنيا، هي بالطبع ليست من سقط المتاع بل هي من أرفعه لا بل هي الأرفع طالما أنها الوازع الوحيد لتطوير أدوات الإنتاج. الإنسان تحكمه غريزة الأنسنة التي تنحصر في الارتباط الدائم الذي لا ينقطع بأدوات الإنتاج والعمل على تطويرها وزيادة فعاليتها. أبناء الله الذين يبشروننا بالحرية كقيمة سماوية مقدسة لا يفطنون إلى أن الحرية غائبة تماماً في بيت أبيهم (ألله). ليس هناك في الحياة الأخرى أو الجنّة حريات كما أن ليس فيها ممنوعات أو محرمات. بل إن شجرة المعرفة التي كانت قد حُرّمت على آدم وحواء أُجتثت تماما فيما بعد وأستعيض عنها بسبعين حورية لكل ذكر. ما ننبه أبناء الله إليه هو أن غياب الحريات وكذلك المحرمات في بيت أبيهم (الفردوس) هو النتيجة الطبيعية لغياب الإنتاج بكل أشكاله.
نبي أبناء الأرض، كارل ماركس، أكد من بين ما أكد، أن البشرية وبعد أن تدفن العمل المأجور إلى غير رجعة وكذلك البطريركية والملْكية بمختلف أشكالها، عندما يتحقق الإنتاج تلبية لغريزة الأنسنة في الإنسان دون وضع أية عراقيل تعيق الإنتاج على أفضل الوجوه، عندما يتحرر الانسان من كل قيود الإنتاج، عندئذٍ فقط لا يعود الإنسان بحاجة إلى أي شكل من أشكال الحرية ولا يعود هناك في موازاة ذلك أي شكل من أشكال المحضورات. سينكر أبناء الله على أبناء الأرض ذلك، إذ كيف يصنع الإنسان على الأرض ما يصنعه الله في السماء !؟
نقول لهؤلاء أن نبي الأرض قال فيما قال .. أطردوا الشياطين من بين صفوفكم، أطردوا مصاصي الدماء، أطردوا عبدة المال، لا تقيدوا الإنتاج بأية قيود وأية شروط مهما تكن، كالأجر والملكية، أتركوا الإنسان يشتبك غريزياً مع أدوات الإنتاج، إذّاك سيتحرر الإنسان من قيد الإنتاج الذي بدأ شرطاً لازما لافتراق الإنسان عن مملكة الحيوان ولبقائه النوعي، وعندئذٍ لن يقتضي الإنتاج مصفوفة من الحقوق وأخرى من الحريات أو المحضورات. كل هذه المصفوفات التي يقال فيها أنها تقيم العدل بين الناس إنما هي من مقتضيات فقر أدوات الإنتاج ولذلك ستختفي نهائياً.

www.fuadnimri.yolasite.com



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيوعيون المرتدون
- ونستون تشيرتشل يفضح مجندي البورجوازية الوضيعة
- الأميّة في السياسة
- المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة ودورها
- ماذا علّمنا ستالين ؟
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (3)
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (2)
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (1)
- محطتان رئيسيتان لمشروع لينين في الثورة الاشتراكية
- الوحدة العضوية للثورة الاشتراكية العالمية
- شهادة الشيوعيين
- الجمود العقائدي
- لماذا يغير المثقفون قناعتهم
- الساقطون الهاربون من انهيار مشروع لينين
- لينين باقٍ في التاريخ
- الإسلام كما القومية لا يمتلكان فكراً
- رسالة إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني
- شبح الشيوعية لم يعد يحوم في السماء
- عن أي يسار يكتب كتبة اليسار !؟
- مواجهة مع أحد المرتدين


المزيد.....




- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - لا حرية مع العمل المأجور - بشرى الحرية لنساء العالم -