مجدى زكريا
الحوار المتمدن-العدد: 3806 - 2012 / 8 / 1 - 22:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تدعى هيئات دينية كثيرة انها تملك الحق, وهى تقدمه بشوق للاخرين. ولكن تقدم فى مابينها وفرة من الحقائق المشوشة. فهل هذا مجرد دليل اخر على ام كل الحقائق نسبية, وانه لا توجد حقائق مطلقة ؟ لا.
بعبر البروفسور ف ر. روجيرو فى كتابه فن التفكير, عن دهشته لأنه حتى الناس الاذكياء يقولون احيانا ان الحق نسبى. ويذكر محاجا : " اذا حدد كل شخص حقه الخاص, فلن يكون عندئذ فكرة شخص ما افضل من فكرة شخص اخر. فيجب ان تكون جميعها متساوية. واذا كانت جميع الافكار متساوية. فما الداعى الى البحث فى اى موضوع ؟ لم التنقيب فى الارض بحثا عن اجوبة لأسئلة علم الاثار ؟ لم سبر غور التوتر فى الشرق الاوسط ؟ لم البحث عن علاج للسرطان ؟ لم استكشاف المجرة ؟ لا تصير هذه النشاطات ذات معنى الا اذا كانت بعض الاجابات افضل من غيرها واذا كان الحق شيئا منفصلا عن وجهات النظر الفردية ولا يتأثر بها. "
وفى الواقع, لا احد يعتقد فعلا انه لا يوجد حق. فعندما يصل الامر الى الحقائق المادية. كالطب, الرياضيات, او قوانين الفيزياء. سيؤمن حتى النسبى الاوفر غيرة بأن بعض الامور صحيحة. فمن منا يجرؤ على ركوب طائرة اذا كنا لا نعتقد ان قوانين الديناميكا الهوائية هى حقائق مطلقة ؟ فالحقائق الممكن اثباتها انما هى موجودة : انها تحيط بنا, ونخاطر بحياتنا على اساسها.
ولكن اخطاء النسبية تظهر اكثر فى عالم الاداب, لأن فيه سبب تفكير كهذا اكبر ضرر. تؤكد دائرة المعارف الاميريكية هذه النقطة : " جرى الشك على نحو خطير فى ما اذا كان فى وسع البشر ان يحرزوا المعرفة, او الحق المعروف . . . . ولكن من المؤكد انه رفض المثالان الاعليان التوأمان للحق والمعرفة على انهما خياليان او مؤذيان, انحط المجتمع البشرى.
وربما لاحظتم انحطاطا كهذا. على سبيل المثال, ان تعاليم الكتاب المقدس الادبية, التى تقول بوضوح ان الفساد الادبى الجنسى هو خطأ, نادرا ما تعتبر حقائق. والمبادئ الاخلاقية التى تتوقف على الظروف - " قرر ماهو صائب بالنسبة اليك " - هى الرأى السائد اليوم. فهل يمكن ان يدعى اى شخص بأن الانحطاط الاجتماعى لم ينشأ من هذه النظرة النسبية ؟ طبعا, ان الاننتشار العالمى للامراض المتنقلة جنسيا, البيوت المحطمة, وحبل المراهقات يقدم دليلا وافيا.
ماهو الحق ؟
دعونا اذا نترك مياه النسبية العكرة ونفحص بايجاز مايصفه الكتاب المقدس بانه مياه الحق النقية. ففى الكتاب المقدس, ليس " الحق " مطلقا المفهوم المجرد غير الملموس الذى يتجادل فيه الفلاسفة.
عندما قال يسوع ان كل قصده فى الحياة هو التكلم عن الحق, كان يتكلم عن امر قدره اليهود الامناء طوال قرون. ففى كتاباتهم المقدسة, قرأ اليهود طويلا عن " الحق " بانه شئ واقعى لا نظرى. وكلمة " الحق " فى الكتاب المقدس هى ترجمة للكلمة العبرانية " امث " التى تعنى ماهو ثابت, متين, وربما الاهم موثوق به.
كان لدى اليهود سبب وجيه لينظروا للحق بهذه الطريقة. فكانوا يدعون الههم " اله الحق " ذلك لأن كل ما قاله الله انه سيفعله قد فعله.
فعندما اعطى وعودا وفى بها, وعندما اوحى بنبوات, تمت, وعندما تفوه بأحكام نهائية, نفذت. وكان ملايين الاسرائيليين شهود عيان على هذه الحقائق. وقد سجلها كتبة الكتاب المقدس الملهمون كوقائع تاريخبة لا تقبل الجدل. وبخلاف الاخرى التى تعتبر مقدسة, لا يرتبط الكتاب المقدس بخلفية اسطورية او خرافية. فهو مؤسس بشكل راسخ على وقائع يمكن اثباتها - حقائق تاريخية, اثرية, علمية, واجتماعية. ولا عجب ان يقول المرنم الملهم عن الله : " شريعتك حق . . . كل وصاياك حق . . . رأس كلامك حق " - مزمور 119.
كرر يسوع المسيح كلمات ذلك المزمور عندما قال فى الصلاة الى الله " كلامك هو حق " فقد عرف يسوع ان كل ماتكلم به ابوه كان ثابتا وموثوقا به بشكل مطلق. وعلى نحو مماثل, كان يسوع مملوءا . . . حقا. " وكشهود عيان, تعلم اتباعه وسجلوا لكل الاجيال القادمة ان كل ما قاله كان موثوقا به, كان الحق.
( هناك اكثر من 70 مكانا فى روايات الاناجيل يسجل فيها استعمال يسوع لتعبير فريد للتشديد على صدق كلماته. فكثيرا ما كان يقول " امين " المترجمة " الحق " ليبدأ بجملة. ويذكر القاموس الاممى الجديد : " عندما كان يسوع يستهل كلماته بأمين كان يصفها بأنها اكيدة وموثوق بها. وقد ايدها والزم نفسه وسامعيه بها, انها تعبير عن جلاله وسلطته. )
ولكن عندما قال يسوع لبيلاطس انه اتى الى الارض ليقول الحق, كان يفكر فى حق معين, فقد تفوه يسوع بهذه العبارة ردا على سؤال بيلاطس : " افأنت ملك " كان ملكوت الله, ودور يسوع كملك له, محور وجوهر تعليم يسوع حين كان على الارض. والتعليم ان هذا الملكوت سيقدس اسم الله, ويبرئ سلطانه, ويرد الجنس البشرى الى الحياة الحقيقية, هو الحق الذى يرجوه جميع المسيحيين المخلصين. وبما ان دور يسوع حيوى جدا فى اتمام كل وعود الله, ولأن كل نبوات الله تصير " امين " او حقة, بسببه استطاع يسوع ان يقول : " انا هو الطريق والحق والحياة. "
والاعتراف بأن هذا الحق موثوقا به تماما يعنى الشئ الكثير بالنسبة الى المسيحيين اليوم. فهو يعنى ان ايمانهم بالله ورجاءهم فى وعوده مؤسسان على وقائع, على حقائق.
" يتبع "
#مجدى_زكريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
