أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - طبيعة العلاقات المصرية الاسرائيلية بعد الثورة















المزيد.....


طبيعة العلاقات المصرية الاسرائيلية بعد الثورة


حمدى السعيد سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3800 - 2012 / 7 / 26 - 08:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد ذهب السادات الى اسرائيل تحيط به كاميرات الصحافة والتلفزة من كل جانب وخطب فى الكنيست الاسرائيلى وشاهده على الهواء مباشرة ملايين البشر ..... لكن للاسف تلك الكاميرات نحيت تماما وابعدت فى كثير من لقاءات العرب باسرائيل , فقد كان طابع تلك اللقاءات السرية التامة والغموض المقلق .... ولكن مع مرور الزمن والكشف عن الوثائق تم كشف المستور عن لقاءات العرب باسرائيل السرية .... لان العرب يجرون تلك اللقاءات ويخشون من الافصاح عنها .....ففى اوراق التاريخ اسماء زعماء عرب وملوك عرب وشخصيات عربية اجرت لقاءات ومواعيد كانت تتم غالبا على ارض محايدة وتجمع الاسرائيليين بالقادة العرب !!!..لذلك يمكن القول بأن كافة الأجهزة المعنية داخل الكيان الصهيوني وعلى رأسها أجهزة المخابرات والوزارات وكذلك مراكز الأبحاث والدراسات ذات الصلة بجهات صنع القرار قد سخَّرت جل جهدها فى الأيام الأخيرة لرصد تطورات الأوضاع في مصر وما يجرى على أرض الواقع بشكل سريع يحتاج إلي متابعة لحظية وذلك على خلفية الأهمية التي يوليها هذا الكيان الغاصب لمصر على خلفية علاقات السلام القائمة بين تل أبيب ونظام الرئيس حسني مبارك، على اعتبار أن مصر المنفذ الوحيد لإسرائيل للتواصل مع أطراف عربية وفلسطينية وعلى ضوء مخاوفها المتزايدة من مسألة غياب المورد الرئيس لإمدادات الغاز الطبيعي الذي تحصل عليه مستقبلاً في حالة نقض إتفاق السلام بين الجانبين إثر وصول جهات مصرية معارضة للحكم سواء بشكل كامل أو بشكل جزئي ....

خلال السنوات ال30 من حكم مبارك، خاضت إسرائيل عدة حروب منظمة بالإضافة إلى عدوانها المستمر والمفتوح على الشعب الفلسطيني الأعزل.... في المقابل لم تخض مصرمبارك حربا واحدة والتزمت بمعاهدة السلام على حساب اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولم تستطع أن توقف، دبلوماسيا، آلة القتل الإسرائيلية مرة واحدة، والعدوان الأخير على غزة كان دليلا على قدرة إسرائيل على تحييد مصر ليس عسكريا فقط وإنما دبلوماسيا أيضا... لقد ألزمت مصر مبارك نفسها، ومع كل الدول العربية تقريبا، بما عرف بالمبادرة العربية للسلام، وجعلت "السلام خيارا إستراتيجيا" (العرب يجددون سنويا تمسكهم بالمبادرة منذ 27/3/2002!)، بينما تهربت إسرائيل من كل مبادرات التسوية الدولية والعربية، وأفشلت مسار أوسلو، واعتدت منذ 2002 فقط عدة مرات على الضفة وغزة ولبنان والسودان وقتلت الآلاف من العرب.... ويتجه المجتمع الإسرائيلي نحو مزيد من التشدد، إذ يختار الناخبون، منذ عقود، اليمين المتشدد (شامير ثم نتنياهو ثم شارون ثم نتنياهو من جديد) أو المتشددين من العمل (رابين ثم باراك)، هذا مع التأكيد على أن لا صقور ولا حمائم هناك، فالكل يشترك في الإيمان بالأهداف العليا للصهيونية....


وفي أحد استطلاعات الرأي (هآرتس، أبريل 2009) جاء أن 89% من الإسرائيليين يرغبون في إعادة احتلال سيناء إما بشكل كلي وإما بشكل جزئي (33% يودون احتلال كل سيناء و19% يريدون احتلال معظمها و29% يرون ضرورة احتلال جزء كبير منها و8% يرغبون في احتلال جزء صغير منها)...واستمرت إسرائيل، طوال عقود، في تعزيز علاقاتها مع حلفائها الغربيين، وأهمها ترقية عضويتها في الاتحاد الأوروبي قبل أيام من عدوانها على غزة..... بجانب استغلالها علاقاتها الخارجية لتحقيق تقدم كبير في مجالات التكنولوجيا والتصنيع العسكري، وهي تصدر الطائرات وأقمار التجسس إلى الصين والهند، وتحتل مراكز متقدمة في مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية....في المقابل لم تحقق مصرمبارك تقدما واحدا ملفتا في البحث العلمي والتصنيع، ولا تزال مستوردا للسلاح الغربي والمنتجات الأجنبية. بل وراحت مصر ودول عربية أخرى تلهث وراء مشروعات يروج لها ساركوزي في المحيط الأورومتوسطي ليبقى العالم العربي المنطقة الوحيدة التي لم تشهد تكتلا إقليميا واحدا...أما متانة علاقات بعض العرب مع الولايات المتحدة فلا يمكن اعتبارها دليلا على مصالح متبادلة، بقدر ما هي ترسيخ للهيمنة الأميركية على القدرات العربية....

لذلك قال الاستاذ / محمود محارب ان اسرائيل أولت ـ منذ قيامها وحتى اليوم ـ اهتماما كبيرا بمصر وبدورها بالغ الأهمية في معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي، سواء في مرحلة الحرب بين الدولتين أو بعد توقيع اتفاقية السلام بينهما.... ويعود هذا الاهتمام لعاملين أساسيين؛ أولهما: قوة مصر الذاتية بوصفها دولة كبيرة ومتماسكة، وفيها طاقات كامنة وعوامل قوة تجعلها القوة العربية القادرة على الصمود أمام إسرائيل والتصدي لها. وثانيهما: دور مصر العربي والإقليمي الذي مكنها من تبوّء العمل العربي المشترك فترة طويلة....لم تنه اتفاقية كامب ديفيد ـ من المنظور الإسرائيلي ـ الصراع بين مصر وإسرائيل، لكنها منحته شكلاً جديداً؛ فبعد توقيعهما المعاهدة استمر الصراع على جملة واسعة من القضايا، وفي مقدمتها الصراع على المكانة والدور والنفوذ وقدرة التأثير في تطور الأحداث بالمنطقة.... واستندت إسرائيل في إدارة هذا الصراع إلى عوامل قوتها، وأهمها: تفوقها العسكري على مصر وبقية الدول العربية في الأسلحة التقليدية... الى جانب احتكارها السلاح النووي في المنطقة...و وضعها الاقتصادي المتقدم الذي يقترب فيه معدل دخل الفرد السنوي ـ منذ نحو عقدين ـ من معدل دخل نظيره في أوروبا....و امتلاكها إرادة سياسية موحدة في قضايا الأمن القومي، وتساهم المؤسسة الأمنية في بلورتها وفي حشد المجتمع الإسرائيلي خلف أهدافها، وفي ظل العملية الديمقراطية الإسرائيلية القائمة على مسلمات و"مقدسات" أيديولوجية وسياسية وأمنية.... الى جانب تمتعها بعلاقات راقية للغاية مع الولايات المتحدة الأمريكية، تحصل إسرائيل بموجبها على دعم أمريكي مهم وحيوي في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية؛ بهدف استمرار تفوق إسرائيل على جميع الدول العربية....

واستناداً إلى عوامل قوّتها هذه، سعت إسرائيل في العقود الأخيرة إلى التقليل من مكانة مصر، وتهميش دوريْها العربي والإقليمي، وتقليص تأثيرها المستقل في تطور الأحداث في المنطقة، وفرض الأجندة الإسرائيلية عليها في ما يخص قضايا الصراع الأساسية في المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وجعلها مقاولاً للسياسة الإسرائيلية تجاه هذه القضية وقضايا أخرى، تحت أغطية "الوساطة" ومكافحة "الإرهاب" والتصدي "للتطرف الإسلامي"...وساعد إسرائيل في تحقيق الكثير من هذه السياسات، وجود حكم في مصر قائم على الفساد والاستبداد، كغيره من أنظمة الحكم في الدول العربية. فلا عجب ـ والحال كهذه ـ أن ناصبت إسرائيل منذ اللحظة الأولى العداء للثورة المصرية والثورات العربية الأخرى، وتمسكت بثبات في دعمها لاستقرار نظم الاستبداد والفساد...لقد أصبحت مصر بفضل مبارك حليفا استراتيجيا لإسرائيل بدل إيران، ومزودها الأساسي بالطاقة، كما إن مصر منحتها التكئة الاستراتيجية، وضمنت لها الاستقرار الأمني، وبفضل السلام بين مصر وإسرائيل تقلص عبء ميزانية الأمن الإسرائيلي، وخُفض عدد الجيش، وصمد هذا السلام أمام امتحانات الحروب والانتفاضات في الجبهات الإسرائيلية الأخرى، والمسؤول عن هذا كله هو مبارك، الذي حكم بلاده أطول فترة منذ محمد علي؛ ونتيجة لكل ذلك فإنه "لو مُنح قادة إسرائيل اختيار أُمنية واحدة، كانوا سيطلبون إطالة حياة مبارك إلى الأبد"...

وعندما بدأت المظاهرات الشعبية وازداد زخمها يوما بعد آخر، صدمت إسرائيل وأصابتها الدهشة مما يحدث..... كان الوضع مقلقا وحرجا إلى أقصى حد..... وهو قلق على مصير أهم حليف إقليمي في العقود الثلاثة الأخيرة، وطالما تمنت ـ بكل صدق ـ أن يظل حاكما لمصر إلى الأبد، وحرج من الموقف العلني الذي على إسرائيل اتخاذه من الثورة الشعبية؛ فإذا عبرت علناً عن موقفها الداعم لمبارك والمعارض لمطالب الثورة، فقد يصبّ ذلك الزيت على نار الثورة الملتهبة.... ونتيجة لحساسية الوضع، أصدر مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية توجيهاً إلى جميع الوزراء والناطقين باسم الحكومة الإسرائيلية يطالبهم بعدم التطرق إلى ما يحدث بمصر في وسائل الإعلام، وفي الوقت نفسه أعلن مكتب كل من رئيس الحكومة ووزير الخارجية أنهما يتابعان عن كثب الأحداث في مصر، وأن وزارة الخارجية تعقد اجتماعات كل عدة ساعات لبحث تطورات الوضع في مصر وتقديرها ...

لم تفاجَأ إسرائيل من اندلاع الثورة المصرية ومن زخمها فقط، بل امتد ذلك إلى مواقف قادة أمريكا وأوروبا الضاغطة على مبارك من أجل إجراء إصلاحات، وعدم استعمال القوة في قمع المتظاهرين... وفي الوقت الذي حاولت فيه حكومة إسرائيل ـ في بداية الثورة ـ عدم التطرق علناً لما يحدث في مصر، فإنها نشطت دبلوماسيا للدفاع عن مبارك لدى الدول الكبرى، كما حاولت التأثير في مواقف هذه الدول....فبعد بدء الثورة المصرية بعدة أيام أرسلت وزارة الخارجية الإسرائيلية تعليمات سرية إلى سفراء إسرائيل في أكثر من عشر دول مهمة، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين وكندا وعدد من الدول الأوروبية ذات الأهمية، وأمرتهم بالاتصال فوراً بالسلطات العليا في هذه الدول، والطلب من قادتها وقف انتقاد الرئيس المصري مبارك، والتأكيد لقادة هذه الدول على أن الاستقرار في مصر سيؤثر بدوره في مجمل الاستقرار في جميع أرجاء الشرق الأوسط ...لذلك انفردت إسرائيل عن بقية دول العالم باستمرارها في دعم مبارك ونظامه والدفاع عنه والتحذير من مخاطر إسقاطه، على الرغم من تعاظم المظاهرات وازدياد زخمها يوما بعد آخر..... واستعملت إسرائيل ثنائية الإسلام السياسي الراديكالي، في مقابل استقرار نظام الحكم المستبد "المعتدل" في سياسته تجاه إسرائيل والغرب..... فقد حذر رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، في خطاب بالقدس أمام اجتماع أصدقاء إسرائيل من البرلمانيين الأوروبيين، من إمكانية أن تستولي "قوى إسلامية متطرفة" على الحكم في مصر، إذا ما سقط حكم مبارك، وأن تسير مصر عندئذ خلْف النموذج الإيراني. وادعى نتنياهو، بعد أن أسهب في توضيح مخاطر الثورة على الاستقرار في مصر والمنطقة، "بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي لها قيم ومصالح متماثلة مع تلك الموجودة في أوروبا"...

لقد تفاجأت إسرائيل من حدوث الثورة في مصر ونجاحها في إسقاط الرئيس المصري حسني مبارك، فقد اعتقد الإسرائيليون أن نظام مبارك مستقر، وأن مبارك سيورث الحكم لابنه جمال أو لعمر سليمان، غير أن المفاجأة شملت جميع من يتابع الوضعيْن المصري والعربي؛ من أجهزة مخابرات ومراكز أبحاث وخبراء الشؤون العربية وأساتذة الجامعات والصحفيين والساسة والقادة العسكريين... وجاءت هذه المفاجأة رغم الضوء الأحمر الذي أشعلته الثورة التونسية، ورغم إرهاصات المظاهرات المنادية بالديمقراطية وازدياد حركة الاحتجاج ضد التوريث وتكاثر الإضرابات العمالية في مصر.... كما لم تكن مفاجأة إسرائيل من اندلاع الثورة فقط، لكنها جاءت من الشكل الذي جرى به إسقاط مبارك أيضا، فضلا عن رد فعل أمريكا وأوروبا عند تخليهما عن مبارك...لقد تمسك كل من جهاز المخابرات العسكرية (أمان) وجهاز الموساد، حتى اندلاع الثورة، بالتقييم الذي أكد "أن نظام الحكم في مصر مستقر"، وأنه "لا يوجد عليه خطر آني".... ولم تفشل إسرائيل في توقع حدوث الثورة فقط، وإنما فشلت ـ أيضا ـ في قراءة الواقع وتفسيره عندما بدأت الثورة؛ فقد أكد رئيس جهاز المخابرات العسكرية (أمان) الجنرال أفيف كوخافي، بعد مرور عدة أيام على بدء المظاهرات الجماهيرية، أنه "لا توجد خشية على استقرار الحكم في مصر"..... وفشل أيضا رئيس جهاز المخابرات العسكرية الأسبق أهرون زئيف فركش في قراءة الواقع؛ إذ أكد في مقابلة له مع راديو إسرائيل أن فرص نجاح الجيش المصري في قمع المتظاهرين المصريين، وفي استعادة النظام والهدوء، ووضع حد للمظاهرات، مرتفعة للغاية.... واستنكر فركش في المقابلة نفسها مواقف الولايات المتحدة وأوروبا من الثورة، وقال: إنه لا يفهم هذه المواقف ولا يفهم دعمها "لدمقرطة" مصر...

أسبابَ هذا الفشل الاسرائيلى فى توقع الثورة المصرية يرجع إلى العوامل التالية:
أولاًـ كانت الفكرة السائدة في أجهزة المخابرات الإسرائيلية والمؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث ولدى خبراء الشؤون العربية على اختلاف اتجاهاتهم، أن في مصر نظاما قويا ومعارضة ضعيفة تخضع لرقابة صارمة....
ثانياًـ كثفت أجهزة الأمن الإسرائيلية نشاطها ـ منذ توقيع اتفاقية السلام مع مصر ـ حول ما يجري في الساحات الفلسطينية والسورية واللبنانية والإيرانية، وخفضت من متابعتها العميقة لما يجري في مصر....
ثالثاـ أسهمت العلاقات الوطيدة والمباشرة التي نشأت بين قيادات الأجهزة الأمنية في البلدين، وكذلك العلاقات المباشرة والودية بين القيادات السياسية، في تبني وجهة نظر ترى أن الأوضاع في مصر مستقرة....
هناك موقفان متأصلان في إسرائيل، وفي ثقافتها السياسية تجاه العرب، وهما: العداء للوحدة العربية، والعداء للديمقراطية في الدول العربية...... ويعود هذا العداء أساساً إلى أسباب سياسية؛ فقادة الصهيونية وإسرائيل اعتقدوا ـ وما زالوا ـ أن الديمقراطية والوحدة العربية تعززان من قوة العرب، وتفتحان المجال واسعاً ـ في المدى المتوسط والبعيد ـ لمقاومة إسرائيل وربما هزيمتها.....إن ما تحتاج إليه إسرائيل هو أنظمة حكم عربية مستقرة وغير ديمقراطية. وبكلمات بسيطة: هم يريدون حكاماً عرباً مستبدين يعتمدون على الغرب.... لذلك منذ أن اندلعت الثورة المصرية في يناير 2011 هيمنت الخشية على الغالبية العظمى من المسؤولين الإسرائيليين من أن تقود هذه الثورة إلى إقامة نظام ديمقراطي في مصر، وشاركهم الشعور ذاته المحللون ووسائل الإعلام والخبراء في الشؤون العربية وغيرهم من الذين تطرقوا إلى الثورة المصرية.... وعبر هؤلاء عن الخشية من "خطر" الديمقراطية في مصر بأشكال تنوعت بين الصراحة والإخفاء....

هذه الرؤية الإسرائيلية التي تنادي بأنظمة حكم عربية دكتاتورية، نستخلص أن وراءها دافعين: أولهما، الخشية من أن توصل الديمقراطيةُ الإسلام السياسي إلى سدة الحكم....... وثانيهما، مصدره الاستعلاء الإسرائيلي..... فالاستعلاء "بات حاجة وضرورة نفسية لاسرائيل بأن يكون العرب متخلفين وظلاميين، وغير جديرين بنيل حقوق إنسانية أساسية"..... فهم ـ وفق الرؤية الإسرائيلية ـ متخلفون مئات السنين عن الغرب وعن إسرائيل؛ بسبب ثقافتهم وتقاليدهم وطابعهم الجماعي غير القابل للتغيير...... لذلك من الأفضل لهم وللعالم أن تحكمهم أنظمة دكتاتورية تستند في حكمها إلى القوة العسكرية، وتورث الحكم إلى الأبناء.... فالحرية ليست جيدة لهم؛ لأن طابعهم الظلامي يتفجر إلى الخارج في موجات من العنف ضد محيطهم في حال نيلهم الحرية، وكل من يفكر خلاف ذلك ـ "خاصة الغرب المتكلس والرجل الساذج في البيت الأبيض ـ فإنه ببساطة لا يفهم الحياة، أو لا يعيش هناك مثلهم"....هذه الرؤية الإسرائيلية سائدة بين الإسرائيليين بغض النظر عن تصنيفات يسار ويمين؛ فاليسار الإسرائيلي ـ الذي تعود جذوره إلى أولئك الذين هاجروا إلى البلاد من أجل تأسيس "فيلا في الغابة"، وحملوا مقولة "وطن بلا شعب لشعب بلا وطن"، ويمتاز باستعلائه هذا ـ ليس أقل من اليمين....

مما لاشك فيه ان تأثيرات الثورة المصرية في إسرائيل سيكون كبيرا جدا ، وشمل ذلك مجالات واسعة، يأتي في مقدمتها: مستقبل اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وطبيعة العلاقات الثنائية المستقبلية، وانعكاسات الثورة المصرية على وضع إسرائيل العسكري، وعلى ميزان القوى في المنطقة، وتركيبة الجيش الإسرائيلي وحجمه، ووضع إسرائيل الاقتصادي والسياسي، ومكانة إسرائيل ودورها في المنطقة، والقضية الفلسطينية بملفاتها المختلفة.... الى جانب ان هناك تأثيرات أمنية كبيرة على المستويين القريب والبعيد؛ فعلى المدى القريب سيتضرر التنسيق الأمني الخفي الجاري بين مصر وإسرائيل، يقابله حدوث انفراج في علاقات مصر مع حكومة حماس في قطاع غزة، يقود إلى المساس بمكانة القوة متعددة الجنسيات في سيناء، ومنع السفن الحربية الإسرائيلية من المرور في قناة السويس، خاصة تلك التي استعملت في العامين الأخيرين في مكافحة تهريب السلاح من السودان إلى قطاع غزة..... أما على المدى البعيد لو جاء نظام حكم راديكالي فسيجمد السلام بين إسرائيل ومصر تجميداً حقيقياً، وإذا حدث هذا الأمر، فإنه يستدعي إعادة تنظيم الجيش الإسرائيلي مجدداً لكي يتجاوب مع الوضع الجديد.... فمنذ عقدين ونيف والجيش الإسرائيلي لا يشمل في خططه إمكانية حدوث خطر من مصر؛ فالسلام أمكن إسرائيل من تقليص حجم الجيش الإسرائيلي وتخفيض جيل الخدمة في جيش الاحتياط، وتوجيه الموارد والميزانيات إلى أهداف اقتصادية واجتماعية.... علاوة على ذلك، تركزت التدريبات والتمارين والخطط العسكرية في العقدين الأخيرين حول المواجهة مع الفلسطينيين وحزب الله وسوريا، ولم يستبعد الجيش الإسرائيلي ـ حقيقة ـ سيناريو المواجهة العسكرية مع مصر!!!..

إن ذلك يقود إلى "الحديث عن ميزانية مختلفة للأمن، وبناء قوات الجيش بشكل آخر تماماً". فإذا عادت مصر وأصبحت عدواً، فسيؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في عدد الفرق والألوية في الجيش الإسرائيلي... و ذلك لن يحدث بسرعة لأن تغيير النظام يستغرق وقتاً، وكل نظام جديد في حاجة إلى وقت إضافي من أجل بناء نفسه..... وفي هذه الأثناء بوسع إسرائيل بناء قوة الجيش الإسرائيلي وفقاً للوضع الجديد، وهذا يستغرق سنوات !!!..من شأن الدراسات المعمقة أن تهز أيضاً فرضيات مألوفة حول تأثير الدول العظمى؛ فهي لا تستطيع منع حدوث ثورة، وحتى إذا تدخلت عسكرياً فلن يجلب تدخلها هدوءً...... لذلك تعمل الدول العظمى في هذه الحالات على تكييف نفسها مع الواقع الجديد، بدل أن ترسم الواقع وتحاول فرضه، بما في ذلك التخلي عن أصدقاء مثل مبارك..... وهذا درس مهم ، وعلى إسرائيل أن تتعظ به؛ لأن استمرار تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل ليس مضموناً في المدى البعيد... الى جانب الوضع فى الحسبان ان الثورات في مصر وغيرها من البلدان العربية تعزز من مكانة إسرائيل الجيو - استراتيجية، باعتبارها دولة مستقرة وديمقراطية وقوية في منطقة تتعرض لدوامةٍ وعدم استقرار، وتحتل أهمية عالمية..... لذلك إسرائيل تعمل من اجل استثمار هذا الوضع لتعزز من مكانتها الدولية، وفي الوقت نفسه لا بد من اليقين بأن الصراع العربي - الإسرائيلي ليس هو العامل الأساس في عدم الاستقرار في المنطقة....

أحداث الثورة في مصر تثبت ازدياد قوة "الشارع"، وقد يقود هذا إلى وصول فئات جديدة إلى سدة الحكم تناصب إسرائيل العداء؛ لذا ينبغي على إسرائيل أن تستعد للوضع الجديد، وأن تتوجه إلى جيل الشباب في الدول العربية من خلال الشبكات الاجتماعية ووسائل الاتصال الأخرى، وتروج لفكرة أنها ترغب في السلام، وفي تطوير المنطقة اجتماعياً واقتصاديا.... إلى جانب تعزيز قدرة الردع الإسرائيلي لكي يكون واضحاً للعرب أن حرباً ضد إسرائيل تؤدي إلى دمار المبادرين لها، بالإضافة إلى تطوير أدوات القمع الإسرائيلية التي يمكنها إنهاء مظاهرات واحتجاجات جماهيرية واسعة، إذ قد يلجأ الفلسطينيون في المناطق الفلسطينية المحتلة إلى أسلوب النضال الجماهيري السلمي، الذي يعتمد أساساً على المظاهرات الشعبية الواسعة، ضد الاحتلال الإسرائيلي. وفي كل الأحوال، ينبغي ملاءمة سياسة الأمن الإسرائيلي للواقع الجديد، وأنه يجب عدم استثناء إمكانية حدوث حرب!!!...


لقد أطاحت الثورة بنظام كان طيلة ثلاثة عقود خلت أهم حليف استراتيجي لإسرائيل، وقدم لها ـ كما أجمع الإسرائيليون ـ خدمات لا تقدَّر بثمن....مع الوضع فى الحسبان ان الثورة تحمل بين ثناياها إمكانية واقعية لانعتاق مصر من نظام الاستبداد والفساد وبناء دولة ديمقراطية عصرية حديثة، ومتصالحة مع ماضيها وحاضرها ومحيطها العربي، وتعمل على بناء ذاتها لتستعيد عافيتها ومكانتها التي تستحقها، ودورها المستقل... وهذا ما لا ترغب فيه إسرائيل... ولا تنسى ان إسرائيل وقفت ـ ولا تزال ـ ضد الديمقراطية في مصر والدول العربية الأخرى، وفضلت عليها دوما أنظمة الاستبداد والفساد، مستعملة بصورة ممجوجة فزاعة "خطر الإسلام السياسي"؛ لأن إسرائيل، وفق تجربتها، يمكنها خلق مصالح مشتركة وتفاهمات مع الشريحة الضيقة الحاكمة المستبدة والفاسدة، على حساب الشعوب العربية ومن خلف ظهرها... لذلك تخشى إسرائيل من وصول "الهزة الأرضية" إلى المناطق الفلسطينية المحتلة، وتبنّي الشعب الفلسطيني نضالا جماهيرياً يعتمد أسلوب المظاهرات الكبيرة غير العنيفة في مقاومة الاحتلال، في ربيع عربي يشهد مظاهرات واسعة في كثير من الدول العربية، استطاعت أن تُسقط 3 انظمة حتى الآن...


حمدى السعيد سالم



#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيون حبيبتى القاتلات !!!
- مرسى اصبح رئيسا برشوة امريكية وخلفيتة الاخوانية ستدمر مصر
- الى اسماعيل هنية :إذا كان الدين يقيم دولاً فأين هي دولة الخض ...
- من عينيك لامنجى ولا ملجأ
- الى زينب الغزالى والاخوان : الرسول لايزور الكذبة وعملاء الام ...
- اسرائيل تتجسس على رئيس مصر الجديد
- لم تعودى حبيبتى مالكة القلب
- المرأة لاتحتاج لمسرح لتعرف معنى العذاب فالحياة منحتها فرصا ل ...
- ارجو ان تفهمينى
- متى يتم انصاف ضحايا التعذيب فى مصر؟!
- هكذا تصنعون يا سدنة معبد تقديس الرئيس طواغيتكم وفراعينكم
- الى لميس عمر عفيفى : والدك لايقدر بثمن ولن يكرره الزمن
- محمد الماغوط طالب العذاب وشاعر الرثاء الكونى ورسول الحزن
- حلف مرسى أمام المحكمة الدستورية يعد اعترافا صريحا بالإعلان ا ...
- لا أمل فى صحافة جيدة الا اذا انفتح الباب لصحافة حقيقية
- جماعة الاخوان السلقلقية وزواج المتعة مع ايران
- لقد اتفق المجلس العسكرى مع جماعة الاخوان ضد مصر الثورة
- بسبب طمع الاخوان الديمقراطية اصبحت عبئا وليست حلا
- امريكا لماذا تدفع اكثر للثوريين طالما ستدفع اقل للاخوان
- فضائح المركزالقومى للسينما تزكم الانوف


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - طبيعة العلاقات المصرية الاسرائيلية بعد الثورة