أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - محمد الماغوط طالب العذاب وشاعر الرثاء الكونى ورسول الحزن















المزيد.....

محمد الماغوط طالب العذاب وشاعر الرثاء الكونى ورسول الحزن


حمدى السعيد سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3775 - 2012 / 7 / 1 - 11:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن من يقرأ حياة الشاعر السورى الراحل الجميل محمد الماغوط ويرتمى على شاطئ بحره الإبداعى الهادر ويطّلع على شيء من أعماله ومواقفه يشعر أن حياته لا تخلو من الأسطورة وأقواله الموجعة المختصرة، كالنواة التى تختزل كل أسرار الخلية وتبوح بلغز الحياة..... وكما يقول ( باولو كويليو ) أن لكل إنسان أسطورته الشخصية التي يبحث عنها ليعيشها، ففي أسطورة محمد الماغوط الشخصية الشيء الكثير من حضور شخص بروميثيوس ...حيث تقول الأسطورة «أن زيوس إله الأولمب عندما غضب على البشر منع النار عنهم، لكن بروميثيوس انطلق إلى جزيرة لمنوس، حيث كان هيفاستوس يحتفظ بنيرانه موقدة، فسرق بروميثيوس جمرة من النار المقدسة وجعلها في جذع شجرة فارغ، وحمله عائداً إلى بني البشر، ولما علم زيوس بهذه الفعلة غضب غضباً شديداً، وبعد إرساله المصائب والطوفان.... تجددت حياة بني البشر، وشُفِيَ زيوس من غضبه، إلا أن بروميثيوس كان عليه أن يحاسَب على غشه ولصوصيته، وبناء على أمر من زيوس قام هيفاستوس يعاونه كراتوس ووبيا، بالقبض على بروميثيوس وشدّوا وثاقه بالسلاسل إلى إحدى قمم جبل القوقاز، وهناك أرسل له زيوس نسراً ذا جناحين عظيمين راح يتغذى على كبده التي لا تموت، وبمقدار ما يلتهم الهُولة المجنّح من كبده في النهار، ينبت له منها في الليل بنفس هذا المقدار، وعلى الرغم من هذا العذاب الأليم، ظل بروميثيوس مصراً في عناد لا يشكو ولا يتضرع ولا يصلي تذللاً.... وما ونى عن تحدي سيد الأولمب والتعبير عن كراهيته له في انفجارات عنيفة، أليس في حوزته سر يتعلق بما ينتظر زيوس نفسه من خطر؟»...

وكما يقول باولو كويليو أن لكل إنسان أسطورته الشخصية التي يبحث عنها ليعيشها، ففي أسطورة محمد الماغوط الشخصية الشيء الكثير من حضور شخص بروميثيوس بما تحويه من روح تمرّد تجاه السلطة بأشكالها المختلفة من جهة، وحبه وإخلاصه للجنس البشري من جهة أخرى، هذا الحب وهذا الإخلاص الذي دفع بروميثيوس أن يسرق النار المقدسة ويهبها للجنس البشري، نجده عند محمد الماغوط، وتتمثل لديه هذه النار المقدسة بالحرية التي أراد أن يهبها للإنسان العربي الممزّق والذي يئن تحت جراحات وكرابيج السلطة بأشكالها المختلفة، أبوية بطريركية أو دينية سلفية أو سياسية قمعية... إلا أن حبه للإنسان العربي لم يكن انغلاقاً وانطواءً بقدر ما يعني حباً للإنسانية الجريحة التي يراها أول بأول تتجسد في هذا الإنسان العربي الحبيب الغالي الذي دفعه حبه الكبير له أن يدفع ثمنه غالياً فكان عقابه إلهياً، فكما أن زيوس أرسل نسراً ذا جناحين عظيمين يتغذى على كبد بروميثيوس التي لا تموت، هكذا كانت عذابات الماغوط التي لا تنتهي..... واندفع من داخله ينبوع سخرية مرير وسحري، ينتقد ويتساءل ويتمرّد....دوماً يصدمنى محمد الماغوط ولكنها صدمة الكهرباء التى تساعد القلب على الخفقان بعد أن كان على وشك الموت عندما يقول : (فيما مضى كان شيخ الحارة يضربنى لأحفظ وأتذكر، وفيما بعد صار الشرطى يضربنى لأنسى!!) لقد لخص حال الانسان العربى فى سطر من ابداعات محمد الماغوط !!!عذراً أستاذنا الماغوط ساسرد قبساً من نار إبداعك المقدسة حتى أشعل جذوة الروح التى انطفأت لدى الانسان العربى ....فالاسطورة تقول :أن بروميثيوس استطاع بشكل ما أن ينال الخلود الإلهي، واتخاذ مكانه الدائم على الأولمب...وانا اتسأل هل استطاع الماغوط أن ينال الخلود في الوجدان العربي والعالمي كصوت ضمير حي ما برح يشير إلى الطريق الواجب اتخاذه نحو الحرية .. هل بوسع الإنسان العربي اليوم وغداً وبعد غد أن يسمع هذا الصوت يجلجل في داخله فيثير عاصفة من الدموع وثورة من الدم..؟‍!.. فكل السيول والفيضانات تبدأ بقطرات تتجمع من هنا وهناك..... إلا عند العرب، يكون عندنا سيول وفيضانات وتنتهى بقطرات تتفرق هنا وهناك.... ما اعظمك عندما قلت : نحن الجائعين أمام حقولنا.... المرتبكين أمام أطفالنا...... المطأطئين أمام إعلامنا...... الوافدين أمام سفارتنا...... نحن الذين لا وزن لهم إلا فى الطائرات..... نحن وبر السجادة البشرية التى تفرش أمام الغادى والرائح فى هذه المنطقة...... ماذا نفعل عند هؤلاء العرب من المحيط إلى الخليج؟ لقد أعطونا الساعات وأخذوا الزمن، أعطونا الأحذية وأخذوا الطرقات، أعطونا البرلمانات وأخذوا الحرية، أعطونا العطر والخواتم وأخذوا الحب، أعطونا الأراجيح وأخذوا الأعياد، أعطونا الحليب المجفف وأخذوا الطفولة، أعطونا السماد الكيماوى وأخذوا الربيع، أعطونا الجوامع والكنائس وأخذوا الإيمان، أعطونا الحراس والأقفال وأخذوا الأمان، أعطونا الثوار وأخذوا الثورة.... اشحنوا عقولكم واحلامكم بسخريته المريرة وشعره النازف وجعا وألما ومرارة على حال العرب وحال الانسان العربى امام السلطة !!! فهو الذى لخص حال الحكام العرب عندما عرف الصمود والتصدىبأنه : الصمود على الكراسى، والتصدى لكل من يقترب منها... ما اروعك وما اجمل كلماتك التى تجعل العقل فى حالة خشوع فكرى عند سماعها لان التفكير اصعب الاعمال ....وهذا هو السبب فى ان قلة من البشر هم من يختارونه كعمل !!! اسمع له وهو يقول : أخذوا سيفى كمحارب وقلمى كشاعر وريشتى كرسام وقيثارتى كغجرى..... وأعادوا لى كل شىء وأنا فى الطريق إلى المقبرة...... ماذا أقول لهم أكثر مما يقوله الكمان للعاصفة؟؟....



اقول لك يا استاذنا العظيم ان الانسان ليس روح فقط ولا ماديات فقط .. بل الانسان ملفات متعددة ... وانا كل يوم اكتشف فيك ألوف الملفات التى تجعلنى مبهورا بروعة وجمال كلماتك !!! لقد علمنى ابى منذ الصغر ان احترم الانسان لعقله وليس لمحفظته ... وانت نعم العقل الذى يحترم !!! وانت القائل : لا يوجد عند العرب شىء متماسك، منذ بدء الخليقة حتى الآن، سوى القهر...آه.. الحلم..الحلم....عربتى الذهبية الصلبة تحطّمتْ، وتفرّقَ شملُ عجلاتها كالغجرْ فى كل مكان ....حلمتُ ذات ليلة بالربيع وعندما استيقظت كانت الزهور تغطى وسادتى ... وحلمت مرةً بالبحر وفى الصباح كان فراشى مليئاً بالأصداف وزعانف السمك ...ولكن عندما حلمت بالحريّة كانت الحراب ... تطوّقُ عنقى كهالة المصباح !!!.....


انت هنا تريد ان تقول بالاشارة انه لافرق بين لويس فرنسا او مبارك مخلوع مصر او شاوشيسكو رومانيا او صدام العراق او غيرهم من الطغاة كلهم انهوا زمن الفرح فى بلادهم !!! وسكبوا الحبر الاسود على سمائها الزرقاء ..ووضعوا الشمس تحت الاقامة الجبرية ... وقطعوا اعناق المساجد بامواس وشفرات الحلاقة ... ونهبوا الروحانيات من الكنائس !!! ..وألغوا اللون الاخضر من الحقول والقلوب ...لكن ظل البشر هنا وهناك واقفين كالرماح المغروسة فى اعماق الارض ... وعلى هذه الرماح كانت نهايتهم ... لذلك ابشرك استاذنا العظيم : لقد وقعت المعجزة فى مصر بعد سبعة آلاف سنة من الفرعونية التسلطية الصارمة ... واستطاع شعبنا المصرى العظيم ان يخلع احد حكامه ويحاكمه امام محكمة وان كانت هزلية !!! الا ان المشهد فى حد ذاته يكفى كى نشعر بأننا شعب لايزال على قيد الحياة فبدون الحق فى محاسبة الرأس الكبير ... نحن موتى وان اكلنا وشربنا وصمنا وصلينا وتزوجنا وتناسلنا .... فأهل مصر كالرمال تتحمل اتلسير فوقها ... ولكنها لو ثارت فهى تعصف بالظالم وتهلكه !!!..

وُلِدَ محمد الماغوط في العام 1934، وأبوه اسمه أحمد عيسى وأمه ناهدة الماغوط حيث أن الأب والأم من نفس العائلة، وكان الابن الأكبر في عائلة تضم ستة أخوة.... في قرية استولى عليها الرومان يوماً ما، ونظموا فيها أقنية للري، وهُدِمَت مرات كثيرة، وكانت معقلاً للقرامطة، وعاشت على تخوم البادية والريف، وذات نزعة ثقافية مميزة، وذات بيئة إشكالية تتراوح في الثلاثينات بين أمراء وفلاحين، تدعى( السلمية ) ... تلقى تعليمه في السلمية ودمشق وكان فقره سبباً في تركه المدرسة في سن مبكرة، كانت السلمية ودمشق وبيروت المحطات الأساسية في حياة الماغوط وإبداعه ....وهو يذكر أنه حين كان في السابعة من عمره خرج أول مرة ليرعى الخراف...ولما كان ابناً لفلاح، وبالتالي لم يكن له مدرسة بل ما يُسَمّى بـ«الكتّاب» حيث كانت مدرسته الابتدائية تحت شجرة وارفة الظل يجتمع عندها أبناء الفلاحين مع «الخطيب» ليعلمهم القراءة والكتابة والقرآن الكريم وفي طفولته الباكرة هذه تعلم الماغوط قراءة القرآن الكريم الذي أصبح فيما بعد مرجعيته الأولى في اللغة العربية..... وظلّ عالقاً في ذاكرته رائحة صفحات القرآن العتيقة وكيسه القماشي..... انظروا الى العذاب فى حياة الماغوط !!! لذلك كان عملاقا ... فالعمالقة تشارك فى صنعهم تجارب انسانية ضخمة !!... فى حين ان النجوم يشارك فى صنعهم عدسات وفضائيات وميكروفونات وألوان واصباغ ومؤثرات ضوئية وصوتية !! فما اروع العمالقة وما اقل النجوم !!!...

على الرغم أن الماغوط يذكر أن والده كان مسالماً وفقيراً، وقضى حياته في الحصاد، وعمل أجيراً في أراضي الآخرين، فإننا نسمعه يقول: «كان أبي لا يحبني كثيراً، يضربني على قفاي كالجارية.... ويشتمني في السوق».... أما أخوه الأستاذ إسماعيل الماغوط فنسمعه يقول عن أخيه أنه كان متمرداً منذ الطفولة... لذلك ليس غريبا ان تعرف ان محمد الماغوط بدأ التدخين منذ التاسعة من عمره، حتى أنه كان يلتقط أعقاب السجائر ويدخنها، وعكس هذا شيئاً من روح التمرد لديه، هذه الروح التي اصطدمت بالسلطة الأبوية التي يملكها أبوه الذي حاول توجيه ابنه وكبح جماحه ولكن دون جدوى....وروح التمرد هذه التي ظهرت مبكراً لديه تجلّت أيضاً بشكلها الواضح حين أتى أحد الأمراء وهو فارس ليرمي حنطة للفقراء، وذلك أثناء دفن أحدهم، فما كان من الماغوط الطفل الا ان أمسك بحجر وضرب الأمير الفارس به، و يذكر الماغوط بعد سنين طويلة أن آثار سوط الأمير بقيت على جلده....وعمل في الصحافة حيث كان من المؤسسين لجريدة تشرين كما عمل الماغوط رئيساً لتحرير مجلة الشرطة، احترف الفن السياسي وألف العديد من المسرحيات الناقدة التي لعبت دوراً كبيراً في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، كما كتب الرواية والشعر وامتاز في القصيدة النثرية وله دواوين عديدة..... توفي في دمشق في 3 أبريل 2006.....رحل محمد الماغوط عن عمر يناهز 72 عاماً وذلك بعد صراع إمتد لأكثر من عشر سنوات مع الأدوية والأمراض عندما توقف قلبه عن الخفقان وهو يجري مكالمة هاتفية .... يعتبر محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي، كتب الماغوط الخاطرة والقصيدة النثرية، وكتب الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي، وامتاز أسلوبه بالبساطة والبراغماتية وبميله إلى الحزن....


من النوادر فى حياة الماغوط انه ظل فترة من حياته مطارداً، فاختبأ في غرفة واطئة بحي «عين الكرش» وكانت غرفة نصفية، وكان عليه أن ينحني كي لا يصطدم رأسه بالسقف..... وفيها كتب «العصفور الأحدب» حيث كان العصفور يرمز للحرية، أما الأحدب فلأنه يصف حالته في تلك الغرفة..... يقول الماغوط: «حين كتبت مسرحية "العصفور الأحدب" كانت على أساس أنها قصيدة طويلة، لكن حين قرأتها سنية صالح، قالت هذه مسرحية، فسألتها ما هي شروط المسرحية، قالت أن تكون على فصول، قلت: كم فصلاً أحتاج..... أجابت: أربعة، فجلست وكتبت الفصل الرابع وأنهيتها..... كل ما أكتبه شعر.... حتى لو كان نصاً مسرحياً أو مقالاً أو زاوية صحفية.. أرغب أن ألغي المسافة بين ما هو شعر وما ليس شعراً.. الموسيقى في أشعاري موجودة في متن النص....»...تزوج الماغوط من الشاعرة سنية صالح فها نحن ذا نسمعه يقول عنها: «سنية هي حبي الوحيد، نقيض الإرهاب والكراهية، عاشت معي ظروفاً صعبة، لكنها ظلت على الدوام أكبر من مدينة وأكبر من كون، إنها شاعرة كبيرة لم تأخذ حقها..... ربما آذاها اسمي، فقد طغى على حضورها، وهو أمر مؤلم جداً، كما أنها لم تأخذ حقها نقدياً».......... ويقول عنها كلمات رائعات جدا في "الأرجوحة": لقد كان قروياً حزيناً لا تزال رائحة العنب والتلال الجرداء متخمرة في شعره.... يشق طريقه كالمحراث الصغير بين النساء ويخلفهن وراء سريره كالأثلام.... في كل المدن والأقبية والمكاتب التي عاش فيها كصحفي وكمتشرد.... كان يعتقد أن الحب هو ذلك الارتجاف الذليل الخاطف في عروق الظهر... تلك النار المندفعة كما الجداول حول الرئتين وأمام مصب القلب..... حيث ينتهي كل شيء بمجرد تعقيم اليدين وترتيب الشعر أمام المرآة....إلى أن جاءت "غيمة" – وهو يقصد بها سنية صالح – وأحكمت اللجام الحرير بين القواطع.... وحكت بأظافرها الجميلة الصافية قشرة التابوت وبريق المرآة.... وأغلقت كل الشوارع.... ولملمت كل أوراق الخريف ووضعتها في أنبوب المدخنة للذكرى..... أو بالأحرى، عندما جاءت لتقلب كل شيء رأساً على عقب... وتجعل الكتب والثياب والأوراق وكل ما تزدحم به غرفته الصغيرة أشبه بأسلاب حرب لا يعرف إلى من تؤول في النهاية...ولكنه يرددها كالكروان مئات المرات في اليوم: إن حياته من دونها لا تساوي أكثر من علبة ثقاب....


لقد ترك الموت بصمة الحزن في عمق روح الماغوط الثائرة والمتمردة حتى اعتبره البعض شاعر الرثاء الكوني.... لذلك كانت فترة الثمانينات صعبة وقاسية، بدأت بوفاة شقيقته ليلى بمرض خبيث (1984)، ثم وفاة والده (1985)، لكن الأصعب والأقسى كان وفاة زوجته الشاعرة سنية صالح (1985)، وكانت قد صارعت الموت في مشفى بضاحية قرب باريس حيث أمضت عشرة أشهر للعلاج من المرض الذي أودى بها. والماغوط يتذكر تلك الفترة فيقول: «حين كانت مريضة، جلست بقربها وهي على فراش الموت، أقبّل قدميها المثقوبتين من كثرة الإبر، فقالت لي عبارة لن أنساها: "أنت أنبل إنسان في العالم"». وأوصت الشاعرة المحتضرة زوجها الماغوط بعدم الزواج من بعدها، وتربية ابنتيهما شام وسلافة، وها نحن نسمعه يقول: «لم أكن عائلياً، محباً لحياة الأسرة، الآن فقط، بعد رحيل سنية، أصبحت محباً للمنزل والعائلة»....وهكذا ظل الماغوط مخلصاً لذكرى زوجته حتى آخر حياته، ملتزماً تجاه ابنتيه، حيث أصبحت «شام» طبيبة وتزوجت لتستقر في أميركا، أما «سلافة» فقد درست الفن التشكيلي في جامعة دمشق، ثم تزوجت واستقرت في دمشق....وبعد كل هذا تودعه أمه «ناهدة» عام 1987، ويذكر أنها زارته في أيامها الأخيرة في دمشق، وكان عمرها يتجاوز الثمانين....من عمق معاناته كان إبداعه المتواصل يتفجر وتتنوع وسائل التعبير لديه فكتب سيناريوهات أفلام «الحدود» و«التقرير» و«المسافر» كما كانت قد ظهرت مسرحية «شقائق النعمان» ومسلسلات تلفزيونية مثل «حكايا الليل» و«وين الغلط»....


الماغوط كان عملاقا فى كل شىء حتى فى معاناته !!! أما مفهوم الماغوط للشعرالنثرى فيعبر عنه بقوله: «الشعر نوع من الحيوان البري، الوزن والقافية والتفعيلة تدجنه.... وأنا رفضت تدجين الشعر، وتركته كما هو حراً....ولذلك يخافه البعض... وأعتقد أن "قصيدة النثر" هي أول بادرة حنان وتواضع في مضمار الشعر العربي الذي كان قائماً على القسوة والغطرسة اللفظية، كما أن هذه القصيدة مرنة، وتستوعب التجارب المعاصرة بكل غزارتها وتعقيداتها، كما أنها تضع الشاعر وجهاً لوجه أمام التجربة وتضطره إلى مواجهة الأشياء دون لف وراء البحور، أو دوران على القوافي..»...مع مجاوزة لقواعد اللغة ومخالفتها من أجل تحقيق شاعرية الصورة....مما لاشك فيه ان عذابات الماغوط تذكّرنا بعذابات الحلاج وإن اختلفت التجربة، ففي رأي المعلّم إكهارت : «الفرس الأسرع التي تقلّك إلى الكمال هي العذاب، لا شيء كالعذاب في مرارته، ولا شيء كالعذاب في حلاوته».....وحين نسمع الماغوط يردّد: «ليس لي عالم منظّم في كتابة الشعر، إنها فوضى أشبه ما تكون بمعركة خيول في الغبار. رويداً، رويداً تنجلي المعركة، ودائماً يكون الصدق هو بوّابة قصيدتي وخاتمتها.... فأنا لا أكتب إذا لم أكن مثخناً بالجراح، وأنا لا أنتظر ثواباً على ما أكتب، بل عقاباً، فما من موهبة في العالم العربي، في الشعر أو سواه تمر دون عقاب»...إذن الماغوط في صوفيته الواقعية إن صحّ التعبير يطلب العقاب لا الثواب، على غرار الحلاج في صوفيته الروحانية أيضاً يطلب العقاب لا الثواب عندما نسمعه يقول:أريدك لا أريدك للثواب ولكني أريدك للعقاب ...فكل مآربي قد نلت منها سوى ملذوذ وجدي بالعذاب .... ولاشك أن فقدان زوجته الحبيبة عام 1985 ترك في داخله وشماً للحزن عميقاً لن يبرحه أبداً، وما هي مرحلة الاعتكاف والتأمل التي عقبت وفاة زوجته إلا تكريساً لرؤيا الحزن....هنالك اتجاه خامس لم يكتب عنه في كتب الجغرافيا كاتجاه حقيقي للوسط العربي وغير العربي لأني متضامن مع الاتجاه الشعري الخامس..... إنه محمد الماغوط الذي حمل سيفاً بعد النكسة ليقاتل سياف الزهور»....فهو شاعر الرثاء الكوني، ولاشك أن عناوين دواوينه الأولى توحي بهذا فالديوان الأول كان «حزن في ضوء القمر» والثاني يعكس واقعاً ممزقاً «غرفة بملايين الجدران» والثالث يعود لموضوعاته الأساسية «الفرح ليس مهنتي»، ولاشك أن فقدان زوجته الحبيبة عام 1985 ترك في داخله وشماً للحزن عميقاً لن يبرحه أبداً، وما هي مرحلة الاعتكاف والتأمل التي عقبت وفاة زوجته إلا تكريساً لرؤيا الحزن...ها نحن نسمعه يقول في قصيدته «الحصار»:«دموعي زرقاء من كثرة ما نظرت إلى السماء وبكيت ...دموعي صفراء من طول ما حلمت بالسنابل الذهبية وبكيت ... فليذهب القادة إلى الحروب ...والعشاق إلى الغابات ... والعلماء إلى المختبرات ...أما أنا :فسأبحث عن مسبحة وكرسي عتيق...لأعود كما كنت حاجباً قديماً على باب الحزن ....ما دامت كل الكتب والدساتير والأديان ...تؤكد أنني لن أموت إلا جائعاً أو سجيناً»....

حمدى السعيد سالم



#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلف مرسى أمام المحكمة الدستورية يعد اعترافا صريحا بالإعلان ا ...
- لا أمل فى صحافة جيدة الا اذا انفتح الباب لصحافة حقيقية
- جماعة الاخوان السلقلقية وزواج المتعة مع ايران
- لقد اتفق المجلس العسكرى مع جماعة الاخوان ضد مصر الثورة
- بسبب طمع الاخوان الديمقراطية اصبحت عبئا وليست حلا
- امريكا لماذا تدفع اكثر للثوريين طالما ستدفع اقل للاخوان
- فضائح المركزالقومى للسينما تزكم الانوف
- ايتها الاستثنائية : سأعيش ولن اموت حزنا عليك
- مخطط المجلس العسكرى الشيطانى لتنصيب عمر سليمان رئيسا
- سيناريو الايام القادمة فى الثورة المصرية
- برلمان المتأسلمين الى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه
- خالد سعيد يقول :هذه هى جرائم حماة الشعب فمن يحمى الشعب منهم؟ ...
- الاعلام المصرى ما زال أعمى
- هل ستموت الحقائق بالصمت؟!!
- مبارك والمجلس العسكرى وشفيق - الثلاثة يشتغلونها -
- انفراد : النص الحرفى لحيثيات الحكم في قضية مبارك ونجليه علاء ...
- لماذا وصلنا الى نقطة الصفر ...
- الخلطة السرية لمحاكمة مبارك تهدف الى ادانة بطعم البراءة
- الانتخابات المصرية والموقف الامريكى المخزى
- وثيقة الحقوق هى الحل ولكم فى الثورة الايرانية الاسلامية عظة ...


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدى السعيد سالم - محمد الماغوط طالب العذاب وشاعر الرثاء الكونى ورسول الحزن