أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عبد الغني سلامه - إنتحار ثلاثون عبدا














المزيد.....

إنتحار ثلاثون عبدا


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3795 - 2012 / 7 / 21 - 15:53
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


كان تجار العبيد يأتون من وراء البحار، بسفن ضيقة تنبعث منها روائح كريهة، تدفعها رياح أطماعهم التي لا تعرف حدا، كانت وجوههم بلون الغبار، وقد خبا بريق عيونهم، وصار شررا ينذر بالحريق .. كان السكان يسمونهم "الطوبوب"، ويحذرون أبناءهم أن يمشوا فرادى في الغابات، حتى لا يختطفهم الطوبوب فيأكلونهم، أو يرسلونهم إلى الطرف الثاني من الكوكب، حيث السماء صفراء، والأرض يباب قاحلة ممتدة بلا نهاية، والهواء مثقل برائحة البارود، ولا يُسمع في مدى الصمت إلا فحيح الأفاعي، وقصص العصابات، ومن يصل هناك لا يعود أبدا.

في الليالي الظلماء التي امتدت مائة عام، كان الطوبوب يصطادون الرجال بشباك الخونة، النساء والأطفال كان صيدهم أسهل، يقتادونهم فرادى وزمرا مقيدين بسلاسل من حديد، يملئون بهم السفن، ثم يمضون. في الطريق الطويل نحو المجهول بدى المحيط أكبر بكثير مما كانوا يظنون، وأكثر قسوة، كانوا مكدسين على رفوف معدنية وهم مكبلين، كما لو أنهم أكياس بطاطا، يخرجونهم بين فينة وأخرى لتنهال السياط على ظهورهم، وتحفر فيها أخاديد متفاوتة العمق، وترسم على جلودهم خطوطا في كل الاتجاهات، وعندما تتقيح جروحهم يرشقونها بماء البحر المالح، فتكمل الشمس جريمتهم.

مزق أبيضٌ ثياب إحداهن، وتجمهر بيض آخرون من حولها، بدأت تغني بنحيب، بلغة إفريقية لا يفقهونها: أقتلوا الطوبوب اقتلوا الطوبوب .. لكن أخوتها كانوا عاجزين حتى عن سماعها، قالت لهم بأسى: دعوني أريكم رقصتي، تباعدوا من حولها، قفزت إلى الماء، كان لونه أزرقا كسحابة خجولة؛ فصار بقعة حمراء تحوم حولها أسماكا لها زعانف مثلتة سوداء .. كانت رقصتها الأخيرة.

على امتداد أشهر ثقيلة، بطيئة، ظنوا أن أنهم سيقضون ما تبقى من حياتهم في هذا المحيط، لكنهم تفاجئوا أن للطوبوب يابسة، وأنهم لا يريدون قتلهم، بل يريدونهم عبيدا، وعرفوا فيما بعد أن هذه اليابسة اسمها "أريزونا"، وذاك النهر اسمه "الميسيسبي"، وهؤلاء القوم بلا رحمة، وأن مستقبلهم قد تحددت ملامحه بكل قسوة وبمنتهى الصرامة.
منحهم الطوبوب أسماء جديدة، وأكواخ من صفيح، ومعاول يحرثون بها مزارعهم، حاولوا الهروب بلا جدوى، أين المفر في هذه الأرض الغريبة ؟؟ منهم من رُوِّضت روحه تحت لهيب السياط، ومنهم من أبى، ثلاثون عبدا اتفقوا دون أي اجتماع، أمسكوا بأيادي بعضهم، وتعانقوا، وراحوا يمشون باتجاه النهر، وهم يصدحون بأغاني أسلافهم، وقد زأرت في دمائهم أسود إفريقيا، ظللوا يمشون ويغنون غير آبهين بتهديدات أسيادهم، حتى وصلوا النهر، ضحك البيض عليهم وهم موقنين أنهم وصلوا طريقهم المسدود، وأنهم سيلهبون ظهورهم هذا المساء، لكنهم واصلوا السير .. وقد صار صوتهم أعلى، ولحنهم يقطر بالحنين .. استمروا بالغناء حتى ابتلعهم هذا النهر الذي لم يعرفوا كيف يلفظون اسمه.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذابح بورما .. مرة أخرى
- مذابح بورما .. هل هي حقيقية ؟!
- هل الديمقراطية هي الحل ؟
- أنا أعرف من قتل ياسر عرفات
- الأبارتهايد بين إسرائيل وجنوب إفريقيا 2-2
- الأبارتهايد بين إسرائيل وجنوب إفريقيا 1-2
- إسرائيل على الجبهة الإفريقية 2 - 2 دراسة في العلاقات الإسرائ ...
- إسرائيل على الجبهة الإفريقية - دراسة في العلاقات الإسرائيلية ...
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية - الملخص والخاتمة
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية 3-3
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية 2-3
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية 1-2
- الفيزون في جامعة النجاح
- سبعة أشكال في حُبِّ وكُرْه الجَمال
- أثر الربيع العربي على المرأة العربية
- عيد الأم في الربيع العربي
- الإيمو .. الضحية والجلاد
- المتضامنون الأجانب والقرضاوي وزيارة القدس
- الموقف الملتبس من الثورة السورية
- هروب معلم وتلاميذه من المدرسة


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عبد الغني سلامه - إنتحار ثلاثون عبدا