كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1108 - 2005 / 2 / 13 - 11:27
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
العراق على أبواب الذكرى السنوية الثانية لسقوط النظام الدكتاتوري عبر الحرب الخارجية. وخلال هذه الفترة القصيرة من الزمن عاش الشعب العراقي أحداثاً كثيرة ومر بتجارب غنية, يفترض أن تكون دروسها ذات غنى متميز لمن يريد الاستفادة منها في مسيرته الراهنة واللاحقة. وقليلة تلك الشعوب التي شهدت مثل هذه الأحداث والتجارب الجديدة المتلاحقة وغير المعروفة سلفاً وغير المجربة والتي ما تزال متسمة بالعنف والكثير من الدماء والدموع.
وإزاء هذه الأحداث والتجارب اختلف الناس في العراق في ما بينهم بشأنها, فمنهم من وقف إلى جانب التغيير الذي كنس الدكتاتورية البغيضة من أرض العراق, ومنهم من تردد بشأن ذلك, ومنهم من شجب العملية كلها بإصرار وعناد عجيبين وراح يمارس سياسة العنف والتصدي ويستنجد بكل قوى الإرهاب في العالم العربي والإسلامي للقضاء على الوضع الجديد بحجة مقاومة الاحتلال.
لم يتوقف الاختلاف في الرأي إزاء التغيير والأحداث الجارية في العراق في ما بين أطياف القوى الديمقراطية على الحوار الموضوعي, بل امتد ليتعرض إلى الأشخاص ومواقفهم حول ما جري ويجري في الوقت الحاضر. ومن المؤسف حقاً أن يبتعد البعض عن الحوار الموضوعي الهادئ والهادف ليمس الأشخاص بالذات والتجاوز عليهم دون وجه حق, علماً بأنهم يدركون المقولة المعروفة "من كان بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجر". يأمل الإنسان أن يكف الجميع عن ملامسة القضايا الشخصية ويجري الاهتمام بالقضايا العامة التي تمس حاجات الشعب وطموحاته ومستقبل البلاد. كما يأمل الإنسان العراقي أن يتوقف بعض القوى العراقية الذي اعتقد بفقدانه السلطة والجاه والنفوذ والامتيازات في ظل النظام السابق عن ممارسة العنف والتحريض عليه والانغمار في العملية السياسية والديمقراطية لتحقيق المنشود, بما في ذلك خروج القوات الأجنبية من البلاد.
اتخذت غالبية القوى الوطنية الديمقراطية العراقية مواقف إيجابية من عملية تغيير النظام, رغم اختلافها قبل ذاك في الموقف من الحرب الاستباقية لإسقاط النظام. إذ أنها أدركت بحس سليم بأن عليها التفاعل مع الواقع الجديد والتأثير فيه بدلاً من الوقوف على الهامش والتفرج عليه وترك الساحة لآخرين لا يمكن تقدير وجهة المسيرة اللاحقة, أو التورط بعمليات عسكرية إرهابية غير ذات نفع, بل تلحق أفدح الأضرار بالمجتمع وبالإنسان العراقي ومستقبله.
واختلفت القوى الديمقراطية في أسلوب تعاملها مع الواقع الجديد وإزاء القوى السياسية المختلفة الفاعلة في أحداث العراق, بما في ذلك الموقف من سياسات وإجراءات سلطة وقوات الاحتلال الأجنبية. ففي الوقت الذي مارست بعض القوى السياسية النقد الإيجابي الجريء إزاء تجاوزات قوات الاحتلال وإدارة بريمر على المجتمع والموارد الاقتصادية وتعاملها السياسي اليومي المتعالي والمتعجرف مع القوى والأحزاب السياسية العراقية وممارسة العنف العسكري مباشرة بدلاً من ممارسة العمل السياسي بشكل خاص للتغلب على المصاعب التي نشأت من جراء سقوط النظام ونشوء الاحتلال, إضافة إلى ممارسة الرشوة ونهب موارد العراق المالية بطرق مختلفة من جهة, وممارسة النقد ضد أساليب بعض القوى السياسية الخاطئة وهي في مواقع الحكم, ومنها المحسوبية والمنسوبية والحزبية الضيقة والتجاوز على أموال الدولة ومصالح المجتمع, من جهة أخرى, فأن بعض القوى الديمقراطية تحدثت عن بعض تلك التجاوزات باستحياء كبير وبعضها الثالث سكت عنها كلية. وكان لهذه الممارسة تأثيرها السلبي الكبير على تطور الأحداث والأوضاع الملموسة باتجاهين:
• استمرار تلك القوى والأحزاب وسلطة الاحتلال ومن ثم القوات الأجنبية بممارسة سياساتها دون رادع وعجز القوى السياسية العراقية عن وضع حدٍ لها.
• حصول عزلة متباينة بين بعض القوى والأحزاب الديمقراطية العربية وبين أوساط الشعب الواسعة والمحرومة وبقاء تأثيرها محدوداً في أوساط المجتمع وفي حركة الجماهير وفي الأحداث الجارية نتيجة رفض الجماهير لتلك السياسات والإجراءات التي كانت تمارسها سلطات الاحتلال أو القوى المتحالفة معها أو القريبة منها.
ولا شك في أن ثلاثة عوامل أخرى لعبت دورها في العلاقة بين المجتمع والقوى الديمقراطية العراقية وأعني بذلك:
1. ضعف حركة الأحزاب السياسية الديمقراطية في التفاعل مع حاجات وطموحات الجماهير الواسعة وفي قيادتها في الدفاع عن مصالحها الأساسية, علماً بأن الإرهاب المتفاقم لعب دوره في نشوء هذه الحالة.
2. عدم نشر برامج الأحزاب السياسية الديمقراطية على نطاق واسع لتثقيف الشعب بها وبمضامينها الديمقراطية وخاصة إزاء قضايا جوهرية مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة ومساواتها بالرجل وأهمية أخذ الشعب قضيته بيديه لمواجهة الأوضاع الجديدة ومنها الإرهاب الأسود الذي فجرته قوى الإرهاب الظلامية وفلول حكم البعث الدموي ...الخ.
3. استمرار استخدام خطاب سياسي عفا الدهر عليه وشرب, إذ أن الأوضاع الجديدة كانت وما تزال تتطلب خطاباً سياسياً جديداً واعياً للتغييرات العميقة التي حصلت في المجتمع خلال فترة البعث والأزمة العميقة التي يعاني منها الشعب والحالة النفسية البائسة للغالبية العظمى من الناس والحالة الغيبية التي يعاني منها الإنسان والغيبوبة السياسية التي سقطت فيها كثرة من الناس وانفصالها عن الواقع القائم. وباختصار هناك غربة سلبية قائمة بين القوى والأحزاب الديمقراطية في القسم العربي من العراق وبين أوساط واسعة من الشعب تستوجب المزيد من العمل الواعي والهادف لتجاوزها.
أعطت الانتخابات المنصرمة مؤشرات مهمة للقوى والأحزاب الديمقراطية العراقية التي يفترض فيها أن تدرسها بعناية وتخصص الوقت الضروري لتحليل العوامل التي قادت إلى النتائج التي ترتبت عنها حتى الآن بهدف الاستفادة منها للانتخابات القريبة القادمة التي ستؤسس الأرضية الجديدة للعراق الحر والديمقراطي الفيدرالي المنشود. أي تجاوز الأخطاء التي وقعت بها هذه القوى والأحزاب في الفترة المنصرمة.
إن الأحزاب والقوى الديمقراطية العراقية أمام فترة جديدة يفترض أن يبدأ العمل منذ الآن لتأمين التحالف السياسي الديمقراطي العراقي على مستوى الشارع وفي الجمعية الوطنية يهدف إلى تحقيق ثلاث مهمات مركزية تمس الحاضر والمستقبل, وهي:
1. الاتفاق على المسائل التي يلتزم بها التحالف الديمقراطي الواسع في مجال صياغة بنود الدستور العراقي الدائم بهدف التمسك بها الدفاع عنها وتعبئة المجتمع حولها.
2. الاتفاق على برنامج مرحلي موضوعي بعيد عن المبالغة لا تتجاوز أهدافه مهمات المرحلة الانتقالية والسنوات الأربع اللاحقة للمجلس الوطني الجديد.
3. تحديد السياسة الداخلية والخارجية للدولة الفيدرالية الديمقراطية العراقية خلال الفترة المذكورة.
ومن أجل الاتفاق على هذه النقاط يتطلب الأمر عقد مؤتمر وطني واسع لكل القوى الديمقراطية العراقية بكل مكوناتها لضمان خوض حوار عقلاني مسؤول لبلورة المهمات المرحلية والالتزام بها. ومن المحتمل أن تحصل خلافات واستقطابات فكرية وسياسية في صفوف هذه القوى المؤتمِرة. إلا لأن المؤتمر سينتهي بالضرورة إلى لقاء وقبول مجموعات منها على مبادئ وسياسات ومهمات ومواقف مشتركة تخوض في ضوئها العملية السياسية الراهنة والانتخابات القادمة. هذا هو الدرس المركزي والرئيسي الذي يفترض أن تخرج به القوى الديمقراطية العراقية, عربية كانت أم كردية أم تركمانية أم آشورية وكلدانية لكي يكون لها الدور المناسب في الحياة السياسية على مستوى العراق عموماً وفي التأثير في مسيرة البلاد المستقبلية وفي بناء العراق الفيدرالي الحر والديمقراطي المستقل.
11/2/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟