أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - رحلة لاكتشاف الوجه الخفي في أعماق الكون المرئي















المزيد.....



رحلة لاكتشاف الوجه الخفي في أعماق الكون المرئي


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 3789 - 2012 / 7 / 15 - 00:13
المحور: الطب , والعلوم
    


كلما مر الوقت كلما وجدنا أنفسنا نتخبط في متاهة العلم الكوني وشرنقة قوانينه المحكمة، وكلما تقدمنا خطوة إلى الأمام وجدنا أنفسنا وقد عدنا القهقري خطوات، وكلما عثرنا على إجابة عن تساؤل وجودي، تفرخت عنها عشرات التساؤلات الإضافية. ولذلك علينا أن نضع كل شيء على طاولة البحث من جديد ونعيد النظر بكافة المعطيات الكونية في سياق ما سنسميه فيزياء القرن الواحد والعشرين.
هل ستكون الطاقة الداكنة أو المعتمة سبباً في نهاية الكون المرئي؟
الطاقة الداكنة أو المعتمة أو المظلة أو السوداء énergie sombre ou noire هي اللغز الأهم الذي تنطوي عليه تبعات تتعلق بمصير الكون برمته، فكثيراً ما تساءل علماء الكوزمولوجيا les cosmologistes، بشأن مصير الكون le destin de l’univers، وفي حال تقبل العلماء بأن حدث الانفجار العظيم البيغ بانغ Big Bang يمثل بداية الكون المرئي فلماذا لا يمكنهم معرفة نهايته؟ بعضهم تخيل حصول برود بطيء وتدريجي للكون المرئي، حيث تنطفيء النجوم في نهاية المطاف بعد أن تستهلك كل وقودها ، فيما تخيل البعض الآخر من العلماء أنه في أعقاب مرحلة التوسع والتمدد الكوني الحالية، يمكن أن ينعكس الديناميك الكوني وتتقلص أو تنقبض كل المادة على نفسها la matière se contracter sur elle même، على نحو إنكماش عظيم Big Crunche معاكس للانفجار العظيم . ولكن، وبعد أن ثبت حدوث تسارع في التمدد والتوسع الكوني accélération de l’expansion de l’univers في السنوات الأخيرة فتح المجال لتخيل نهاية مغايرة للكون المرئي . اقترح العالم الأمريكي من جامعة دارموث université de Darmouth الفيزيائي روبرت كالدويل Robert Caldwell فكرة أن مجرة درب التبانة، والنظام الشمسي ، وكوكبنا الأرض، وكل الذرات المادية سوف تنفجر في ما يمكن أن نسميه المكشط أو المحك الكبير Big Rip فالطاقة المظلمة أو المعتمة أو الداكنة التي تمثل 70% من مكونات الكون المرئي ستتغلغل بين كافة البنيات والهيكليات الكونية في الكون المرئي خالقة بذلك تسارع هائل في عملية التمدد والتوسع العادية القائمة حالياً وستنتهي بتفجيره . ويقول روبر كالدويل بأن العد العكسي سبق وأن بدأ ولم يبق أمام الكون المرئي ، الذي بلغ من العمر 13.7 مليار سنة، سوى عشرون 20 مليار سنة قادمة فحسب قبل تشظيه. ووفق حساباته الرياضية ، وقبل مليار سنة من نهايته المحتومة، تبدأ أكداس وحشودات وتجمعات المجرات بالتفرق عشوائياً في كافة الاتجاهات . وفي حوالي 60 مليون سنة قبل النهاية سوف يأتي الدور على المجرات المرصودة والمستقرة في دينامكيتها بالتفكك والتصادم ومنها مجرتنا درب التبانة ومجرة آندروميدا، ومن ثم تفجر وتفكك نجومها وسوف تغادر الكواكب أنظمتها الشمسية قبل ثلاثة أشهر من تحلل نجومها أو شموسها بسبب ضعف وانهيار ثقالتها أو جاذبيتها التي تمسك بمدارات تلك الكواكب. وسوف تنفجر الأرض خلال أقل من نصف ساعة وبعده سوف تتفتت الذرات في آخر ثانية من وجودها المادي ولكن هذا السيناريو الكارثي لا يزال مجرد فرضية تكهنية نظرية بحتة.
كل الحسابات النظرية الرياضية في هذا المجال تقول أن التوسع والتمدد للزمكان l’espace-temps مستمر بل ويتسارع أكثر فأكثر ، أي بعبارة أخرى ليس أمام كوننا المرئي من خيار آخر سوى الاستمرار في التمدد والتوسع وبسرعة متزايدة أكثر فأكثر تأكيداً لفرضية التسارع التي تحدث عنها علماء شباب من بينهم الشقيقين التوأمين إيغور وغريشكا بوغدانوف Les frères Igor et Grichka Bagdanove في أطروحتمها لنيل الدكتورة في الفيزياء النظرية والرياضيات المعاصرة. ولقد ظهر خبر صحفي مدوي في أكتوبر 1998 تلقفته كل مختبرات الأرض ومؤسساته العلمية بشغف ومن بينها مجلة الطبيعة الشهيرة وفحوى الخبر هو إن الضوء المنبعث من بعض النجوم البعيدة في لحظة انفجارها وهي نجوم السوبرنوفا Supernovae أو المستعر الكبير ، أظهر بجلاء لا يقبل الشك أنها أبعد بكثير مما كنا نعتقد في حساباتنا السابقة بشأنها والحل الوحيد لتفسير ذلك هو أن الكون المرئي يوجد في حالة تسارع في تمدده وتوسعه وإنه مدفوع بفعل قوة خفية غير مرئية ومجهولة الهوية لا أحد يعرف ماهيتها تقذف به في أتون الفراغ المتنامي. ولو ثبت ذلك علمياً ومختبرياً ومن خلال الرصد والمشاهدة ، فإن ذلك سيعني أن التباعد الحاصل بين المكونات المادية للكون المرئي، اي المجرات والنجوم والكواكب والغازات والأغبرة والأكداس والحشود والسدم تتباعد عن بعضها في حركة غير قابلة للإنعكاس والارتداد irréversiblement ولن تعود إلى الخلف بل ستستمر إلى ما لانهاية Jusaqu’a l’infini ، اي إلى أن تختفي في الأفق الكوني للكون المرئي مما يعني أنه بعد زمن طويل جداً ستصبح السماء أو الفضاء مظلماً وموحشاً وبلا حياة. أعتبر البعض هذه القوة الخفية الغامضة بمثابة القوة الكونية الجوهرية الخامسة المكملة للقوى الأربعة الأخرى ـ اي الجاذبية أو الثقالة والكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة والقوة النووية القوية أو الشديدة ـ وسماها الكانتيسونس La quintessence واعتبرها البعض الآخر بمثابة القوة المضادة للقوى الجوهرية الأربعة المعروفة ، وأعتبرها بعض العلماء الفطاحل كستيفن هوكينغ بأنها الأهم في تاريخ الوجود المادي كله ، لأنه بفضلها سوف نعرف ما إذا كان للزمان الذي نعرفه بداية، وهل هناك زمان سابق له، وماهي طبيعته وماهيته . وإلى اليوم لا تزال الطاقة السوداء أو لمظلمة أو المعتمة أو الداكنة، حسب أهواء العالم الذي يدرسها، لغزاً غامضاً لا نعرف أصله ولا محتواه ولا ماهيته ولا مكوناته كما قال العالم الفذ إدوارد ويتين Edward Witten الذي أضاف إن اكتشاف هذا المكون المجهول غير رأساً على عقب كل ما كنا نعتقده بشأن قوانين الكون الجوهرية. خاصة وإنها تملأ الكون المرئي وتتحكم بمصيره حيث لا تمثل المادة المرئية للكون المرئي أكثر من 5% ، بعبارة أخرى اتفق الجميع على أن الطاقة المظلمة أو الداكنة أو المعتمة هي قوة ضغط سلبي force de pression négative أو هي طاقة شبحية énergie fantôme لها شوائج قربى بالثابت الكوني constant cosmologique الذي اكتشفه آينشتين في معادلاته النسبوية سنة 1916 وتخلى عنه بعد أن اعتبره أكبر خطأ ارتكبه في حياته العلمية.
ففكرة وجود تقلبات ممكنة في لحظة الدلالة القياسية la signature métrique إبان لحظة الانفجار العظيم تنطوي بالضرورة على وجود قوة جديدة كما ظهر ذلك بوضوح لا يمكن تفاديه في المعادلات الرياضية المتعلقة بهذا الموضوع. وهو ما سماه الأخوة التوأم بوغدانوف بالمجال اللاموجي champs scalaire الموجود حتماً في المرحلة المسماة المرحلة الكمومية أو الكوانتية للزمكان phase quantique اي قبل الانفجار العظيم. وهو مجال مرتبط عضوياً لا فكاك فيه بالتقلب الحاصل بالاتجاه الزماني fluctuation de la direction temporelle للكون قبل ولادته إثر حدث الانفجار العظيم . وفي لحظة الانفجار العظيم انفصل هذا المجال عن القياس العياري la métrique وبالتالي سوف يقوم حتماً بتمديد الزمكان ومن ثم بتسريع التمدد والتوسع، والحال إن التمدد بدأ منذ زمن بلانك temps de planck اللامتناهي في الصغر إذ هو أصغر وحدة أو مدة زمنية يمكننا تصورها حسابياً. واليوم بدأ العلماء بالاقتناع بوجود ارتباط أو صلة بين التقلبات في الزمكان والطاقة المعتمة أو الداكنة أو السوداء كما كتب في ذلك عالم الفلك في جامعة أيدمبورغ université d’Edimbourg وأحد أهم خبراء هذا النوع من الطاقة وذلك سنة 2008 ألا وهو آندرو تيلور Andrew Taylor حين قال :" إن أحد الأصول الممكنة للطاقة السوداء أو المظلمة أو الداكنة يمكن أن ينجم عن تقلبات الفراغ fluctuations du vide .
يعتقد علماء ومنظرو نظرية الأوتار les théoriciens des cordes أن لغز التمدد يعزى لظاهر غامضة سموها بالاختزال البعدوي réduction dimensionnelle ، اي ما يحدث عندما يختفي أحد ألأبعاد من الزمكان l’espace-temps وهذا يعني أنه ربما خضع الزمان ، كبعد رابع، في لحظة الصفر، إلى مثل هذا الاختزال البعدوي إلى درجة إنه لم يعد يظهر في المعادلات الرياضية المرافقة لهذه النظرية ، أو حصول ما يسميه العالم كوستا كوناس Costas Kounnas الفيزيائي النظري الذي عمل في مركز البحاث النووي الأوروبي سيرن CERN بالتمدد المركب dilation complexe كبديل للاختزال البعدوي ، بعبارة أخرى مجال champ يحتوي على جزء واقعي partie réelle وجزي خيالي أو متخيل قح partie imaginaire pure لأن التمدد المركب هو الذي يحول البعد الرابع ، أي الزمان، إلى إحدى إحداثيات الزمن المتخيل القح une coordonnée de temps imaginaire pur . وبالتالي فإن تسارع التمدد والتوسع يمكن أن يكون مؤشراً تجريبياً على وجود سفتين متباينتين للزمان، ودليل آخر على وجود الزمان المتخيل أو الخيالي الذي سبق الزمان المادي في الزمكان المعروف لدينا ولكن قبل الانفجار العظيم.
الكون المرئي بين البداية المفترضة والنهاية المجهولة.
إن مجرد الحديث عن مفاهيم البداية والنهاية سيجرنا حتماً، وعلى الرغم منا، إلى الحديث عن الزمان، إذ أن هذه المفاهيم هي مفاهيم زمانية بامتياز. فهل سيميط العلم يوما ما اللثام عن الحقيقة الحاضرة ـ الغائبة دوماً والمتعلقة بالبداية الحقيقية، وليس المفترضة، والنهاية المجهولة والمتوقعة، لكل ما هو موجود على أرض الوجود المادي الذي نعيه وندركه بحواسنا البشرية؟ لقد عجزت فيزياء القرن العشرين وما سبقها عن تقديم الإجابة الشافية الكافية على هذا السؤال فهل ستنجح فيزياء القرن الواحد والعشرين في ذلك؟
في القرون الوسطى كان التفكير الإنساني يتركز في معظمه حول موضوع الأزلية والأبدية والخلود، من وجهة النظر الثيولوجية الدينية بالطبع، أو كما تراها الكنيسة الكاثوليكية والمؤسسة الدينية الحاخامية اليهودية وبالطبع ما يقابلها في الإسلام الشيعي والسني من مرجعيات ومراتبية دينية، مما يعني أن الإنسان هو الذي اختلق آلهته من مخيلته أو أنه رأى ظواهر خارقة ومخلوقات كونية غريبة اتخذها آلهة له. ففي القرون الوسطى، على سبيل المثال، كان هناك رجل دين مسيحي متنفذ في الكنيسة الكاثوليكية ومستشاراً للملك سان لوي Le roi saint Louis وأسقف باريس يدعى غيوم الأوفريني Guillaume d’Auvergne ، والذي كان يتمتع بقوة شخصية مدهشة وانفتاح ذهني منقطع النظير وجرأة لا مثيل لها عند أقرانه وزملائه، وكان أول من تساءل في تلك الحقبة :" هل كان يوجد شيء ما في الوقت الذي سبق الزمان؟" وبعده بقرون تساءل الفيلسوف الفرنسي غويتون Guitton :" هل كان هناك زمان قبل الزمان، زمان أولي سبق زماننا هذا الذي نعيش فيه؟" لم تكن الإجابة سهل ناهيك عن أن تكون بديهية ولكن العلم ونظرياته الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة قدمت لنا اليوم بداية لإجابات خجولة ومعقدة نوعاً ما لأنها توسلت بمنهجيات رياضية ـ جبرية مركبة وصعبة تحدثت عن زمان بسيط temps simple وزمان مركب temps complexe وعن زمان واقعي temps réel وآخر متخيل أو خيالي temps imaginaire وهذه مفاهيم علمية وليست فنطازيا fantasmatique أو فذلكة كلامية ناجمة عن تصورات وهمية effet de l’imagination . وكان من أوائل من استحدثها واستخدمها علمياً عالم الرياضيات الفرنسي الفذ هنري بوانكاريه Henri Poincaré في أواخر القرن التاسع عشر. وفي سنة 1902 في كتابه الهام العلم والفرضية La Science et L’Hypothèse كتب بوانكاريه بجرأة :" بوسع شخص ما كرس وجوده كله أن يتمثل ربما البعد الرابع quatrième dimension " وهنا تكمن المعضلة أمام العلماء . كيف يمكن جعل البعد الرابع مرئياً هندسياً وفراغياً وعلى نحو سهل وبسيط؟ visualiser la quatrième dimension géométriquement وكيف يمكن التمييز رياضياً وحسابياً mathématiquement بين الزمان والمكان، أو بعبارة أخرى كيف يمكن مظهرة أو إيجاد التمظهر الهندسي représentation géométrique لما سماه آينشتين Einstein فيما بعد سنة 1905 الزمكان L’espace-temps ذو الأبعاد الأربعة؟ في نهاية خمسينات القرن الماضي شاع بين بعض العلماء إمكانية اللجوء إلى شكل آخر من الزمان يختلف عن الزمان الواقعي الذي نعيش فيه وهو الزمان المتخيل أو الخيالي temps imaginaire وهو زمان افتراضي حاسوبي لا يقاس أو يحسب بالأرقام العادية المألوفة الموجودة على مينا الساعة اليدوية، بل بأرقام أو أعداد متخيلة أو خيالية nombres imaginaires وهي أعداد غريبة كما وصفها الفيلسوف والعالم ديكارت Descartes في القرن السابع عشر، والتي يكون جذرها التربيعي دائماً سالب négatif. وهي الوحيدة القادرة على التعاطي مع الزمن المتخيل الذي وصفه عالم الفيزياء والرياضيات الشهير ستيفن هاوكينغ Stephen Hawking بأنه الشكل الجوهري la forme fondamentale للزمان الواقعي temps réel. حيث أن الزمن المتخيل هو زمن بلا مدة كأنه متجمد وكل لحظاته متوقفة ومتداخلة ومتراكمة فوق بعضها البعض أو منطوية على نفسها، ولكي نتمكن من تصورها يتوجب علينا أن نأخذ مثال كصورة تقريبية ليست دقيقة تتمثل ببكرة الشريط السينمائي التي تضم أحداث فيلم كامل وصوره ولقطاته ومشاهده وكلها ملفوفة على هذا الشريط وبداخله وهو بدوره ملفوف داخل بوبينة أو علبة معدنية . فالفيلم ليس في الزمن الواقعي ولا يجري في المدة طالماً كان حبيساً في العلبة، فهو يقبع في الزمن المتخيل إذا جاز لنا التعبير، ولا يخرج للزمان الواقعي إلا عندما نضع بكرة الفيلم على جهاز العرض ونعرضه على الشاشة عندها يدخل في الزمن الواقعي ويعرض أحداثه في سياق المدة الزمانية حيث يكون له بداية ونهاية وماضي ومستقبل. وفي طيات هذا الزمن المتخيل، الذي لا يتعدى كونه معلومة حاسوبية تختزن كل ذاكرة الكون الجمعية سواء التي سبقت الانفجار العظيم Big Bang أي في هيئته السابقة للنشأة الحالية أو تلك التي تتضمن كل مافي الكون المرئي من موجودات ومكونات وأحداث دارت أو ستدور في الزمن الواقعي في سياق المدة durée. بعبارة أخرى هيئة ذات مغزى ثيولوجي غيبي للكون المرئي كما كان قبل تجسده وهو ما يزال قابعاً في تفكير الله La pensée de Dieu، وكما ستكون صورته بعد ظهوره في تفكير البشر. وهاهي الجملة السحرية تظهر وتتحدى " ماذا كان يجري في فكر الله قبل خلق الكون؟"بالطبع بالنسبة لمن يعتقدون بأطروحة الخلق الإلهي المباشر والمستقل عن إرادة ما سواه.
في رواية صغيرة وطريفة كتبها الباحث والفنان وكاتب السيناريو الفرنسي الشهير جون كلود كاريير jean claude carrière من النوع الخيالي البحت عنوانها " من فضلك يا آينشتين Einstein s’il vous plait نشرها سنة 2007 ، ضمن مجموعة من الكتب المهمة جداً مثل " محادثة حول تعدد العوالم مع العالم تيبو دامور Entretien sur la multitude du monde avec Thibault Damour وغيره، أورد الكاتب قصة متخيلة ممتعة ومفعمة بالخيال ملخصها سعي فتاة لمقابلة العالم الفريد آينشتين ولكن بعد نصف قرن من وفاته حيث تجد نفسها في صالة الانتظار مع عدد كبير من الأشخاص بملابس وأزياء متنوعة تعود لحقب زمنية مختلفة ومن بينهم نيوتن. وعندما التقى بها آينشتين دارت بينهم حوارات هي محتوى الرواية وموضوعاتها علمية بحتة تتعلق بإنجازات ونظريات ومساهمات آينشتين العلمية ومواقف الآخرين منها تأييداً أو معارضة. وفي إحدى فقرات الرواية سألت الفتاة الشابة العالم العجوز : سيدي عماذا تبحث في معادلاتك؟ لم يرد عليها آينشتين على الفور بل تأمل قليلاً وتحرك ببطء نحو مكتبه وجلس قبالة الفتاة الشابة متأملاً باضطراب بادي للعيان جمال هذه الطالبة الشابة وبعد تنهيدة مسك بيدها وبصوت خافت كأنه يهمس بإذنها قال: أريد أن أعرف كيف خلق الله الكون، لا أهتم بهذه الظاهرة أو تلك، أو هذا العنصر أو ذاك، أريد أن أعرف تفكير الله je veux connaitre la pensée de Dieu". الأمر إذا ليس جديداً بل قديم جداً قدم التاريخ ولم يفوته أي عالم رصين. الكل يبحث عن تفكير الله . جملة آينشتين هذه حقيقية وليست مستمدة من هذه الرواية العلمية الخيالية المذكورة أعلاه، فلقد نطقها بالفعل ووردت في الفيلم الجميل الذي كرس لحياة آينشتين في المشهد الذي جمعه مع صديقته التي أصبحت فيما بعد زوجته الأولى عندما كانا طلاباً وزملاء حيث أصبحت هي أيضاً عالمة فيزياء كبيرة. وقد اثارت هذه الجملة عاصفة من ردود الأفعال وثورات في المختبرات العلمية وأحدثت العديد من السجالات والنقاشات العلمية على مدى عقود طويلة. وإلى يومنا هذا تخترق هذه الجملة المتخمة بالنوايا عقول علماء أفذاذ من نوع ستيفن هوكينغ Stephen Hawking الذي تساءل قبل أكثر من ثلاث عقود في كتابه الشهير" تاريخ مختصر للزمن Une brève histoire du temps" لماذا يوجد الكون؟ وفي خاتمة كتابه في آخر سطوره قال:" لو وجدنا الإجابة على هذا السؤال فسوف يشكل ذلك انتصاراً نهائياً للعقل البشري إذ أننا عندها سوف سنعرف تفكير الله nous connaitrons la pensée de Dieu". يعتقد البعض أن هذه العبارة ستكون مفتاح فيزياء القرن الواحد والعشرين ومحور الأبحاث العلمية في هذا القرن الجديد الذي انقضى عقده الأول ودخلنا في السنوات الثلاثة الأولى من عقده الثاني كما أكد ذلك العالم والمنظر الأمريكي ذائع الصيت فريما ديسون Freeman Dyson حينما صرح قائلاً :" التحدي الحقيقي هو أن نقرأ تفكير الله لكي نعرف لماذا يوجد الكون وبأي معجزة انبثق فجأة من العدم أو اللاشيء قبل حوالي 14 مليار سنة؟". وأضاف مردداً قول آينشتين وهوكينغ وغيرهم كثيرون:" لماذا يجود شيء ما بدلا من لاشيء ، ولماذا أوجد هذا الشيء ما الحياة والوعي والعقل والذكاء والتفكير؟ كل محاولات العلماء للإجابة على هذه الأسئلة باءت بالفشل لكنهم تقبلوا ثلاث فرضيات . أسهلها وأقلها علمية، هي الفرضية الأولى التي تتلخص بالدفاع عن فكرة مؤداها أن الكون والوعي والحياة كلها ظهرت نتيجة " لمصادفة كونية مذهلة وليس شيء آخر. أي في هذه الفرضية إن الحياة ظهرت بمحض الصدفة وإن وجودنا ليس سوى حالة عشوائية كما قال بذلك الفيلسوف الوجودي الفرنسي الشهير جون بول سارتر jean Paul Sartre وعبر عنه بعبارة" العلم عبارة عن عبث ليس إلا" أو أن العالم عبثياً في جوهره le monde est absurde. الفرضية الثانية هي تلك التي تتحدث عن الأكوان المتوازية des univers parallèles وحسب رأي المدافعين عن هذه الفرضية فإن كوننا المرئي الذي نعيش فيه ليس سوى النسخة الرابحة من بين عدد لانهائي من الأكوان العقيمة infinité d’univers stériles حيث أن وجود كون منظم يحتوينا في أحضانه ليس أمراً ملفتاً ومتميزاً وذا قيمة remarquable لأنه سيكون ضائعاً ضمن عدد لا نهائي من الأكوان الفوضوية univers chaotiques وهذه الفرضية، رغم شهرتها وانتشارها وهيمنتها هذه الأيام على المسرح العلمي، لأنها باتت على الموضة كما يقولون، إلا أنها ليست علمية محضة كما يدعي مروجوها فهي لم تزل مجرد فرضية تحتاج إلى اليقين العلمي والبرهان والتجربة المختبرية اليقينية فهي لحد الآن غير قابلة للإخضاع التجريبي المختبري الحقيقي n’est pas véritable expérimentalement ولأنه في جميع الأكوان الممكنة والمحتملة فإن الرياضيات والقوانين الرياضية تبقى هي نفسها المعمول بها والسارية في كوننا المرئي، وبما أن الواقع الفيزيائي يتحدد ويسير بفعل الرياضيات les mathématiques فمن المتوقع حتماً أننا سنقع على نفس الكون الذي يضمنا ويحتوينا أي كوننا المرئي. وهنا تأتي الفرضية الثالثة التي يعتقد البعض أنها الأقرب للمنطق العلمي، حسب أنصارها، والتي تقول بكون واحد ووحيد تحدده وتنظمه قوانين الفيزياء وفي هذه الحالة فإن التطور الكوني أو الكوزمولوجي évolution cosmologique لا يترك شيئاً للصدفة وإن الحياة تظهر كنتيجة حتمية لا يمكن تفاديها conséquence inévitable لسيناريو محكم ومفروض يملى على الوجود من خارج الكون، وفي غاية الدقة والتنظيم، من قبل قوانين فيزيائية طبيعية محكمة وصفها البعض بأنها هي الإله الخالق. وفي هذه الحالة فإن لهذا الكون الفريد من نوعه، هو عبارة عن شفرة خفية غامضة code sous-jacent تحتية ذات جوهر أو طبيعة رياضياتية essence mathématique يمكن مقارنتها بالشفرة الجينية code génétique للكائن الحي، وهي التي نشرح وتفسر كل القوانين الفيزيائية وتنظم وتحدد بدقة لا متناهية ومذهلة جداً قيم valeures جميع الثوابت الجوهريةconstantes fondamentaux للكون المرئي والعلاقات فيما بينها لكي تنجب كوناً منظماً univers ordonné وقابلاً للتطور نحو الحياة والوعي la vie et la conscience. وفي الحقيقة هناك الكثير من الفيزيائيين ممن لاحظوا أن القوانين الجوهرية للطبيعة تبدو في غاية الدقة والتوازن والضبط العياري بغية السماح بتشكل المجرات والنجوم والكواكب وللسماح للحياة بالانبثاق من المادة. كانت مهمة العلماء حتى وقت قريب تتركز بالأساس على اكتشاف طبيعة القوانين الفيزيائية وتبعات تطبيقاتها ، لكنهم امتنعوا عن طرح تساؤلات بشأن أسباب وجود تلك القوانين . ولكن مع تقدم العلم والتكنولوجيا العصرية بات من الصعب الاكتفاء بالقول أن هذه القوانين بدأت فعلها التنظيمي مع حدوث الانفجار العظيم Big Bang من أجل تنظيم وهيكلة المادة والكون المرئي بلا أي سبب ظاهر وجلي وبات من حق العلماء البحث في كلمة" لماذا" المتعلقة بتلك القوانين وهل هناك سبب لوجودها.
هل كان لدى الله الخيار في خلق الكون؟
في صيف سنة 1951 وفي المكتب المتواضع الذي يشغله آينشتين في معهد الدراسات المتقدمة l’Institute des études avancées ، كان هذا العالم المهيب منكباً على معادلاته المعقدة في النسبية التي كتبها وأعاد كتابتها مراراً وتكراراً وهو مهموم وغارق في تفكيره بصمت، وفجأة توقف عن العمل والتفت لمساعده العالم الفيزيائي الشاب آنذاك إرنست شتراوس Ernst tStraus موجهاً أنظاره نحو اللامرئي البعيد وسأل مساعده بصوت منخفض :" هل كان لدى الله اختيار في خلق الكون؟" كان السؤال عميقاً ومثيراً للحيرة ويعيدنا إلى ما قبل ربع قرن من ذلك التاريخ عندما أعلن آينشتين : " على أية حال أنا مقتنع بأن الله لا يرعب النرد" . وهذا يعني أن آينشتين كان مقتنعاً تماماً، وليس لديه أدنى شك بأن الكون المرئي الذي يدرسه لم يلد بمحض الصدفة، وحتى لو أفلت الكون من الصدفة فهل كان بإمكانه أن يكون على خلاف ما هو عليه؟ أي تحكمه قوانين مختلفة عن القوانين التي نعرفها؟ آينشتين واثق من أن القوانين في الكون المرئي هي نفسها ولا يمكن أن تكون مختلفة في لحظة ولادته ، بعبارة أخرى لو كان الله هو الخالق للكون فإنه لم يكن يمتلك خياراً آخر في عملية الخلق. وبعد مضي أربعة عقود على ذلك التصريح الآينشتيني طرح العالم الانجليزي المعروف روجر بينروس Roger Penrose في جامعة أكسفورد وشريك ستيفن هوكينغ في الأبحاث الكونية، نفس السؤال الآينشتيني متخيلاً لوحة هائلة بحجم الكون مليئة بمليارت المليارات من النقاط التي تشير كل واحدة منها إلى كون ممكن الوجود وتساءل بينروس عما إذا كان لدى الخالق الحرية في وضع قلمه أو سهمه على أية نقطة على اللاتعيين من تلك النقاط ـ الأكوان في لحظة الانفجار العظيم لكي يخلق كونناً شبيهاً نوعاً ما بكوننا المرئي. وجاء جوابه المطعم بمئات المعادلات والحسابات الرياضية المتينة والصعبة جداً، وكان هو نفس جواب آينشتين، ألا وهو أن الخالق لم يكن يمتلك أي خيار آخر، أي لم يكن حراً في خياراته. فلم تكن هناك على تلك اللوحة سوى نقطة ـ كون point-univers واحدة كان على الخالق أن يضع قلمه عليها أو يؤشر عليها بسهمه من بين مليارات المليارات المليارات المليارات من الإمكانيات المتاحة. ولتوضيح هذه الحالة القسرية في لحظة الولادة ـ الأصل، أظهر بينروس بواسطة الرياضيات المتقدمة الحديثة والتجريبية أن فرصة أن يقع الخالق على النقطة الصحيحة هي بنسبة واحد من 10 أس 10 مضروب بـ 10 أس 123 10123 x 1010 وهو رقم يستحيل تخيله لذلك ومن باب التندر صرح آينشتين في يوم ما :" أن الصدفة هي الله عندما كان يتجول متخفياً" ولو تركنا الواقع العلمي الرصين والبارد في منهجيته وصرامته ودخلنا عالم التكهنات والافتراضات لن يبقى في ايدينا سوى لعبة الفرضيات jeu d’hypothèses من أجل الحصول على أجوبة جديدة ولو تقريبية أو تقديرية أو افتراضية، حيث يكمن الحل في فرضية وجود نمطين من الزمان كانا متواجدين في لحظة الانفجار العظيم وكان أحدهما سابق للآخر قبل الانفجار العظيم. هناك أولاً الزمان الذي نعرفه في كوننا المرئي والذي بدأ في مرحلة ما بعد الانفجار العظيم وهو يجري في مسار أو اتجاه ثابت لحظة بعد أخرى مما يجعل الأمور تسير في سياقها الطبيعي كالأنهار وشروق وغروب الشمس وهو مرتبط عضوياً وجوهرياً بالطاقة وهو الذي نسميه الزمان الواقعي temps réel ، وهناك ثانياً الزمن المتخيل أو الخيالي temps imaginaire حيث لا توجد حركة في هذا الزمن وكأنه متجمد حيث لا يسير هذا الزمان بأي اتجاه ولا يمر أو يسري كالزمان الواقعي، ويمكن تشبيهه بقرص كومبيوتر DVD مركون أو موجود خارج جهاز قراءة الأقراص والقصة أو التاريخ المسجل عليه في حالة تجمد ولا يوجد مكان لشيء إسمه الطاقة ولذا ما هو البديل لذلك؟ هو ما يسميه العلماء بالمعلومة الحاسوبية l’information informatique وهي نظير الطاقة في الزمان الواقعي لكنها معلومة تتواجد فقط في الزمان التخيلي أو الخيالي. لذلك سنستبدل جميع الوحدات الفيزيائية الواقعية les unités physiques réelles وبدون أي استثناء، بوحدات بديلة تسمى بايتات المعلومة les Bits d’information المتداولة بلغة المعلوماتية informatique وعالم الحاسوب أو الكومبيوتر حيث يمكن وصف جميع الأشياء والأجسام بلغة ورموز المعلوماتية ـ الحاسوبية ، ولو على الصعيد النظري، اي بصيغة البايتات ـ المعلومة les Bits d’information فكل شيء يحتوي على كمية من هذه البايتات المعلوماتية . ولو استعنا بذلك وعدنا للكون البدئي الأولي Univers primordial فأين سنعثر على هذا الزمان الخيالي أو المتخيل؟ الجواب هو في الموضع الذي يتوقف فيه الزمان الواقعي عن الوجود أي في اللحظة أو النقطة صفر L’instant ou point zéro وهذه اللحظة يقابلها في النموذج القياسي أو المعياري modèle standard ما يمكن أن نسميه الفرادة التأسيسية الأساسية singularité initiale أو الأولية التي توسم الصفر المطلق zéro absolu للزمان والمكان، اي الأصل الحقيقي للكون المرئي. ينبغي التنويه هنا إلى أن ما نتحدث عنه ليس سوى طرح نظري بحت وهذه النقطة هي نقطة رياضياتية قح point mathématique pur لا يمكن الولوج إليها بالحساب الفيزيائي التقليدي. وعلى خلاف كل ما هو موجود في الكون المرئي المادي الملموس، فإن جوهرها العميق تجريدي بحت كلياً totalement abstraite. وعندها لاتوجد مادة و لا طاقة ولا يوجد زمان ولا مكان، يضاف إلى ذلك أنه عند نقطة الصفر الافتراضية هذه فإن أنثروبيا الكون l’entropie de l’univers، أي حالة اللاانتظام فيه، هي معدومة تماماً nulle.وهذه نتيجة طبيعية لمبدأ الترموديناميك ـ الديناميك الحراري principe de la thermodynamique الذي استفاض العلماء والباحثون في شرحه وتوضيحه في بدايات القرن المنصرم 1900 وخاصة على يد العالم العبقري لودفيغ بولتزمان Ludwig Boltzmann . والحال، وبما أن المعلومة الحاسوبية هي النقيض للأنثروبي entropie فإن هذا يعني أن نقطة الصفر المعلوماتية، حيت تتواجد المعلومة الحاسوبية الرياضياتية، تعتبر في قيمتها القصوى، مما يعني أنه في اللحظة صفر لا يوجد غير المعلومة l’information فقط لا غير وهي ليست سوى واقع رقمي réalité numérique يمكنه أن يشفر encoder ، على نحو رياضياتي sous forme mathématique مجموع الصفات والخصائص propriétés التي سوف تعمل ، بعد الانفجار العظيم، على إيجاد وتطور الكون الفيزيائي المادي. وكما أشار الفيلسوف المتنور لايبنز Leibniz ومن معه في مدرسة غوتنغن école de Gôttingen في الماضي، إلى إمكانية وجود عدد nombre أوسع من الكون. ففي الزمان الخيالي أو المتخيل temps imaginaire حيث تستمد الهارمونية، المقررة سلفاً، مصدرها، أي عدد ـ كون nombre-Univers ذو نقاوة عالية وخارج الزمكان l’espace-temps حيث يمكنه احتواء أقصى أنواع التعقيد الذي يمكن للنفس البشرية أن تتخيله، ويمكن لفكر الله أن يصوغه.
الصمت الكبير.
في البدء كانت الكلمة السحرية "اتصال contact " التي تخفي سر الحياة والتطور والإطلالة على المجهول والخروج من العزلة الكونية.
إن الخوف من الفراغ والخوف من المجهول هو الذي يمنع البشرية من الاعتقاد والتصديق أن البشر ليسوا وحيدون في هذا الكون المرئي إلا أن ذلك لم يمنع العلماء من التساؤل والبحث عن الحضارات والمخلوقات الفضائية التي يفترضون وجودها في أرجاء الكون المرئي الشاسعة، وكلنا يتذكر صرخة الفيلسوف بليز باسكال Blaise Pascale التي أطلقها سنة 1670 إن الصمت الأزلي لتلك الفضاءات اللامتناهية يرعبني . وفي سنة 1950 ، وأثناء جلسة غداء جمعت عدد من علماء الفيزياء في المختبر العسكري في لوس آلاموس laboratoire militaire de Los Alamos ، صرح العالم أنريكو فيرمي Enrico Fermi بصوت عالي بما يجول في ذهنه سراً منذ مدة طويلة وقال :" ما أتفه هذه الحياة التي نعتقد أنها فريدة من نوعها، أعتقد أن هناك العديد من الحضارات الفضائية يمكن أن توجد حولنا ، وكان ينبغي على إحداها على الأقل أن تتواجد أصلاً بيننا ، ومع ذلك لا أرى أحداً منهم، فأين هم إذاً؟ انتشرت هذه الجملة كالنار في الهشيم بين أوساط المشاركين في القسم التنظيري لقاعدة لو آلاموس وكان أول من رد عليها هو العالم ليو سيزيلارد Leo Szilard قائلاً :" ألا تعرف أنهم يعيشون بيننا ويسمون أنفسهم الهنغاريين ، وهو لم يقصد الإهانة أو التقليل من شأن الهنغاريين وإنما المزح ليس إلا، حيث كان يوجد ضمن المجموعة ثلاثة علماء فيزياء هنغاريين مشهورين ومرموقين يعملون في هذا الصرح العلمي ـ العسكري الأمريكي المرموق وهم: أوجين فاينر Eugène Wigner، إدوارد تيللير Edward Teller، جون فون نيومان John von Neumann، وكان يطلق عليهم تحبباً تسمية المريخيون Les Martiens. وكان ليو سيزيلارد Leo Szilard هو أول من اقترح حلاً لما اشتهر فيما بعد بمفارقة فيرمي paradoxe de Fermi، وقد أعقبه كثيرون في ردودهم على تلك المفارقة العلمية، ومن بينهم من ينكر وجود حياة فضائية في الكون خارج الأرض vie extraterrestre، أو يرفض تقبل إعتقاد أنهم يمكن أن يكونوا متطورين ومتقدمين علينا علمياً وتكنولوجياً ويمتلكون أجهزة متطورة جداً ووسائل انتقال باستطاعتها نقلهم بين الكواكب والنجوم. والبعض الآخر يشكك بإمكانية تلك الحضارات أصلاً، حتى إن ثبت وجودها ، في الترحال بين النجوم نظراً لشساعة المسافات القائمة بين النجوم والمجرات والتي تتطلب سنوات عديدة ، تتراوح بين بضعة عشرات إلى بضعة آلاف أو ملايين ، وحتى مليارات من السنين، حتى لو افترضنا أن مركباتهم الفضائية تسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء، وكذلك بسبب تعدد المخاطر أمام مثل تلك الرحلات في الفضاء الخارجي، والبعض الآخر يعتقد بأننا لا نستحق مثل هذا العناء لكي تخاطر مثل تلك المخلوقات الفضائية بحياتها من أجل الاتصال بنا، وقلة قليلة من العلماء من حاول وما يزال يحاول العثور على آثار ودلائل عن تلك الحضارات والكائنات الفضائية سواء على الأرض أو في المجموعة الشمسية. المسألة ليست علمية فيزيائية فقط وإنما فلسفية وأخلاقية ودينية ـ ثيولوجية وميتافيزيقية. والآن وقبل أن نتوغل بعيداً في الموضوع نتوقف قليلاً لنوضح ظروف تبلور هذه المفارقة العلمية التي ارتبطت باسم فيرمي مع إنه لم يكن أول من أطلقها. في أعقاب موجة الأطباق الطائرة OVNIS في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عدد آخر من مناطق العالم، في أواخر أربعينيات القرن الماضي، وتركيز وسائل الإعلام على تلك الظاهرة، تساءل عدد من العلماء بجدية عما إذا كان هناك تفسير علمي لها. وفي سنة 1950، إبان زيارة للمختبر العسكري الأمريكية في لو آلاموس كما ذكرنا أعلاه، تواجد عالم الفيزياء الإيطالي الأصل والحائز على جائزة نوبل للفيزياء سنة 1938 أنريكو فيرمي Enrico Fermi تلبية للدعوة الموجهة له. وفي خضم النقاش الذي دار بينه وبين زملائه من العلماء المتواجدين في هذا المختبر العسكري، شكك البعض في الأصل الفضائي لتلك الأجسام المحلقة مجهولة الهوية وسرعان ما تحول النقاش إلى موضوع إحتمالية وجود حضارات كونية أو فضائية بإمكانها القيام برحلات ما بين نجمية voyages intersidéraux وفي خضم النقاش المحتد صرخ فيرمي : ولكن أي هم؟ لا يوجد أي أثر في الحسابات التي أجراها فيرمي بغية التوصل إلى معادلته الشهيرة بهذا الصدد لتلك الأقوام. وكان فيرمي قد قام بعدد كبير من الحسابات بشأن العدد المحتمل للحضارات العاقلة والمتطورة في مجرتنا والتي لو ثبت وجودها لكان من المفترض أنها زارتنا عدة مرات في الماضي منذ فجر البشرية ، آخذاً بالاعتبار أن شمسنا ولدت قبل أربع مليارات ونصف المليار سنة وعمر مجرتنا أكثر من سبعة مليارات سنة وهذا يعني أن أمام الحياة الوقت الكافي لكي تظهر في أماكن أخرى في المجرة وتتطور وتصبح ذكية ومتقدمة علمياً بما فيه الكفاية لكي تزور الأرض ولعدة مرات، بل وتمكن فيرمي من حساب المدة اللازمة لحضارة فضائية ما، من بين العدد الهائل المحتمل، لكي تحقق التقدم التكنولوجي اللازم الذي يؤهلها لإنجاز مثل هذه الرحلات مابين النجوم والكواكب voyages interstellaires، ومن ثم ما يتيح لها الانتشار داخل مجرة درب التبانة la voie lactée ورصد العديد من أشكال الحياة العاقلة والمتطور كالتي توجد على سطح الأرض. وتحدد تقديرات فيرمي بأن المدة المطلوبة تنحصر بين بضعة ملايين وبضعة عشرات من الملايين من السنين وهي مدة قصيرة إذا ما قورنت بعمر المجرة الطويل الذي يحسب بالمليارات من السنوات. وبالتالي من المؤكد أنه لو كانت هناك إحدى تلك الحضارات قد نشأت في مكان ما من المجرة لكان بإمكانها الوصول إلينا والاتصال بنا في حين أن واقع الحال يقول بعكس ذلك اي يقول بوجود مفارقة، فهناك غياب تام لآثار مؤكدة لمثل تلك الزيارة، كما يقول فيرمي. وبعد ذلك حدثت انعطافة في مسألة الاتصالات المحتملة مع الكائنات الفضائية المتطورة والعاقلة أو الذكية ففي مقال نشره العالمان الفيزيائيان غييسب كاكوني Giuseppe Coconi و فيل موريسون Phil Morrison سنة 1959 في مجلة الطبيعة Nature اقترحا اللجوء إلى الموجات الراديوية Ondes Radio لأنها توفر أفضل السبل لحضارة فضائية متقدمة بمستوى تقدمنا العلمي تكنولوجياً للاتصال بمثيلاتها عبر غازات وأغبرة وأجسام المجرة. وفي سنة 1961 نظم العالم الشاب آنذاك فرانك دراك Frank Drake أول مؤتمر صحافي كرس للحديث عن الاتصالات مع المخلوقات الفضائية العاقلة وذلك في فرجينيا الواقعة غرب الولايات المتحدة الأمريكية إثر حسابات قام بها سابقاً عن إحتمالية حصول مثل هذه الاتصالات على غرار حسابات الاحتمالية التي قام بها فيرمي مما أتاح له نشر معادلته الشهيرة التي اقترنت بإسمه وعرفت بإسم معادلة دراك équation de Drak والتي تعطي العدد المحتمل للحضارات الفضائية داخل مجرتنا التي يمكنها التواصل فيما بينها واشتملت المعادلة على معطيات تمثل عدد النجوم التي تشكلت داخل المجرة، وعدد النجوم التي تحتوي على كواكب وأنظمة شمسية على غرار مجموعتنا الشمسية، وعدد الكواكب في تلك الأنظمة الشمسية التي تقع على مسافة محددة من شموسها تساوي المسافة التي تفصلنا عن شمسنا والتي تقع في المنطقة القابلة للحياة فهي ليست حارة جداً ولا باردة جداً وتكون صلدة أو صخرية ولهها غلاف جوي، وعدد الكواكب المحتملة التي نشأت فوقها حياة ذكية وعاقلة وحضارات بلغت على الأقل مستوى حضارتنا علمياً وتكنولوجياً ، والمدة الزمنية لحياة تلك الحضارات. وبما أننا نجهل القيم الحقيقية لأغلب تلك المعطيات الرمزية التي تضمنتها المعادلة ، ما عدا العنصرين الأولين، اي عدد النجوم التقريبي في المجرة وعدد النجوم التي تحتوي على كواكب ، وذلك بفضل عمليات الرصد والمشاهدة التي أنجزتها التلسكوبات الفضائية كوب COBE وأم وامب M WAMP وبلانك Planck مابين سنوات التسعينات في القرن الماضي وأواسط العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. بالطبع لا يمكننا القول أن معادلة دراك تعطينا تكهنات دقيقة إلا أنهت سمحت بهيكلة وضبط النقاش الدائر بهذا الصدد في حدوده العلمية لفترة طويلة من الزمن وجعلت من المسموح به للعلماء البحث في إمكانية نشوء حياة في الفضاء الخارجي في المجموعات الشمسية في مجرتنا أو حتى في باقي مجرات كوننا المرئي. ظلت صرخة فيرمي تتردد خلال عقود أين هم إذاً؟ إلا أن العالم الفلكي الشهير الراحل كارل ساغان Carl Sagan الذي كان طرفاً في النقاشات في لوس آلاموس كتب متذكراً تلك المناسبة في مقال نشره في مجلة علم الكواكب والفضاء planetary and Space Science سنة 1963 قال فيها أن فيرمي أعرب بوضوح عن اعتقاده على نحو جدي باحتمال زيارة الحضارات الكونية العاقلة والمتقدمة التي يعتقد بوجودها كلياً، ولكن في حقب غائرة في القدم من تاريخ الأرض، اي قبل عصرنا الحديث بكثير. وترددت صرخة فيرمي في كتاب نشر سنة 1966 تحت عنوان الحياة الذكية أو العاقلة في الكون La vie intelligente dans l’Univers بقلم العالمين كارل ساغان وعالم الفلك والفيزياء الروسي يوسف شكلوفسكي Iossif Shklovskii ، والذي يعتبر أفضل ما كتب حول هذا الموضوع، ولم يعلق المؤلفان على تساؤل فيرمي إلا أنهما ذكرا بتفصيل ممتع كثير من الدلائل العقلية على صحة احتمال زيارة الحضارات الفضائية المحتملة للأرض. فساغان يعي أهمية وتبعات مثل هذا التساؤل العلمي لكنه متيقن كعالم رصين أن الحياة منتشرة بكثرة في الكون المرئي كنتيجة طبيعية لتطور المادة ويشاطره في ذلك زميله الروسي الذي يعتقد بذلك ايضاً لإيمانه بصحة النظرية المادية الديالكتيكية matèrialisme dialectique ولا يستبعد حصول اتصال بطريقة ما ، مباشرة أو غير مباشرة، بسكان الأرض في حقب مختلفة من تاريخ البشرية. كما لفت عالم الفلك الروسي سيرغي كابلان Sergeï Kaplan الأنظار إليه عندما نشر مقالاً سنة 1969 قال فيه:" لم تتح لنا تجاربنا المختبرية دحض فكرة الاتصال بالرغم من غياب الروعة الكونية التي تحدث عنها شكلوفسكي ، ولا بد من التأمل في تساؤل فيرمي ومفارقته. وفي سنة 1975 نشر المهندس الانجليزي دافيد فيوينغ David Viewing مستلهماً مفارقة فيرمي في عبارة شاعت منذ ذلك الوقت:" بعد كل ما قيل، وما ركزت عليه المفارقة الشهيرة لفيرمي، فإن كل منطقنا ، وكل معارضتنا لتساوي المركزية anti-iso centrisme، تؤكد لنا بأننا لسنا وحيدين من نوعنا في الكون، وإن الآخرين ، يجب أن يكونوا هنا ، ولكن أين هم؟ فنحن لا نراهم ." والجدير ذكره أن كارل ساغان، أحد أهم أنصار تعدد الحضارات في الكون، هو الذي أطلق على تساؤل فيرمي مصطلح مفارقة فيرمي le paradoxe de Fermi وذلك بعد مرور ربع قرن من تفوه فيرمي به..
تجدر الإشارة إلى أن فيرمي لم يكن أول من صاغ مثل هذا التساؤل. كان أول من أطلقه هو برنار لو بوفييه دي فونتنيل Bernard Le Bovier de Fontenelle في كتابه " محادثات حول تعدد العوالم Entretiens sur la pluralité des mondes الذي نشره سنة 1686 وكان عبارة عن محاورة بين المؤلف وماركيزة من المجتمع الارستقراطي الفرنسي المتنور. فعندما قال لها": أعتقد بأن كائنات ذكية عاقلة تعيش على كواكب أخرى كالقمر" ردت عليه معترضة": لو كان هذا هو وافع الحال لكان من الممكن أن يزور سكان القمر الأرض منذ وقت طويل فأين هم؟" فرد عليها": أن الوقت اللازم لامتلاك القدرة على القيام برحلات فضائية ربما لم يحن بعد خاصة إذا تجاوز الوقت 6000 سنة ـ وهو العمر المقدر للكون في ذلك الوقت في عصر دي فونتنيل ـ لذا من المفهوم أنهم لم يقوموا بزيارتنا بعد، فسكان القمر يعيشيون نفس ظروفنا لأن تاريخهم بدأ في نفس الوقت مع تاريخنا فكما إننا غير قادرون على زيارتهم فهم في نفس الحالة غير قادرون على زيارتنا" . في حين أن مفارقة فيرمي تتعلق بحضارات نشأت على نجوم أقدم بكثير من شمسنا بملايين أو مليارات السنين. الأب الثاني لتلك المفارقة الشهيرة هو عالم الفلك الروسي قسطنطين تسيولكوفسكي Konstantin Tsiolkovsky الذي اشتهر بنظرياته حول الرحلات الفضائية وتأملاته حول مكانة الإنسان في الكون وبعبارته الشهيرة والخالدة :" إن الأرض هي مهد الإنسانية لكننا لا نمضي حياتنا كلها داخل المهد" لذلك فهو متيقن من أن الحياة والوعي والذكاء متواجدون بكثرة في الكون وإن مصيرهم هو الانتشار حتماً بمجرد سيطرتهم على مصادر الطاقة في نظامهم الشمسي وفي النجوم المحيطة بهم في مجرتهم . ولقد نشر تسيولكوفسكي سنة 1934 ، قبل عام من وفاته ، كتاب بعنوان" الكواكب مسكونة بكائنات حية ذكية"les planètes sont habitées par des êtres vivants intelligents وقال في كتابه أنه يعتقد جازماً بأن تلك الكائنات موجودة وإنها سبق أن زارت الأرض أو على الأقل أرسلت إشارات تشير على وجودها وما علينا سوى البحث عن تلك الاشارات والعثور عليها ومحاول الاتصال بهم حسب إمكانياتنا التقنية." فهل سبق أن زارتنا كائنات فضائية وعَجَلت في نمو حضارتنا حقاً ومتى ؟ وهل نحنُ نتاج كائناتٍ ذكية من عوالم أخرى اختارت النوع الأكثر تقدماً ووعياً في سلسلة الكائنات الأرضية وطعمتها بجيناتها لتسريع نمو الذكاء والوعي والقدرة على التفكير لديها لكي تحقق قفزات تطورية وعقلية وتحقق تقدماً علمياً وحضارياً في أسرع وقت ممكن في إطار عجلة التطور الطبيعية ؟ أي أننا كنا مجرد حقل تجارب بالنسبة لتلك الأقوام التي قدمت من خارج الأرض حسبما تشير لنا كل الشواهد الأرضية الغامضة . فمن يُتابع بتأني تأريخ المجتمعات والحضارات الأرضية القديمة ويدرس بصورة دقيقة آثارها ، سيلاحظ على الدوام بروز مجتمعات وحضارات ذكية ومتقدمة بصورة مُذهلة على من حولها من مجتمعات أخرى جامدة وخامدة ومتأخرة ، تواجدت بالقرب منها لكنها ظلت بدائية. والسؤال هو كيف ومتى ومن أين جاءت تلك الحضارات الذكية الأرضية التي انطلقت فجأة وتألقت ، وكيف إختفت فجأة ولماذا؟ .
هل كانت تلك الحضارات الأرضية حقاً حصيلة تطور أرضي بشري إرتقائي من تلقاء نفسها كما تفترض القاعدة والعلوم والمنطق ونظرية التطور والانتخاب الطبيعي الداروينية، أم كانت نتيجة وقطاف مساعدات ولقاح من قبل حضارات متقدمة جداً لكائنات من خارج الكرة الأرضية ؟ هناك آلاف البحوث والدراسات والتفسيرات والتقارير التي تُثبت بصورة دامغة أحياناً بأن كائنات ذكية من كواكب وعوالم أخرى قد زارت أرضنا وتركت إثباتات تؤكد تواجدها في أمكنة وأزمان مختلفة عبر التأريخ . فمنذ بدايات الوعي عند الإنسان القديم ظهرت آلاف الأساطير والخرافات والمعتقدات والأديان والحكايات عن آلهة من كل نوع ولون وشكل نزلت من السماء وإتصلت بالبشر بصورةٍ أو بأخرى ووردت حكايات كثيرة عنها في النصوص الدينية المقدسة وفي كتب الأساطير لدى الأديان الأرضية كالبوذية والهندوسية والمايا وغيرها.
فكرة الآلهة إبتدأت عند الأقوام البدائية القديمة منذ فجر التأريخ ، ولا تزال المغارات والكهوف تحمل صورها وأشكالها بوضوح ، ويعتقد بعض العلماء أن قسم من الأسباب ربما تتعلق بزيارات من قبل رجال فضاء قادمين من كواكب أخرى ، وتم التعامل معهم – بشرياً - على أنهم آلهة هبطت من السماء .
كذلك تحكي الكثير من روايات الأقدمين عن الرحيل الأخير الحزين والمبلل بالدموع لتلك الآلهة المتألةة والحزينة الباكية التي باتت مضطرة للرحيل والمغادرة إلى كواكبها التي قدمت منها ، والتي لا أحد عرف أسباب رحيلها المُفاجيء ، فكل ما تركته الأقوام القديمة من معلومات تصف آلهتها عبارة عن ":رجل أبيض ملتحي، هو في أغلب الأحيان زعيم الزوار الفضائيين، الذين علموهم الكثير مما يجهلون ، لكنه يرحل دائماً في نهاية المطاف لوحده أو مع مساعديه وهو يبكي ويقول لشعبه الأرضي : سأعود في المستقبل البعيد ، ولا تثقوا بمن سيجيئ بعدي، وكأنه يتوقع زيارات لأقوام أو كائنات فضائية أخرى غيره قد تتعامل مع الفئات البشرية التي تعامل هو معها واتخته إلهاً لها. وعلى غرار ذلك ظهر في جنوب أميركا أشخاص خارقين عاملتهم تلك الشعوب كآلهة ، مثل فيراكوشا ، كتزاكواتيل ، كوكولكان ، وغيرهم الكثير في كل حضارات العالم القديم المتفرقة والمتباعدة جغرافياً ، وأغلب تلك الحضارات والأقوام قالت بأن آلهتها نزلت من السماء وعادت لها بطريقة من الطرق كل ذلك حرض مئات وألاف المؤرخين والباحثين وعلماء الحفريات والجيولوجين والمنقبين والمغامرين كي يندفعوا منذ بضعة مئات من السنين لرصد وجمع وتحليل وتفسير كل ما له علاقة بهذه المواضيع للوصول لكثير من الحلول والأجوبة لأسئلة كثيرة متنوعة لا زالت تشغل ذهن البشر وعقولهم وأغلبها ينصهر في النهاية بالسؤال القديم : من أين أتينا ، وإلى أين سنذهب ؟ ، ولكنرغم ذلك بقيت الكثير من هذه الأمور أسراراً وألغازاً مستعصية لحد اليوم .
من بين القلائل جداً ممن كرس حياته للعثور على دليل علمي مقبول يوضح لنا خلق الإنسان وبداية الحياة وفك أسرار عجائب الدنيا السبع واتصال البشر بالحضارات الفضائية المتقدمة، هو زكريا سيتكين Zecharia Sitchin ، وهو كاتب وباحث من أصل روسي ولد سنة 1922 وتوفي في 9 أكتوبر 2010 وقد جاءت أفكاره ونظرياته لتجمع بين الرؤية التجديدية لفكرة بشرية الآلهة néo-évhémérisme وفكرة التصميم الذكي من نوع حضاري فضائي على يد حضارات كونية جاءت من الفضاء البعيد dessein intelligent de type extraterrestre، وهي أطروحة تجاهلها كثير من العلماء لأنهم نعتوها بالميتافيزيقية والتخيلات الوهمية، وبأنها ليست علمية بحتة ونفر منها عدد كبير من علماء الحفريات والجيولوجيا لأنها تنسف تفسيراتهم للآثار البشرية القائمة إلى يومنا هذا ويعود تاريخها إلى آلاف السنين، ومن بين آثار تغلفها الألغاز والأسرار كالإهرامات وبقايا حضارة شعب المايا وغيرها. ولقد نشر زكريا سيتكين عدة كتب لاقت نجاحاً تجارياً واسعاً عرض فيها نظريته التي أثارت الكثير من السجالات والاعتراضات والتي تستند إلى ترجماته وتفسيراته أو تاويلاته واجتهاداته الخاصة للألواح الطينية المسمارية tablettes cunéiformes التي يعود تاريخها إلى مرحلة زمنية سبقت العصر البابلي pré-babyloniennes والتي دونت قصة أصل البشرية l origine de l Humanité حيث تشير تلك النصوص والرقم الطينية حسب ترجمة سيتكين، إلى أن عملية الخلق للإنسان الأول تمت على يد مخلوقات فضائية تدعى الأنوناكي Annunakis الذين عبدهم البشر آنذاك وصاروا آلهة سومرية divinités sumériennes والتي يقول عنها زكريا سيتكين أنها جاءت من الفضاء البعيد des extraterrestres ووصلت إلى الأرض في عصور ما قبل التاريخ Préhistoire في منطقة حوض ما بين النهرين ميزوبوتاميا La Mésopotamie حيث شيدت هناك أول مستعمرة أرضية من قبل زوار الفضاء أولئك الذين تحولوا في عقول البشر إلى آلهة. لقد أجرى الآنوناكي تجارب بيولوجية ـ جينية ، صارت تعرف اليوم بالهندسة الوراثية، على عينات من الكائنات البدائية وعلى وجه الدقة نوع معين من القرود التي انتصبت على قدميها l homo erectus ومزوجها مع جيناتهم الخاصة leurs propres gènes وبذلك خلقوا أول إنسان واعي وذكي يفكر l homo sapiens وكان الهدف من ذلك استخدامهم كعبيد في عمليات استخراج المواد الأولية التي يحتاجها الآنوناكي من أجل تغيير المناخ وتعزيز وحماية الغلاف الجوي لكوكبهم نيبيرو Nibiru الذي كان يتعرض للخطر الإشعاعي المدمر. ولقد تبين علمياً أن البشر يتشاطرون بالجينات بما نسبته 98% مع قرود الشمبانزي chimpanzé وبنسبة أكبر مع القرود الأعلى المعروفة بإسم l homo erectus المشكلة تكمن بعدم عثور علماء البيولوجيا والهندسة الوراثية أي علماء الجينات savants de gènes على آثار لتلك الجينات الفضائية التي طعمت بها الكائنات الأرضية البدائية أي اسلافنا من البشر الأوائل والتي يفترض أنها تعد بالآلاف فهناك عشرات الآلاف من الجينات البشرية génome humaine والمعروف أن الفرق بين القرد والإنسان يتمثل بآلاف الجينات رغم التشابه والتقارب بينهما. بيد أن العلم يقول أنه حتى مع عدد قليل جداً من الجينات المختلفة فإن الطباع الوراثية les phénotypes الناتجة عن عملية التطعيم يمكن أن تعيد تشكيل النوع الذي أجريت عليه التجارب مما يترك مجالاً كافياً من المصداقية لهذه الأطروحة حسب مستوى معلوماتنا العلمية الحالية في مجال الاستنساخ والهندسة الوراثية وعلم الجينات.
وفي كتابه الممتع " الكوكب الثاني عشر la 12e planète " ترجم زكريا سيتيكن أسطورة قديمة ancienne légende عن ملحمة الخلق L Épopée de la Création عثر عليها في آثار مكتبة آشور بانيبال les ruines de la bibliothèque d Assourbanipal في نينوى Ninive، الرموز المنقوشة ، ليس على إنها تعبير عن معارك سماوية رمزية بين الآلهة، بل على أنها حقائق ومعلومات فلكية حقيقية faits astronomiques réels، فكل آله يمثل حسب سيتكين كوكب، ومن ثم لحظ كوكباً مجهولاً سماه تيامات Tiamat . وأوضح أن تصادماً حدث بين كوكب تيامات وكوكب نيبيرو والذي عرف عن السومريين بإسم مردوك أو مردوخ Mardouk هو الذي أنجب كوكب الأرض وما حوله، أي حزام من النيازك والمذنبات ceinture d astéroïde. إن مدار نيبيرو البيضوي أو الإهليليجي orbite elliptique يجعله لا يمر بالقرب من الأرض إلا كل 3600 سنة، مما يسبب في كل مرة باضطرابات تكون أحياناً مدمرة كالفيضانات الجبارة والعواصف الضخمة التي تلتهم مساحات شاسعة من كوكب الأرض. كان العالم الآثاري دافيد آيك David Icke قد اعتبر الآنوناكي مخلوقات من أصل الزواحف Annunakis d origine reptilienne في كتابه المعنون الأخوة البابلية la fraternité babylonienne لكن سيتكين عارضه بشدة ولم يعتبر الآنوناكي منحدرين من الزواحف مثلما عارض أطروحة أنطون باركس Anton Parks في كتابه سر النجوم الداكنة أو المعتمة Le secret des étoiles sombres والذي اعتبر هو الآخر الآنوناكي ذو اصل زواحفي، لأن ستيكين يعتبرهم مثل البشر في الهيئة ويختلفون عنهم في القامة ومنهم جاء العمالقة. كل العلوم الحديثة تقول بأن الميثولوجيا بدأت مع السومريين قبل المصريين والرومان والإغريق والأنكا والمايا والهند ... الخ ، ولكن لا يزال العلماء يجهلون من أين جاء الشعب السومري الذي ظهر فجأة في بلاد ما بين النهرين قبل حوالي ستة آلاف سنة ، ويقول بعض العلماء إن هذا الشعب جاء مهاجراً من أماكن ليست ببعيدة عن بلاد ما بين النهرين !!!، ولكن الذي يُناقض هذه الفكرة أن لغة السومريين لا تُشابه أية لغة أخرى في الشرق أو في كل العالم !!، أما ما يدعيه بعض العلماء عن جذوره وعائديتهِ فهي مجرد إفتراضات وإجتهادات شخصية لم يستطع إثباتها أحد !!.
برز الشعب السومري بحضارته الشامخة المُذهلة وبطريقة مُباغتة لا تحمل أي تطور إرتقائي متواصل مع الشعوب التي سبقته جغرافياً وتأريخياً أمثال المرحلة الثانية وهي عصر تل العبيد ، والذي سبقته المرحلة الأولى وهي عصر "حلف" والتي كان موقعها على نهر البليخ في تل زيدان، كما ورد في كتابات العالم العراقي طه باقر .
ونجد أن حضارة شعب سومر تقدم للعالم أول لغة مكتوبة ( المسمارية ) ، ومدارس ونظام تدريس ، وحسابات النظام الستيني في العدد ، وخرائط وأطواق بناء هندسي معماري، وحسابات فلكية دقيقة ، وكانوا أول من أوجد بناء القبة والصروح الفخمة كالزقورات في أور وأوروك ولكش ، وقضاة ونظام للقضاء ، وعلوم الرياضيات والطب وعلم المعادن والرسم والنحت والأساطير والملاحم وإكتشاف العجلة وإستخدام المحراث وتدجين الحيوانات والزراعة ونظام الري وحتى صناعة لعب الأطفال ، وغيرها الكثير.
وفي سنة 1850 .م ، وجد البحاثة وعالم الجيولوجيا أُوستن هنري بعض الرُقم والألواح الطينية السومرية قرب مدينة الموصل في العراق ، وكانت واحدة من تلك الألواح تتكلم عن آلهة سومرية بإسم ( أنونااكي - Annunnaki ) كانت تعيش بين السومريين ، وتقول اللوحة بان الأنوناكي قدموا من كوكب عملاق بعيد إسمه ( نبيرو – Nabiru ) والذي لم يكتشف علماء الأرض وجوده إلا قبل سنوات ، وحددوا موقعه خلف كوكب ( بلوتو) ، وأسموه ( كوكب x – planet x ) . كيف أستطاع السومريين رصد ومعرفة موقع هذا الكوكب البعيد ؟ في حين أن أول منظار أرضي كان قد إخترعه العالم الإيطالي غاليلو غاليله، بعد مضي آلاف السنين من رصد السومريين لهذا الكوكب ؟

في المتحف الألماني يوجد ختم أسطواني سومري ( Selender seal ) وفي طبعة هذا الختم تظهر ثلاثة مخلوقات بشرية ، أثنين واقفين والثالث جالس ويبدو كإله أو ملك أو كاهن ، وعند حساب طوله لو إفترضنا أنه سيقف على قدميه فسنعرف أنه يُقارب العشرة أمتار ، أي أنه وعلى أقل إحتمال أطول بمقدار الثلث من الرجلين الأخرين ، وهذا يُعيد للأذهان تفاصيل حكايات وأساطير ومعلومات دينية كثيرة كانت تتكلم عن أقوام عملاقة عاشت وتواجدت هنا وهناك في الزمن القديم وهذا الحدث واضح في الفيلم الوثائقي الممكرس للموضوع الذي عرض في قناة بي بيس ي البريطانية وموجود على صفحتي في الفيسبوك. كذلك يظهر في طبعة الختم الأسطواني ، وبالضبط فوق الرجلين الواقفين ، صورة واضحة جداً لنظامنا الشمسي ، تظهر فيها الشمس في الوسط والكواكب الأخرى حولها وعددها ( 11 ) كوكباً ، وهذه حقيقة لم يتوصل لها علماء الغرب إلا قبل 300 سنة، كذلك يظهر كوكب ( بلوتو ) الذي لم نكتشفه إلا في سنة 1930 ، والذي تم إسقاطه من قائمة الكواكب قبل عدة أشهر بقرار من إتحاد الفلكيين العالمي في براغ ، بسبب عدم إحتوائه على مواصفات الكوكب .
وبصورة مدهشة يظهر في الختم الإسطواني كوكب ( نبيرو ) الذي ذكره السومريون في الواحهم ، وبصورة دقيقة يقول لنا السومريون بأن هذا الكوكب يقترب من الأرض كل 3600 سنة ، وكما نعرف جميعاً فأن هذا الكوكب سيكون قريباً من الأرض في أواخر سنة 2012، حيث يقول بعض العلماء بأنه إذا اصطدم هذا الكوكب أو الكويكب مع الأرض فسوف تحدث أكبر كارثة أرضية في التأريخ، أو ربما ستكون نهاية الأرض وما عليها من مظاهر الحياة، لكن الحسابات الفلكية تستبعد وقوع الاصطدام و لو كان سكان هذا الكوكب أقدم مِنا حضارةً بآلاف السنين ، فلابد أن يكونوا على درجة عالية جداً من التكنلوجيا والعلوم التي ستجنبهم وتُجنبنا هذه الكارثة الفضائية.
كذلك تقول معلومات السومريين بأن الأنوناكي قدموا للأرض قبل 000. 450 الف سنة ، وهبطوا في المنطقة المحصورة بين دجلة والفرات والمعروفة تأريخياً بإسم أرض شنعار أو الميسوبوتاميا ، وإنهم كَوَنوا خلية إجتماعية سموها عدن edin قد تكون هي نفسها التي ذكرها سفر التكوين ( genèses ) لاحقاً وسماها جنة عدن وإدعى العبرانيون بأن الله خلق في أرضها آدم ، ومن ثم خلق من ضلعه حواء، وكما هو معروف لكل من يؤمن بالعلم والعقل والمنطق ، فأن ( أغلب ) قصص التوراة La Bible – العهد القديم – مسروقة ومقتبسة مع بعض التحوير من حكايات وأساطير وملاحم السومريين وأقوام بلاد ما بين النهرين، ومنها قصة طوفان نوع المقتبسة حرفياً من ملحمة كلكامش، وقصة هبوط الإيلوهيم من السماء ، والتي استغلها الصحافي الفرنسي كلود فوريون وشيد طائفة دينية بإسم الرائيليين حيث ادعى أنهم التقوا به وأودعوه رسالة للبشرية وإنهم هم الذين خلقوا البشر بواسطة علم الاستنساخ la clonqge. كما يقول السومريون أيضاً بأن الأنوناكي هم الذين خلقوا البشر من طين، وعلى صورتهم وأعطوهم من نورهم ، وإن أسباب قدومهم للأرض كانت من أجل إستخراج الذهب ومعادن أخرى ثمينة ونقلها لكوكبهم البعيد ، وأنهم كانوا يُديرون مناجم للذهب كثيرة جداً وفي المنطقة المعروفة اليوم بإسم زمبابوي. فهل هناك أي إحتمال في أن نكون جميعاً من خلق أقوامٍ نائية وبعيدة في كواكب ربما ترصدنا وتُراقبنا عن كثب كما نراقب نحنُ أي مزرعة نباتية أو حيوانية لنا صغيرة .
بوزون هيغز أو جسيم الرب هل سيكون إثباتاً للنظرية المعيارية أم ناسفاً لها؟

قال العالم بيتر هيغز بشأن الجسيم المرتبط بإسمه "إني أجد هذه التسمية" جسيم الرب" محرِجة لأنه وإن كنتُ أنا نفسي لستُ مؤمنا لكني اعتقد انها سوء استخدام للغة قد يجرح مشاعر البعض.

قبل أكثر من عام خصصت فصلاً عن بوزونات هيغز Bosons de Higgs أو جسيمات الله Particules de Dieuكما يشاع عنها في الأوساط الإعلامية غير المتخصصة وذلك في كتابي " الكون أصله ومصيره"، وتوقعت فيه أن العلماء سوف يتوصلون آجلاً أم عاجلاً لاكتشاف هذه البوزونات وكل المؤشرات تدل على ذلك. واليوم أثيرت الضجة الإعلامية مرة أخرى حينما أعلن في مركز سيرن الأوروبي CERN أي المركز الأوروبي للأبحاث النووية centre Européen pour la recherche Nucléaire أنه سيتم الإعلان عن نتيجة الأبحاث والتجارب المتكررة في هذا المجال في مصادم الهادرونات الكبير أو مسرع الجسيمات العملاق LHC . وفيما يتعلق بالتسمية فالعلماء يستخدمون التعبير الرسمي ألا وهو بوزونات هيغز وليس جسيمات الله فهذه الأخيرة جاءت من مقدمة الناشر لكتاب ليون ليدرمان Leon Lederman الذي صدر عام 1993 تحت عنوان :" جسيمات الله: ماذا لو كان الكون هو الجواب؟" The God Particule : If the Universe is the Answer --- La particule de Dieu : si l’Univers était la réponse حيث أصر الناشر على هذا العنوان بدلاً من العنوان الصلي الذي اقترحه المؤلف وهو الجسيمات المقدسة The God damn particule --- La sacrée particule. وقد استعار الروائي الشهير دان براون Dan Brown في روايته ملائكة وشياطين Anges et Démons تعبير جسيمات الرب أو جسيمات الله التي تحتوي على سر امتلاك بعض الجسيمات للكتلة ، حتى أن أحداث هذه الرواية تدور في جزء كبير منها داخل مصادم أو مسرع الجسيمات LHC في سيرن CERN في جنيف قرب الحدود الفرنسية السويسرية والذي يعتبر أكبر مجمع للأبحاث العلمية في العالم وأكثرها كلفة.
ذهب خيال الكثيرين بعيداً حينما تساءل أحدهم هل سيستغل هذا الجسيم الغريب يوماً ما في تصميم أسلحة للتدمير الشامل، أم على العكس سوف يجلب للبشرية معرفة معمقة ستساعده على إنقاذ العالم من مىسيه ومشكلاته؟. إن وجود أو عدم وجود هذا البوزون ليس أمراً بديهياً أو بسيطاً، ولو تم إكتشافه فعلاً فسوف يؤكد فرضية تقول أن دوره جوهرياً في فهم لماذا تمتلك بعض الجسيمات للكتلة. يتعين علينا العودة قليلاً للغوص في عالم الجسيمات الآينشتيني والكوانتي أو الكمومي بغية إدراك حقيقة وأهمية مثل هذا البوزون. فنسبية آينشتين la théorie de la relativité d’Einstein تقول أن هناك فرق جوهري وأساسي بين الجسيمات ذات الكتلة particules massives والجسيمات عديمة الكتلة les particules de masse nulle، فالجسيمات التي تفتقد للكتلة تنتقل بسرعة الضوء بينما لايمكن لغيرها من الجسيمات بلوغ سرعة الضوء. والذي يعنيه العلماء هنا هو أن للضوء سرعة ثابتة ولكن في الفراغ وهي سرعة انتشار الفوتونات photons وهي جسيمات عديمة الكتلة. ومن المعلوم أن فوتونات الضوء القادمة من الشمس تحتاج إلى ثمان دقائق ونصف لكي تصل إلى لأرض . وبناءاً على ذلك اعتبرت السنة الضوئية année lumière وحدة قياس للمسافة وهي المسافة التي يقطعها الضوء لمدة سنة والتي تقدر بحوالي 9500 مليار كلم، لذلك لذلك حسبت المسافة التي تفصلنا عن أقرب نجمة إلينا وهي بروكسيما سانتوري proxima Centauri بـ 4.2 سنة ضوئية، ونجمة سيريوس Siriusتبعد عنا 8.6 سنة ضوئية ونجمة فيغا véga تبعد عنا 25.3 سنة ضوئية. مايزال العلماء يبحثون منذ عقود طويلة للعثور على تفسير سبب امتلاك بعض الجسيمات للكتلة وافتقاد البعض الآخر لها. فمن أين تأتي تلك الكتلة masse التي تدمغ الكون الفيزيائي بسمتها؟ اقترح العالم الفيزيائي بيتر هيغز peter Higgs قبل حوالي نصف قرن من الزمان فكرة تقول أن الفراغ ـ الذي هو ليس فارغ حقاً ـ غارق في حقل أو مجال champ موجود في كل مكان والذي بإمكانه إبطاء بعض الجسيمات، وربما يمكنه أيضاً إبطاء حركة الفوتونات عديمة الكتلة، ومن الناحية النظرية لا تعاني الفوتونات العديمة الكتلة من عقبات عند اجتيازها مجال هيغز champ de Higgs ويمكن لجسيمات أخرى أن تسلك نفس سلوك الفوتونات. لا يمكن مبدئياً حساب أو قياس هذا المجال الافتراضي بصورة مباشرة إلا أن الفيزيائيين ينطلقون من مبدأ أن مسرع ومصادم الجسيمات LHC يمكن أن يحثه ويؤدي إلى ظهور جسيم ـ هو في الوقت الحاضر افتراضي أيضاً ـ هو الذي نطلق عليه بوزون هيغز Boson de Higgs ، هكذا تبدو الأمور بسيطة نظرياً ولكن حان الوقت للانتقال من النظري إلى العملي أو التطبيقي . فبفضل الطاقة الهائلة المحررة في المصادم ومن جراء عملية التصادم collisions يأمل الفيزيائيون إظهار هذا البوزون ورصده عملياً. ولكن ما هو هذا البوزون الغامض وطبيعته؟ لنعد إلى الوراء قليلاً ايضاً ونتحدث عن المسار التاريخي في الحديث عن هذا البوزون. لفقد استخدم التعبير لأول مرة من قبل العالم الانجليزي بول ديراك Paul Dirac وعممه آينشتين. إن تعبير بوزون يستلهم إسمه من العالم الفيزيائي الهندي ساتيوندرا ناث بوز Satyendranath Bose الذي نشر سنة 1922 مقالاً بعنوان : قانون بلانك وفرضيات الضوء الكمومي أو الكوانتي Planck’s Law and the Hypothesis of Light Quanta والذي قدم فيه حسابات وإحصاءات كمومية ـ كوانتية حول الفوتونات. تبنى آينشتين هذه الفكرة وعممها على الذرات في سياق ما أصطلح على تسميته مكثف بوز ـ آينشتين condensat de Bose – Einstein والمقصود به حالة المادة المكونة من بوزونات في درجة حرارة منخفضة جداً . حيث يجد جزء من الذرات نفسه في حالة كمومية ـ كوانتية ذات طاقة منخفضة جداً. كما هو حال الهليوم 4 hélium4 الذي يحتوي على بروتونين ونيوترونين 2protons , 2 neutrons اللذين، في درجة حرارة قريبة من الصفر ـ اي ما دون 273.15- درجة يكون على هيئة سائلة قصوى superfluide. وهذه الصفة أو الخاصية مرتبطة بدرجة تكثيف بوز ـ آينشتين condensation de Bose – Einstein حيث يتحول جزء من غاز الهليوم 4 إلى بوزونات Bosons.

فقبل بضعة اشهر أجرى العلماء تجربة مثيرة على النيوترينوات Neutrios واكتشفوا أن بعض الجسيمات انتقلت بسرعة تفوق سرعة الضوء المقدرة بحوالي 299.792.458 متر في الثانية أو 300000 كلم في الثانية، وبالتحديد بستة كيلومترات في الثانية أكثر من السرعة الرسمية للضوء التي أعتبرت ثابتة ولايمكن تخطيها بموجب معادلات آينشتين في النسبية. بعبارة أخرى صار على العلماء لو صحت هذه النتيجة إعادة النظر كلياً ومارجعة حساباتهم رأساً على عقب في كلتا النظريتين الرئيسيتين في الفيزياء المعاصرة أي النسبية العامة والخاصة لآينشتين وميكانيكا لكونتا أو الكم . ولقد ضجت وسائل الإعلام غير المتخصصة بهذه النتيجة حتى قبل التحقق من صحتها حيث يتطلب الأمر إعادة التجربة عدة مرات وفي مناطق مختلفة وعلى يد فرق بحث ومختبرات مختلفة، وإذا أعطت كل التجارب نفس النتيجة عندها يتم تبنيها واعتمادها كدليل علمي، والحال أن لم يثبت ذلك خارج مختبر سيرن بل أعترف فريق العلماء الذي أجرى التجربة وأعادها عدة مرات بحدوث خطأ في حساباتهم. ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد ما هو أسرع من الضوء وهو الضوء نفسه فهناك فرضية تقول بتعدد سرعات الضوء على نحو هائل حسب الظروف المكانية والتكنولوجيا المستخدمة. نفس الشيء حصل مع تجارب الكشف عن بوزونات هيغز التي أعتقد العلماء أنهم قريبون جداً في الكشف عنها حيث ثبت لهم ذلك عبر تجارب محاكاة كمبيوترية عديدة أجروها قبل إجراء التجربة الفعلية في مصادم الهادرونات العملاق . أما البوزونات المعيارية القياسية فهي الفوتونات وبوزونات W et Z والغليوناتgluons والغرافيتونات gravitons لو ثبت وجودها مختبرياً وهي جزيئات الثقالة أو الجاذبية، والتي تتفاعل مع المادة في إطار القوى الكونية الجوهرية الأربعة ، ( القوة الثقالية أو الجاذبة، والقوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية الضعيفة، والقوة النووية الشديدة) والسؤال لماذ إضفاء كل هذه الأهمية والاهتمام ببوزونات هيغ مقارنة بغيرها من البوزونات؟ ولماذا انتظار كل هذا الوقت للتحقق من وجود أو عدم وجود هذه البوزونات المقترنة بإسم مقترحها بيتر هيغز ؟ الجواب وببساطة لم يكن العلماء يمتلكون مصادم ومسرع عملاق للجسيمات كالذي يملكونه اليوم في سيرن وهو LHC أي Large Hadron Collider الذي كلف تشييده 4 مليار يورو وهي كلفة عالية من أجل الغاية الأساسية ألا وهي إكتشاف وجود أو عدم وجود بوزونات هيغز إذ أن هذه الأخيرة أصبحت ضرورة ملحة، ومسألة حياة أو موت الحياة العلمية للعلماء المرتبطين بها ـ مجازياً بالطبع ـ ممن صاغ في الخمسين سنة المنصرمة الموديل أو النموذج القياس أو المعماري للكون modèle standard de l’univers فهذا النموذج يعلمنا بوجود جسيمات مادية أولية تاسيسية مثل الكواركات والليبتونات quarks et leptons وكذلك هناك جسيمات القوة مثل بوزونات القياس المعيارية bosons de jauge. إن احتكاكاتها وتفاعلاتها داخل الكون المرئي الحالي، تقود إلى القوى الجوهرية الأربعة سالفة الذكر التي تسيير وتدير وتتحكم بالطبيعة، أي الثقالة أو الجاذبية التي اكتشفها نيوتن وطورها آينشتين والقوة الكهرومغناطيسية التي تربط الالكترونات بنوى الذرات والقوة النووية الشديدة المسؤولة عن التحام وتماسك نوى الذرات ، والقوة النووية الضعيفة المسؤولة عن الاندماج النووي. وكما نعلم فإن الفيزيائيين حاولوا ويحاولون باستمرار، ويحلمون بأن ينجحوا في توحيد قواني الطبيعة وإن كل واحدة من هذه القوى تنتشر بواسطة جسيمات خاصة بها هي التي نسميها البوزونات وهي في الحقيقة ليست سوى الواجهات الملموسة والظاهرة لقوة تفاعلية واحدة ووحيدة جوهرية غير معروفة وغير مكتشفة لحد الآن ومن هنا تأتي أهمية بوزونات هيغز إذا تم إثبات وجودها.
لقد بدأ العلماء بمهمة التوحيد نظرياً وعلى الورق لأول وهلة في سنوات الستينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية وتركزت الجهود في البدء على قوتين جوهريتين هما الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة . جرت الأمور بسلاسة فيما يتعلق بالفوتونات إلا أن بوزونات دبليو و زد W et Z كانت ذات كتلة كبيرة وقد أولدت هذه الزيادة في الكتلة تشوشات وتنافرات رياضية incohérences mathématiques وكان لا بد من إيجاد حلول عند ذلك بدا للفيزيائيين ، ومنهم بيتر هيغز ، أن هناك حل يتكثل بمقتره هيغز نفسه لموازنة الحسابات والمعادلات الرياضية المتفككة وذلك باقتراحه نوع جديد من الجسيمات والتي تتفاعل باستمرار مع البوزونات المعيارية W et Z بطريقة خاصة بحيث تختفي الخصائص السالبة لهذه الأخيرة مثلما تختفي التشوشات واللاتساوقات في النظرية. فبوزونات هيغز لاتكتفي بشرح وتوضيح وجود الكتل في البوزونات المعيارية bosons de jauge فحسب، بل وكذلك في الكواركات والليبتونات . فبمجرد إضافة جسيم جديد وخاص ومتميز للموديل أو النموذج المعياري يتمكن العلماء من حل جميع مشاكل الكتلة. لذلك سعى العلماء بكل ما لديهم من تاثير وقوة إقناع من أجل بناء وإنجاز هذا المسرع والمصادم العملاق الذي يتيح لهم التحقق عملياً ومختبرياً صحة فرضيتهم النظرية. فلو ثبت وجود البوزونات فسيكون هذا مصدر سعادة وارتياح لكل علماء الجسيمات وعلماء الكونيات بل وجميع الفيزيائيين في العالمحيث سيساعدهم ذلك على التخلص من كافة مشاكلهم النظرية في سيناريو مثالي يلتقي فيه الكترونين بسرعة هائلة فيتبادلان بينهما بوزونات معيارية bosons de jauge من نوع W et Z للتفاعلات الضعيفة، والفوتونات بالنسبة للقوة الكهرومغناطيسية، مع بوزونات هيغز التي تمنح باقي الجسيمات كتلها. وفي حالة العكس، اي في حالة إثبات عدم وجود هذه البوزونات الإعجازية، فإن نفس تلك الإلكترونات التي تلتقي بسرعات عالية جداً ستضطر لمجابهة هذا الظرف الجديد وتتبادل، ليس فقط الفوتونات والبوزونات الكلاسيكية فحسب، بل وكذلك سلسلة جديدة من البوزونات التي يمكن توصيفها بـ W’ و W’’ و X’ و X’’ حيث تتزايد كتلها . عندها ستبدأ حتماً ورغماً عن العلماء ، فيزياء جديدة .ولكن هناك آمال كبيرة بحدوث السيناريو الأول وإثبات وجود بوزونات هيغز لأن التجارب الحالية تسمح بشرح وتفسير تفتت التفاعل الموحد الكهرو ضعيف électrofaible وانشطاره إلى تفاعلين ـ في حالة صحة وصلاحية ميكانيزم هيغز mécanisme de Higgs ، حيث أن بوزونات هيغز تعطي كتلة ليست صفراً لبعض البوزونات المعيارية bosons de jauge أي W et Z للتفاعل الضعيف interaction faible مانحة إياها صفات وخصائص تختلف عن خصائص وميزات أو سمات بوزونات الكهرومغناطيسية أي الفوتونات.
حصل علماء الفيزياء في مختبر سيرن الأوروبي، الذي يقع على الحدود الفرنسية السويسرية بالقرب من جنيف، على فرصة أخيرة، بغية العثور على ذلك الجسيم الذي يعرف بجسيم الرب، وذلك في الوقت الذي يتأهب فيه مصادم هادرون الكبير، الذي يعتبر أضخم مُعَجِّل أو مسرع جسيمات في العالم، للعمل على محاصرة الجسيم المراوغ.
سبق لمسؤولي سيرن أن أعلنوا في العام الماضي بشكل مبدئي عن أنهم عثروا على "آثار" لذلك الجسيم، وقالوا إنهم سيقومون في غضون ستة أشهر، إما بالحيلولة دون هروب الجسيم أو إجبار العلماء على العودة إلى نقطة البداية. هذا وقد تمّ إصلاح المصادم خلال فصل الشتاء، وها هو يكمل مهمته عبر سلسلة من عمليات الإطلاق المختبرية قبل أن يشرع في بدء صدامات تحتاج إلى طاقة كبيرة.
هذا ولم تفلح محاولات تحديد ذلك الجسيم على مدار ما يقرب من نصف قرن، منذ أن تنبأ بوجوده في البداية عالم الفيزياء البريطاني بيتر هيغز عام 1964. ونتيجة لعدم فعالية الأدوات المتاحة لدى العلماء في ما يتعلق بمساعي الكشف عن هذا الجسيم، بدأ المهندسون يحضّرون أجهزتهم في مختبر سيرن بغية القيام بمحاولة أخيرة.
لا يعتقد العلماء فحسب أن جسيم الرب موجود، بل يرون أيضاً أن خصائصه تقع بين معايير معينة. وأشارت صحيفة التلغراف البريطانية إلى أنه في حال أظهرت تلك المحاولة الأخيرة أن ذلك الجسيم غير موجود، أو أنه يحظى بخصائص مختلفة تماماً عمّا يقوله أصحاب النظريات، فلا بد وأن يتم إلغاء المعادلات التي أعدّها الباحثون بهذا الخصوص، وهو الاحتمال الذي يثير خوف وترقب العلماء بالقدر نفسه.
وبعد أن خضع المصادم لعملية إصلاح شامل هذا العام، في أعقاب فترة إغلاق الجهاز الذي يقدر بـ 6 مليارات إسترليني لمدة 18 شهراً، فإن الأجواء في سيرن تتسم الآن بحدتها وتألق الآمال .
وذكرت صحيفة التلغراف في هذا الصدد أن المدير العام، رولف – ديتر هوير، طلب من العلماء إما أن يؤكدوا أو يستبعدوا وجود جسيم الرب الذي يعرف بـ "بوزون هيغز" قبل حلول فصل الخريف 2012. وهو التحدي الذي قبله كبير العلماء، سيرخيو بيرتولوتشي، بعدما أخبر الأطقم التي تحلل البيانات التي تردهم من اصطدامات المصادم أنه غير مهتم ببذل مجهود في تجميع بياناتهم (كما يحدث عادةً)، وطلب من كل طاقم أن يتوصل إلى نتيجة حاسمة بشأن قوة قياساتهم وحدها.
ولمنح العلماء فرصة ذات طبيعة قتالية، وافق المهندسون العاملون في المختبر في الشهر الماضي على زيادة قوة المصادم خلال عام 2012 من سبعة تيرا إلكترون فولت إلى ثمانية تيرا إلكترون فولت. ونقلت الصحيفة البريطانية في هذا الصدد عن هوير قوله إن عام 2012 سيكون بطريقة أو بأخرى العام الذي سيتم فيه الكشف عن غموض جسيم الرب، وهذا ما حصل بالفعل.
وأضاف: "نخطط للحصول على حوالى أربعة أضعاف الإحصاءات هذا العام، وهو ما ينبغي أن يسوّي مسألة نموذج هيغز القياسي بحلول نهاية فصل الصيف. وسوف نحصل آنذاك على إجابة لسؤال شكسبير: أن تكون أو لا تكون".
أعقبت الصحيفة بقولها إن التفاؤل قائم بشكل مطمئن، لأنه من الإنصاف القول إن المصادم لم يبتعد عن البداية الأكثر تبشيراً. وبعد سردها لسلسلة العقبات التي واجهت العلماء في تجربتهم منذ إطلاقها، لأسباب مختلفة، أشارت التلغراف إلى أن هناك شعوراً متزايداً الآن بأن البحث ربما يكون على وشك الانتهاء أخيراً – وهو الاعتقاد الذي دعمه آخر تحليل للبيانات من مختبر تيفاترون الأميركي، الذي يعتبر أكبر مسرع جزيئات في العالم بعد مختبر سيرن الأوروبي، الذي عثر على "تغييرات صغيرة" مماثلة بشكل لافت للنظر في النتائج التي توصل إليها في هذا الخصوص.
هذا ويدرك المسؤولون في مختبر سيرن أن التوقّعات الشعبية وكذلك السياسية بخصوص جسيم الرب بدأت تتزايد، بعدما باتت هناك حاجة إلى الكشف عنه عمّا قريب، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف تشغيل المصادم (690 مليون جنيه إسترليني سنوياً)، في الوقت الذي تتعرّض فيه البحوث التي تكون مقصورة على أمر معين لتخفيضات في الميزانيات المقررة لها، لاسيما في ظل الضائقة المالية التي تعانيها أوروبا.
مع هذا، فإن المهندسين يفكّرون أيضاً في التخطيط لمرحلة جديدة في عمر ذلك المصادم حيث يمكن تشغيله بأقصى طاقة، وهو ما يمكن أن يفتح نافذة جديدة لمرحلة ما بعد هيغز، والتي ربما تكون مرتبطة بالفيزياء فائقة الطاقة المرتفعة.
وأعقبت الصحيفة بقولها إن ثمار جهود العلماء المضنية في هذا الجانب قد تتحقق عام 2014، حين يتم تشغيل المصادم مرة أخرى، بعد أن تم إغلاقه لمدة ثمانية عشر شهراً، حين يتمكنون في الأخير من فهم المادة المظلمة، تلك المادة الغامضة التي يعتقد أنها تشكل ربع الكون، مقارنةً بالجزء الواحد في الـ 25 المصنوع من مادة "عادية".
وقال دكتور آلان بار، عالم فيزياء في جامعة أكسفورد، يجري أبحاثاً للكشف عن علامات دالة على وجود المادة المظلمة في الكاشف أطلس: "نعلم الكثير عن الشكل الذي سيبدو عليه جسيم الرب إن كان له وجود. أما المادة المظلمة فهي ترتبط أكثر بقصة غير معروفة. وقدَّم علماء الفلك الكثير من الأدلة على ضرورة وجود تلك المادة، لكن لا يوجد لدينا دليل مباشر على الأرض لما ينبغي أن تكون مصنوعة منه".
ومع التطلع بشكل أكبر نحو الآفاق المستقبلية، يعتقد العلماء أنه ومع نهاية العقد الجاري، سيتمكن مصادم هادرون الكبير من اكتشاف المزيد من الأبعاد، وأن يبدأ كذلك في حل اللغز الأعظم من هذا كله، وهو المتعلق بالتوفيق بين فيزياء الكم ونسبية آينشتاين.
اكتشاف «بوزون هيغز» مساعد تماسك مكونات المادة
أعلن علماء الفيزياء في مختبر «فيرمي لاب» (Fermilab) القومي للمعجلات انهم رصدوا اقوى أدلة حتى الآن على وجود جسيم «بوزون هيغز» (Higgs Boson ) دون الذري في بقايا تصادم جسيمات في معجل الجزيئات المسمى تيفاترون قرب شيكاغو. الا ان الامر يتطلب مزيدا من الأدلة على ما يعرف نظريا باسم «بوزون هيغز» وهو جسيم افتراضي قال عالم الفيزياء الاسكتلندي «بيتر هيغز» قبل ثلاثة عقود من الزمن انه يساعد على التحام المكونات الاولية للمادة ويعطيها تماسكها وكتلتها. ولان نفس المواد الناتجة من تريليونات التصادمات بين شعاعين من البروتونات التي تشير الى وجود جسيمات بوزون هيغز يمكن ان تنتج ايضا من جسيمات دون ذرية أخرى فان العلماء لا يمكنهم الجزم بصورة قاطعة الآن بوجود هذه الجسيمات.

ومن المقرر ان يعلن علماء الفيزياء في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية «سيرن» (CERN) حيث المختبر الاوروبي لفيزياء الجسيمات المترامي الاطراف في منطقة الحدود السويسرية الفرنسية المشتركة قرب جنيف وعلى عمق مئة متر تحت الارض وتشارك فيه 21 دولة، أحدث اكتشافاتهم بخصوص بوزون هيغز، وسوف يحضر المؤتمر أباء التجربة «بيتر هيغز» (Peter Higgs) و«فرانسوا إنغلرت» (François Englert).

ويضم سيرن أقوى مسرِّع للجسيمات في العالم هو مصادم الهدرونات الكبير. ومصادم الهدرونات الكبير هو مجمع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والاجهزة الالكترونية المعقدة والحاسبات وتكلف انشاؤه عشرة مليارات دولار ويصل عمره الافتراضي الى 20 عاما.وتعتمد اضخم تجربة علمية في العالم على احداث تصادم بين حزمتي جسيمات من البروتونات تسيران في اتجاهين متقابلين في مسار بيضاوي داخل نفق طول محيطه 27 كيلومترا في مصادم الهدرونات الكبير وبكم طاقة يصل الى 3.5 تريليون الكترون فولت في الاتجاه الواحد لمحاكاة الظروف التي اعقبت الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون منذ 13.7 مليار عام. وقال روب روزر خبير الفيزياء في معمل فيرمي “انه افضل رد يصلنا حتى هذه اللحظة. تشير معلومات تيفاترون بقوة نحو وجود جسيم بوزون هيغز الا انه يتعين نقل النتائج المستقاة من التجارب في مصادم الهدرونات الكبير في اوروبا للتحقق من التوصل الى اكتشاف سليم. وعبر علماء فيزياء ليسوا على اتصال بمعمل فيرمي عن تفاؤلهم المشوب بالحذر بشأن العثور اخيرا على الجسيم الغامض بوزون هيغز. وقال دان توفي استاذ فيزياء الجسيمات بجامعة شيفيلد “يبدو ان هذه التلميحات غير المؤكدة من تيفاترون تعضد نتائج مصادم الهدرونات الكبير التي اعلنتها سيرن في ديسمبر. واضاف “انها نتائج في غاية الاهمية لانها تستعين باساليب مختلفة تماما بحثا عن بوزون هيغز.” وكان علماء الفيزياء في معمل فيرمي القومي للمعجلات قد أعلنوا أنهم رصدوا أقوى أدلة حتى الآن على وجود جسيم بوزون هيغز دون الذري في بقايا تصادم جسيمات في معجل الجزيئات المسمى تيفاترون قرب شيكاغو، إلا أن الأمر يتطلب مزيدا من الأدلة. ولان نفس المواد الناتجة من التصادمات بين شعاعين من البروتونات التي تشير إلى وجود جسيمات بوزون هيغز يمكن أن تنتج أيضا من جسيمات دون ذرية أخرى فان العلماء لا يمكنهم الجزم بصورة قاطعة الآن بوجود هذه الجسيمات.

وفي يوم الأربعاء 4/7/2012 أعلن علماء الفيزياء في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) والمختبر الأوروبي لفيزياء الجسيمات أحدث اكتشافاتهم بخصوص بوزون هيغز.

وقال روب روزر خبير الفيزياء في معمل فيرمي "انه أفضل رد يصلنا حتى هذه اللحظة، وتشير معلومات تيفاترون بقوة نحو وجود جسيم بوزون هيغز إلا انه يتعين نقل النتائج المستقاة من التجارب في مصادم الهدرونات الكبير في أوروبا للتحقق من التوصل إلى اكتشاف سليم" ، وعبر علماء فيزياء ليسوا على اتصال بمعمل فيرمي عن تفاؤلهم المشوب بالحذر بشأن العثور أخيرا على الجسيم الغامض بوزون هيغز، وقال "دان توفي" أستاذ فيزياء الجسيمات بجامعة شيفيلد "يبدو أن هذه التلميحات غير المؤكدة من تيفاترون تعضد نتائج مصادم الهدرونات الكبير التي أعلنتها سيرن في كانون الأول ".
وأضاف "أنها نتائج في غاية الأهمية لأنها تستعين بأساليب مختلفة تماما للبحث عن بوزون هيغز".
.The Tevatron results indicate that the Higgs particle, if it exists, has a mass between 115 and 135 GeV/c2, or about 130 times the mass of the proton
وقد صفّق العلماء والمهندسون الذين تواجدوا في المختبر، والذين شعر كثيرون منهم بالإرهاق نتيجة العمل على مدار الساعة خلال الأسابيع الأخيرة، حين قدّم جو انكانديلا وفابيولا غيانوتي، رئيسا فريقي CMS و ATLAS البحثيين، النتائج التي خلصا إليها للمرة الأولى. وقد شاهد الفريقان الجسيم، الذي يحظى بكتلة تتراوح بين 125 و 126 جيجا إلكترون فولت، أي نفس مقدار كتلة البروتون 130 مرة.
وقال سيرجيو بيرتولوتشي، مدير قسم البحوث في مختبر سيرن :" من الصعب عدم التحمس لتلك النتائج". فيما قال رولف ديتر هوير، مدير عام المختبر: "لقد توصلنا إلى نقطة تحول في طريقة فهمنا للطبيعة.
وكشخص عادي، سأقول الآن إني أعتقد أننا عثرنا عليه ( جسيم هيغز )". وتابعت الغارديان، من جهتها، بالقول إن اكتشاف جسيم هيغز يصنف باعتباره واحداً من أبرز وأهم الاكتشافات العلمية خلال الـ 100 عام الماضية. وفي الوقت الذي بذل فيه العلماء جهداً لفهم الجسيم المثير، جاء هذا الاكتشاف الجديد ليضع اللجنة المنوطة بمنح جائزة نوبل أمام معضلة، حيث بات يتعين عليها الآن أن تقرر الشخص الذي يستحق الثناء على هذا الجهد. كما أن قوة الإشارات التي لوحظت بشكل مستقل من جانب فريقي CMS و ATLAS مقنعة للغاية، ومدعومة ببيانات من هاتين التجربتين اللتين يعرفان اختصاراً بـ CDF و DO. وسيتحول التأكيد الآن إلى التحقق من خواص الجسيم الذي تم اكتشافه".



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوزون هيغز أو جسيم الرب هل سيكون إثباتاً للنظرية المعيارية أ ...
- غرائب الكون المرئي
- الكون المرئي ليس عبثياً لكي يكتفي بالإنسان وحده
- كون واحد أم عدة أكوان؟
- الكون المرئي ماذا بعد الانفجار العظيم؟
- الأفق الفلسفي والأفق العلمي في علم الكون والفيزياء الفلكية
- الكون المرئي بين رؤيتين : تقليدية وتجديدية
- إيران وسورية في مرمى الإصابة الأمريكي مرة أخرى
- من أجل فهم أفضل لألغاز الكون
- في كواليس الهجمة الأمريكية على العراق بعد عقد من الزمن
- العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي: وحدة أم تقسيم ؟ 1
- عرض كتاب: السنة والشيعة لماذا يتقاتلون؟
- الكون المرئي وألغازه العصية 1 و2
- هل هناك نظرية جامعة وموحدة للكون المرئي ؟
- الكون والأسئلة الجوهرية 3
- الكون والأسئلة الجوهرية ( 2-2 )
- الكون والأسئلة الجوهرية ( 1-2 )
- الفيزياء الحديثة بين الممكن والمستحيل
- الكون المرئي : متى يتجاوز الإنسان عقبة الأصل؟
- صراع العلم والدين ومعركة الأصل والمصير


المزيد.....




- قيامة عثمان على تلفزيونك.. استقبل تردد قناة الفجر على القمر ...
- سامسونغ تكشف عن هاتفها الجديد وتقنياته الممتازة
- واتساب أعمال بميزة جديدة!.. تنزيل وتساب أعمال whatsapp busin ...
- اكتشاف مذهل: السرطان قد ينشأ دون حدوث طفرات جينية
- ماذا كشفت صور الأقمار الاصطناعية عن المقابر الجماعية في مستش ...
- غزة: ماذا نعرف عن المقابر الجماعية عند مجمع ناصر الطبي؟
- حتى يقبل جسمها كلية خنزير.. شاهد ما فعله جراحون لمريضة كلى
- تشكل بحيرات في مناطق دبي تظهرها صور الأقمار الصناعية (صور)
- استطلاع: الأهل يعانون من الإرهاق الشديد والعزلة والوحدة.. ما ...
- الصين تتهم الولايات المتحدة بتشديد العقوبات وفرض حصار تكنولو ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - رحلة لاكتشاف الوجه الخفي في أعماق الكون المرئي