أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - هل هناك نظرية جامعة وموحدة للكون المرئي ؟















المزيد.....



هل هناك نظرية جامعة وموحدة للكون المرئي ؟


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 3498 - 2011 / 9 / 26 - 14:10
المحور: الطب , والعلوم
    


منذ فجر الإنسانية والكائن البشري يفكر ويتأمل ويتساءل ويبحث عن سر كل شيء يحيط به، من فوقه ومن تحته وعلى جوانبه وفي دواخله ،ويراقب ويشاهد ويرصد ويحسب ويقيس وسيستمر في محاولاته إلى آخر يوم من عمر الإنسانية فهل يمكن لنا نحن الجنس البشري أن نكتشف يوماً ما سر الكون؟ الجواب أن هذا الأمر ليس مستحيلاَ لكنه يتطلب علوم متقدمة وتكنولوجيا متطورة جداَ ومزيداَ من الوقت يحسب بملايين السنين. قبل ربع قرن أتحفنا العالم البريطاني الفذ ستيفن هاوكينغ Stephen Hawking بكتابه الرائع مختصر لتاريخ الزمن Brève Histoire du Temps تطرق فيه للأسئلة الجوهرية المتعلقة بأصل الكون ومصيره وأصل ومصير الحياة فيه، وحمل كتابه ما قبل الأخير هذا العنوان وهو كتاب : النظرية الكلية الجامعة، أصل ومصير الكون، الذي صدر سنة 2008 La théorie du Tout Origine et Destin de l’Univers . وتوج رؤيته العلمية للكون بكتابه المذهل الأخير الذي صدر سنة 2011 وأحدث ضجة كبرى لدى الرأي العام العالمي وكان تحت عنوان التصميم العظيم أو هل هناك مهندس كبير للكون y-a-t’il un grand architecte dans l’univers مستنداَ إلى آخر نتائج المشاهدة والمراقبة والرصد العلمية للكون المرئي وإلى أحدث التجارب المختبرية وإلى آخر النظريات العلمية وتناول آخر ما قدمته الفيزياء النظرية physique théorique وعلم الكون cosmologie وفيزياء الجسيمات الأولية physique des particules elementariness ليشاطرنا ما تثيره هذه الاكتشافات العلمية المتعلقة بالكون من مشاعر وتساؤلات وانفعالات وما يترتب عليها من تجديد في فهمنا للواقع الناجم عنها وهو فحوى نظريته الكوزمولوجية التي أسماها بالنظرية م M-Théorie وخلص فيها إلى أن الكون أوجدته قوانين علمية جوهرية ولم يكن بحاجة إلى خالق يقدح زناد الانفجار الأعظم. والحال هذه أن معظم الأبحاث تركزت حول نقطة البداية وما بعدها أو ما يعرف بالفرادة الكونية singularité cosmiqueالمرتبطة بالانفجار العظيم Big Bang ونادراً ما يتجرأ أحد من العلماء في تناول موضوع ما قبل البيغ بانغ أو الانفجار العظيم عدا قلة قليلة من بينهم الأخوين بوغدانوف les frères Bogdanove و مارتن بوجوفالد Martin Bojowald ، وباحث شاب وجريء يدعى وليد مهدي قدم رؤيته لفيزياء جديدة لما قبل الوجود المادي.
هناك من نظر بوجود معلومة رياضية افتراضية information mathématique virtuelle تختزن كل ما يوجد في الكون المرئي من محتوى قبل ظهوره الفعلي الواقعي أو المادي وهي نظرية الأخوين بوغدانوف التي طرحاها في أطروحيتهما لنيل الدكتوراه في الفيزياء النظرية والرياضيات الفيزيائية . بينما ركزت مقاربة بوجوفالد على وجود عالم قبل الانفجار الأعظم انهار على نفسه في أعقاب عملية انكماش عظيم وتكثف في نقطة مكانية لامتناهية في الصغر مع كثافة لا متناهية ودرجة حرارة عالية جداَ قبل أن يحقق قفزة جديدة نحو عملية انفجار عظيم جديدة وتوسع وتمدد هائل تخلله عملية تضخم مفاجيء وهي متوالية متكررة وبلا توقف . لو تسلقنا الزمن والمكان أو الزمكان معاً espace-temps ووصلنا إلى ما قبل نقطة الصفر point 0 وهي اللحظة التي كان فيها حجم الكون لا متناهيا في الصغر في حين أن كثافته وطاقته كانتا لا متناهيتين في الكبر، وذلك قبل حوالي 14 مليار سنة ، لوجدنا أن الوجود المادي له سابقة مكررة إلى ما لا نهاية كالبالون الذي يسقط على الأرض ويقفز في الهواء ثم يسقط ثم يقفز مرة أخرى وهكذا دواليك حسب فرضية بوجوفالد أي أن الانفجار العظيم لم يكن سوى قفزة عظيمة big-bounce وباللغة الفرنسية grand rebond وهي مرحلة تعقب الانهيار العظيم grand effondrement أو الانكماش العظيم Big Crunch، ومن ثم يحصل التمدد أو التوسع في الكون univers en expansion . يمكننا أن نتساءل حول ما إذا كانت هذه العملية تولد في كل مرة كوناً مرئياً مماثلاً ومتشابهاً أو مطابقاً لما سبقه وما يعقبه identique في حركة أزلية بين الصفر واللانهاية وبالعكس. بعبارة أخرى يمكن أن يكون لكوننا المرئي كون توأم ، قد يكون مشابهاً له أو مختلفاً عنه، وسابق له، بيد أنه انهار على نفسه وانكمش ثم انفجر مرة أخرى منطلقاً من نقطة لا متناهية في الصغر ضمت أو احتوت جميع المعلومات المتعلقة بالكون السابق الذي انكمش ولكن بصيغة المعلومة الرياضية الافتراضية . من هنا اعتقد علماء الفيزياء أن بإمكانهم شرح وتفسير كل شيء عن الكون بفضل نظرية الأوتار، النظرية الشاملة والجامعة نظرية الكل théorie du tout وكشف أسرار المادة والزمن والمكان وما يتعلق بهما من قوانين . .وما يزال التحدي قائماً طالما ظلت دعامتا الفيزياء الحديثة، أي نظرية النسبية العامة لآينشتين relativité générale وميكانيك الكم ـ الميكانيك الكوانتي mécanique quantique في تناقض دائم وعلى خلاف في ما يتعلق بطبيعة العالم ، فالأولى تصف زمكان espace-temps متواصل ومستمر ومنحني وفق وجود المادة فيه ، بينما تطعن الثانية بمفاهيم كلاسيكية سائدة في الفيزياء العصرية مثل التموقع أو التموضع localisation ومهما كانت النظرية القادمة أكثر جوهرية وتمامية فإنها بلا شك ستغير بصورة راديكالية طبيعة إدراكنا وفهمنا لكوننا المرئي. وإنها ستتيح حتماً للعلماء أن يتعاملوا بشكل أعمق مع ألغاز الطبيعة . وإذا لم يفلح العلماء بتحقيق توحيد القوى الكونية الجوهرية الأربعة ـ أي الجاذبية أو الثقالة، والكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة والقوة النووية الشديدة ـ فلا بد والحالة هذه أنه سيتعين عليهم إعادة النظر ومراجعة النظريات القائمة والبحث عن بديل حتى لو اضطروا للبدء من الصفر. إن معضلة الفيزياء الحديثة هو عدم التوافق القائم بين النسبية والكوانتية وحقليهما المتباعدين والمرتبطين عضوياً ببعضهماً في آن واحدـ اي اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر infiniment petit et infiniment grand ـ لأن الكون المرئي نفسه بدأ من مستوى اللامتناهي في الصغر ووصل إلى مستوى اللامتناهي في الكبر. فالنسبية العامة relativité générale تتعامل مع المادة باعتبارها مكونة من أشياء أو أجسام كلاسيكية objets classiques مرصودة ومحددة مواقعهاlocalisés بينما تكون المادة في الفيزياء الكوانتية physique quantique ممثلة بتوابع موجة des fonctions d’onde ومجالات أو حقول كوانتية champs quantiques ، وهي ليست جسيمات بالمعنى الكلاسيكي المألوف القابلة للتحديد المكاني corpuscules localisés . وكذلك من المعروف أن النسبية العامة لا تتلائم مع مكان وزمان مطلقين في حين يوجد في الفيزياء الكوانتية افتراض أن الزمن محدد défini. نجح العلماء على نحو تقريبي نظرياً في توحيد ثلاث قوى هي الكهرومغناطيسية والنووية الضعيفة والنووية الشديدة في إطار مسمي بنظرية الحقول أو المجالات théorie des champs، وكما يقول الدكتور يحيى حمود المتخصص في الفيزياء النظرية، كانت البداية في نجاح توحيد القوتين الكهرطيسية والنووية الضعيفة في قوة تسمى القوة الالكتروضعيفة electrifiable، إلا أن الجاذبية أو الثقالة هي التي بقيت عصية على التوحيد ولم يتم تعضيد نظرية الحقول بالبعد الرياضي اللازم لها أي لم تسند رياضياَ mathématiquement لذلك لم تعتبر نظرية جوهرية أساسية fondamentale. من هنا فإن النموذج القياسي للكون المرئي modèle standard يحتاج لترسيخه وتكريسه إلى إثبات وجود بوزونات هيغز bosons de Higgs وهو الأمر الذي يحتاج لبعض الوقت ولمزيد من التجارب في مصادم ومسرع الجسيمات العملاق سيرن collisionneur de hardons du CERN . تم التحقق من صحة وصف الجاذبية أو الثقالة بمساعدة النسبية العامة بدقة كبيرة ولكن إذا بحثنا عن نظرية توحيدية كبيرة تضم الثقالة أو الجاذبية الآينشتينية la gravitation einsteinienne فسيتعين علينا أن نعيد النظر بكل شيء بما في ذلك نظرية النسبية العامة لأنه لم يتم بعد التحقق من صلاحيتها في كافة المجالات خاصة في المسافات اللامتناهية في الصغر حيث عجز العلماء في تقدير نسبة التفاعلات الثقالية interactions gravitationnelle التي تحدث بين أجسام ذات كتل توجد بينها مسافات صغيرة جداً لا تتجاوز بضعة ميكرومترات micromètres . وكذلك على مستوى المجرات والنجوم حيث تبدو الغازات الكونية السديمية والمجرات والنجوم ذاتها تدور بسرعة أكبر من التوقعات الدينامكية التي تضمنتها نظرية النسبية لذلك لجأ العلماء إلى فرضية لم تثبت بعد تتلخص بوجود ما يعرف بالمادة السوداء matière noire غير المرئية والمجهولة الماهية وهي طريقة لحفظ ماء الوجه بغية الإبقاء على صلاحية نظرية النسبية العامة لآينشتين لانعدام البديل المقبول عنها لحد الآن، فإما القبول بفرضية المادة السوداء والطاقة المعتمة أو الداكنة بغية الحفاظ على النسبية العامة ، وإما تغيير وتعديل هذه الأخيرة أو حتى التخلي عنها والتحول إلى نظرية جديدة تقدم توقعات وتنبؤات وتكهنات مختلفة prédictions différentes وهو المقصود في أوساط العلماء اليوم بتعبير أو صيغة الثقالة أو الجاذبية المعدلة gravité modifiée . يقف العلماء حائرون أمام مجموعة من التساؤلات الجوهرية وعلى رأسها لماذا اتخذ كوننا المرئي وضعه الحالي ـ حجمه وشكله وقطره ومساحته وعمره وهندسيته ـ وهل هناك سبب جوهري مقصود يقف وراء هذا الوضع للكون المرئي أم هو مجرد نتيجة لصدفة؟ يجيب بعض العلماء بأن كوننا المرئي ليس حالة فريدة بل هو جزء من عدد لا متناهي من العوالم أو الأكوان وكل واحد منها تقوده وتسيره قوانين جوهرية خاصة به تمنحه ملامح وخاصية وماهية تختلف أو تشابه العوالم أو الأكوان الأخرى، والبعض الآخر شكك أن بإمكان البشر أن يحددوا يوماً ما وبدقة لا متناهية أن هناك مجموعة من القوانين تكون فعلاً جوهرية وتأسيسية ، ويواصلون البحث عن دلائل إضافية تجريبية بشأن الأنموذج القياسي أو المعياري modèle standard لفيزياء الجسيمات بإمكانه توحيد مواصفات وشروحات وتفسيرات على الأقل ثلاثة من القوانين الجوهرية الأربعة المسيرة للكون المرئي ويأملون أن يتوصلوا مع ذلك إلى نظرية كلية شاملة تتضمن أيضاً قانون الجاذبية أو الثقالة .
هناك افتراض في الفيزياء الكوانتية physique quantique يقول أن جميع القوى والتفاعلات بين الجسيمات الأولية للمادة، تتم عبر جسيمات افتراضية موجهة مثال ذلك الفوتونات، والمقصود بها جسيمات موجهة للقوة، وفي الواقع أن كل جسيم مادي، كالالكترون électron أو الكوارك quark يبث أو يعطي émet جسيمات افتراضية موجهة مثل الفوتون في حلة الالكترون وإن التراجع إلى الخلف أو الارتداد recul الذي يحدث هذا الدفع الباعث للجسيمات، يعدل من سرعة جسيم المادة مثلما هو الحال في قذيفة المدفع التي تحدث حالة ارتدادا للخلف للمدفع عند إطلاق القذيفة . ومن ثم يصطدم الجسيم المقذوف والموجه بجسيم مادي particule de matière يمتصه مما يعدل من حركة هذا الجسيم. وإن عملية الانبعاث émission والامتصاص absorption التي تعقبها، تعطي نتيجة متطابقة مع تجربة القوة المباشرة الناجمة عن تصادم جسمين ماديين.
فلكل قوة كونية عائلتها الخاصة من الجسيمات. فلو كان لهذه الأخيرة ـ اي عائلة الجسيمات ـ كتلة مرتفعة أو عالية فسيكون من الصعب انتاجها واستبدالها خاصة في المسافات الكبيرة. فالقوى الحاملة لها لن يكون لها سوى مدى ضعيف portée faible وبالعكس إذا لم يكن لديها كتلة خاصة بها فسيكون لقواها مدى أكبر grande portée ويجدر بنا التذكير بأن الجسيمات الموجهة particules vecteurs للقوة المتبادلة لجسمين ماديين يقال لها إفتراضية virtuelles إذ أنها ، وعلى النقيض من الجسيمات الواقعية، لا يمكن رصدها بأجهزة الرصد décelée par un détecteurs لأنها لا تتجول إلا بين جسيمين ماديين ، ومع ذلك تيقن العلماء من وجود هذه الجسيمات الافتراضية لأنها تعطي نتائج وتأثيرات قابلة للقياس mesurable وبدونها لن يكون هناك وجود للقوى الكونية بين جسيمات المادة.
افترض العلماء أن قوة الجاذبية أو الثقالة force gravitationnelle هي قوة كونية force universelle تؤثر على كل جسيم في الكون حسب كتلته وطاقته، وهي ناتجة عن التبادلات والتفاعلات الحاصلة بين جسيمات افتراضية particules virtuelles تسمى الغرافيتونات gravitons ـ وهي الجسيمات التي يفترض بها أن تحمل وتنقل الثقالة أو الجاذبية. وهذه القوة الكونية هي أضعف القوى الجوهرية الأربعة بما لا يقارن، ولها خاصيتان مهمتان ، فهي ذات مدى مكاني هائل نظراً للمسافات المذهلة الموجودة بين محتويات الكون المرئي من مادة وطاقة سواء كانت ظاهرة أو خفية، منظورة أو سوداء وداكنة ،وهي نشطة دائماً ، أي جاذبة باستمرار حيث دائماً ما تضاف جاذبية جسمين ، مهما صغرا أو كبرا، كالأرض والشمس، لإنتاج قوة أكبر . أما بقية القوى الجوهرية الثلاثة الباقية فهي، إما أن يكون مدى تأثيرها ضعيفاً ومحدوداً، أو يكون نشاطها، إما جاذباً أحياناًattractives نابذا أحياناً أخرى répulsives ومتوسط تأثيرها يكون شبه معدوم في أغلب الأحوال. فالقوة الكهرومغناطيسية force électromagnétique تعمل agit وتؤثر على الجسيمات المشحونة كهربائياً كالالكترونات والكواركات وليس لها أي تأثير على الجسيمات التي تفتقد للشحنات الكهربائية أو عديمة الشحنة الكهربائية كالنوترينوات neutrinos ، وهي أقوى بكثير من القوة الثقالية أي الجاذبية. فالقوة الكهرومغناطيسية بين الكترونين هي أكبر بـــ 10 أس 42 أي 1042 من القوة الثقالية أو الجاذبية بينهما. ولا ننسى وجود نوعين من الشحنات الكهربائية وهي السالبة والموجبة . فالقوة الناجمة عن شحنتين متشابهتين موجبتين أو سالبتين تكون نابذة répulsive في حين أن القوة الناجمة عن شحنتين متعاكستين سالبة وموجبة تكون جاذبة attractive . فجسم ثقيل كالشمس أو الأرض يحتوي على عدد متساو تقريباً من الشحنات السالبة والموجبة بحيث أن مجموع القوى الجاذبة والطاردة الممارسة s’exerçant بين الجسيمات تصبح معدومة تقريباً احصائيا أو تتفانى s’annule . ولكن على صعيد الذرات أو الخلايا والجزيئات الذرية molécules تكون القوة الكهرومغناطيسية هي السائدة والمهيمنة dominante. وكما هو معروف فإن قوة الجذب الكهرومغناطيسية داخل النواة بين الالكترونات ذات الشحنات السالبة والبروتونات ذات الشحنات الموجبة هي التي تجعل الالكترونات تدور في فلك أو مدار orbite حول النواة كما هو الحال في الجذب الثقالي attraction gravitationnelle الذي يجعل الأرض تدور حول الشمس، ولكنها تختلف عنه بأن الالكترونات تتوزع فيها ضمن سويات طاقية niveaux d’énergie محددة ومكممة وفق نموذج بور الذي أقر في كوبنهاغن وأعطي تفسيره الموجي المعمل به في ميكانيك الكم حتى الآن. ويعزى الجذب الكهرومغناطيسي للتبادل القائم بين عدد كبير من الجسيمات الافتراضية المسماة فوتونات photons virtuelles ولكن عندما ينتقل الإلكترون من مدار إلى آخر أقرب للنواة فإنه ينتج طاقة تبعث أو تولد فوتون جديد photon يمكن رؤيته بالعين المجردة أحياناً إذا كان طول موجته مناسباً لطيف الرؤية أو يمكن رصده وكشفه بأجهزة على غرار عمل الفيلم الخام في التصوير الفوتوغرافي. وفي نفس الوقت عند اصطدام فوتون مع إلكترون فإنه سيعمل على نقله من مدار إلى آخر أبعد عن النواة عندها سيتم امتصاص كل طاقة الفوتون. أما القوة النووية الضعيفة force nucléaire faible فهي المسؤولة عن بعض الموجات الشعاعية radioactifs والتي بفعلها يتحول النيوترونneutron إلى بروتون proton داخل النواة الذرية. وأخيراً القوة النووية الشديدة force nucléaire forte وهي أقوى القوى الجوهرية الأربعة والتي تقف وراء تماسك أغلب العناصر في عالمنا والتي تربط الكواركات داخل البروتونات والنيوترونات وتحافظ على بقاء البروتونات والنيوترونات داخل النواة في الذرة ، وبدون هذه القوة فإن الطرد أو الدفع الكهربائي بين البروتونات ذات الشحنة الموجبة سيقوم بتفجير كل النوى الذرية noyaux atomique الموجودة في الكون عدا الهيدروجين الذي تتكون نواته من بروتون واحد، والذي يحمل هذه القوة هو جسيم افتراضي يسمى غليون gluion الذي يتفاعل مع نفسه ومع الكوارك. لقد استطاع العلماء نظرياً أو من الناحية النظرية أن يوحدوا بين ثلاث قوى جوهرية مسيرة للكون هي : الكهرومغناطيسية والنووية الضعيفة والنووية الشديدة في نظرية عرفت بإسم نظرية غوت GUT’s أي نظرية التوحيد المهيبة (وهي إحدى نظريات التوحيد المجالية الحديثة، كنظرية الأوتار الفائقة، ونظرية ـ م M-Théorie )، إلا أنها هي الأخرى عجزت عن استيعاب قوة الثقالة أو الجاذبية وهي القوة الجوهرية الكونية الرابعة والسبب هو أن نظرية النسبية العامة، التي تختص بمجال الثقالة أو الجاذبية، ليست نظرية كمومية ـ كوانتية، و لا تأخذ بالاعتبار مبدأ اللاحتمية principe d’indétermination .
يحتاج تحقيق هذا الهدف إلى دمج مبدأ اللاحتمية بنظرية النسبية العامة وهو أمر في غاية الصعوبة إلا أنه ليس مستحيلاً ، لذلك لم ينجح أحد بعد في إيجاد النظرية الكوانتية للثقالة أو الجاذبية théorie quantique de la gravitation وتأتي الصعوبة من حقيقة أنه وفقاً لمبدأ اللاحتمية فإنه حتى في حالة وجود فراغ أو مكان فارغ espace vide فإنه في الحقيقة مليء بأزواج افتراضية من الجسيمات والجسيمات المضادة particules virtuelles et antiparticules virtuelles إذ لو كان الفراغ فارغا فعلياً وبصورة كلية عند ذلك سيكون لجميع الحقول والمجالات كالحقل أو المجال المغناطيسي والمجال الثقالي قيمة معدومة une valeur nulle والحال أن قيمة مجال ما و تغيراته variations مع الزمن تقرن بالتموضوع والسرعة ـ أي بتغير الموضع أو السرعة ـ لجسم في حين أن مبدأ اللاحتمية يجعل من المستحيل معرفة القيمتين ـ أي السرعة والموضع ـ في نفس الوقت أو في آن واحد. وإذا خرقنا أو انتهكنا هذا المبدأ فإن قيمة المجال ستتضمن بالضرورة قيمة دنيا وفقا لمبدأ اللاحتمية أو اللاتعيين principe d’indétermination و الترجحات الكمومية fluctuations quantique ولو طبقنا مبدأ اللاحتمية على الالكترونات فإن ذلك سينطوي على تشكل أزواج افتراضية من الجسيمات والجسيمات المضادة حتى داخل الفضاء الفارغ قبل أن تفني بعضها البعض s’annihiler mutuellement إذن المشكلة تكمن في أن هذه الجسيمات الافتراضية تمتلك طاقة ، ونظراً لعددها اللامحدود واللامتناهي فإنها تطرح كمية من لطاقة تكون هي بدورها لا متناهية حسب معادلة آينشتين التي تقول أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء E= MC2 أي أنها ستكون مرتبطة بكتلة لا محدودةmasse infini . والحال هذه، وحسب النسبية العامة فإن جاذبيتها تحني أو تحدب الكون إلى أن يصبح لا متناهياً في الصغر infiniment petit وهذا يخالف نتائج المشاهد والرصد والمراقبة مما يستدعي إدخال لا متناهيات جديدة neveux infini والتي تعمل على إلغاء اللامتناهيات التي تطرحها المعادلات الرياضية للنظرية.
وفي سياق المحاولات الحثيثة بين العلماء للتوصل إلى النظرية الجامعة والموحدة أو الشاملة في الفيزياء الكونية، ظهرت نظرية أنيقة لكنها معقدة و لم تستهوي أفئدة العلماء أو تستحوذ على اهتمامهم ولم تحظ بإجماعهم، أي لم يكن يوجد حولها إجماع علمي عكس ما حدث لنظرية النسبية العامة لآينشتين، وقد عرفت هذه النظرية الأنيقة بنظرية الأوتار بعدة صيغ تجاوز الخمسة ومن ثم تطورت بصيغة متقدمة جديدة عرفت بنظرية الأوتار الفائقة في نهاية ستينات القرن المنصرم théorie des super cordes، حيث شهدت هذه الأخيرة انتشاراً واعترافاً علمياً أوسع منذ العام 1984. فقبل هذه النظرية كان العلماء يعتقدون بأن كل جسيم أولي في الكون particule élémentaire يحتل نقطة وحيدة في المكان أو الفضاء espace بينما تقول نظرية الأوتار أن الأشياء الأساسية objets de base ليست جسيمات محددة المعالم بل أشياء ذات بعد dimension يشابه أو يماثل analogue بعد الطول dimension de longueur على سبيل المثال باعتباره جزء من وتر لا متناه في الرقة infiniment mince وإن لهذه الأوتار نهايتين مفتوحتين cordes ouvertes أو مربوطتين لتشكلان حلقة boucle مغلقة حيث عرفت بالأوتار المغلقة cordes fermées. فالجسيم الكلاسيكي يحتل نقطة في المكان في كل لحظة بينما يحتل الوتر في كل لحظة خطاً ligne في المكان أو الفضاء المكاني espace. وكل قطعتين من الوتر يمكن أن يجتمعا لتشكيل وتر واحد، فالأوتار المفتوحة تلتقي من الأطراف بينما تلتقي الأوتار المغلقة بالتشابك مثل فردتي البنطلون . وكذلك، وبنفس الطريقة، يمكن لقطعة منعزلة من الوتر أن تنشطر أو تنقسم se divisée إلى وترين. ومن هنا تبدو الجسيمات المرصودة في مسرعات الجسيمات العملاقة، على نحو غير مباشر ، وحسب نظرية الأوتار، وكأنها تنوعات مختلفة لتردد الموجات على الوتر على غرار وتر آلة الكمان، أو ترددات خيوط الطائرات الورقية ، بيد أن هذه الأوتار من الصغر بمكان، حيث لا يمكن لأي جهاز من أجهزة القياس الفيزيائية المتوفرة حالياً أن يرصد شكلها وتكوينها بصورة مباشرة. ففي نظرية الأوتار نجد أن بعث émission أو امتصاص absorption جسيم من قبل جسيم آخر يقابله انشطار وتوحد وترين.
في سنة 1974 قام جويل شيرك joel scherk من المدرسة الوطنية العليا في باريس école normale supérieure de paris وجون شفارز john Schwarz من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، معاً بنشر مقال علمي أظهرا فيه أن بإمكان نظرية الأوتار وصف القوة الثقالية force gravitationnelle بشرط أن يكون توتر الوتر حوالي 1039 طن وفق الحسابات الرياضية لهما . وإن توقعات أو تنبؤات les prédictions نظرية الأوتار تتوافق correspondaient بالضبط وبدقة مع توقعات وتنبؤات نظرية النسبية العامة la relativité générale في المستويات والأحجام العادية أو الطبيعية taille ordinaires. ولكن سلوكيات النظريتين تختلفان في المستويات والمسافات اللامتناهية في الصغر بحدود 1033 من السنتمتر. بيد أنه وللأسف لم يهتم أحد بما توصل إليه هذا الباحثان من نتائج ، خاصة بعد وفاة شيرك بحادث مؤلم بصورة مبكرة وبقي شفارز وحده وقام برفع قيمة توترات أو ضغوط الأوتار كثيراً وأصبح المدافع الوحيد آنذاك عن نظرية الأوتار. ثم اصطدمت نظرية الأوتار بعقبة عويصة ، فهي لا تصلح إلا في زمكان espace-temps ذو عشرة أبعاد أو 26 بعداً بدلاً من أبعادنا الأربعة التقليدية ـ أي الطول والعرض والارتفاع والزمن ـ هنا سيصبح من المستحيل على القارئ العادي غير المتخصص أن يتخيل أو يدرك هذه الأبعاد الإضافية إلا في أفلام وروايات الخيال العلمي Science Fiction فتقبل فكرة وجود هذه الأبعاد يعني إمكانية خرق القيود التي تفرضها نظرية النسبية العامة التي تمنع السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء أو السفر عبر الزمن. وقد سادت فكرة تبسيطية بفضل الخيال العلمي مفادها أننا يمكننا أن نسلك أو نتخذ طريقاً مختصراً raccourci عبر تلك الأبعاد الإضافية غير المنظورة . بعبارة أخرى يعتقد منظرو نظرية الأوتار بوجود عشرة أبعاد محدبة أو منحنية جداً ولكن لا يمكننا مشاهدتها أو رصدها.
يقول لنا المبدأ الأنثروبي principe anthropique أننا نرى الكون المرئي كما هو عليه اليوم لأننا موجودون حقاً فيه وبإمكاننا المراقبة والرصد والمشاهدة والتقدير والقياس، وأن هناك بيانين énoncés هما الضعيفة والقوية، حيث تقول الأولى أن الكون كبير جداً ولا متناه في كبره وحجمه مكانياً وزمانياً spatialement et temporellement ، وإن الشروط الضرورية اللازمة لنشأة وتطور الحياة الذكية العاقلة والمتطورة توجد في مناطق محدودة من الزمكان الكوني أي توجد في مكان ما وفي زمن ما وإن الكائنات التي تعيش هناك لا تندهش من كون الرقعة التي يقطنونها في الكون تتوفر فيها الشروط اللازمة لوجودهم لأنهم موجودون بالفعل أياً كان نوع وجودهم. كما هو الحال مع رجل ثري يعيش في حي ثري منقطع عما حوله ولم يخرج منه أبداً ومعزول عن الآخرين لذلك لا يمكنه أن يتصور كيف هو شكل وحال الفقر. فيما يقول المبدأ الأنثروبي الثاني وهو القوي بوجود عدة أكوان مختلفة أو عدة مناطق متعايشة coexistent داخل كون واحد ، ولكل واحد منها تركيبته الابتدائيةconfiguration initiale وربما لكل واحد منها قوانينه الخاصة به ses propres lois وإن الشروط الضرورية لنشوء وتطور الأشكال العضوية المركبة organismes complexes في أغلب تلك الأكوان أو المناطق الكونية ليست مشغولة أو مليئة بالكائنات بل هناك عدد قليل من الأكوان من يشبه كوننا المرئي يمكن أن يحتوي على كائنات عاقلة ومفكرة وذكية يمكنها أن تطرح تساؤلات مثلنا من قبيل لماذا يوجد هذا الكون بهذه الصورة التي نراه فيها وليس بصورة أخرى ؟
في تسعينات القرن الماضي ـ القرن العشرين ـ توصل العلماء إلى وجود افتراضي لأشياء أخرى autres objets أسموها ب ـ برانات P- branes وهي تحتل في المكان أحجام ذات بعدين أو أكثر ، يصعب وصفها أو تمثيلها ـ يمكن اعتبار جسيم ما، كصفر ـ بران zéro-brane أو اعتبار وتر ما بمثابة بران ـ واحد une-brane ولكن توجد ب ـ برانات أخرى مختلفة حيث تتراوح قيمة ب ـ P من 2 إلى 9 *، فوحدة 2 ـ بران 2-brane ليست سوى غشاء membrane ببعدين ، ومن الصعب تصور برانات بأبعاد أكبر. والحال يوجد في الوقت الحاضر ثلاث نظريات حديثة في الفيزياء النظرية وعلم الكون تتعايش مع بعضها جنباً إلى جنب هي: نظرية الثقالة الفائقة أو القصوى théorie de la supergravité ، ونظرية الأوتار الفائقة théorie des super cordes، ونظرية البرانات théorie des branes . وهي تتعايش بهارمونية وتوافق وانسجام مع بعضها لحد الآن لذلك لا يمكن اعتبار أي منها نظرية جوهرية fondamentale أكثر من غيرها بل تبدو كل منها كتنوع أو استنساخ avatar لنظرية أكثر جوهرية من الجميع بيد أنها لم تتبلور بعد ويمكن تسميتها النظرية ـ م théorie – M . عند هذا الحد تقوم الصيغ المتنوعة المشار إليها أعلاه مقام النظرية الموحدة الشاملة، وهذا يعني واحدة من ثلاث فرضيات ممكنة: إما وجود هذه النظرية الشاملة الجامعة والموحدة لكافة النظريات المعروفة لكننا لم نتوصل إليها بعد وسوف نكتشفها يوما ما بلا شك إذا كنا بدرجة كافية من الذكاء والتقدم العلمي والتكنولوجي. وإما إن هذه النظرية الكبرى للكون غير موجودة ولن نتوصل إليها أبداً بل هي مجرد تعاقب لا نهائي من الفرضيات والنظريات العلمية عن الكون، لا يوجد بينها أية نظرية دقيقة ومضبوطة مائة بالمائة بيد أنها مجتمعة تصف لنا الكون المرئي من زوايا مختلفة بأكبر قدر من الدقة . وإما أنه لا توجد بالمرة نظرية حقيقية للكون عند حد ما وهنا ستكون الأحداث غير متوقعة وتولد بمحض الصدفة وبصورة عشوائية. ولو اختار البعض الصيغة الثالثة بسبب وجود سلسلة من القوانين، فإنها تحرم الخالق من حرية التغيير والتدخل في شؤون العالم، والحال ، إذا كان الله لا نهائي القدرة ، ألا يمكنه قضم جزء من حريته لو كان يرغب بذلك؟ هذا الأمر يعيد للأذهان المفارقة القديمة التي تقول: هل يمكن أن يخلق الله حجراً بالغ الثقل لدرجة لا يمكن حتى لله الذي خلقه أن يرفعه؟ والحقيقة إن فكرة الله الذي يمكن أن يغير رأيه مثال على خطأ في التفكير أشار إليه القديس أوغسطين Saint Augustin بخصوص اعتبار الله كائن موجود داخل الزمن ونحن نعرف أن الزمن ليس سوى خاصية من خصائص الكون une propriété de l’univers الذي خلقه الله ـ بعبارة أخرى إن الزمن هو من خلق الله أيضاً ولذلك لا يمكن أن يكون الله بداخل الزمن. وإذا افترضنا وجود الله فعلينا أن نفترض أنه كان يعرف مسبقاً ما يقوم به عند خلقه للكون أو للحجر البالغ الثقل، في حين أثبتت لنا نظرية الكم أو الكوانتا أو الفيزياء الكوانتية la physique quantique بأنه لا يمكن التنبوء بالأحداث بدقة لا متناهية حيث يوجد دائماً درجة ما من اللادقة وعدم اليقين incertitude وهدف العلم كما هو معلوم هو صياغة جملة من القوانين تسمح بالتوقع والتنبوء prédire بالأحداث ولكن ضمن حدود مبدأ اللاحتمية الكوانتي principe d’indétermination quantique . ولم يتمكن أي من العلماء المعاصرين من حل معادلات الفيزياء الكوانتية بدقة علمية صارمة لا تقبل الطعن أو الدحض . واليوم تتجدد معلوماتنا بمجموعة من القوانين المكتشفة التي تسيير المادة وسلوكها في كافة الظروف ـ عدا حالات شاذة ـ خاصة في مجالات الكيمياء والبيولوجيا لكننا لم نتوصل بعد إلى أجوبة ناجعة وشافية لكثير من التساؤلات الجوهرية والمعضلات التي تطرحها هذه المحاولات العلمية على سبيل المثال لم يتمكن العلماء لحد الآن من وضع السلوك البشري في معادلات رياضية صارمة وحاسمة. فالإنسان لغز كبير وهو أعقد الكائنات ولديه دماغ متطور يفكر ويطرح الأسئلة ومن أوائل هذه الأسئلة هو: هل هناك خالق للكون وهل إن هذا الخالق، لو كان موجوداً، بحاجة للكون؟ إن هذا السؤال فلسفي بحت رغم ارتباطه بالمفهوم العلمي لوجود الكون وتطوره حيث يقدم العلم تصوره الخاص ونموذجه العلمي للكون المرئي الذي يبدو متناقضاً كلياً مع الرؤية والطرح الديني والثيولوجي للكون . بعض المتخصصين في علم الكون والفيزياء النظرية والرياضيات الفيزيائية كالأخوة بوغدانوف frères Bogdanove يقدمون تصوراً علمياً إلا أنه لا يخلو من جانب ميتافيزيقي غيبي كما جاء في كتاب الأخوين بوغدانوف " وجه الله" Visage de Dieu حيث افترض التوأمان بوغدانوف حتمية تدخل كيان أو كينونة متسامية عليا تسمو فوق كل شيء في عملية خلق الكون وهو بنظرهم إله رياضي Dieu mathématicien قام بتشفير كل القوانين السماوية والكونية قبل عملية الخلق الفعلية، داخل نوع من القرص الكوني المشفر code cosmique خزنت فيه قاعدة البيانات والمعلومات الكونية قبل آخر عملية خلق للكون المرئي الحالي ـ الذي قد يكون قد سبقه عمليات خلق لا متناهية لأكوان أخرى لا متناهية ـ يبدأ تأريخه قبل نحو 14 مليار سنة بالانفجار الأعم . في حين يفضل العالم البريطاني الشهير ستيفن هاوكينغ Stephen Hawking التفسير الطبيعي والمادي لولادة الكون مستنداً على الحتمية العلمية déterminisme scientifique لكشف أسرار وسبر أغوار الانفجار العظيم وما سبقه وحل ألغاز الوجود . فعالم الفلك والفيزياء النظرية والرياضيات البريطاني ينطلق من بديهية علمية واضحة تقول أن أدمغتنا البشرية تفسر الإشارات التي تتلقاها من الأعضاء الحسية organes sensoriels في الجسد كالسمع والنظر واللمس والذوق وغيرها، لكي يرسم صورة ذهنية للعالم الذي نعمل على جعله واقعاً وحيداً réalité unique لا نعرف غيره ولا نعترف بغيره، والحال يقول لنا العلم أن هناك عدة أنظمة تقدم لنا مفاهيم جوهرية مغايرة يمكنها أن تتنبأ بدقة بوقوع نفس الأحداث فكيف يمكن التمييزبين عدة تصورات واعتبار تصور ما هو الذي أكثر واقعية من غيره؟ والمعروف أن واقعنا يتطور وفق تطور معارفنا ومعلوماتنا العلمية التي نحصل عليها ونراكمها تدريجياً . والدليل على ذلك أن سعينا لمعرفة القوانين التي تحكم وتسير الكون قادتنا منذ قرون بعيدة إلى صياغة سلسلة من النظريات بدءاً بنظرية العناصر الأربعة le théorie des quatre éléments ـ أي الماء والهواء والنار والتراب ـ وانتهاءاً بنظرية الانفجار العظيم la théorie du Big Bang مروراً بنموذج بطليموس modèle de ptolémée ونظرية الفلوجستيك théorie phlogistique ، وهي فرضية السائل الغريب الذي تصوره الكيميائيون القدماء لتفسير وشرح الاحتراق كمصدر للهب، وميكانيك نيوتن ونسبية آينشتين والميكانيك الكوانتي أو الكمي ونظرية الأوتار وغيرها. وفي كل مرة يتغير مفهومنا للواقع ومكونات الكون الجوهرية les constituants fondamentaux de l’univers لذلك بات من الضروري تبني شبكة واسعة من النظريات والفرضيات العلمية المكملة بعضها للبعض من أجل تفسير الكون وألغازه ووضع تصور علمي لتاريخه وتطوره وأصله ومصيره كما يعتقد ستيفن هاوكينغ والذي عبر عن ذلك بنظريته الجامعة التي أسماها النظرية م La M- Théorie. وهو يعتقد أن أغلب النظريات الفيزيائية عن الكون كانت كوانتية quantique ما عدا النظرية النسبية. تتميز نظرية هاوكينغ المسماة النظرية م ، والتي عرضها في كتابه الأخير التصميم العظيم أو هل يوجد مهندس كبير للكون a-t’il un grand architecte dans l’univers ، بأنها تقترح عائلة كاملة من النظريات العلمية الجادة والمختلفة كل واحدة منها تجيب عن إحدى المعضلات النظرية الناجمة عن الرصد والمشاهدة الكونية observation cosmique كما هو الحال مع الأطلس الجغرافي الذي يحتوي على خرائط الأرض كلها ولكن ضمن بعدين وعلى عدة صفحات ترتبط ببعضها . ويعتقد ستيفن هاوكينغ أن الكون المرئي البدائي في لحظاته الأولى سلك عدة سبل مختلفة وبالتالي ينبغي اعتبار ولادة الكون المرئي الحالي بمثابة حدث كوانتي événement quantique وعفوي أو ذاتي النشأة spontané بعد أن جرب واستكشف كل السيناريوهات الممكنة لحظة نشوئه، قبل أن يصل إلى صيغته الحالية التي نعرفه بها.
المشكلة تكمن في أن رؤيتنا البشرية تتغير ضمن آلية معقدة من التفاسير والتأويلات للظواهر لأنها محدودة بأطياف محددة تدركها حواسنا الخمسة ، من هنا علينا تعميق معرفتنا بالميكانيك الكوانتي mécanique quantique الذي يقدم لنا حقائق مذهلة عن العالم الميكروسكوبي microscopique في المستوى الذري وما دون الذري، وكذلك علينا أن نطور معارفنا في المستوى الماكروسكوبيmacroscopique الذي تقدمه لنا نظرية النسبية العامة قبل تقديم مواقف وتصورات وأحكام قاطعة عن الملحمة الكونية épopée cosmique باعتبارها تاريخ واحد ذو مسار محدد ومحتوم جامد، له بداية وستكون له حتماً نهاية غيبية ميتافيزيقية أو ثيولوجية متمثلة بيوم القيامة. ولقد استند ستيفن هاوكينغ إلى قوانين ومباديء الميكانيك الكوانتي في صياغة النظرية ـ م ، حيث أن الفيزياء الكوانتية physique quantique تتيح إمكانية فهم كيفية عمل الطبيعة على الصعيد الذري وما دون الذري وهو المستوى الذي كان عليه الكون في لحظة ولادته وتعتمد على جملة من المفاهيم المختلفة عما هو مألوف لدى الإنسان العادي بخصوص المدار والمسار والاتجاه والمسافة والتموضع والسرعة والتفاعل وحتى الماضي والحاضر أي الزمن والمكان وأبعاده حيث لا شيء حتمي ودقيق بصفة مطلقة . بعبارة أخرى تعطي الفيزياء الكمية أو الكوانتية أنموذج جديد للواقع الكوني حيث يقدم صورة مغايرة للكون المتعارف عليه إذ أن هذه الصورة المغايرة للكون تحتوي عدد من المفاهيم الجوهرية الناجمة عن حدسنا وتصورنا القاصر للواقع إلا أنها تفتقد لأي معنى علمي، ومن هذه المباديء الكوانتية مبدأ اللايقين principe d’incertitude. ومبدأ الاحتمالية principe de probabilité . من هنا يمكننا القول أن الكون خضع عند لحظة ولادته إلى مختلف احتمالات التطور والتوسع أو التمدد والتضخم .
وهذه الفرضية تقودنا إلى توقع ولادة عدد لامتناهي من العوالم من رحم اللحظة التأسيسية الأولى instant initial، وكل واحد من تلك العوالم يحتوي على قوانين خاصة به قد تشابه وقد تختلف عن قوانين كوننا المرئي وتمتلك هي الأخرى قيم مختلفة للثوابت الجوهرية الكونية في إطار ما عرف بتعدد الأكوان multivers ما يشبه فقاعات الغاز bulles de gaz التي تتشكل على سطح ماء يغلي ولكن بعدد لا متناهي، يتسنى لنا اعتبارها بمثابة أكوان بديلة ممكنة ولكن في مستوى ميكروسكوبي مادون ذري وأغلبها لا يعيش طويلاً لكي يتطور ويتوسع ليتمكن من توليد مجرات ونجوم وكواكب وحضارات كونية عاقلة ومتطور ومتقدمة كما هو الحال مع كوننا المرئي ، ويعتقد هاوكينغ أن التقلبات أو التحولات الكوانتية fluctuations quantiques التي حدثت في اللحظات الأولى هي التي تقود إلى خلق هذا العدد اللامتناهي من الأكوان أو العوالم المتعددة multitude de mondes. تعتبر نظرية الأوتار الفائقة la théorie des super cordes إحدى أهم مكونات النظرية ـ م ـ التي طرحها ستيفن هاوكينغ لأنها هي التي تحدثت علمياً عن وجود عدة أبعاد أخرى غير الأبعاد التقليدية الأربعة المعروفة داخل الزمكان الكوني l’espace-temps cosmique إلا أنها غير مرئية ولا يمكن رصدها بأجهزتنا الحالية لأنها منطوية على نفسها داخل مواقع صغيرة جداً تسمى الأمكنة الداخلية غير المرئية espace interne وقد قدرت النظرية ـ م ـ عدد الأبعاد بأحد عشر بعداً أي بزيادة بعد واحد على أبعاد نظرية الأوتار العشرة.، أي عشرة أبعاد مكانية وواحد زمني، بمعنى آخر إن الفضاء المرئي بالنسبة للإنسان لا يمثل الواقع الشمولي المطلق للكون المطلق الذي يضم عدد لا متناهي من الأكوان التي تمكنت من البقاء على قيد الحياة واستمرت في التطور بسياقات وخصائص تختلف عن كوننا المرئي وتم حساب تقديري بموجب معادلات هذه النظرية الرياضية حيث قدرت بحوالي 10200 كدفعة أولى.
ما تقدم تناول بشكل خاص مفهوم المكان والفضاء ولكن ما ذا بشأن الزمن؟ ما هو مفهوم الزمن؟ هل هناك زمن مطلق وآخر نسبي؟ متى بدأ الزمن؟ يعتبر ستيفن هاوكينغ هذه الأسئلة عبثية من وجهة نظر كوانتية point de vue quantique إذا يعتبر هاوكينغ أنه لا حدود للزمكان كما يعرفه ويدركه على ضوء النظرية ـ م . لذلك يمكن القول ـ مجازياً ومن باب التبسيط ـ أن هناك زمن نسبي بدأ مع اللحظة الأولى للبيغ بانغ الانفجار العظيم يخص كوننا المرئي فقط إلا أنه زمن دائري أي ليس له بداية ولا نهاية بل دورة زمنية تبدأ وتنتهي ثم تبدأ من جديد وتنتهي وهكذا دواليك. وهناك زمن مطلق لا يمكننا إدراك ماهيته مرتبط بالكون المطلق الذي لا نعرف عنه سوى أنه لا حدود له وهو حي عاقل وذكي ومتطور إلى ما لا نهاية وفي حالة خلق دائم ومكون من عدد لا متناهي من الأكوان ومنها كوننا المرئي الذي نعرفه وندرسه والذي هو ليس سوى جسيم صغير كما هو حال الجسيمات الأولية للمادة التي هي إحدى مكونات كوننا المرئي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* البران ـ p يعني جسما ذي امتداد في فضاء مؤلف من p بعدا مكانيا والفكرة العامة للكوسمولوجيا البرانية هي أن الكون الذي نعيش فيه حبيس بران رباعي الأبعاد ......الخ)



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكون والأسئلة الجوهرية 3
- الكون والأسئلة الجوهرية ( 2-2 )
- الكون والأسئلة الجوهرية ( 1-2 )
- الفيزياء الحديثة بين الممكن والمستحيل
- الكون المرئي : متى يتجاوز الإنسان عقبة الأصل؟
- صراع العلم والدين ومعركة الأصل والمصير
- الأطروحة الماركسية عن الكون المرئي
- الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول 5
- الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول 4
- العراق: ألم يحن وقت النضوج بعد؟
- الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول3
- الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول2
- العراق بلد المفاجآت والمناورات
- الإنسان بين إله العلم وإله الدين والخوف من المجهول
- هنيئاً للحوار المتمدن
- هل سيسمح الوسط العلمي بتجاوز آينشتين يوماً ما؟الكون ذلك المج ...
- الكون ذلك المجهول؟
- هل نحن على مشارف الأفق الكوني؟
- الزمن المتخيل والضوء المتحجر و لغز الفرادة الكونية؟
- مقترح طوباوي للخروج من المأزق السياسي العراقي


المزيد.....




- انتشال نحو 392 جثمانا من مجمع ناصر الطبي بخان يونس خلال 5 أي ...
- طبيبة: الكركم يبطئ الشيخوخة ويحمي من السرطان
- الناقة تحلّ محل البقرة بسبب التغيُّر المناخي
- باحثون يكشفون سر التوهجات الغامضة حول الثقب الأسود
- انقطاع خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة في مدينة رفح الفلسطينية ...
- شركة الاتصالات الفلسطينية تعلن انقطاع خدمات الإنترنت الثابت ...
- “لولو الشطورة رجعت من تاني يولاد”.. تردد قناة وناسة للأطفال ...
- مراسلنا: انقطاع خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة جدا في مدينة رف ...
- ما هي العلامات التجارية الكبرى المسؤولة عن غالبية التلوث الب ...
- إيران تقترح تشكيل ائتلاف دولي ضد التمييز في مجال العلوم


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد بشارة - هل هناك نظرية جامعة وموحدة للكون المرئي ؟