أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد الستار نورعلي - ثورة 14 تموز من الذاكرة (3)















المزيد.....

ثورة 14 تموز من الذاكرة (3)


عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)


الحوار المتمدن-العدد: 3787 - 2012 / 7 / 13 - 21:23
المحور: سيرة ذاتية
    


ثورة 14 تموز
من الذاكرة (3)

الأثنين 14 تموز 1958

ــ ستار قومْ ، قومْ !
فتحتُ عينيَّ والنومُ مايزالُ غافياً في جفوني المثقلات ، وأنا نائمٌ على سريري فوق سطح الدار الكبيرة في محلة سراج الدين بشارع الملك غازي (الكفاح بعد ثورة تموز) والقريب من مرقد الصوفي الكبير الشيخ عبد القادر الجيلاني (رض).
واستمرّتْ:
ــ ستارْ ، قومْ ! جعفر راح يطلع .
جعفر صادق ملا نظر ابن عم والدي الشيوعي المنفي الى ايران، إذ كان النفيّ الى ايران احدى العقوبات التي تصدر بحقّ السياسيين في العهد الملكي.
فتحتُ عينيَّ وضياء الصباح يداعبهما ، فوقعتا على وجه عمتي المشرق المدوّر، بصوتها الهادئ الحنون ، عمتي البسيطة الطيبة الوديعة ذات القلب الكبير ، والتي لم تؤذِ نملةً في حياتها ، فكيف بانسان؟ ولم ينطق لسانها كلمة سوء يوماً.
كانت الثورة في وعيها الفطري وإدراكها البسيط هي أنّ جعفر سيخرج من سجنه. ارتسمت في عينيّ علامات التعجب . لم أدرك ما تعني . إلا أنها حين لمحت دهشةً واستفهاماً يرتسمان على وجهي أردفت :
ــ صارت جمهورية !
انزلقت من فراشي سريعاً، ونزلت حافياً من السطح، ليستقبلني الأهل ووجوههم مستبشرة تطفح فرحاً، وصوت المذياع والبيانات تتلى . ارتديتُ قميصي وبنطالي محتذياً نعليّ الجلديين أبوي الأصبع مسرعاً خارج البيت لألتقي بأقراني منْ فتيان المحلة ، ليلتقفنا شارع الملك غازي. التقينا بجماهير حاشدة تتجه صوب باب المعظم حيث وزارة الدفاع. فصدمنا برؤية جثةٍ عارية دون رأس تُسحل وسط الشارع في منظر بشع مقزز لا إنساني ، والجماهير هائجة مائجة تصرخ وتهتف. كانت الأخبار أنّ الملك وخاله الأمير عبد الاله وباقي العائلة المالكة والبعض من حاشيتهما ورجالات الدولة قد قُتلوا وسُحلوا .

ألفينا أنفسنا أمام وزارة الدفاع حيث كانت آلاف مؤلفة من الجماهير محتشدة قبالة بوابتها . كانت هناك جثة عارية أخرى بلا رأس أيضاً معلقةً على عمود كهربائي في فوهة الزقاق الضيق على الرصيف المقابل للوزارة، بالقرب من ستوديو للتصوير الفوتوغرافي عائد للملحن العراقي الكبير المرحوم عباس جميل ، تحت عنوان (ستوديو عباس القمري) إذ كان هو الاسم الرسمي المشهور به الملحن جميل منذ بداياته ، وقد غيّره لاحقاً الى (عباس جميل) ليكون أكثر فنيةً وقبولاً ووقعاً جميلاً في أذن الناس . هذا الاستوديو تحوّل اسمه الى (ستوديو العروبة لصاحبه عباس جميل) اثناء اتساع المدّ القومي العروبي متمثلاً بالقوميين الناصريين والبعثيين وغيرهم ، والذين كانت مناطق الفضل والوزيرية والأعظمية القريبة من الاستوديو مركز انتشارهم وحركتهم وامتدادهم . ثم بعد توسع نفوذ الشيوعيين والصراع الذي نشب بين الاتجاه القومي وعبد الكريم قاسم تحوّل اسم الاستوديو الى (ستوديو العروبة المتحرّرة) وهو المصطلح الذي استخدمه قاسم في مواجهة معارضيه القوميين العرب وشعاراتهم عن العروبة والوحدة العربية.

وفي أول خطاب ألقاه الشهيد عبد الكريم قاسم من شرفة مكتبه بوزارة الدفاع ، كنتُ في الصفّ الأمامي للجماهير الحاشدة المبتهجة التي حضرت هذا الحدث داخل الوزارة وتحت الشرفة مباشرة. كان بجانبه سكرتيره جاسم العزاوي الذي خانه مع الانقلابيين الفاشست في الثامن من شباط سنة 1963 ورئيس اركان الجيش اللواء المرحوم احمد صالح العبدي والشهيد المرحوم فاضل عباس المهداوي رئيس محكمة الثورة ، وآخرون لا أذكرهم . وحين وصل الى قوله الشهير (إنني ابن الشعب) هاجت الجماهير وماجت تصفيقاً وهتافاً .

في ذكرى معروف الرصافي

لغـزُ الحيـاة ، وحيـرةُ الألبـابِ
انْ يستحيلَ الفكرُ محضَ ترابِ

أنْ يُصبحَ القلبُ الذكيُّ مفازةً
جرداءَ حتى منْ خفوقِ سرابِ

فيمَ التحايلُ بالخلودِ ومُلهَمٌ
لحفيـرةٍ ، ومُـفكِّـرٌ لتبـابِ ؟
........
ذئبٌ ترصّدني وفوق نيوبهِ
دمُ إخوتي وأقاربي وصحابي

هي بداية قصيدة الجواهري وآخر بيت منها ، وكانت في رثاء الشاعر معروف الرصافي . ألقاها لأول مرة في الاحتفال الذي أقامه اتحاد الأدباء العراقيين، الذي كان الجواهري نفسه يترأسه، في ذكرى رحيل الرصافي على قاعة الشعب في الباب المعظم ببغداد في 16 آذار 1959. وتتألف القصيدة من ستة عشر بيتاً، حيث لم تكتمل يوم القائها مثلما ذكر الجواهري نفسه في الاحتفال ، ولم تكتمل. منْ حسن حظي أنْ تُتاحَ لي فرصةٌ تاريخية نادرة ، والفُرَص لا تأتي إلا مرةً واحدةً فإنْ لم نقتنصْها ولّت الأدبار، فأكون حاضراً في هذا الاحتفال، بعد حصولي على دعوة شرف وابن عمي وأقرب صديق لي حينها إذ كنا نسكن نفس البيت (عبد الصاحب صادق) شقيق المرحوم أبي دلير جعفر، والمقيم في موسكو منذ بعثته الدراسية عام 1961 ولحد اليوم . وكان حصولنا على بطاقتين عن طريق المرحوم أبي دلير، إذ وزّع الحزب الشيوعي ما حصل عليه من دعوات شرف على كوادره المتقدمة ، فكانت واحدة من نصيبي مع أنّني لم أكنْ كادراً متقدّماً ولا متأخّراً ! فطرْتُ بها فرحاً، لا تسعني الأرض ومَنْ عليها ، وخاصة أنّ الاحتفال كان برعاية الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم. ويالها من لحظات والزعيم والقادة السياسيون ورجالات الثقافة والفكر والأدب حاضرون أمامي بشحومهم ولحومهم ! لقد حفظتُ أبياتاً من القصيدة مباشرة منْ فم الجواهري وهو ينشدها فوق المسرح، ورحْتُ أردِّدُها مع نفسي لتبقى محفورة في حافظتي ، وأقرأها على أصحابي متباهياً منتشياً ، ولكنْ دون أنْ أمشي في الأرض مرحاً ، ولا أصعِّر خدي لأحد!

عيد العمال

في الأول من أيار 1959 جرى أول احتفال بعيد العمال العالمي بعد الثورة ، دعا اليه الحزب الشيوعي وحدّد له شعاراته. كانت مناسبة تاريخية لم يألفها العراقيون من قبل، وإنما يقرأون ويسمعون بالاحتفالات والمسيرات الضخمة التي كانت تقيمها الشعوب في أرجاء العالم بهذه المناسبة للتعبير عن تضامنها مع طبقة العمال والفلاحين وغيرها، والمطالبة بحريتها وحقوقها في البلدان التي كانت ترزح تحت سلطة حكومات دكتاتورية تضطهدها وتطمس حقوقها. وقد شارك في هذا الاحتفال مئات الألوف من العمال والفلاحين وفئات الشعب الأخرى، قدّرها البعض بمليون، يتقدمهم قادة الحزب ، وقد استمر الى صباح اليوم التالي . كان كرنفالاً رائعاً فخماً مثيراً للحماس والاندفاع والفرح. ردّد فيه المشاركون شعاراتٍ تمجّد العمال والفلاحين وحقّهم في حياة حرّة كريمة وعيش رغيد . شاركتُ وأقراني من شباب محلتنا في تلك المسيرة الهادرة، فلم ننم ليلتها وكأننا في عيد وعرس.

خرجت الجماهير بفعل حماسها عن الشعارات التي حُدّدت لها ، ليصدح هتافها عالياً وبقوة بشعار طغى على كل الشعارات وهو ( عاش زعيمي عبد الكريمي ، حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي ) وشعار (سبع ملايين اتريد حزب الشيوعي بالحكم ). ولم تستطع محاولات قيادة الحزب على ايقافها فقد انتشرت بين الجماهير انتشار النار في الهشيم، إذ انفجر بركانها المكبوت، وأحلامها المُحرَّمة، وأفواهها المكبّلة، وحريتها المقيّدة . فكانت منْ أسباب الرعب الذي اصاب القوى المعادية داخلياً وخارجياً، اقليمياً وعربياً ودولياً. فبدأت دوائرها ودهاليزها السرية والعلنية تعمل بدأب ونشاط على حياكة المؤامرات للقضاء على الثورة.

والأغرب والمثير لدهشتنا في تلك المسيرة أنّنا فوجئنا بالشرطة العراقية وهي تشارك فيها، فللشرطة تاريخ سلبي معروف تجاه القوى الوطنية في العهد الملكي، لما لاقته هذه القوى من مطاردة واعتقال وسجن وضرر على يدها. فكانت العلاقة بين الشرطة وتلك القوى علاقة عداء وضدية وجفاء وكراهية . لكن مشاركة الشرطة في العيد هذا وبحماسة مشهودة قُرئتْ على أنها من باب الاعتذار، والتكفير عن الذنب، وتحسين الصورة وتلميع الوجه ، إذ كان الشرطة المحتفلون يرددون شعار (اسألوا الشرطة ماذا تريد، وطنٌ حرٌّ وشعب سعيد). وكما هو معروف فشعار (وطن حرٌّ وشعب سعيد) هو الشعار المركزي للحزب الشيوعي العراقي. لقد كانت مشاركةً وشعاراً غريبين ومفاجئين وغير متوقعين . ومن الأغرب والأعجب حينها أنهم كانوا يرددون بقوة وحماس ملحوظ شعار (سبع ملايين تريد حزب الشيوعي بالحكم) !! فكنا نقول: سبحان مغيّر الأحوال!
ولله في خَلْقهِ شؤون. وللزمن وظروفه وأحواله من التحولاتِ والتقلبات والمصالح عجائبٌ وفنون!

مؤتمر الشبيبة الديمقراطية العالمي

وفي العام نفسه 1959 وفي الحادي عشر من حزيران انعقد في بغداد لأول مرة مؤتمر الشبيبة الديمقراطية العالمي على قاعة الشعب وافتتحه الشهيد عبد الكريم قاسم بخطاب وعد فيه ببناء مدينة الثورة لذوي الدخل المحدود. وقد اعتبر البعض من المشككين عبد الكريم حالماً طوباوياً . تحدّث الزعيم عن ذلك بعد أربعة اعوام ، وبالتحديد في الخامس من شباط 1963 ولمراسل صحيفة اللوموند الفرنسية إدوارد صعب :
ــ "- أتحدى ان يُذكر لي مثال واحد عن تعهد قطعته ولم التزم به. ففي يوم من الايام، وكان ذلك في 11 حزيران 1959 خلال مؤتمر الشبيبة الديمقراطية الذي انعقد في بغداد، قطعت وعداً ببناء «مدينة الثورة». آنئذ اعتبرني كثيرون مجرد حالم وطوباوي. لكن الجميع اليوم بإمكانهم الذهاب إلى هذه المدينة اللطيفة التي يعيش فيها ثلاثمئة وخمسون الفاً من السكان جميعهم من ذوي الدخل المحدود. وقريباً ستكون لها حدائق عامة وشوارع مبلطة ومسبح كبير. وفيها الآن عدد من المدارس ومستشفى ومستوصفات بنيت بالتزامن مع بناء المنازل." *

في يوم من أيام المؤتمر قامت الوفود المشاركة بجولة في منطقة باب الشيخ للاطلاع على معالمها ، ومشاهدة مناطق النضال الشعبي التاريخي في شارع الكفاح ، وهو الشارع الذي عاش أبرز نضالات الحركة اليسارية العراقية وتنظيماتها وتحركاتها السرية والعلنية ومظاهراتها ومواجهاتها مع السلطة الملكية في اربعينات وخمسينات القرن العشرين، ومنها وثبة كانون 1948 في ساحة السباع، وانتفاضة تشرين 1952 حيث تم فيها حرق مركز شرطة باب الشيخ. كنتُ شاهداً على ذلك الحريق، بسبب قرب دارنا من المركز، ورأيت النيران تلتهمه، ثم في اليوم التالي رأيناه ركاماً من الحجارة والتراب الأسود، سرعان ما أعيد بناؤه، لتعود حليمة إلى عادتها القديمة.

وقد استضاف الحزب الشيوعي الوفود في تجمع احتفالي في بيتنا الكبير (بيت الملا نظر)، لأنّ رحبته واسعة تتوسطها حديقة ، اضافة الى أنّ الاجتماعات السرية في العهد الملكي كانت تقام فيه ، وكذلك كانت تطبع فيه المنشورات الحزبية إذ كانت طابعة الحزب مخبوءة فيه . أقيم الاحتفال حيث ألقى كلمةً كلٌّ منْ رئيس الوفد الألماني (وارله لامبرغ) ، الذي توفي في حادثة سقوط الطائرة التي اقلته الى ليبيا بعد المؤتمر، ورئيسُ الوفد السوداني. كما أنشدَ شاعرُ العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري قصيدة (أزف الموعد). كنا نحتفظ في بيتنا بصورة التقطتْ له وهو يصدح بالقصيدة ، لكنّني للأسف الشديد لم أعثر عليها عندي ولا عند الآخرين منْ عائلتنا. ضيَّفَ الحزبُ المشاركين في الاحتفال بوجبة طعام مؤلفة من سندويجات !

كانت فرحتنا نحن أهلَ البيتِ نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً، وكذا أهل المنطقة، لاتُقدّر بهذه المناسبة التاريخية والفرصة الذهبية بوجود مثل ذلك الحشد من الشخصيات السياسية العراقية والعربية والعالمية البارزة، اضافة الى وجود شاعر العرب الأكبر وهو ينشد قصيدة عصماء في زاوية من بيت من بيوت المناطق الشعبية البغدادية.
كان الاحتفال المذكور كرنفالاً رائعاً لا تزال حلاوته في نفوسنا تنبض وستظلّ نابضةً.

كلية الآداب/جامعة بغداد

بفرح غامر تخرّجتُ من ثانوية الجعفرية الأهلية النهارية/الفرع الأدبي عام 1961. كان حلمي أنْ أكمل دراستي خارج العراق. ولما كانت هناك زمالات دراسية ممنوحة من الدول الاشتراكية قدّمت للقبول في احداها. قُبلت في تشيكوسلوفاكيا للتخصّص في الاقتصاد. كان الوالد الملا نورعلي معروفاً بصلابة رأيه ورأسه اليابس، ولأنّي الولد الوحيد الى جانب أربع بنات رفض سفري رفضاً قاطعاً مصرّاً ومهدداً بأنه لن يمنحني فلساً واحداً، ومتحججاً بأنّ في بغداد جامعة وكليات بمقدوري الدراسة فيها. وأمام اصراره تراجعْتُ فلم أسافرْ.

لم يبقَ أمامي بعدها إلا أنْ أتقدّمَ بطلب الدراسة في جامعة بغداد، فقُبلتُ في فرع اللغة العربية بكلية الآداب، مع أنني كنتُ في طلبي قد اخترتُ بالدرجة الأولى فرع اللغة الانجليزية، وبالدرجة الثانية اللغة العربية ، والثالثة علم الاجتماع. إذ كان على المتقدّم أن يختار ثلاثة فروع، لكنّ مجموع درجاتي التي حصلت عليها في الامتحان الوزاري كان دون مجموع آخر طالب قُبل في قسم اللغة الانجليزية، إذ كان القبول بحسب المجموع ، حتى في فروع التخصّص داخل الكلية الواحدة ، دون النظر الى درجة المادة التي يرغب المتقدِّم أنْ يتخصّص فيها ، إذ كنتُ قد حصلتُ في الانجليزية على 93% في الامتحان الوزاري للدراسة الاعدادية.

في العام الثاني لي من دراستي الجامعية ، قدّمتُ طلباً للانتقال من فرع اللغة العربية الى الانجليزية ، وكنتُ قد حصلت وأنا في فرع اللغة العربية على 95% في مادة الانجليزية أي أعلى من كل مواد التخصّص وبكثير . وفي المقابلة التي اجراها لي رئيس قسم اللغة الانجليزية الاستاذ الدكتور كمال قاسم نادر سألني عن السبب في طلبي مع علمي بأنّني إذا قُبلِتُ فعليّ أن أرجع الى الصف الأول، بمعنى أنني سأفقد سنة من دراستي. فأجبته أنها رغبتي الملحة ومن زمن طويل ولأنّني قوي في اللغة الانجليزية، واريد تطوير مقدرتي بسبب حلمي أنْ أعمل مترجماً للأدب الانجليزي الى العربية. حاول بجهد اقناعي قائلاً بأنه بامكاني أن أواصل مطالعاتي بالانجليزية وفي الوقت نفسه أقرأ العربية وأتخصص فيها لأكون أقوى لغوياً على الكتابة والترجمة ، ثم أنني في كلا الحالتين، سواءٌ أتخصّصْتُ في العربية أم الانجليزية فسأتعيّن مدرساً . لكنّني أصرّيتُ على طلبي، وأصرّ هو على اقناعي، حتى تطوّر موقفُهُ الى رفض قاطع بالموافقة وإلى غضب، فقال بالعامية العراقية بالحرف وبحدة، إذ ما أزال أذكر ماقال:
ــ لو تطلعْ نخله براسك ما أوافق ، اطلعْ!

فخرجتُ من عنده أجرّ أذيالَ الخيبة والحزن. لكنني في الوقت نفسه كنتُ أعرف جيداً أنّه مع حدّتهِ معي وطردي بالثلاث فإنه ينطلق بالتأكيد من حرصه على مستقبلي وعدم خسارتي سنة من عمري ودراستي ، لأنّه كان من الاساتذة الكبار علماً ونفساً ، فقد كان عالماً في تخصصه. فشكراً له على كلِّ حال إنْ كان حياً، وألف رحمة على روحه الطيبة إنْ كان عند ربٍّ كريم. هذا الانسان الذي تخصّص بأدب شكسبير في دراسته العليا في جامعة أوكسفورد قد فُصل من وظيفته بعد انقلاب الثامن من شباط الفاشي الدموي سنة 1963 ، ذلك الانقلاب الذي كان ومايزال سببَ خراب العراق، وتحطيم البنية النفسية والاجتماعية والاخلاقية والثقافية والسياسية والمادية للشعب العراقي، ولحدّ اليوم، وإلى زمنٍ قادم. فظلّ عاطلاً هو وعدد من زملائه من الاساتذة الكبار الوطنيين التقدميين المفصولين معه ، وأذكر منهم أساتذتي المرحومين الدكتور علي جواد الطاهر ، والدكتور محمد مهدي المخزومي. وقد تكرّمتْ المملكة العربية السعودية حينها بالتعاقد معهم من خلال سفارتيها في بيروت وبغداد للعمل أساتذة في جامعة الرياض التي فُتحَتْ حديثاً وقتـها ، وذلك للإستفادة من علمهم وخبراتهم في تعليم أولادها وبناء جامعتها الجديدة وتطويرها ، دون النظر إلى خلفياتهم السياسية مثلما فعل المتخلفون المتوحشون الفاشست في العراق !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* حوار اللوموند مع عبد الكريم قاسم عن موقع صحيفة المدى على الرابط:
http://www.almadapaper.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=46571

عبد الستار نورعلي
2012



#عبد_الستار_نورعلي (هاشتاغ)       Abdulsattar_Noorali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اختلال
- فوضى
- الظلُّ والشرفة
- البُغاث
- في عمق مدينتك
- وعشقت : في ذكرى ميلاد الحزب الشيوعي العراقي
- مؤتمر القمة
- كارين بوي 2
- ابتهال
- الوردة
- كارين بُوْي
- سِفرُ الضلع
- قصائد قديمة
- الانفجار الثاني
- الإنفجار الأول
- ليس بالحبِّ وحده
- الرواية الثانية
- من الذاكرة2: العدوان الثلاثي
- بيغماليون
- برومثيوس موجوعاً


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد الستار نورعلي - ثورة 14 تموز من الذاكرة (3)