|
القاهرة:تكرار اصطدام قطاري العسكر والاخوان
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 3786 - 2012 / 7 / 12 - 17:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتشابه مشهدان مصريان،بدأ الأول في صباح يوم 23يوليو1952 والثاني في مساء11فبراير2011،بكونهما يتميزان ببروز قوتين،تصدرتا المشهدين ،هما(مجلس قيادة الثورة)و(جماعة الاخوان المسلمين) في الأول،وفي الثاني (المجلس الأعلى للقوات المسلحة)و(جماعة الاخوان المسلمين).في المشهد الأول الذي انتهى عملياً في يوم 11فبراير2011،وليس في يوم وفاة الرئيس عبد الناصر في 28سبتمبر1970،كان الصراع بين العسكر(أوالمؤسسة العسكرية التي ظلت الركيزة الأقوى للسلطة في العهود الثلاثة المصرية لناصر والسادات ومبارك) والاسلاميين هو المحدِد للمشهد المصري الداخلي وربما أبعد من ذلك،ويبدو ،من مجريات الستة عشر شهراً ونيف من بدء المشهد الثاني،أن الأحوال المصرية لن تخرج عن ماجرى بين 23يوليو1952و11فبراير2011من حيث تداعيات اصطدام هذين القطارين على السكة المصرية. أدت المساكنة بين (الضباط الأحرار)و(الاخوان)،البادئة قبل يوم23يوليو1952 ثم بعدها ،إلى استثناء الجماعة من مرسوم حل الأحزاب الصادر في 16يناير1953،وحتى عندما صدر قرار حل الجماعة في 15يناير1954،في ذروة الصراع بين محمد نجيب وعبد الناصر،فإن قرار العودة عنه في 26مارس،عقب لقاء عبد الناصر ومرشد الجماعة حسن الهضيبي بعد الافراج عن الأخير من السجن،قد تضمن ضمنياً انفكاك (الاخوان)عن "الجبهة المتحدة" الداعمة لنجيب والتي ضمتهم مع الوفديين والشيوعيين.لم يدم ذلك طويلاً،وليعود الخلاف مستعراً مع توقيع اتفاقية الجلاء عن القناة بالأحرف الأولى في يوم27يوليو بين عبد الناصر والوزير البريطاني أنطوني ناتنغ،وليكون تصديقها في 19أوكتوبر متبوعاُ بعد أسبوع بانفجار المواجهة بينهما إثر"حادثة المنصة" التي حاول فيها أحد أعضاء "الجهاز الخاص"في الجماعة اغتيال عبد الناصر. كانت الاتفاقية المصرية- البريطانية حلبة لانفجار الصراع بينهما،وليست موضوعاً له،الذي كان واضحاً أنه السلطة في القاهرة:يعزو سيد قطب،في نص كتبه في السجن قبيل قليل من اعدامه في فجر يوم29أوغسطس1966تحت عنوان:"لماذا أعدموني؟"،إلى الأميركان عملية "اشعال الخلاف بين الثورة والاخوان".مع نشوء حلف بغداد بين فبراير وإبريل1955خرج عبد الناصر من الطوق البريطاني،الذي أريد منه كثمن لاتفاقية الجلاء(التي كان من ضمن مترتباتها منذ بدايات المحادثات حولها موافقة القاهرة على انفصال السودان في اتفاقية 12فبراير1953)الدخول المصري في المشاريع الغربية العسكرية ضد السوفيات وجعل المنطقة امتداد "ما"للناتو،وهذا ماأدى إلى صدام بريطاني- مصري كانت ذروته تأميم عبد الناصر لشركة قناة السويس في 26يوليو1956وماترتب عليه من حرب 1956بعد ثلاثة أشهر،ومن ثم بعد شهر عسل أميركي- مصري،استغرق1958-1963ترافق مع صدام عبد الناصر والشيوعيين وموسكو في دمشق1958-1959وبغداد1959،دخول عبد الناصر والأميركان في صدام كانت أحد تداعياته بالوكالة حرب 1967. لم يكن (الاخوان)خارج تداعيات "الحرب الباردة العربية"في الستينيات التي كانت صنعاء مسرحها الأساسي،ولاتلك الدولية بين موسكو وواشنطن التي كان أحد تجلياتها هو ماجرى في صباح يوم5حزيران1967.لم ينفع تقارب الرئيس المصري الجديد أنور السادات مع(الاخوان)واخراجهم من السجن،بعد شهر من تصفية يساريي سلطته في 15مايو1971،في ارساء تعاون لم تتعدى حدوده استخدامهم من قبل السلطة لتحجيم نفوذ الناصريين والشيوعيين واستخدام (الاخوان)لفترة سماح السلطة من أجل إعادة بناء ركائز الجماعة من جديد.عاد التوتر من جديد في عام1978مع رفض الجماعة لاتفاقيات كامب دافيد،وقد كان اغتيال الرئيس السادات من قبل اسلاميين في "حادثة المنصة"يوم6أوكتوبر1981 ذروة درامية لهذا المناخ من الصدام الذي شمل السلطة ومجموع الاسلاميين المصريين،وهو ماعاد مع الرئيس مبارك بعد مساكنة استمرت حتى عام1990،وكانت تقاربات2005، التي أدت لنيل (الاخوان)ربع مقاعد البرلمان المصري يومها ،ناتجة عن بداية المحادثات السرية بين الجماعة وواشنطن (كان أحد تجسداتها أيضاً بدء دخول الحزب الاسلامي العراقي في "العملية السياسية") وكذلك ناتجة عن طموح مبارك لرمي طعم "التوريث"لكي يعضً (الاخوان)عليه مقابل "مساحات"في الساحة المحلية، ولتكون تلك التقاربات قصيرة الأجل أيضاً مثلها مثل التي كانت بين الجماعة والعسكر خلال1952-1954ثم مع السادات بين عامي1971و1978. أتى تشكل مشهد مساء 11فبراير2011 أولاًعن اجتماع قوتين (الاخوان والعسكر)في نقطة واحدة هي إزاحة رأس السلطة المصرية،بعد أن أعطت الجماعة لتحرك الثلاثاء 25يناير طابعاً مليونياً في جمعة28يناير ومن ثم أعلنت المؤسسة العسكرية حيادها في مساء يوم الإثنين التالي،قبل أن تبدأ عشرة أيام مصرية ترددت فيها واشنطن باتجاه الضغط لتنحي الرئيس المصري.كان اجتماع هذه العوامل الثلاث هو المؤدي إلى تنحي مبارك عند مغرب يوم11فبراير2011،وعملياً كاد تردد واشنطن أن يقود (الاخوان) إلى اتفاق "ما"مع نائب الرئيس عمر سليمان،قبل أن يثبت عند الأطراف المعنية مخاطر تكرار تجربة شاهبور بختيار قبيل مشهد طهران11فبراير1979. كان أول تجسدات هذه الثلاثية،بين (المجلس الأعلى للقوات المسلحة)و(جماعة الاخوان المسلمين)وواشنطن،هو (الاعلان الدستوري)الصادر في 30مارس2011 بعد استفتاء شعبي،ثم في نشوء تناغمات أوحت بتكرار مصري للتجربة التركية بين العسكر والاسلاميين برعاية واشنطن.استمر هذا إلى قبل أربعة أسابيع من الانتخابات البرلمانية يوم28نوفمبر لماطرح نائب رئيس الوزراء المصري الدكتور علي السلمي "وثيقة للمبادىء مافوق دستورية" قالت مادتها التاسعة المقترحة بأنه " يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون غيره بالنظر في كل مايتعلق بالشؤون الخاصة بالقوات المسلحة ومناقشة بنود ميزانيتها على أن يتم ادراجها رقماً واحداً في موازنة الدولة،كمايختص دون غيره بالموافقة على أي تشريع يتعلق بالقوات المسلحة قبل اصداره" كمادعت الوثيقة إلى انشاء "مجلس الدفاع الوطني" الذي من الواضح أنه يستلهم نظيره التركي،كماقالت الوثيقة باعطاء (المجلس الأعلى) سلطة "إعادة النظر"في نصوص مشروع الدستور الذي كان مفترضاً أن تصوغه الجمعية التأسيسية التي كان مفترضاً انبثاقها عن البرلمان المزمع انتخابه "فإذا لم توافق الجمعية كان للمجلس أن يعرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا". رفضت "وثيقة السلمي" من جميع القوى السياسية المصرية،التي كانت تستعد للدخول في معترك العملية الانتخابية.خلال شهرين فشل البرلمان المنتخب في ايجاد جمعية تأسيسية للدستور متفق عليها بين الاسلاميين وغيرهم،ليأتي قرار حلها في 10إبريل من قبل محكمة القضاء الاداري.في يوم الخميس14يونيو قضت المحكمة الدستورية ببطلان ثلث أعضاء البرلمان المنتخب ماعنى حله عملياً.في يوم 17يونيو، وعشية ساعات من انتهاء الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة ،أتى "اعلان دستوري مكمل"من (المجلس العسكري الأعلى)،الذي يتولى منذ مساء11فبراير2011صلاحيات رئيس الجمهورية، يأخذ كل ماورد في "وثيقة السلمي"،قبل أن يكمل الأمر لاحقاً بتشكيل"مجلس الدفاع الوطني"،في خطوات من الواضح أنها تسلب من الرئيس المصري الكثير من صلاحياته لصالح المؤسسة العسكرية . في مرحلة مابعد17يونيو لم يكن المشهد مثل نوفمبر الماضي:العسكر في حالة هجومية،جماعة الاخوان انفضّ عنها الكثير من الذين كانوا معها من الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية،بعد أن أظهرت ،منذ فوزها مع السلفيين بثلثي مقاعد البرلمان،أن شهيتها كبيرة للسلطة،في انتخابات الرئاسة التي قالت سابقاً أنها لن ترشح لها أحداَ من أعضائها قبل أن تنزل اثنين واحد أساسي والثاني كاحتياط ثم عند قيامها بتعبئة مقاعد الجمعية التأسيسية للدستور بغالبية اسلامية مستغلة لحظة انتخابية تفرق كثيراً في توليد جسم تشريعي عن جسم تأسيسي لدستور هو أبعد مدى من مايحكم عملية انتخابية هي الأولى بعد ستين عاماً من غياب الديمقراطية،ويبدو أن هذه الشهية أتت من سيطرة جناحين في الجماعة:من تمكنوا من السيطرة مع المرشد السابق للجماعة مصطفى مشهور(1996-2002)،الآتي من "الجهاز الخاص"،وجناح"القطبيين"الذين أتوا من( تنظيم 1965) بقيادة سيد قطب ،بزعامة الدكتور محمود عزت السكرتير العام للجماعة - قاما بانقلاب عبر انتخابات مجلس شورى الجماعة في ديسمبر2009،أتى بالدكتور محمد بديع مرشداً عاماً للجماعة،وهو أيضاً من (تنظيم1965)،وأبعدت رموز"التيار الاصلاحي" مثل نائب المرشد الدكتور محمد حبيب وعضو مكتب الارشاد عبد المنعم أبوالفتوح،وقد وضح من اجتماع (مجلس شورى الجماعة)،أثناء ترشيح خيرت الشاطر ومحمد مرسي(كاحتياطي) للرئاسة ، مدى قوة هؤلاء في قيادة الجماعة،ووعيهم لقرارات ستؤدي لصدامهم مع المؤسسة العسكرية، ولانفضاض دائرة تحالفات سياسية – اجتماعية - ثقافية لن تكون متوفرة بنتيجة هذا التوجه الجديد للجماعة كماكانت في نوفمبر2011عند افشال"وثيقة السلمي". في يوم17يونيو2012اصطدم قطارا العسكر والاخوان،تحت اشراف واشنطن،التي من الواضح في عام2012 أن تشجيعها لتعميم النموذج التركي الأردوغاني في العالم العربي وبالذات في القاهرة ودمشق لم يعد كماكان في عام2011،وربما لأسباب تتعلق باسرائيل:انقلاب أبيض قامت به المؤسسة العسكرية شبيه بانقلاب11يناير1992الذي قام به عسكر الجزائر وألغى الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية المقررة في 16يناير بعد فوزالاسلاميين الكاسح بالجولة الأولى وماقاد إليه ذلك من انفجار حرب أهلية جزائرية دامت عشر سنوات،والانقلاب الأبيض الذي قامت به المؤسسة العسكرية التركية في 28فبراير1997ضد رئيس الوزراء نجم الدين أرباكان. اعلان فوز المرشح الاخواني الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية في يوم24يونيو يأتي تحت سقف ماجرى في 17يونيو. تهنئة المشير طنطاوي،ثم الإدارة الأميركية لمرسي ،تأتيان ضمن هذا السياق:محاولات تهدئة من العسكر المصريين،بالتعاون مع واشنطن، ،لتفادي السيناريو الجزائري بالتسعينيات في مصر. بالمقابل،هناك مراهنة عند اسلاميي مصر، مع ركونهم بالقبول بماجرى في 17يونيو مقابل وصول مرشحهم للقصر الرئاسي،بأن مافعله أردوغان من تحجيم للعسكر،في عام2011بعد تسع سنوات من وصول حزبه لرئاسة الوزراء،يمكن أن يكرر في القاهرة بعد تعايش صعب مع مؤسسة عسكرية واضح أنها تريد من مافعلته في 17يونيو2012الحكم من وراء الستار بعد تحجيم مؤسسة الرئاسة،وأن تمسك وتحدد سقوف اللعبة،بعد تحكمها المتوقع أيضاً بعملية صياغة الدستور وبانتخابات البرلمان ،في حلبة مصرية قادمة سيتصارع فيها العسكر والاسلاميون الذين أصبحوا في عام2012،بعد مساكنة قصيرة في 2011 مع (المجلس الأعلى للقوات المسلحة)، يطرقون بعنف باب السلطة المصرية.
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستيقاظ الروسي:عامل ذاتي أم بسبب الضعف الأميركي؟..
-
التدخل العسكري الخارجي وتفكك البنية الداخلية
-
مرحلة انتقال مابعد الثورات
-
مآزق الأردوغانية
-
الاستثناء الجزائري
-
خطة كوفي عنان: قراءة تحليلية
-
العلاقة الاشكالية بين اليسار والديموقراطية
-
استقطابات حول سوريا
-
سوريا:المعارض السياسي والشارع
-
موسكو وبكين:الثنائي المستجد في العلاقات الدولية
-
المعارضون الجدد والقدامى
-
نزعة الإستعانة بالخارج في المعارضة السورية(2003-2005)
-
الموجات السياسية
-
حرب باردة من جديد؟..
-
التصلب التركي – الفرنسي حيال الأزمة السورية:محاولة للمقاربة
-
عشر سنوات من الاستقطابات في المعارضة السورية
-
واشنطن والثورات العالمية
-
فراغات الانسحابات الأجنبية من المنطقة
-
تعثر النموذج التركي في ليبيا ومصر
-
العراق:حصيلة احتلال
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|