فشل كريستوفر روس هو فشل العقيدة الصلبة للأمم المتحدة.

بودريس درهمان

الحوار المتمدن-العدد: 3772 - 2012 / 6 / 28 - 19:00
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    

استحالة تطبيق العقيدة الصلبة للأمم المتحدة المجسدة في التوصيات السبع للأخضر الابراهيمي لسنة 2000، معطى آخر، من بين المعطيات المتعددة، التي تنضاف الى الأسباب العميقة التي ساهمت في اعادة النظر في اسلوب الوساطة الاممية لكريستوفر روس؛ و الاعتقاد فقط بان اعادة النظر هذه هي خيار مغربي محض هو شيء مجانب للصواب، لأن اعادة النظر في اسلوب كريستوفر روس و التخلي عنه نهائيا هو خيار أممي و دولي كذلك. لأنه لو كان التخلي هو تخلي المملكة المغربية لوحدها لقامت بهذا التخلي يوما او يومين او حتى ثلاثة ايام او أسبوع على اكثر تقدير، بعد صدور تقرير الامين العام للأمم المتحدة حول الصحراء، و لكن بما ان الخيار هو خيار دولي و أممي فان المملكة المغربية لم تعلن عن هذا الخيار إلا بعد مرور شهر و اثنى عشر يوما من تاريخ صدور تقرير الامين العام للأمم المتحدة.
الخيار هو خيار دولي و اممي مشترك و قد تماشى هذا الخيار مع خيارات المملكة المغربية لأنها ذات سيادة و تسير في اتجاه التطبيع الأممي مع هذه السيادة.
خيار العقيدة الصلبة التي ركبها كريستوفر روس و التي صاغ اجراءاتها الموظف الأممي السامي السيد الاخضر الابراهيمي سنة 2000 هو خيار لم يلقى اجماع من طرف المنتظم الدولي بشكل عام و هذا ما عجل في نظري بعملية تخلي أوساط اممية عدة عن وساطة كريستوفر روس.
خيار العقيدة الصلبة للأمم المتحدة هو خيار صاغه الاخضر الابراهيمي سنة 2000 كأسلوب للتدخل في مناطق النزاع الدولي التي تشرف عليها الامم المتحدة و هذا الخيار لم يحصل على مقياس القابلية للانجاز مما جعله يتوارى الى الوراء الى ان استطاع كريستوفر روس اعادته على شكل اجراءات لم تنل استحسان اطراف عدة من المنتظم الدولي.
الأخضر الإبراهيمي هو موظف أممي سامي تم تكليفه بعدة مهمات دولية سواء من طرف مجلس الأمن أو من طرف الأمين العام للأمم المتحدة؛ هذا الموظف الأممي السامي سبق له أن تقلد منصب وزير الخارجية للحكومة الجزائرية ما بين سنتي 1991 و 1993، كما سبق له إبان الثورة الجزائرية أن مثل جبهة التحرير الجزائرية في اندونيسيا لمدة ثماني سنوات دامت من سنة 1954 إلى سنة 1961؛ كما سبق له كذلك أن اشتغل كموظف سامي في الجامعة العربية لمدة دامت ثماني سنوات من سنة 1984 إلى سنة 1991. يوم 7 مارس 2000 تم تكليف هذا الموظف الأممي السامي من طرف الأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان على راس فريق أممي خاص من اجل إعداد دراسة معمقة حول مهام الأمم المتحدة في الحفاظ على السلم و السلام في المناطق الدولية التي تعرف نزاعات. يوم 17 غشت من نفس السنة قدم تقريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة محددا فيه الإجراءات التي يجب اتخاذها لإنجاح مهام الأمم المتحدة في عملية حفظ السلم و السلام الدوليين. يمكن نعت هذه الاجراءات بالعقيدة الصلبة للأمم المتحدة التي استحال تطبيقها في اي منطقة من مناطق النزاع الدولي، لأنها أمنية محضة و عالية الكلفة.
الملخص التركيبي لهذا التقرير يوضح عملية تغليب كفة الجانب الأمني العسكري و المخابراتي على الجوانب الانسانية و السياسية الأخرى؛ و تقرير الامين العام للأمم المتحدة الصادر يوم الخامس من أبريل 2012،من الواضح أنه تأثر بشكل كبير بتوصيات ذلك التقرير الشهير الذي سهر السيد الاخضر الابراهيمي شخصيا على انجاز صياغته النهائية.
تقرير الامين العام للأمم المتحدة حول الصحراء لسنة 2011 كان خاليا كليا من مؤثرات محتويات ذلك التقرير الشهير، في حين تقرير سنة 2012 يبدو جليا أنه موجه بتلك التوصيات السبع التي وصفت نفسها ب"العقيدة الصلبة للأمم المتحدة ".
التقرير الذي انجزه الاخضر الابراهيمي يعيد أسباب فشل هيأة الأمم المتحدة في عملية حفظ السلم و السلام بالأساس إلى ضعف الإمكانيات لهذا دعى مجلس الأمن إلى وضع كل الإمكانيات البوليسية و العسكرية المخابراتية لمناطق النزاع تحت تصرف الأمين العام للأمم المتحدة من اجل إنجاح عمليات السلم و السلام عن طريق الردع بالقوة. الاخضر الابراهيمي يسمي هذا الاختيار بالعقيدة الصلبة و يوصي الامم المتحدة بالتصرف على هذا الاساس. التوصيات السبع التي اقترحها الاخضر الابراهيمي و مجموعته على الامم المتحدة هي كالتالي:
1. خلق وحدة للتدبير الإعلامي و التحليل الاستراتيجي."من الفقرة 65 إلى الفقرة 75"
2. تحسين توجيه و إدارة مهمات الأمم المتحدة."من الفقرة 92 إلى الفقرة 101"
3. تثبيت قواعد للانتشار السريع و الاستعانة بموظفين ذوو تكوين مختص" من الفقرة 86 إلى 91 و من الفقرة 102 إلى الفقرة 169"
4. دعم الوسائل المتوفرة لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة من اجل تخطيط و إسناد عمليات السلام من "الفقرة 170 إلى الفقرة 179"
5. خلق فرق خاصة مندمجة من اجل التخطيط للمهمات الأممية و لمصالح المساندة "من الفقرة 198 إلى الفقرة 245"
6. ملائمة عمليات السلام مع تكنولوجيات الإعلام " من الفقرة 246 إلى الفقرة 264"
7. التحدي الذي يجب رفعه مرتبط بتطبيق التوصيات "من الفقرة 265 إلى الفقرة 280"
هذه التوصيات السبع لا تعترف بالمجهودات السياسية و الانسانية التي تبذلها الأمم المتحدة مع الاطراف المتنازعة ؛ بالإضافة الى هذا، هذه التوصيات تخص فقط المرحلة الموالية مباشرة لعملية توقيف إطلاق النار التي حددها التقرير في ستة أسابيع إلى اثني عشرة أسبوع و يوصي التقرير بعملية الانتشار السريع خلال اجل لا يتعدى شهر و بواسطة كتيبة عسكرية.
هذه التوصيات، قد تنجح فقط في الحالة التي ينشب فيها نزاع بين قبيلتين أما في الحالات الأخرى المعقدة التي تخص كل النزاعات الحاصلة حاليا، فإذا لم تتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لخدمة السكان لدى المتنازعين فلا يمكن حتى لعشر كتيبات فرض السلم و السلام بالقوة.
هذه التوصيات في حال تطبيقها ستساهم بالضرورة في الرفع من كلفة المهمات الأمممية و هذا الارتفاع سيتم على حساب الساكنة المحلية.
أثناء انجاز التقرير، أي خلال المدة التي امتدت من السابع من شهر ماي سنة 2000 الى يوم السابع عشر من نفس السنة، كانت الأمم المتحدة تتوفر على 32 ضابط عسكري فقط تقوم بتخطيط العمليات العسكرية لحوالي 27000 رجل و كانت تتوفر فقط على 9 ضباط شرطة مدنيين لتوجيه و تسيير 8600 شرطي مدني و هنالك فقط 15 مختص في القضايا السياسية مكلفين بأربعة عشرة عملية لحفظ السلام و عمليتين إضافيتين في الطريق. كل هذه الإحصائيات المقدمة في التقرير و رغم ذلك يوصي التقرير بالتخلي عن الموظفين المحليين و بالتفكير فقط في خلق الفرق الخاصة.
التقرير من حيث لا يدري يدعو الامم المتحدة إلى تحويل هذه الفرق الخاصة إلى دولة محلية و هذا مستحيل، لأنه حتى لو تحققت هذه الدولة المحلية فأجهزتها ستدخل لا محالة في نزاعات و خصومات مع المتنازعين و ستحتاج الأمم المتحدة مرة ثانية إلى تخصيص مهمة أممية ثانية لفك هذه النزاعات .
هذه التوصيات اقتصرت فقط على اجراءات الحوكمة الشكلية، أما اجراءات العملية السياسية في شموليتها فهي كلها تم استبعادها. يتسائل المتتبعون مثلا هل الفرق الخاصة التي سيتم انشائها ستقوم بالإشراف على تسيير الجرائد، المواقع الالكترونية، ستقوم بالتحكم في أفكار الناس المتعددة في المنتديات الفكرية و السياسية وغيرها، هل ستعمل على التحكم في توجه الإذاعات و القنوات التلفزية و غيرها؟ فشل كريستوفر روس هو فشل العقيدة الصلبة للأمم المتحدة.

#بودريس_درهمان (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل