أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - قسم المحامي















المزيد.....


قسم المحامي


خالد خالص

الحوار المتمدن-العدد: 3769 - 2012 / 6 / 25 - 12:59
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


حينما يستكمل المترشح لمهنة المحاماة - سواء كان مترشحا للتمرين أو مترشحا للتسجيل في الجدول - جميع الاجراءات التي تنص عليها القوانين والأعراف والتقاليد فإن النقيب يبعث بنسخة من مقرر المجلس بالقبول إلى الوكيل العام الذي يقوم يفتح ملف للمعني بالأمر وتبرمج جلسة خاصة بمحكمة الاستئناف لأداء القسم أو اليمين ويقوم النقيب بتقديم المترشح وهو مرتديا لأول مرة البذلة المهنية الى هيئة المحكمة.
وفي هذا الاتجاه تنص المادة 12 من القانون المنظم لمهنة المحاماة :"لا يقيد المترشح المقبول في لائحة التمرين ولا يشرع في ممارسته الا بعد أن يؤدي القسم" .
والقسم أو اليمين في اللغة هي القوة والقدرة وأصلها اليد اليمنى التي هي أقوى من اليد اليسرى حيث أطلقت على الحلف للتوكيد وتقوية أمر معين. واليمين في القاموس (– مؤنث - ) هو القسم لأن الناس كانوا في عصر الجاهلية يتماسحون بأيمانهم فيتحالفون أو اذا تحالفوا أخد كل واحد باليد اليمنى لصاحبه. و اليمين في الشرع عقد يقوي به الحالف ما عزم عليه من فعل شيء أو تركه .
وتأتي اليمين بحروف ثلاثة هي الواو والباء والتاء ويكون المقسم به هو الله عز وجل أو أسمائه الحسنى أو صفاته أو المخلوقات ويكون الحالف هو المخلوق. وإدخال الخالق أو بعض المخلوقات في الحلف هو في الواقع تعبير على اشراك الله عز وجل أو أقرب المخلوقات ( الاباء أو الابناء ) كشهداء على قول الحالف. أما المقسم عليه فهو اما واقعة أو حقيقة أو وعد بفعل شيء أو بتركه.
وقد نهى القرآن عن الاكثار من اليمين بقوله تعالى "لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" كما نهى عن اليمين الكاذبة او اليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم. قال سبحانه وتعالى "ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله، ولكم عذاب عظيم". وقال النبي صلى الله عليه وسلم "الكبائر: الاشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس".
واليمين اما قضائية أو غير قضائية. واليمين القضائية هي طريقة من طرق الاثبات في القضاء تؤدى في بعض الحلات شريطة وجود دعوى جارية وهي اما حاسمة يوجهها أحد الاطراف لخصمه وإما متممة يوجهها القاضي من تلقاء نفسه لعدم كفاية ما قدمه الخصم من حجج والكل بهدف اتمام الحجج باليمين. أما الثانية وهي اليمين الغير قضائية أو القانونية فهي لتأكيد القيام بما يعد به الحالف من عمل أو بسلوك معين أو بالامتناع عن القيام به وهي ما تعرف باليمين المنعقدة وتسمى ايضا اليمين المعقودة والمؤكدة. يقول الله سبحانه وتعالى " لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم به الايمان" . كما يقول عز من قائل "ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها". ولا يمكن تصور النقض إلا في المستقبل.
وبالرجوع الى القانون المنظم لمهنة المحاماة ولا سيما المادة 12 منه نجد بان قسم او يمين المحامي هي يمين منعقدة اذ تنص المادة المذكورة على صيغة القسم كالتالي :
"أقسم بالله العظيم أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بشرف وكرامة وضمير ونزاهة واستقلال وإنسانية، وأن لا أحيد عن الاحترام الواجب للمؤسسات القضائية وقواعد المهنة التي انتمي اليها وأن احافظ على السر المهني وأن لا أبوح أو انشر ما يخالف القوانين والأنظمة والأخلاق العامة، وأمن الدولة والسلم العمومي"
وبتحليل هذا القسم بصفة أولية وسطحية نجد بان الحالف هو المحامي والمقسم به هو الله عز وجل والمقسم عليه هو القيام بممارسة مهنة المحاماة بكيفية معينة وعدم القيام بأفعال يعتبرها المشرع منافية للمهنة.
و"يؤدى هذا القسم أمام محكمة الاستئناف في جلسة خاصة يرأسها الرئيس الاول ويحضرها الوكيل العام وكذا نقيب الهيئة الذي يتولى تقديم المترشحين المقبولين".
ويؤدي نفس القسم وبنفس الكيفية المترشح المعفى من شهادة الاهلية ومن التمرين اذ تنص المادة 21 من الظهير المنظم لمهنة المحاماة على ما يلي "يؤدي القسم من طرف المترشح المعفى من شهادة الاهلية ومن التمرين، والذي تقرر تسجيله في الجدول وذلك حسب الكيفية المقررة في المادة الثانية عشر أعلاه".
وبالرجوع الى ظهير 12 غشت 1913 بخصوص المسطرة المدنية فان الفصل 38 ينص على ما يلي "يقوم المحامون بأداء اليمين فور قبولهم لاجتياز التمرين أو اثر تقييدهم في الجدول اذا كانوا غير خاضعين للتمرين." واستنادا الى الفصل الرابع من ظهير 18 نونبر 1916 والذي أعطى لمحكمة الاستئناف صلاحية تحديد نظام لمهنة المحاماة بالنسبة لكل نقابة للمحاماة بالمغرب وذلك بموجب مقرر تتخده بجمعيتها العمومية وبعد الاستماع الى الوكيل العام، حددت محكمة الاستئناف بالرباط نظاما لهيئة المحامين لدى المحكمة الابتدائية بالدلرالبيضاء بتاريخ 9 يناير 1917 نصت بفصله الرابع على ما يلي : "يقع ترتيب المحامين بالجدول أو بلائحة التمرين ابتداء من يوم قبولهم أو من اليوم الذي أدوا فيه اليمين عند الاقتضاء".
ونلاحظ بان التقييد في الجدول كان يتم قبل أداء اليمين عكس ما يقع اليوم اذ يسجل المحامون المعفون من الاهلية ومن التمرين في الجدول اعتبارا من تاريخ أداء القسم حسب الفصل 22 من القانون المنظم لمهنة المحاماة.
ونص ظهير 12 غشت 1913 على صيغة اليمين الواجب أداؤها بالفصل 381 وهي كالتالي: " أقسم بالله العظيم على أن لا أعلن ولا أنشر بصفتي مدافعا أو مستشارا ما يخالف القوانين أو الانظمة أو الاخلاق العامة أو أمن أو السلم العمومي وعلى أن لا أحيد أبدا عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية".
وباعتبار أن ظهير 12 غشت 1913 المشار اليه أعلاه لا يسمح بمزاولة مهنة المحاماة لدى "المحاكم الفرنسية" (بآليتنا الشريفة حسب الفصل 32 ) الا للفرنسيين المقيدين بجدول المحامين لدى احدى المحاكم الفرنسية أو للأجانب المجازين في الحقوق الذي يكونوا قد مارسوا فعليا مهنة المحاماة طيلة ثلاث سنوات على الاقل أو للفرنسيين والأجانب الحاملين للإجازة الفرنسية في الحقوق والذين يكونوا قد قضوا ثلاث سنوات من التمرين وهم يمارسون مهامهم لدى المحاكم الفرنسية بالمغرب فان صيغة القسم لم تكن لتختلف على القسم المؤدى في فرنسا.
وقد كانت صيغة القسم في فرنسا هي الاخرى على الشكل التالي : " أقسم بالانجيل على أن لا أعلن ولا أنشر بصفتي مدافعا أو مستشارا ما يخالف القوانين أو الانظمة أو الاخلاق العامة أو أمن أو السلم العمومي وعلى أن لا أحيد أبدا عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية".
ويكمن الاختلاف في اليمين "المغربية" مع اليمين "الفرنسية" آنذاك في المقسم به اذ يتم الحلف في فرنسا على الانجيل بينما يتم بالمغرب بالله سبحانه وتعالى.
وقد كان الطابع الديني يغلب على اليمين في عهد الرومان اذ كان المحامي لا يؤدي القسم عند التحاقه بالمهنة بل كان يؤدي القسم ( الى جانب القضاة ) على قول الحق في بداية كل قضية يترافع فيها. ثم تطور القسم وأصبح المحامي يؤديه على الانجيل بأنه لن يتفانى في الدفاع عن موكله وأن لا يكلف بقضية سيئة.
أما في فرنسا فان قسم المحامي مر من عدة مراحل منها ما هو ديني في البداية بالطبع ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو مهني محض.
ويمكن القول بان التعديلات المتعددة التي عرفها القسم في فرنسا تبرز في الواقع مدى تعقيد العلاقات بين المحامين والسلطة السياسية.
وباعتبار أن مهنة المحاماة في فرنسا ترجع الى القرن الثالث عشر فإننا نجد أن نظام فيليب الثالث (Philippe le Hardi ) المؤرخ في 23 أكتوبر 1274 ينص على أن المحامين يقسمون على الإنجيل وباللاتينية على أن لا يتكلفوا إلا بالقضايا العادلة وأن يدافعوا عنها بعناية وبإخلاص وأنهم سيتخلون عنها اذا ما تبين لهم بأنها غير عادلة وإذا رفض المحامون أداء هذا القسم فانهم سيمنعون من مزاولة المهنة الى أن يؤدوا هذه اليمين. كما كان هذا القسم يتضمن جانبا بخصوص اتعاب المحامي الذي حددها النظام في مبلغ اقضاه 30 جنيه حيث كان المحامي يقسم أن لا يأخذ مبلغا اكثر من الحد الاقصى. وإذا ما حنث الحالف بيمينه يشطب عليه من مهنة المحاماة إلا اذا ارتئى القضاة تأديبه بغير ذلك حسب خطورة الافعال .
وحينما كان القاضي يسأل المحامي بعد أداء اليمين كان هذا الاخير يعد بان يكون حاضرا في الصباح الباكر وان لا يزعج الجلسات وان لا تكون مرافعاته طويلة.
وكان نظام فيليب الثالث عشر يقرئ مرة في السنة بغرفة الجنايات.
وفي سنة 1344 ادخل البرلمان تعديلات على قسم المحامي حيث أصبح يتضمن اضافة الى المبادئ العامة المشار اليها سابقا التزام المحامي بعدم استعمال وسائل التسويف أو التصريحات الغير المضبوطة أو التي لا علاقة لها بالموضوع. كما يقسم على أخد اقل من 30 جنيه في حالة ما اذا كانت القضايا بسيطة.
وكان القسم في بعض المدن كميدز (Medz) مثلا أكثر شرحا وأكثر استفاضة وأكثر قيودا بالنسبة للمحامي.
وبعد ذلك أصبحت صيغت القسم ولمدة قصيرة بسيطة للغاية وأصبح المحامي يقسم أمام القضاة على احترام أوامر وقرارات وأنظمة المحكمة. ولم يكن الجميع يحترم اعادة أداء القسم سنويا . وكان النقيب في ما بعد والقدامى المتواجدين معه هم الذين يعيدون أداء اليمين أصالة عن نفسهم ونيابة عن باقي المحامين .
وبقي الطابع الديني يغلب على اليمين خلال القرن السابع عشر والثامن عشر والى غاية الثورة الفرنسية حيث ألغى نابليون بونابارت مهنة المحاماة وحل النقابات بمرسومين مؤرخين في 2 و 11 شتنبر 1780.
وبتاريخ 14 دجنبر 1804 أصدر نابليون بونابارط مرسوما يتضمن نظاما لممارسة مهنة المحاماة. وكان هذا النظام أقسى وأسوء نظام عرفته مهنة المحاماة في فرنسا لانه افقد المهنة كل استقلاليتها. وأصبح لليمين طابعا سياسيا بامتياز أذ نص المرسوم على صيغة القسم كالتالي : "أقسم بطاعة دساتر الامبراطورية وبإخلاص الامبراطور وأن لا أعلن ولا أنشر بصفتي مدافعا أو مستشارا ما يخالف القوانين أو الانظمة أو الاخلاق العامة أو أمن أو السلم العمومي وعلى أن لا أحيد أبدا عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية وألا ارشد أو ادافع عن اية قضية أعرف من خلال ضميري ووجداني انها غير عادلة". والملاحظ من خلال هذا القسم هو تغييب الطابع الديني على القسم وذلك بإبعاد القسم على الانجيل وإدخال الطابع السياسي بالقسم على الاخلاص للإمبراطور.
وفي سنة 1830 ( قرار 22 أكتوبر ) اقتصر لوي فيليب على التعديل الشكلي اذ اصبح المحامي يقسم على الوفاء لملك فرنسا ( أو ملك الفرنسيين ) والخضوع للدستور والقوانين الفرنسية.
وفي سنة 1954 اصدرت فرنسا مرسوما يلغي القسم في جانبه المتعلق بالإخلاص لرئيس الدولة ويحتفظ بالباقي . وبتاريخ 9 يونيو 1972 أضيفت بعض العبارات للقسم الذي اصبح كالتالي : "أقسم كمحامي أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال وإنسانية وأن لا أحيد عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية وقواعد مجلس الهيئة التي أنتمي اليه وأن لا افوه أو أنشر ما يخالف القوانين والانظمة والاخلاق العامة وأمن الدولة والسلم العمومي"
وفي 15 يونيو 1982 صدر القانون المعروف بقانون بادنتر الذي عدل قسم المحامي وجعله يقتصر على الصيغة التالية : "أقسم كمحامي أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال وإنسانية"
وبقي القسم على صيغته الى ان جاء قانون 31 دجنبر 1990 الذي عدل قانون 15 يونيو 1982 حيث أضيفت كلمة الاستقامة (Probité) الى القسم: "أقسم كمحامي أن أمارس مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال واستقامة وإنسانية".
أما في المغرب وبالرجوع الى جميع القوانين التي نظمت مهنة المحاماة منذ سنة 1913 فان صيغة القسم لم تتغير من 1913 الى 1979 حيث بقي المحامون يقسمون على الشكل التالي : " أقسم بالله العظيم على أن لا أعلن ولا أنشر بصفتي مدافعا أو مستشارا ما يخالف القوانين أو الانظمة أو الاخلاق العامة أو أمن أو السلم العمومي وعلى أن لا أحيد أبدا عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية".
وبتاريخ 8 نونبر 1979 صدر قانون تنظم بموجبه نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة نص بالفصل 13 على اليمين التالية : "أقسم بالله العظيم أن أزاول مهام الدفاع والاستشارة بكرامة وضمير واستقلال وإنسانية وأن لا أحيد عن الاحترام الواجب للمحاكم والسلطات العمومية وقواعد مجلس الهيئة التي انتمي اليه وأن لا اقوه أو أنشر ما يخالف القوانين والانظمة والأخلاق العامة وأمن الدولة والسلم العمومي"
وقد أشار بعض الباحثين الى أن التزام المحامي باحترام "قواعد مجلس الهيئة الذي ينتمي اليه" - وهي بدعة اتى بها قانون 1979 المشار اليه اعلاه - "لا مبرر لها وإلا فان على المحامي الذي استقال من نقابته ليسجل في نقابة أخرى أن يؤدي اليمين حتى يكون في وضعية من لا يحيد عن قواعد مجلس هيئته الجديدة" في حين أن جميع القوانين والتقاليد والأعراف لا تلزم المحامي ( ولا المحامي المتمرن) بإعادة أداء القسم اذا استقال من هيئته والتحق بهيئة أخرى.
ولم يأتي الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون والصادر في 10 شتنبر 1993 بتنظيم مهنة المحاماة بأي تغييراذ نص على نفس الصيغة بالنسبة للقسم
وقد اثار بعض الباحثين انتباه الحقوقيين والمهنيين الى الصبغة السياسية للقسم الذي يدجن شخصية المحامي ويلزمه باحترام السلطات العمومية وعدم التفوه أو نشر ما يخالف القوانين والأنظمة وأمن الدولة والسلم العمومي ويضرب كذلك في الصميم جميع المواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الانسان.
فالرغبة في اسكات المحامي بواسطة القسم هي في حد ذاتها مخالفة للإعلان العالمي لحقوق الانسان المصادق عليه من قبل المغرب وخرقا سافرا لحرية التعبير.
ولا يجب أن يتضمن القسم في الواقع إلا على ما له ارتباط بمهنة المحاماة كالكرامة والضمير والاستقلال والنزاهة و الانسانية.
وكان المحامون ينتظرون أن يتم تغيير صيغة القسم بمناسبة تعديل قانون المهنة سنة 2008 ليصبح قسما مهنيا صرفا. إلا أن القانون المؤرخ في 20 أكتوبر 2008 وان كان قد أضاف للقسم الحفاظ على السر المهني وبدل السلطات العمومية بالسلطات القضائية فانه ابقى على طابعه السياسي وطابعه القمعي الذي يتنافي مع ابسط مبادئ حقوق الانسان ألا وهو الحق في التعبير.
وكنا سنتفهم الامر لو كان مصدر القانون المنظم لمهنة المحاماة لسنة 2008 هو السلطة التنفيذية . إلا ان الواقع كان خلاف ذلك اذ كانت المبادرة من فريق برلماني يساري تقدمي بناء على رغبة وطلب المهنيين .
وقد حاول فريق برلماني تدارك الامر أمام غرفة المستشارين و نظم بها يوما دراسيا حول مقترح القانون الذي تمت المصادقة عليه بالغرفة الاولى. وقامت بعد ذلك بعض الفرق البرلمانية بتقديم مقترحات لتعديل المقترح ومنها مقترح تغيير القسم بحذف كل ما يمس بحقوق الانسان وباستقلال المحامي إلا أن مجلس المستشارين وبضغوط من المهنيين كان مجبرا على المصادقة حرفيا على النسخة التي توصل بها من الغرفة الاولى.
وقد ضيع المحامون في الواقع فرصة ثمينة لملائمة قانون المحاماة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان قي ما يتعلق بالقسم الذي يبقى في صيغته الحالية قسما يتنافى ليس فقط مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ولكن ايضا مع الدستور المغربي الذي ينص على أن المملكة المغربية وإدراكا منها لضرورة تقوية الدور الذي تضطلع به على الصعيد الدولي، بالتزام ما تقتضيه مواثيق المنظمات الدولية وتؤكد تشبتها بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا.
ولابد من الاشارة الى كون القسم على شكله السابق أو الحالي يتعارض مع مبادئ الاستقلال والكرامة التي يقسم عليها المحامي أو تلك المنصوص عليها بالمادة 3 من القانون المنظم للمهنة.
ولن نعيد ما قلناه عن الكرامة التي سبق أن قمنا بتحليل لها بمناسبة مؤتمر طنجة لسنة 2008 ولكن بالإمكان التركيز على أن المس بحرية التعبير – المستنتج من القسم - هو مس بالكرامة وأن التعريف بالكرامة يكمن في كل ما لا يمكن للإنسان التخلي عنه.
ومن اللازم الاشارة كذلك الى استقلال المحامي الذي هو واجب على هذا الاخير اتجاه الجميع سواء كانوا زملاء أم موكلين ام قضاة أم من باقي مساعدي القضاء أو غيرهم وأن القسم على حالته يمس بهذا الاستقلال.
وكيفما كانت صيغة القسم فانه لا بد من التأكيد على أن القسم واحد بالنسبة للمترشحين للتسجيل في لائحة التمرين أو بالنسبة للمترشحين المعفين من شهادة الاهلية ومن التمرين للتقييد في الجدول. ومن تم فان المتمرن الذي انهى فترة التمرين لا يعيد أداء القسم الذي سبق له أن اداه.
ويؤدى القسم أمام محكمة الاستئناف التي توجد بها هيئة المحامين "في جلسة خاصة يرأسها الرئيس الاول ويحضرها الوكيل العام وكذا نقيب الهيئة الذي يتولى تقديم المترشحين المقبولين" كما جرى العرف أن يحضر جلسة اليمين المحامي الممرن.
وتسجل المحكمة سماعها لليمين التي اداها المحامي بمحضر غير قابل للطعن بالنقض. وقد كان اداء اليمين في السابق "شرطا لممارسة المهنة وليس شرطا لقبول تقييده في جدول المحامين" كما أن مقرر قبول المرشح في لائحة التمرين لم يكن يسبقه أداء اليمين القانوني في حين أن ممارسة التمرين هي التي كانت تقتضي أداء هذه اليمين.
أما اليوم فان الامر على خلاف ذلك بالنسبة للمترشح للتمرين اذ تنص المادة 12 على انه "لا يقيد المترشح المقبول في التمرين، ولا يشرع في ممارسته، الا بعد أن يؤدي القسم ". أما المعفون من شهادة الاهلية ومن التمرين فان تاريخ أداء القسم هو الذي ينطلق فيه كذلك تقييدهم بالجدول حسب المادة 22 من القانون المنظم للمهنة.
وتكون طريقة تقديم النقيب للمترشح على الشكل التالي " السيد الرئيس، السادة المستشارين، بناء على الفصل 12 من القانون المنظم للمهنة اتشرف بان أقدم لكم الاتية اسماؤهم ....وهم مترشحون للتسجيل في لائحة التمرين ( أو في الجدول ) قصد أداء القسم. أطلب منكم بكل تقدير قبول أدائهم القسم القانوني والأمر بتسجيل ذلك في محضر رسمي.
وبعد ذلك يطلب الرئيس من كاتب الضبط أن يعمل على قراءة القسم بالصيغة المنصوص عليها في القانون المنظم للمهنة. وعند نهاية القراءة يرفع المترشح يده اليمنى ويقول أقسم بالله.
والهدف من تقديم النقيب للمترشح الى المحكمة لأداء القسم هو دليل على أن مجلس الهيئة قد تدارس ملفه واجرى بحثا حوله وهو من تم ضامن له ولشواهده ولأخلاقه.
أما اذا رفض مجلس الهيئة قبول طلب المترشح لسبب من الاسباب فان للطرف المتضرر أن يطعن في مقرر المجلس بمقتضى مقال يودع بكتابة الضبط بمحكمة الاستئناف داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ أو من اليوم الذي يعتبر تاريخا لاتخاذ المقرر الضمني.
وتبث محكمة الاستئناف بغرفة المشورة بعد استدعاء النقيب وباقي الاطراف لسماع ملاحظاتهم وتلقي الملتمسات الكتابية للوكيل العام وتبث غرفة المشورة برئاسة الرئيس الاول وأربعة مستشارين وتجري المناقشات في جلسة سرية وينطق بالمقرر في جلسة علنية.
وبغض النظر عن قابلية القرارات الصادرة عن غرفة المشورة للطعن بالتعرض والنقض فان السؤال المطروح هو من سيقدم المترشح - الذي رفض المجلس ملفه وحسم القضاء في قبوله - الى محكمة الاستئناف لأداء القسم.
وبالرجوع الى تقاليد وأعراف هيئة المحامين بالرباط فان الملاحظ هو أن رفض النقيب تقديم المترشح لم يقع حسب علمي إلا مرتين نظرا الى أن المترشحين كانت لهما سمعة وسوابق لا تشرف المهنة. أما في غالب الاحيان فان النقيب يصاحب المترشح الذي عليه أداء واجب الانخراط والتسجيل في الهيئة قبل أداء القسم. وهو أمر منطقي لان النقيب ملزم باحترام الاحكام والقرارات القضائية كغيره من المواطنين سيما وأن رفض بعض الملفات من الممكن أن تتدخل فيه بعض المعطيات الغير المهنية سيما وأن النقيب يخضع لمقررات مجلس الهيئة التي تم تتخذ بالأغلبية.
وقد اقترح بعض الباحثين ان يتم اداء اليمين أمام مجلس الهيئة "ليجسم الاستقلال الكامل الذي تتمتع به مهنة المحاماة" . وقد استلهم الباحث اقتراحه من قانون المحاماة بمصر والذي تنص المادة 20 منه على ما يلي : " لا يجوز للمحامي الذي يقيد اسمه بجدول المحاماة ان يزاول المهنة إلا بعد حلف اليمين التالية : (أقسم بالله العظيم أن أمارس أعمال المحاماة بالشرف والأمانة والاستقلال وأن أحافظ على سر مهنة المحاماة وتقاليدها وأن احترم الدستور والقانون), ويكون حلف اليمين أمام لجنة قبول المحامين بحضور ثلاثة من أعضائها على الاقل وتثبت اجراءات حلف اليمين في محاضر اجتماعات اللجنة". كما يمكن الرجوع الى يعض التشريعات الاجنبية الاخرى كالبرازيل والبيرو والتي تنص على أن اليمين تؤدى أمام مجلس النقابة أو تلك التي تنص على أن اليمين تؤدى أمام مجلس مشترك يضم المحكمة ومجلس النقابة.
أما في فرنسا أو في سورية أو في تونس أو في لبنان مثلا فان القسم يؤدى أمام محكمة الاستئناف كما هو الحال بالمغرب.
وبالرجوع الى قسم الطبيب أو الصيدلي مثلا فإننا نجد بان القسم في المغرب يؤدى أمام اللجنة التي ناقش أمامها الطبيب أو الصيدلي اطروحته. أما قسم المهندس المعماري فانه يؤدى أمام المجلس الوطني للمهندسين المعماريين.
وأعتقد بان أداء القسم أمام نقيب ومجلس الهيئة الذين زكوا المترشح لممارسة مهنة المحاماة سواء كمتمرن أو كمحام رسمي هو الاقرب الى الصواب لان المجلس هو من يقوم بدراسة وثائق الملف وهو من يقوم ببحث حول أخلاق المترشح (- مع امكانية الاستعانة بالنيابة العامة -) وهو من يقرر قبوله وهو من سيرافقه طوال حياته المهنية سواء في مجال التأطير أو التكوين أو المراقبة أو التأديب ان اقتضى الامر ذلك.
وخلاصة الامر هو أن قسم المحامي بالمغرب الذي تنطلق منه الممارسة المهنية والذي يغل يد ولسان المحامي هو ضد دولة القانون وهو من تم بحاجة الى وقفة تأمل وبحاجة الى تعديل يحرر المحامي من القيود التي يفرضها عليه ويصون حقوقه وكرامته. ونتمنى أن ينتبه المشرع وقبله المهنيون الى هاته الجزئيات حتى نكون في تلائم تام مع المواثيق الدولية ومع أحكام الدستور المغربي الاخير .



#خالد_خالص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شغف المخزنة
- حقوق الدفاع وفق التصور الدستوري الجديد
- شمكرة النخب
- المرأة المحامي
- المحاماة في كلمات
- تعديلات ضدا على القانون للنظام الداخلي لهيئة المحامين بالربا ...
- المحامي والكرامة
- قراءة في مقترح القانون المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة ا ...
- مداخلة الاستاذ خالص امام الغرفة الثانية للبرلمان حول مقترح ق ...
- جوانب من واقع مهنة المحاماة بالمغرب
- قانون المحاماة المقبل بين المشروع والمقترح
- البذلة المهنية للمحامي
- ندوة التمرين
- مرضى المحاكم
- المحامي ووسائل الاعلام
- الجديد في ضاهرة العنف والاجرام بالمغرب
- سرية المراسلات بين المحامين
- !القضاء القضاء
- الاوجه المعتمدة في دعوى الالغاء
- عيب الشكل في دعوى الالغاء


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - قسم المحامي