هيثم هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 3756 - 2012 / 6 / 12 - 19:03
المحور:
المجتمع المدني
(صراع النظرية)
"كل فكرة عقلانية تخلق عقلانية البديل"
الحياة صراع الفكرة بين العقل و المنطق و اللامعقول و المنقول. السؤال المحير, هل صنع الإنسان ألغيب أم الغيب ورث فكرى مجهول؟ أو ورث"جينى" تكوينى منقول فى القديم؟ و لهذا اليوم عندما نبحث عن سر الخلق و فى المحنة ينظر اللإنسان الى السماء, لماذا؟! حركة فطرية أو جذور تكوينية منقولة.
كان العرب قبل ينظرون للسماء و هو شكل من أهم أشكال العبادة ينظرون الى الأجرام و يتلون دعائهم و صلاتهم , لقد كان العرب يعبدون (الزهرة) كوكب الزهرة علماً بأن كوكب الزهرة يدور من الشرق الى الغرب و بقية الكواكب تدور من الغرب الى الشرق. و بالرجوع بالتاريخ آلاف السنين نجد فى أدبيات السومريين فى الملاحم و الحكايات و التراتيل صور الفلسفة و اللاهوت فى الألف الثالث قبل الميلاد وضعت للسكونيات . يعتقد السومريين ان اهم وحدتين يتركب منهما الكون هما السماء و الأرض و تستخدم كلمة سماء-أرض فى السومرية "آن – كى" و بينهما روح و خواصها الحركة و الانتشار و هى تقابل ما نعرفه بالغلاف الجوى. و معتقدهم يدل على ان الأجرام السماوية كالشمس و القمر و الكواكب و النجوم كلها مصنوعة من مادة هذا الغلاف و مزودة بالنور, و الأرض و السماء محاطة ببحر خضم لا نهاية له, و أن الكون ثابت فى هذا الخضم. و يعتقدون بأن بعد انفصال السماء عن الأرض و تشكيل الأجرام السماوية, خلقت الحياة على الأرض.
إن خالق هذا الكون حسب الوثائق السومرية يقود اللاهوتيين. السومريين يعتقدون بمجموعة من الآلهة شبيهة بالإنسان و لكنها تمتلك صفتى الخلود و التفوق و لا ترى بالعين و تلك الآلهة تقود الكون و تدبره ضمن قوانين معلومة. و كل إله له خاصية و مسئولية عن إدارة جزء من هذا الكون, و الآلهة هم: إله السماء, إله الأرض, إله الهواء, و إله البحر و كلها تعمل تحت إمارة إله واحد كبير يشرف عليهم و ينظم اعمالهم.
و هذه النظرية قائمة على نظرية عقلانية ( كيف تدار الحياة المدنية و المعابد و القصور و الحقول من قبل إناس مختلفين و لكنهم تحت إمارة ملك واحد و لولاهم لكانت الأرض خراباً) و فكرة الخلود للآلهة تعكس حكمة البقاء, فموت احدهم يعنى خراب الكون!
إنما كيفية الخلق, يقول السومريون ان الملك يستطيع إنجاز اى عمل يريده بأمر منه و كلمة ينطقها. فالقاعدة و التى اصبحت سارية فى البلاد القديمة هى قاعدة الكلمة السماوية ذات القوة الخلاقة و لهذا إذا ارادت تلك الآلهة خلق مخلوقات جديدة فعليها وضع خطة و تنطق بكلمة و تعطى اسما و بعدها يكون الخلق " كن فيكون"
لقد عرف اللاهوت و الخلق و الآلهة من خلال الوثائق الفلسفية و العمال الأدبية كالميثولوجيا و الملاحم و التراتيل.
مما لا شك فيه لكل قاعدة اساسها و لكل اساس قاعدة. فالفكرة تولد من خضم التأمل, التحكم و الحكمة و الرؤية ( الذهن المفتوح) و هذه اساس الفكرة, فإذا كان الذهن محدود أو مغلق لا تظهر الفكرة و إنما تورث الفكرة, و الفكر الموروث لا يخلق نقيضه أو الأفكار الأخرى المتصارعة معه و إنما هو فكر استسلامى خنوع محدد و محدود يتقوقع و مع مرور الزمن يعله الصدأ و يشكل الطبقة الثانية للفكر و هكذا فى كل أربعة اجيال تطفو على سطحه غلاف جديد يغطى القديم و يصبح الفكر الأول محاط بأكثر من غلاف متحكم به, فيموت الأول و يصلنا الجديد الذى به شيء من الماضى و ليس كل الماضى حتى يصبح قوقعة و تُسَكِر على نفسها و تموت و يبقى الإنسان حبيس فكرة القوقعة فيتقوقع و يموت فكرياً و يبقى جسدياً فقط.
لكى يستمر تدفق الحياة و التغيير نحتاج لفكر التغيير "ثقافة الحيوية" الفكر المتجدد فكرة تخلق فكرة و فكرة تخلق نقيضها كأنها تحرك البديل و تطلقه لكى تستمر الفكرة الأولى بالبقاء فى استمرارية الولادة كما يحدث فى الحياة البشرية, فالفكر هو جزء من الإنسان يقع فى مكان محدد هو العقل و الفوائد الذى يُطرِب الفكر القاسى و يلاطفه لكى لا نتحول لمجرد فكرة جامدة البنية التحتية لا تخلق البنية الفوقية بدون لمسة انسانية لكى لا نخلق فكر الجمود و القساوة و هى تضر فى الأخلاقية الجمالية الحسية للفكر الإنسانى الذى اهم خواصه الرقة الجمالية و الحسية الإنسانية, فالإنسان ليس آلة مجردة, فالإنسان آلة حسية جمالية و لا اصبح هذا الكون مقيت!
إذاً لكى نحصل على الحقيقة, نحن نحتاج, أعنى البشر الى اللاهوت العقلى المنطقى الحسى الجمالى, فالعقل يقتل الجمال و اللاهوت المجرد يقتل العقل و يبقى الإحساس الوردى المداعب للقلب و الروح و لا عقل فيه فنصبح كائنات هلامية يتوقف فيها الزمن و يسبقنا الآخرين ...
و هذا الذى خلقناه هو ثقافة المجاملة و الالتفاف على الحقائق التى ادت لثقافة التملق التى ادت لثقافى النفاق و هى الثقافى السائدة اليوم "ثقافة الكلام" الكلام من اجل الكلام, ثقافة النفاق يعنى ثقافة الكذب و هى الثقافة السائدة اليوم و التى تتعاطها مجاميع المنطقة الجغرافية المسماة بالشرق الأوسط و كذلك المنطقة الغيبية التى تسمى حالياً بالأديان المتحابة المتقاتلة ((فكر الحب القاتل)).
و نعود من جديد بعد سرد بسيط لظروف و خلفية صناعة الفكرة المنطق و دوران الأشياء, نحن أمام حقيقة واحدة: فكر جامد غير متجدد و فكر نابض بخلق دورة الحياة.
النمطية الفكرية:
فكرة تخلق فكرة, الأولى تولد من الأولى, و الثانية تولد من الثانية و تخلق النقيض و ذلك بسبب اختلاف الزمن و الاقتصاد و الإدراك الجديد للإنسان, فالجيل الثانى من الفكرة يرتد ليلغى الفكرة الأم لكى يتربع على عرش جديد لمدة من الزمن حتى يهرم و يموت مثل الكائن البشرى (ولادة, رحلة, فموت) و كذلك هى اللأفكار تولد, تخلق, تتقاتل تصنع المارد الذى يلغى الأول, و الشيء الجميل هو ان ذلك المارد من مكون المتوفى!
و كمثال فى هذه الحياة نشأت احزاب سياسية كثيرة عالمية و قومية و قطرية و سقطت كلها بسبب فكرة البديل, لقد سقط الإتحاد السوفيتى بالكامل ليس لأنه نظام دكتاتورى أو تسلطى, فالديكتاتور و التسلطية القمعية تقع فى كل جسد انسانى ونحن نمارسه فى حياتنا اليومية مع المحيطين بنا تحت عنوان المحبة احياناً.
o إنما ما اسقط كل الأمم هى الفكرة (الاقتصادية) القاتلة التى صنعتها النظرية الفكرية و تبنى النظرية من قِبَل الحزب و الدولة, فالذى اسقط الدولة الروسية الاشتراكية هى منظومة الفكرة الاشتراكية فالشعوب لا تأكل الكتب و إنما الطعام, فلقد فشلت تلك الأنظمة فى امتحان "المعدة" و الجيب و هى لا تختلف عن الأنظمة الرأسمالية التى سوف تفشل هى كذلك فى نفس الامتحان باختلاف الأنماط السلوكية, ففى الاشتراكية المعدة خاوية و فى الرأسمالية الجيب خاوى و لكن يحافظ على البطاقة البلاستيكية المسماة (الدين بالأجل) – Credit Card)) و الدفع مستحيل, بطاقة الإئتمان الشراء و الدفع المؤجل.
o أما الفكرة السياسية قامت على (ثقافة الخوف بين الحاكم و المحكوم) فى العالم. و هذه الفكرة تسلى بها الحاكم كثيراً فى مجتمعاتنا العالمية فى القرنين ألماضيين خصوصاً, فالمحكوم يخاف الحاكم, و الحاكم يُخَوِف المحكوم و علاقتهم كراهية و ليست حباً, فنحن لا نحب من يُخَوِفَنا و هذه الفكرة انقلبت على نفسها, صنعها الحاكم وسقط فى الهاوية, فالخوف فى الجيل الثانى تمكن من الحاكم و أصبح يخاف شعبه فعاش هو فكرته التى صنعها, ففكرة ولدت حالة خطرة فى الجيل الثانى من الفكرة فقتلته.
o و كذلك ثقافة احترام الكبير لكبر سنه و المتدين لدينه (ثقافة احترام) - فكرة الاحترام الزائفة. عندما نحترم الكبير و نخشاه لكبر سنه و ليس لعقله و المتدين نخشاه لدينه و ليس لخُلُقَه ثم اعطيناهم ميزة علوية للاحترام و هكذا اصبحوا لا يحترموننا و نجبر على طاعتهم و هذا وَلَد فى الجيل الثانى فكرة الكراهية, فنحن نحترمهم و هم لا يحترمون خصوصياتنا, علينا طاعة قوانينهم و اكثرها استبدادية و هكذا فى الجيل الثانى للفكرة, سقطت الفكرة.
كل هذه الأفكار, الإقتصاد, السياسة و احترام الشخوص صور من افكار تنقلب ضد نفسها.
أما إذا تجولنا فى الذات البشرية حيث حب الكبير و العطف على الصغير, الطفولة و كبار السن و مد يد العون للمرأة و خصوصاً الأم فهى افكار انسانية لا تنقلب فكرتها دوماً و إنما الذى ينقلب ضدها هو الفكر السالب او المتفكك للجيل الثانى, وهذا نسبية و نمطية لكون وجوب أن يكون للأفكار قاعدة و خروج عن تلك القاعدة و هنا الخروج هو ليس خروج بقدر تدفق شلال الأخلاق الإنسانى بدون مصالح بشرية, فحب الطفل و الكبير و الأم غرسة تُوَلِد غرس لا تنتهى. إذن فى الأفكار الاستثنائية و الاستثنائية هى قاعدة للفكرة الأولى لعدم وجود الحالة الشاملة أو ألشمولية أو الفكرة امتكاملة.
نلخص الفكرة:
ولادة --> (مساحة من الزمن) –> ولادة فكرة --> (مساحة من الزمن) --> الفكرة الجديدة تنقلب و تردد بسبب العامل الزمنى الإقتصادى السياسى و الدينى و الجمالى.
فعندما نصنع الأفكار ننسى ثغرة قاتلة, و لهذا لا تصنعوا الموت قبل الولادة.
الإثنين، 11 حزيران، 2012
#هيثم_هاشم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟