أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد بقوح - أمكنة ناطقة ( 3 ) : جوطيا إنزكان















المزيد.....

أمكنة ناطقة ( 3 ) : جوطيا إنزكان


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 3748 - 2012 / 6 / 4 - 21:45
المحور: كتابات ساخرة
    


جوطيا إنزكان مكان محبوب لدى الجميع. إنزكان كمدينة لها وجهان. وغالبا ما تُستحضر بالمكان المزين. هو مظاهر المكان المهيمنة على كل حال. البارزة و الظاهرة للجميع. لكن، يُنسى قصدا المكان البئيس لمدينة إنزكان. حيث أشكال الجوطيا و حديث لافيراي. و أصحاب ( الفراش ) القانعين بدخلهم اليومي. هؤلاء الذين يبيعون أشياء تبدو تافهة و قديمة جدا و بلا معنى. لا يعلم من أين حصلوا عليها. المهم أنهم موجودون في الشارع العام. صامدون هناك. على الرصيف بالقرب من بائعي الأسماك و عربات الخبز الدافئ. بطالة مقنعة. الجميل أن هذا المكان الملون بكل هؤلاء الأشخاص عرف مؤخرا بائعا جديدا. هو بائع شتائل الورد و الأزهار و الأشجار و مختلف النباتات. فتزين وجه المكان البئيس بشريط أخضر بهي ملفت. هي ذي الجوطيا ترتدي لباس الربيع. ربيعا بحروف مغربية مختلطة. تجد في مدخله الفرّاشين و العربات المثقلة بأشياء لا تبدو ضرورية. أناس جاءوا من كل أرجاء المدن المغربية. جاءوا من طنجة و فاس و وزان و خريبكة، و من الحسيمة و البيضاء و أسفي و مراكش و وجدة... يكترون غرفة واحدة بأربعة أشخاص في حي شعبي منسي. غالبا ما يكونون من نفس المدينة. و أحيانا من نفس الحومة. يعملون صباح مساء. يشترون و يبيعون و الرزق على الله. لا يهتمون بالسياسة و كلام البرلمان. هو كلام ممل بالنسبة إليهم. يعرفون أنه مضيعة للوقت. وقتهم الثمين. يدخنون في المقهى وقت راحتهم. و بكثافة يسكرون حتى الثمالة كل سبت حليم. أمسية السبت هي ليلة نهاية أسبوع متعب. قمة الضغط و بوابة الانفراج. استعدادا ليوم .. و أسبوع مقبل كله تعب. منفتح على المجهول..

عودة إلى الجوطيا.
حين تصل إلى بائعي الجوطيا. تستقبل في الحين برائحة ( الكاميلا ). و تسمى أيضا ( الخردولا ) بالدارج المغربي. وهي تطبخ على ألسنة البوطا في عمق الدكّان. فإنك، أنذاك تكون قد وصلت إلى نخبة تجار المكان برمته. الجوطيا مهمة لمن يحسن التنقيب. كما يحسن القيل و القال. التنقيب باليدين و العينين معا. لكن ليس بالأمر الهين ممارسة فعل التنقيب. و إن فعلت لا يكون فعلك دوما ناجحا. قد يقتصر تنقيبك على سطح الجوطيا. أنذاك لن تفوز سوى بالقشور. أعني بالمهمل من ملابس الجوطيا. سروال هنا و قميص هناك. و لن تجد ما تريد. عيناك تبحثان عن سروال ( يحمّر) الوجه. لأنك ستلبسه طبعا أمام الناس. يجب أن يكون سروالا نافعا. يتمتع بصحة جيدة. و خاصة بثمن الجوطيا. و هذا هو الأهم. سروال مثله مثل باقي سراويل ( أيها الناس ) لكنه من الجوطيا..

للجوطيا تاريخ طويل.
خاصة في بلد كبلدي الجميل. بلد البحر و السياحة و الأسواق الرفيعة. و الأشخاص الميليارديين. تجد حتى الأثرياء يتزاحمون مع الفقراء على الجوطيا. يموقعون سياراتهم الفخمة شمالا. في بارك يسمى ب"القطار". بعيدا عن الأعين. و يهبطون رويدا رويدا في اتجاه المكان. حيث رائحة الجوطيا المعروفة لدى أنوفهم المدربة. يتركون محلاتهم الكبرى و يقصدون جوطيا الفقراء. العفو. لم تعد الجوطيا مقصد الفقراء فقط. لكن لماذا يفضل الأثرياء التسوق من الجوطيا ؟ لماذا لم يبقوا أوفياء لمحلاتهم التجارية الراقية. كمحلات مارينا مثلا. محلات العلامات التجارية المختزلة لصوت العولمة الكاتم. ربما هناك سرّ. سر هو بدوره يحتاج إلى بحث و تنقيب. الفقراء خالفهم حظ الحياة. أو ربما حظ الوجود. لأنهم ولدوا فقراء. الضعف و الفقر و الحرمان هو الذي أجبرهم على اختيار الجوطيا و التعايش معها. لكن بالنسبة للأغنياء. يبدو الأمر مختلفا و صعبا للتفسير. لأنهم يملكون ما يكفي من المال لتجنب صعقة الجوطيا. هل التقشف هو الذي دفعهم إلى الجوطيا. ربما التظاهر بالتواضع أمام عامة الناس. هل التسوق في الجوطيا هو علامة على تواضع المرء ؟ لا أعتقد. ربما هو نوع من النفاق الاجتماعي. إذن، ربما حتى أغنياءنا اكتووا بالأزمة العالمية. قيمة الدرهم باتت في قاعدة الحضيض. القدرة الشرائية عند المواطنين صارت عدما في عدم. كل يوم يمر على الحكومة يكون كالزمهرير. هذه الحكومة ( المسكينة ) أخطأت في حساباتها. أو ربما قلبها الكبير على المغرب و مستقبل المغاربة، جعلها تنزلق بدرجة لا نعرف اليوم متى سينتهي انزلاقها. أصبحت حكومة السي بنكيران جد مرتبكة. فتحت جميع الملفات. و بقيت ملفاتها منشورة تعبث بها الرياح هنا و هناك. عفوا أريد أن أقول تعبث بها الأيدي.. ارتجال واضح و عجز و ارتباك في مواجهة المشاكل الحقيقية في البلد. منها إشكالية الفساد و التعليم و الشباب و الشغل، و الريع و الأشباح و خفافيش الظلام.. و هلم جرا. الملفات بات يعرفها جميع المواطنون. من خلال الصحافة التي ازداد اليوم لسانها طولا. لكن في البلاد أزمة الفعل. كان المواطن يتوقع من هذه الحكومة الزيادة في الأجور. و الرفع من المستوى المعيشي للسكان. و الاهتمام أكثر بالطبقة المتوسطية- كما جاء في برنامجهم الانتخابي- باعتبارها المحرك الرئيسي لاقتصاد البلاد. لكن حصل العكس. استيقظ المواطنون اليوم على خبر الزيادة في سعر البنزين و الكازوال، و بعض المواد الطاقية الأخرى. درهمين في البنزين. و درهم يتيم في الكازوال. التلفاز المغربي سارع إلى الشارع لقياس ردود فعل المواطنين. الكل بدون استثناء يشكو و يستنكر و منهم من يستغيث.. نشرت بعض المواقع الالكترونية، أنه لأول مرة يعرف المغرب هذا الحجم في زيادة سعر المواد الطاقية، الخاصة بوسائل النقل السيارة. لماذا لا تقوم الحكومة المغربية بشراء المواد الطاقية اللازمة و الضرورية من سوق الجوطيا. أعني مثلا شراء بنزين مستعمل و كازوال مستخدم. حماية للقدرة الشرائية للمواطن ؟؟ ربما يبدو هذا السؤال جنونيا. لكن أليست تلك الوقفات أمام الإدارات و الاحتجاجات أمام المعامل و المسيرات الشعبية في شوارع الرباط.. و غير الرباط من المدن المغربية.. أليست هذه المظاهر ( الاحتفالية ) هي الجنون بعينه. نستحضر هنا المواد المهربة. ألسنا مهددين بخطر التهريب من جديد ؟؟ و كأننا سنعيد و نستعيد شريط الماضي في اتجاه الحاضر. و إذا اشتعلت نار التهريب هذه المرة، فلن يقدر أن يطفئها حتى الشعراء بمدحهم التكسبي البغيض. كنا في الجوطيا و أصبحنا في التهريب. و العلاقة بينهما واضحة. فوجود حل الجوطيا هو الذي يحمي الوطن من نار التهريب. ( المُجوّط ) - نسبة لصاحب الجوطيا - يعمل في ضوء القانون. كباقي التجار من حوله. في حين ( المُهرّب ) - نسبة لصاحب المهربات - ينظر إليه كمجرم. لأنه يمارس الفعل التجاري المشبوه و في الخفاء.

إذن الأفضل هو الجوطيا و ليس التهريب. لكن ماذا فعلت الدولة حتى لا يلجأ المواطن إلى التهريب؟؟
و ماذا حاولت أيضا أن تفعل، حتى تحمي الجوطيا من الوافدين عليها بدون ترخيص مسبق.. يعني بدون نفاق أو تصنع أو هروب إلى الأمام...؟؟
الجواب بسيط. تدعم جداريات البيئة الخضراء. تحافظ على التوازن بموسيقى الموازين. لكن منتخب الأسد لم يكن عند حسن مروديه. و لا يزال يشكل لهم بصمة عار في جبينهم. الفرجة الكروية تم ابتلاعها من طرف الفرجة الفنية الرخيصة. كلاهما مخدر. إذن من الأفضل الابتلاء برائحة الجوطيا..
و رائحة جوطيا إنزكان هي الأفضل.



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد مبدأ الحرية في التصور الفلسفي عند سبينوزا
- سؤال القيم في الكتابة الفلسفية عند نيتشه
- ما مصير الحوار الإجتماعي المغربي راهنا، في ظل رفض القوى المح ...
- أمكنة ناطقة : فعل الكتابة و الصيرورة
- جدلية الثابت و المتغير في التفكير الفلسفي
- إشكالية أزمة التعليم المغربي و المراهنة على تكريس الخطاب على ...
- قصة قصيرة : مندوب وزارة الصحة
- الفكر التربوي عند عبد الرحمن بن خلدون
- قراءة دلالية في رواية جنوب غرب طروادة جنوب شرق قرطاجة لابراه ...
- قصة قصيرة : اللغم المقدس
- مفهوم الجوهر في فلسفة سبينوزا
- المطالب الحيوية لأساتذة التعليم الإبتدائي و الثانوي الإعدادي ...
- قصة قصيرة : مرينا في المنطاد
- المسألة التعليمية من منظور محمد عابد الجابري ( 2 )
- المسألة التعليمية من منظور محمد عابد الجابري ( 1 )
- أمكنة ناطقة : وَلْحُرّي
- شعر : من أكون ..؟
- تجليات التجديد و التطور في فلسفة السوفسطائيين
- حوار على هامش الكفاءة المغربية ( 1 )
- قراءة نيتشه لفلسفة سقراط ( 2 )


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد بقوح - أمكنة ناطقة ( 3 ) : جوطيا إنزكان