أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سامي كاب - تراجيديا الطفولة في عالمنا العربي















المزيد.....

تراجيديا الطفولة في عالمنا العربي


سامي كاب
(Ss)


الحوار المتمدن-العدد: 3748 - 2012 / 6 / 4 - 17:24
المحور: المجتمع المدني
    


قصة حقيقية تمثل تراجيديا الطفولة في عالمنا العربي

اخرج كل يوم في الصباح لامارس الرياضة في الهواء الطلق وقبل ايام لاحظت فتاة صغيرة بعمر يقارب الثمانية سنوات تقف على جانب الطريق مقابل بيتها وتحدق بي وانا اركض على الرصيف المار من امامها فلفتت نظري باناقتها وجمالها وبراءتها وذكاء نظراتها ورقتها ولطفها وحسن تربيتها واللتي قرأتها من ابتسامتها لي ونظراتها الخجولة وقسمات وجهها الوديعة الطيبة الودودة ... نظرت اليها بحنو واعجاب وتقدير واحترام ومحبة وابتسمت لها واشرت لها بيدي اشارة التحية واكملت مهمتي في الركض
وفي اليوم التالي عاد نفس المشهد وتكرر لمدة اسبوع
وذات يوم استوقفتني الفتاة باشارة من يدها وابتسامة وتحية الصباح اذ قالت صباح الخير عمو
وقفت وابتسمت ونظرت اليها بكل حب واحترام وقلت لها صباح النور
قالت : هل تسمح لي ان اتكلم معك ؟
قلت لها: تفضلي
قالت : انني احبك
قلت لها : وانا ايضا احبك
قالت : انت تلعب الرياضة وتركض وانا احب الركض والرياضة ولكن ابي لا يحب الرياضة ولا يسمح لي ان العب رياضة بالخارج مثلك
اريد ان اذهب معك اركض بالجبل وتحت الاشجار وانطلق فانا احب الطبيعة .. لقد كرهت البيت .. كل وقتي بالبيت مخنوقة بالصراخ والفوضى والطبيخ والكنس والغسيل ومشاكل اخوتي والجيران وامي مريضة كل الوقت وابي يضربها ولا يوجد لدينا طعام ابي عاطل عن العمل واخي الكبير يدخن ويسرق نقود امي ليشتري السجائر ويذهب سهرات مع اصحابه ووووووو .... وبقيت تتكلم عن مشاكل حياتها الاسرية اليومية لمدة نصف ساعة تقريبا وانا اقف منتبها لها ناصتا اراقب حركات يديها وعينيها وتقاسيم وجهها اللتي تعبر عن الصدق والبراءة والذكاء والحنكة والحكمة والدراية وكانها بعمر الخمسين وذات تجربة حياتية كبيرة وذات وعي ونضج عقلي اكبر بكثير من سنها
لقد ذهلت من هذا الموقف واحسست ان الفتاة مشحونة ومحتقنة نفسيا وقد وجدت من تفضي له باسرارها وتعبر له عن نفسها وما يدور بخاطرها وتفرغ شحنتها لترتاح اساريرها ويهدأ بالها
لقد قرأت من هذا الموقف قصة الطفولة التراجيدية اللتي تعيشها الفتاة في مجتمعنا
هي قصة نموذجية حقيقية تعبر عن واقع الطفولة المخفي خلف ستائر الخجل والتورية الاجتماعية والخوف والدين والعادات والتقاليد والمفاهيم المعاكسة للمنطق الطبيعي للحياة والانسانية وفي ظل انعدام الوعي الحقيقي للحياة وعلاقة الانسان بالوجود
وبعدما حكت الفتاة كل ما عندها قالت لي : والآن مع السلامة اريد ان اعود للبيت قبل ان تفتقدني امي لانني انا من يرعى البيت ويقوم بخدمة اخوتي الصغار كون امي مريضة بالفراش ولكن قبل ان تغادر اسمح لي اريد ان ابوسك فاقتربت منها وحنيت راسي امامها فحضنتني وباستني بخدي بوسة طفولية بريئة خفيفة خجولة كمن تبوس وردة تخاف عليها من الذبول
احسست من البوسة بدفء العاطفة الانسانية الانثوية اللتي تملكت وجداني وسيطرت على احاسيسي ورحلت بي الى عالم الحب والحنين والعطف والشفقة والبراءة والطيبة والنقاء والعفة
وبعدها اصبحت تلك الفتاة حبيبتي وصاحبتي وصديقتي وغاليتي ومؤنستي وعنصر اساسي في حياتي المها هو المي وفرحها فرحي وحزنها حزني وطيفها اصبح لا يفارق خيالي كل الوقت
هذه الانسانة بكيانها الانساني الطفولي البريء احببتها بكل ما بالكلمة من معنى وعشقتها عشقا انسانيا خالصا
اسمها غادة ومن اجمل الاسماء اسمها فهو بالنسبة لي اغنية الانسانية والانوثة والرقة واللطف والعطف والحب والحنين
غادة الذكية الجميلة النقية الرشيقة الفاهمة الحكيمة الطفلة البريئة الانسانة الواعدة الراقية الانثى الطيبة الانيقة الذويقة المسالمة المحبة المبتسمة الزاهية الوديعة وذات الصفات التكاملية الانسانية الراقية المتحضرة
غادة اصبحت حبيبتي
وحبيبتي تستحق مني الاحتضان والتقبيل
وتستحق مني كل ما يفرحها ويحسسها بقربي منها حيث الامان والدفء والحنان والاطمئنان والسلام والانس والدعم المعنوي والثقة والحب
لقد دفعني احساسي بالواجب اتجاه من احب بان آخذ معي كل يوم في الصباح هدية متواضعة لغادة تعبر عن حبي لها وتقديري واحترامي لها
كل يوم تعودت ان أهديها هدية كحبة شوكولاته او لعبة او قطعة حلوى او قصة او كتاب صغير او كراس رسم او الوان
غادة ذكية وقارئة تحب القصص والكتب العلمية والرسم والالوان كما قالت لي وكنت اهديها كل ما تحب وتهوى
توثقت العلاقة بيننا والتغت كل الحواجز الاجتماعية اللتي تصنعها الغربة وتزيلها الالفة
غادة اصبح عمرها تسع سنين انهت الصف الثالث الابتدائي وستدخل الصف الرابع الابتدائي في الموسم الدراسي القادم بعد ايام
انها العطلة الصيفية للمدارس
وكالعادة خرجت للرياضة في الصباح ووصلت الى حيث التقي مع غادة كل يوم على الرصيف امام بيتها
هذه غادة مطرقة الراس واجمة شاحبة اللون مكفهرة الوجه منثورة الشعر عيناها حمراوان تبكي وكانها فقدت عزيزا عليها
غادة حبيبتي ما بك تبكين وحزينة هكذا ؟ ماذا جرى يا حلوتي ويا حياتي غادة ؟
قالت : ابي قرر ان لا يعيدني للمدرسة وان امكث بالبيت لخدمة البيت بسبب ان امي مريضة بالسرطان لا تقدر ان تواصل خدمة البيت من اجل الاسرة
ما ذنبي انا ولماذا احرم من المدرسة وانا الاولى على صفي ؟
انا احب القصص والعلم والرياضيات والرسم والموسيقى
انا احب الحياة والانطلاق والرقص والسياحة والطبيعة والرياضة
كل ما احبه ممنوع منه ومحرومة منه لماذا لماذا ؟؟؟
ابي هو من يمنعني وامي المريضة اللتي احبها ايضا تمنعني ولا اعرف مالسبب
وعمي واخوالي وكل الاقارب والجيران والشيخ ابو ابراهيم ايضا يقول لي ممنوع وحرام
انت املي الوحيد وانت الوحيد اللذي لا يمنعني من كل ما احب وارغب واهوى واتمنى واشتهي
خذني اليك ضمني بحضنك تبناني اتخذني وانقذني من عالمي القاتل المريض السقيم المؤلم قبل ان انتحر اذ عدت لا اطيق الحياة وقلبي لم يعد قادرا على تحمل القهر
وتكلمت وحكت الكثير عن حياتها المأساوية وما كان مني اللا احتضنتها وقبلتها وضممتها الى صدري بقوة بدافع الانسانية والابوة والشفقة والحنو والحب والوفاء والاخلاص
وماذا افعل في واقع اجتماعي لا يسمح بالتبني من ابنة لها اسرتها ولها ابوها اللذي يتملكها بالعرف الاجتماعي العربي الاسلامي
ما ذا افعل في واقع اجتماعي مفروض علي ان اعايشه لا يؤمن بالديمقراطية والمدنية والحقوق الانسانية مثل حق الانثى في المساواة مع حق الذكر وحق الانسان الكامل بالحياة والحرية وتحقيق الذات
لقد حضنت غادة وضممتها الى صدري بقوة وبكيت وهذا اقصى ما اقدر على فعله اتجاه غادة ... الانسانة المنكوبة ضحية الغباء والجهل والتخلف
وفي تلك الاثناء تصادف وقوف امها على شرفة المنزل ووقوف احد جيرانهم امام البيت
اذ شاهدوني احتضن غادة واقبلها على خديها كأب يحتضن طفلته الصغيرة ويقبلها على خديها قبلات الحب للطفولة
هنا المصيبة والكارثة والموبقة والامر الجلل
غريب يحتضن ابنة العرب والاسلام ويقبلها وفي العلن وفي الشارع وامام البيت ؟
اين شرف العروبة وهيبة الاسلام ؟
لقد اهتز عرش الاله وارتعشت السماء وتمايلت الارض وانزاحت من اركانها لهذا الحدث المصاب الكارثي العظيم
نعم ... لقد حصلت كارثة
من هذا اللذي يحضن غادة ويقبلها ( يبوسها ) بالشارع بكل جرأة وتحدي للقيم والاعراف والعادات والتقاليد والدين
انه مجنون ...
انه سكران مدمن كحول ....
انه حشاش مدمن كوك ...
انه شيوعي ....
انه يريد اغتصاب الفتاة ...
دارت القصة وانتشرت الحادثة كما تنتشر النار بالهشيم واصبح الكل من المحيط الى الخليج يعرف بها ويتحدث بها صغيرا وكبيرا
وانتهى القول والتخمين والحكم والقضاء والافتاء الى ان هذا الانسان ليس مجنون وليس سكران وليس مدمن ولا يتعاطى المخدرات بل انه انسان سوي طبيعي يمارس الرياضة كل يوم وهو ذكي ونشيط ومهندس ناجح
والحكم انه يريد اغتصاب الفتاة او انه اغتصبها وفي كل الحالات فان الموقف يسمى حالة اغتصاب
المهندس يغتصب غادة / سامي اغتصب غادة
هكذا انتشرت القصة واصبحت متداولة في كل مكان وبيت وزاوية وعلى كل لسان واخذت اشكال عديدة ومن مختلف الالوان
سامي يفض عذرية الطفلة غادة في وسط الطريق
سامي ينكح غادة امام بيتها وامام امها والجيران وامة الاسلام
سامي يمارس الفاحشة مع غادة امام الله والناس
سامي المغتصب
سامي اللذي لا يعرف الله ولا يؤمن بمحمد والاسلام ولا يصلي ولا يصوم
سامي الكافر
انبذو سامي واحتقروه ولا تتعاملو معه ولا تسببوه ولا تشغلوه ولا تحترموه ولا تسلمو عليه ولا تردو عليه السلام وان استطعتم آذوه واقتلوه
سامي الكافر الملحد الشيوعي عدو الله والاسلام يستوجب عليه اقامة الحد
لا حياة لسامي بين المسلمين بل انه ليس منا ونحن بريئون منه براءة قطعية
والنتيجة كانت مختصرة بالآتي :
أخرجت غادة من المدرسة واصبحت مربية منزل ولبست الجلباب والنقاب وحرمت من كل انواع التعليم والحياة الانسانية والكرامة والحقوق الحياتية وبقيت مجرد عبدة خادمة
ماتت امها بعد اربعة شهور من حادثة الاغتصاب الموهومة وتزوج ابو غادة بعد وفاة زوجته بشهرين امراة عمرها سبعة عشر عاما وهو عمره اربعون سنة
زوجة ابيها لغادة تضربها كل الوقت وتحتقرها وتحرمها من الاكل والشرب والنوم وكل ما تستحق بالحياة وتعاملها معاملة العبدة الخادمة
غادة حبيبتي تعيش في حجيم ولا اقدر على مساعدتها رغم انني اسكن قريبا منها وامر من امام بيتها كل يوم في الصباح
ابكي واتألم ولكن ذلك كله لا يغير واقعا صنعه الدين والعرف والمفاهيم والتخلف الاجتماعي الثقيل
غادة نموذج صغير لعالم الطفولة التراجيدي في وطننا العربي وعالمنا الاسلامي



#سامي_كاب (هاشتاغ)       Ss#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبيعتي الكيانية كانسان راقي تتمثل بالعلمانية
- المعرفة تطغى على العقل مكان الايمان بالوهم
- هذا انا علماني لمن يريد ان يعرفني
- افرازات صراع الحضارات في زمن العولمة
- نهاية مرحلة وبداية اخرى في مسيرة الحضارة الانسانية
- علوم انسانية من تجربة الحياة المدنية
- معادلة الحياة مبنية على اساس ان الحياة مادة
- الحرية صفة الانسان الطبيعي لا يلغيها الانتماء
- السب والشتم فلسفة نقدية ومنطق للتصويب
- من اسس النظام الاجتماعي المدني
- مفهوم الغريزة لدى الانسان المعاصر
- العلمانية في فرنسا تعتلي منصة الحكم والقيادة
- متى ابكي ومتى افرح
- العلمانية في مواصفات الانسانية
- الصراع على المادة ( ثروة الحياة )
- من حقي ان اعيش حياتي
- اسباب تمنعك من ان تكون علماني عليك تجاوزها
- مؤهلات الانسان المعاصر الاساسية
- لماذا انا احلم ؟
- الحب هو اكسير الشباب وطاقة الرجولة للرجل


المزيد.....




- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-
- السعودية ترحب بالتقرير الأممي حول الاتهامات الإسرائيلية بحق ...
- -العفو الدولية-: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريك ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سامي كاب - تراجيديا الطفولة في عالمنا العربي