أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد صالح - عودة من الموت















المزيد.....

عودة من الموت


محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3736 - 2012 / 5 / 23 - 02:50
المحور: الادب والفن
    


العودة من الموت !!..
في قرية صغيرة، معظم أفرادها.. تربط بينهم قرابة عائلية،.. وسط جبال الأطلس المتوسط الشاهقة.. الشاهدة على الملحمات البطولية التي فجرها أبناء المنطقة ضد المستعمر،.. تقطن جدتي، إمرأة في الثمانينيات من عمرها، تأبى أن تفارق التراب الذي عاشت فوقه واقتات منه.. وتصر على البقاء وفية له، إلى أن تصبح جزءا منه،.هناك، عادة ما يجتمع أفراد العائلة الكبيرة، التي قطع معظمهم المسافات الطوال، ليجتمعوا، في نفس المكان الذي أشتد فيه عودهم.. وصنع منهم رجالا إختاروا أن يغزوا مختلف مناطق هذا الوطن..، ونساء صنعوا لأنفسم اسرا صغيرة... يجتمعوا ليسترجعوا ذكريات قديمة..، بعضها مفرح وبعضها الأخر محزن،.. دون أن تترك فرحت اللقاء الفرصة لعلامات الحزن أن تخييم على وجوههم... وفي أحد تلك الأيام الجميل، أحاطت العائلة بطاولة صغيرة وضعت صينية الشاي....وهل يحلو الكلام بدونه؟ أخذت كأسي وبدأت أنصت لما يقولنه،... رغم أن كلامهم هذا لم يطربني،... فأنا شاب دون 17 سنة، كلي طموح وحيوية..، كيف يمكن أن ارتاح لأحاديث إخوة اجتمعوا بعد غياب طويل..، وضعت الكأس بعد أن جعلت الشاي يجري داخل أمعائي،... فوقت وغادرت الجلسة العائلية، لأتفحص أرجاء القرية الصغيرة وألتقي بصبيانها وشبابها، فمعهم سأمضي أوقات أفضل....وفي كنف شجرة "الدردار" العملاقة التي تفتح أغصانها لتستقبل بظلها كل من أحرقته أشعة الشمس،.. كان الأصدقاء مجتمعين يتبادلون الحديث .. والقهقهات تملأ المكان، تقدمت نحوهم فبادرتهم بالسلام ليستقبلوني بحفاوة كبيرة، قبل أن يكلمني هشام ذاك الشاب الذي يكبرنا جميعا فعمره حوالي 20 سنة ذو بينة جسدية قوية اكتسبها من أعمال الفلاحة والرعي .... وغيرها من الأنشطة التي تميز المنطقة، قائلا فرصة سعيدة لأنك وصلت في هذا اليوم، فنحن نخطط للذهاب بعد قليل للسباحة فنهر "سبو"، وبدون أدنى تفكير قلت هيا بنا، سأعود للبيت كي أخبرهم ثم أحضر بعض الزاد للرحلة وآتي في الحال، تفرق الصبية وكان عددهم نحو 13 شخصا، على أساس اللقاء بعد 30 دقيقة أي عند الحادية عشرة تمام. ثم اتجهت إلى البيت مسرعا، فقاطعت حديث الإخوة، وطلبت من أمي أن تساعدني في تحضير بعض الأكل في أسرع وقت، سألتني عن السبب، وما إن قلت لها رحلة إلى النهر، حتى انفجرت غضبا وصرخة في وجهي ماذا تريد أن تفعل هناك؟؟ فأنت لا تجيد السباحة، ولا أريد أن تقع في مشكلة ما، لتحول عطلتنا هاته، إلى جحيم، توسلتها لكنها رفضت، وقالت أنت تجهل خطورة ذلك النهر، فعدد كبير من الأشخاص فقدوا حياتهم هناك...، فتحولت نبرة صوتها.. لتتحدث بلطف وتتوسلني كي لا أذهب، عجبا لقد رأيت في عينها خوف شديد، ولاحظت كيف أن يديها ترتعش، وكأن قلبها أنبأها بحصول كارثة، وقالت يا بني لا أوريد أن أفقدك، فجمالية النهر رائعة، لكن خطورته مروعة..،.. طأطأت رأسي حتى لا ترى نظراتي الماكرة وأجبتها لا تقلقي أمي لن أذهب...، فأدرت ظهري وخرجت ثانية، التقيت بأصدقائي، ودون أي اكتراث لنصائح الأم الخائفة، رافقتهم إلى النهر... كان فصل الربيع في أيامه الأخيرة، والأرض تردي فستانا أخضر تتخلله بعض الزركشات المختلفة التي تصنعها الأزهار، فتضفي عليه جمالية رائعة....، أصوات العصافير تملئ المكان بألحانها العذبة، والشمس تبعث الدفء في عروق كل من تلامسه أشعتها، شجرا كان أم بشر..، ومجموعة الأصدقاء تشق طريقها إلى وجهتها في جو مفعم بالفرح والمرح، مررنا وسط خضرت حقول "الفول" و"الجلبان" نقطف ونأكل دون حسيب ولا رقيب..، وبعدها بعض شجيرات اللوز المتناثرة على قارعة الطريق، قبل أن نجد أنفسنا في أعلى قمة جبل شديد الانحدار، يطل على نهر سبو، من هنا يمكنني سماع خرير المياه..، حيث ينشد إلى جانب صوت الريح الذي يعزف على كهوف الجبل مقطعا موسيقيا هائل، أطلقنا سيقاننا إلى الريح للوصول في اقرب وقت إلى النهر..، وما هي إلا دقائق معدودة حتى صرنا على ضفاف هذا الوحش المرعب..، شرعنا في نزع ملابسنا، والقفز تباعا في حضنه..، كل الأصدقاء يسبحون بمهارة كبيرة لا يخشون من مجابهة التيار السريع. والصخور المتناثرة وسط النهر تزيد من سرعة التيار، أما أنا فاخترت أن أسبح على مقربة من الضفة، لأني لا أجيد السباحة، يقينا على هذه الحال إلى أن حدثت الكارثة، تسلقت إحدى الصخور العملاقة وسط النهر، فانزلقت قدمي لأجد نفسي وسط النهر..، جرفني التيار بسرعة كبيرة,,، لم يترك الفرصة لأحد أصدقائي كي ينقذني، وما هي إلا ثواني حتى صرت داخل كهف صغير جدا..، مساحته أقل من مترين مربع نصفه ممتلئ بالماء، شديد الظلمة، لا أدري كيف دخلت إليه، انتابني خوف شديد بدأت أتحسس المكان من أجل الخروج، حاولت الاستعانة بضوء الساعة اليدوية (casio)، حينها أدركت أن المخرج الوحيد هو الذي دخلت منه يوجد تحت الماء، بدأت أغوص لأبحث عنه مرات عديدة لكن دون جدوى، فصرت كالمجنون، أخذت حجارة وبدأت أضرب الجدار، وكأني أرغب في تحطيمه، وأنا أذرف الدموع، كان إحساس رهيب حقا، حبيس في مكان ضيق وبدون ضوء ولا أي شيء، فأسندت ظهري إلى الجدار، وبدأت الأفكار السوداوية ترحك مخيلتي، ترى ماذا سيحصل لي؟ هل سأبقى حبيسا هنا إلى أن أموت جوعا؟ أما أني سأخرج؟ لكن كيف؟ بحث كثيرا ولم أجد المخرج، أغمضت عيني وبدأت وإذا بصورة أمي تظهر أمام، فبدأ صدى صوتها يتردد في أذني... لا تذهب يا بني، فالنهر خطير جدا إنه لا يتردد فالتهام صبيان.... ثم تسائلت هل فعلا أحست بما كان ينتظرني ؟؟؟؟ يالتني سمعت كلامها !!! ما كان ليحصل لي ما حصل !!...نظرت إلى الساعة كانت تشير إلى الثالثة والنصف ظهرا، يا إلهي مضت أكثر من ساعة من الزمن وأنا هنا.... ترى فيما يفكر أصدقائي؟؟؟ هل عادوا إلى القرية لإخباري عائلتي؟؟؟ أما لا زالوا يحاولون البحث عني؟؟؟ كيف سيبحثون عني؟؟ هل يعقل أن يظنوا أني لازلت حيا؟؟ رغم مضي ساعة على غرقي؟؟؟ لا لا أكيد أنهم استسلموا وأصبحوا على يقين من غرقي... لا بد أنهم الآن في طريقهم إلى القرية.. أو قد يكونون هناك.. آه !! أمي المسكينة كيف ستتقبل فكرة غرقي؟؟ ستكون صدمت قوية ... لربما تصاب بمكروه؟؟ لا لن أسمح بذلك سأخرج مهما كلفني الأمر فإما أن أموت وإما أن أعود إلى البيت....لكن لن أبقى هنا بين الحياة وموت، استجمعت قواي من جديد وغصت محاولا الخروج ..كررت المحاولة عدة مرات إلى أن انهار جسدي ... لكن بدون جدوى...نظرت من جديد إلى ساعة إنها الخامسة حاولي ثلاث ساعات على غرقي ..... استسلمت مرة أخرى إلى مخيلتي .. لقد انتهى أمرك أيها الفتى !! ... لقد صرت في عداد الموتى، رغم أنك لازلت حيا تتنفس، لكنها مجرد مسألة وقت .. سرعان ما ستموت جوعا..هذا إذا منح البرد فرصة للجوع كي يقترف جريمته !!!... وضع رهيب حقا، لن أستطيع وصفه حتى وإن تلاعبت بالكلمات ببارعة، حتى وإن كان أكبر رواد اللغة العربية في مكاني، لا أحد يمكنه أن يرفع وضعي غير سيزيف !!.. فهل سأكون بعناده؟... لن يستطيع وصف شعور شاب في 17 من عمره، محبوس في مكان ضيق، لا أحد يعلم بوجوده هناك، ولا يستطيع فعل شيء غير انتظار عزرائيل، الذي بات على مسافة قريبة جدا إليه، ربما هو أقرب إليه من تلك الصخرة التي يستند إليها.....، 4 ساعات من الخوف والرعب والهلع والحيرة ....، بعدها جاء الفرج !! .. نعم جاء الفرج باتت الساعة تقارب السادسة، حينما بدأت أشعر بالمياه الباردة تداعب قدمي، فتساءلت ما هذا؟؟؟ نعم إن المياه الحبيسة هنا دافئة، والمياه القادمة من الخارج باردة، لابد أنها تدخل من حيث دخلت، وبدون أدنى تفكير غصت ثانية وبدأت أتحسس مصدر المياه البادرة، كررت المحاولة عدة مرات، إلى أن عثرت عليه..، نعم وجدت المنفذ..، عدت واستجمعت قواي وملئت رئتي عن أخرهما بالهواء ثم غطست ورميت بجسدي نحو المنفذ،... وما هي إلا ثواني حتى وجدت التيار يجرفني بسرعة ليقف بي إلى سطح النهر، لقد نجوت .. لقد نجوت ... تمسكت بإحدى الصخور، وحاولت التقاط الأنفاس من جديد، فبدأت أبحث على أقرب ممر إلى ظفة النهر، فالليل بدأ يسدل ستاره، والرؤية أصبحت صعبة بعض الشيء، إلى أن لفت انتباهي ضوء خافت في الأفق، حاولت أن أدقق النظر لأكتشف أنه ضوء القناديل، أتراهم أفراد القرية قادمون للبحث عني؟؟ فجأة اختفى !! لأعرف أنهم عائدون بعد أن فقدوا الأمل، حاولت أن أصرخ لكن العتب لم يسمح لي بذلك، ارتميت في النهر ثانية وبدأت أقاوم إلى أن صرت على ضفته، استلقيت على ظهري، وبدأت أشعر وكأنني أفقد الوعي، حينها سمعت صوت نباح أحد الكلب، هل هو "جاك"؟ الكلب الذي يعيش ببيت جدتي، أم هو كلب أخر؟ لم أكمل أسئلتي هاته حتى وجدت "جاك" يقفز وينبح بأعلى صوته، وكأنه يرقص فرحا لنجاتي، قبل أن تلتقطي أدني أصوات أفراد القرية الصغيرة وهم يتسابقون نحوي، حينها دخلت في غيبوبة تامة، بعد أن أدركت أني في أمان ...



#محمد_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كابوس اللاكابوس
- حلم غير مشروع
- مسار سياسي
- عودة الحلم
- تقرير اولي حول اليوم الدراسي
- تعييم الحكومة وإعفائها بين دستزري 1996و2011
- قراءة في النظام الداخلي لمجلس النواب (الجزء الثالث)
- قراءة في النظام الداخلي لمجلس النواب (الجزء الثاني)
- قراءة في النظام الداخلي لمجلس النواب بالمغرب
- الإطار القانوني للعلاقات المغربية الأوروبية
- مثالب وعيوب الدستور المغربي الجديد
- مضمون الوضع المتقدم للمغرب في الإتحاد الأوروبي
- نداء ((حق العودة)) في مرحلة أولى خمسون ألف لاجئ فلسطيني يو ...


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد صالح - عودة من الموت