|
ثارات النظام السوري
عمر البحرة
الحوار المتمدن-العدد: 3728 - 2012 / 5 / 15 - 14:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ما بعد الغزو الأمريكي للعراق قال لي الزميل مهيار معلقا على اتساع هامش الحرية المعطاة للشعب السوري في تلك الفترة (( هل تظن أن النظام غافل عن ما يقوله هؤلاء المعارضون ، مخابرات النظام يعملون الأن على تسجيل إسم كل من تفوه بكلمة معارضة وحين يرحل بوش سوف يكون للنظام حساب أخر معهم )) . حقيقة أن الثورة السورية أظهرت أجمل ما لدى الشعب السوري من بطولة وإباء وشموخ وفاجأتنا بظهور شخصيات من رحم المعاناة أصبحوا رموزا لثورة الشعب السوري ، ورموز الثورة السورية كثر جداً ، الشباب الذي ضحى بحياته مطالباً بالحرية في مقدمتهم ، ومن بين الرموز الكثر الطفل الشهيد نورس مصطفى الغزاوي وأبو صبحي إبراهيم الدرة .
في الأيام الأولى للثورة وفي مشهد مؤثر لمظاهرات مدينة دوما القريبة من دمشق يظهر مجموعة من الشباب تفرقوا إثر إطلاق النار عليهم من قبل عملاء الأسد ، بينما يمر بينهم العجوز الثمانيني أبو صبحي إبراهيم الدرة متكئاًعلى عصاه منشداً أبيات من قصيدة فرحة الجلاء للشاعر شفيق جبري مشجعاً الشباب على الثبات ورافعاً عصاه ملوحاً بها قائلاً :
يا فتيةَ الشَّامِ للعلياءِ ثورتُكـم ** وما يــــضيعُ مع العلياءِ مجهودُ جدْتُم فسالَتْ على الثّوراتِ أنفسُكُمْ ** علّمْتُم النّاسَ في الثوراتِ ماالجودُ
أبو صبحي إبراهيم الدرة بائع البقدونس ، كان أوّل شهيد يوم الخميس 5 نيسان (إبريل) 2012،فقد قام قناصة نظام الأسد باستهدافه وهو جالسا يبيع جُرَز البقدونس ، السؤال لماذا استهدف قناصة النظام ابو صبحي من بين جموع المتظاهرين ؟ ، أعتقد ان السبب يكمن أولاً في قذارة النظام ورغبته في الانتقام البشع من كل المعارضين ، وثانيا فإن براعة الشيخ في إختيار القصيدة لم تأتي من فراغ ، ذلك أن الصورة الرمزية لاختياره لأبيات من قصيدة فرحة الجلاءللشاعر شفيق جبري يعني الربط بين فرحة الجلاء وفرحة البدء بالتخلص من النظام القمعي الجائم على صدور السوريين منذ أكثر 48 عاما والذي يعتبر أسوأ من أي إستعمار شهدته سورية في التاريخ الحديث وهذا ما يستفز رجال المخابرات كون البطل أبو صبحي قد اصبح رمزاً من رموز ثورة الخلاص السورية التي أتت لتحرير سورية من هذا الإستعمار الداخلي . يبدو ان النظام لم يرق له ظهور رموز جديدة ولم يرق له ان يظهر من خلال الشعب ومن الطبقات البسيطة أشخاص يظهرون وعيا ثقافيا ووطنياً وهو الذي يعمل جاهداً على تشويه صورة الثوار والثورة فقرر توجيه قناصته لإغتيال هذا العجوز بائع البقدونس والطفل نورس الغزاوي وابراهيم القاشوش وجمال الفتوى وأخرون أكثر من أن تتسع الصفحات لذكرهم و كذلك كل سوري شريف دفع حياته ثمنا للحرية فما هي قصة الطفل نورس مصطفى الغزاوي .
لم يكن استشهاد الطفل نورس الذي رفع علم الإستقلال قرب سيارة المراقبين الدوليين هو أول عملية قنص يقصد بها خيرة الشباب أو الأطفال بل هي واحدة من آلاف عمليات القنص الموجهة ضد رموز وأفراد الثورة السورية ضد نظام الظلم والفساد الأسدي . الطفل الشهيد نورس مصطفى الغزاوي عندما رفع علم الاستقلال ولوح به قرب سيارة الأمم المتحدة معبرا عن إرادة أطفال سورية في حياة حرة بعيدا عن سلطان آل الأسد أصبح بوقفته هذه رمزا يحتذى واستفزازا للنظام الذي يعمل على تشويه صورة الثورة فقرر استهداف هذا الطفل كي لا يشكل محرضا لباقي الأطفال وكي يخيف أهالي الأطفال ويدفعهم لحبس ابنائهم في البيوت ، لذلك قام قناصة النظام باستهدافه على مقربة من سيارة المراقبين الدوليين ، وقد وجدت الاقتباس التالي الذي كتبه أحمد أبا زيد يعبر أصدق تعبير عن هذه الحادثة : (( الشهيد نورس مصطفى الغزّاوي ، طفل عمره 7 سنين من درعا البلد ، رفع علم الاستقلال أمام سيارة المراقبين ، رفّ العلم الأخضر مرّتين ، قبل أن يجعله القنّاص مع بياض السيّارة الأمميّة أحمر، فرّ المراقبون سريعا حتى لا يحتاجوا لمياه أكثر لغسل الدم ففي بلادهم يعلّمونهم في المدارس حماية البيئة و خطر الاحتباس الحراري . كانت رصاصة فقط , ما قلبت فرح أبيه و تفاخره بشجاعة ابنه أمام الرجال الواقفين إلى تشظّي القلب ، هل علينا أن نفكّر في أمّه ، هذا أمر لا نستحقّه ، سنتركه لما حفظه نورس على كفنه من الدموع والذكريات قبل أن ينقلوه إلى ما تحت الأرض ، إلى ما فوق الوطن ! ما الذي كان في قلبه في تلك اللحظة حين خطر بباله أن يحمل العلم و يمضي مسرعا نحو سيّارة المراقبين يرفعه أمامهم بوضوح ؟! أيّ فرح كان يسكنه و يجيش فيه ، أيّ وطن كان يضمّه بين يديه ، أيّ رقص كانت روحه تمارسه وبريق عينيه وابتسامته الواثقة من وقفته الشجاعة . أيّ أمل التمع بين جنبيه , وهو يفكّر كيف أنّه يمارس الثورة مثل أبطال الجيش الحرّ الذين يراهم في المساء ... كان يضحك في تلك اللحظة - لم أره - ولكن أقسم بكلّ أسماء الله أنّه كان يضحك و يفرح و يطير فوق كلّ الظنون ... ولكن الفرح لا يعجب القنّاص ... يا حبيبي ... يا نورس لم ينقطع الدم عن درعا منذ الشهيد الأوّل ، ولا ارتاح الملائكة الموكلون بأبواب الشهداء هناك ، ولكن منذ شهور طويلة لم تشهد شوارع درعا البلد مسيرة بكاء جماعيّ كما حصل في تشييع نورس ... سنغنّي للنوارس .. )) في الطرف المؤيد للنظام هنالك رموز أيضا ومنهم من يطلق عليها أنصار الأسد المناضلة أم يوسف وهي عجوز من مدينة طرطوس تظهر في المظاهرت المؤيدة وعلى شاشات القنوات السورية تحرض ضد المتظاهرين وتحض على الإنتقام ممن لا يؤيد نظام الأسد ، ويبدو أن الفارق واضح تماما بين رمز المعارضة الشهيد إبراهيم الدرة و بين رمز النظام العجوز أم يوسف التي تقوم بتمجيد شخص إلى درجة رفعه إلى مصاف الآلهة ، بينما يمجد رموز المعارضة الوطن والحرية وعلم بلادهم علم الاستقلال . وبينما يقتل الأبرياء من الشعب السوري ذبحاً وسحلاً لايزال المجتمع الدولي و كوفي أنان وفريقه من المراقبين الدوليين يبحثون عن إثباتات تثبت أن النظام قام بقتل المواطنين السوريين الذين التقوا فريق المراقبين في حماة ؟ فهل قتل النظام المواطنين الذين التقوا وفد المراقبين الدوليين في حماة ؟
مشاهد فيديو متعلقة بالموضوع :
أبو صبحي يسير بين المتظاهرين منشدا أبيات الشعر http://www.youtube.com/watch?v=c8BEkvVQDCE&feature=related أبو صبحي بعد أن إستشهد قرب جرز البقدونس http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=gCmdV8hE_xg أبو صبحي أثناء التكفين و الدفن http://www.youtube.com/watch?v=IlW3XDJPdUg&feature=player_embedded الشهيد الطفل نورس مصطفى الغزاوي http://www.youtube.com/watch?v=o2O6esez4nk http://www.youtube.com/watch?v=5RneEe6_rtY
#عمر_البحرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذا الشبل من ذاك الأسد
-
قتلى في الحرم الجامعي
-
عقدة فصام أدونيس
-
سيدي وسيد الوطن
-
تمثال السيد الرئيس وولده المصون
-
أوباما أطلق حميدان
-
الاغتصاب في المجتمعات الإسلامية المعاصرة
-
ما وراء تصريحات عبد الحليم خدام
-
إعلان دمشق وبزور الحرب الطائفية
-
زعران البعث
-
عقلية القمامة
-
القبيسيات - الأمهات المؤمنات ومجمع أبو النور
-
العشوائيات السكنية
المزيد.....
-
هذا ما وعد به تركي آل الشيخ بعد إطلاق استوديوهات -الحصن- في
...
-
كيف سيؤثر تولي ترامب رئاسة أمريكا على منطقة الشرق الأوسط؟
-
-لا يمكن للديمقراطيين إلقاء اللوم على أي شخص سوى أنفسهم هذه
...
-
صورة -سيلفي- لقمر صناعي توثق نجاته من تحطم وشيك!
-
وزارة الدفاع البولندية: لم يعد لدينا أسلحة نرسلها لكييف
-
بالفيديو.. سقوط دبابة إسرائيلية في حفرة كبيرة وانقلابها في ق
...
-
تحرك مصري بعد أنباء القبض على حكيم
-
مراسلنا: ضربة إسرائيلية تستهدف سيارة عند حاجز للجيش في جنوب
...
-
مصر.. إطلاق أول متحدث رسمي بالذكاء الاصطناعي
-
ألمانيا وفرنسا وبولندا تدعو إلى التحقيق في مخالفات بالانتخاب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|