أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - المتغيرات فى تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحزاب اليسارية - - بمناسبة 1 ايار- ماي عيد العمال العالمي 2012 - عادل الامين - هكذا تكلم محمد ابراهيم نقد















المزيد.....



هكذا تكلم محمد ابراهيم نقد


عادل الامين


الحوار المتمدن-العدد: 3709 - 2012 / 4 / 26 - 21:12
المحور: ملف - المتغيرات فى تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحزاب اليسارية - - بمناسبة 1 ايار- ماي عيد العمال العالمي 2012
    


مقدمة طبعة دار الثقافة الجديد
‏هذا الحوار البرنامج

نشرت مجلة ( النهج) التي تصدر عن مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي - في عددها الخامس والعشرين الصادر منذ أسابيع هذا الحوار الخصب مع محمد إبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني . وفي هذا الحوار يكشف نقد عن معرفة دقيقة ووعى علمي عميق بحقائق الواقع السوداني وحقائق العصر.
‏وببساطة وتواضع ومرونة مبدئية ، يحدد هذا المناضل السوداني الكبير معالم الطريق للخروج بالسودان من أزمته السياسية والعسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وهو يرى هذا العالم في سيادة الديمقراطية واحترام التعددية السياسية . وبالتحرر من السيطرة الاستعمارية واستكمال السيادة الوطنية ومراعاة الظروف الموضوعية للسودان , وبخاصة تلك المتعلقة بالدين والطائفية وتخلف الإنتاجية الزراعية والصناعية، والتمايز بين الشمال والجنوب. ويرى أن نقطة البداية للسير في هذا الطريق هي وقف الحرب الأهلية وعقد المؤتمر الدستوري وتحقيق السلام، ووحدة كل القوى الوطنية الديمقراطية , الحزبية منها والنقابية والمهنية ، في جبهة حقيقية ، لا مجرد واجهة، لحماية الديمقراطية والسلام ودعمهما ، وشق طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستقلة في غير انعزال عن الظروف في عالم اليوم.
‏وعندما خرجت (( النهج )) إلى قرائها ، إلى الناس ، وهى تحمل في بعض صفحاتها هذا الحوار الذي يمثل البرنامج الموضوعي لطريق التطور الديمقراطي في السودان ، كان صاح ب هذا الحوار البرنامج مع العشرات من المناضلين والوطنيين والديمقراطيين وقادة الحركات السياسية والنقابية والمهنية السودانية ، قد غيبتهم سجون الانقلاب العسكري الذي وقع في السودان في يونيه الماضي.
‏وهكذا يعود السودان مرة أخرى إلى تجربة ثبت فشلها طوال السنوات الماضية وعانى منها السودان مزيدا من التمزق والتخلف والتبعية هي تجربة الانقلابات العسكرية.
ولهذا ، وبرغم وجود المناضل محمد إبراهيم نقد في السجن مع مختلف القوى الوطنية والديمقراطية في السودان ، فإنه بحوار في مجلة النهج ‏وبخروج هذا الحوار إلى الناس ، إنما يؤكد أن الكلمة الشريفة الصحيحة لا يمكن أن تسجن ، وأن الطريق الصحيح لا يمكن طمسه مهما كانت المحاولات ومهما طال الأمد
‏و دار الثقافة الجديدة ، مساهمة منها في تأكيد العلاقات النضالية التاريخية الأبدية بين الشعبين السوداني والمصري ، وفي دعم وحماية الديمقراطية كمنهج لا بديل عنه ولا تهاون فيه للدفاع عن المصالح المشتركة للشعبين السوداني والمصري ، وللعمل على تحقيقها ، يشرفها أن تنشر هذا الحوار - البرنامج في هذا الكتيب الصغير تعميقا لفائدته ولما يتضمنه من خبرة نضالية غنية. وشكرا لمجلة النهج وتحية لمحمد إبراهيم نقد ولجميع الوطنيين والديمقراطيين المنفيين معه في السجون وتحية للشعب السودانى العظيم .

دار الثقافة الجديدة







‏تقديم للطبعة الثانية

نشر هذا الحديث في مجلة النهج وأعيدت طباعته في كتيب الثقافة الجديدة ، خامة كما سجلتها آلة التسجيل.
‏في الطبعة الثانية أعيد تحرير الحديث بما يبعد التكرار وتداخل القضايا ، دون حذف أو إضافة في الأفكار والتصورات والخواطر الواردة فيه.





الحوار البرنامج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة الحوار

‏في العاصمة الخرطوم، التي تستحم بالغبار وهى على ضفاف النيل، تتكثف التناقضات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية في بؤرة واحدة.
‏المدينة أربعة ملايين ونصف المليون، شوارع مكسوة بالرمل، بيوت من الطين في مواجهة البنايات الشاهقة الحديثة للبنوك الإسلامية. غلا أسطوري، وبطالة واسعة، تضخم أودى بالجنيه السوداني إلى الحضيض (الدولار═ 12 جنيها في البنوك) ، حرب طاحنة في الجنوب، البلاد خرجت لتوها من أزمة كبيرة كبيرة، انتفاضة ديسمبر. كانون أول الماضي- هبت الجماهير إلى الشوارع احتجاجا على رفع السكر والضروريات فانصاعت الحكومة.
‏الدولة شبه مفلسة, أزمة وزارية تبدأ بانسحاب الحزب الاتحادي (الميرغنى) من الوزارة وتشكيل أخرى ضيقة من حزب الآمة والجبهة السلامية. صراع حول المؤتمر الدستوري. شريعة أسلامية، أم قانون حضاري يأخذ التنوع الديني والمذهبي والاثنى بعين الاعتبار؟
‏إضرابات صيادلة احتجاجا على فقدان الأدوية. النقابات العمالية تطالب بحد أدنى للأجور، الجيش غاضب بسبب فقدان المؤن والاعتدة، وهو يخسر معركة وراء أخرى (سقوط مدينة الناصر). في هذا الجو الفوار المتقلب والمشحون بالاحتمالات تناضل القوى الديمقراطية من أجل دستور ديمقراطي (ضد قانون الترابي) ومن أجل السلام في الجنوب وفي سبيل حكومة موسعة أولا ثم في سبيل حكومة جديدة، تعديل قانون الانتخابات لتمثيل القوى الحديثة (في المدينة) من عمال ومثقفين، واتخاذ إجراءات عاجلة لانتشال الاقتصاد السوداني الذي حطمه المضاربون الطفيليون والبنوك الإسلامية الشرهة.
‏في هذا المناخ العاصف، أجرت «النهج» مقابلة مع الرفيق محمد إبراهيم نقد ‏السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني تناولت طائفة من المواضيع الفكرية و العلمية، فيما يخص الحركة الثورية عموما، وبخاصة تجربة البريسترويكا . وفي هذا الحديث يلقى الرفيق نقد اضواء كاشفة على جوانب هامة من نضالات الشيوعيين السودانيين المفعمة بالتضحيات.

الحوار البرنامج
النهج : للحزب الشيوعي السوداني نظرة خاصة إلي قضية الديمقراطية من حيث المفهوم النظري ومن حيث الممارسة العملية استنادا إلى تجاربه المديدة في ظروف بالغة التنوع. كيف تلخصون هذه النظرة ، من الوجهة الفكرية والوجهة العملية ، في ضوء الاستخفاف المديد الذي نراه في العالم العربي بــ الديمقراطية الليبرالية , وفي ضوء مساعي وضع المهمات الاجتماعية قبل أو فوق الديمقراطية السياسية.
نــقـــد : ‏ الحركة الوطنية السودانية في تاريخها الحديث- خلال الثلاثينات والحرب العالمية الثانية وبعدها- أميز مافي نشاطها السياسي العام هو النضال من أجل الحريات الديمقراطية والحقوق الأساسية. وأصبحت هذه القصية جذرا أساسيا في الحركة السياسية السودانية. فالحركة الوطنية نفسها تبلورت في تكوين الأحزاب والنقابات والاتحادات والمنظمات الجماهيرية للشباب والنساء، للمزارعين ، للمثقفين . وبالتالي أصبح كل عائق يقف أمام تطور الحرية السياسية بمعناها العام يجد مقاومة من جانب الشعب السوداني . قد تكون الظاهرة مشتركة بين كل بلدان حركة التحرر الوطني ، لكنها في السودان تتسم بطابع الاستقرارية والديمومة.
‏بمعنى أن الأنظمة العسكرية التي حاولت أن تنتقص من الحريات الديمقراطية , سوا الحكم العسكري الأول بقيادة كبار الجنرالات (*) ، بكل ماهو معروف عنهم من محافظة وتقليدية ورجعية ، أو الحكم العسكري الثاني الذي بدأ حياته بشعارات تقدمية واشتراكية ويسارية ، في الحالتين عمل الشعب على استعادة الحريات وبشكل خاص التعددية الحزبية. فالحكم العسكري الأول صادر التنظيمات الحزبية والنقابية ولم ينشىء تنظيما سياسيا من جانبه. النظام العسكري الثاني وتحت تأثير التجربة الناصرية، حاول أن ينشئ التنظيم السياسي الواحد. في الحالتين الشعب السوداني تعامل مع الواقع من موقف ثابت وتمسك باستعادته الحريات والحقوق والتعددية. وفي هذه القضية تبرز بعض الحقائق التي اعتقد أنها مهمة للتجربة السودانية ، خاصة فيما يتعلق بتجربة النظام العسكري الثاني الذي جاء من موقع الشعارات (الاشتراكية) والتغيير الاجتماعي، فحاول أن يطرح شعاراته (الديمقراطية الجديدة) من موقع الهجوم والانتقاص من الديمقراطية الليبرالية، التي لاشك أن محتواها برجوازى تاريخها برجوازى واصلها برجوازى وجذرها برجوازى . أود أن أركز منا على الحقيقة الأساسية الأولى وهى أن الهجوم على الديمقراطية السياسية ، بمعنى الحريات
وحكم القانون والدستور والتعددية إلى آخر ما أفرزته الثورات البرجوازية. هذا الهجوم لم يكن دقيقا. أقصد لو أننا أخذنا الأمر من الناحية التاريخية فلا خلاف على محدودية الديمقراطية الليبرالية. لا خلاف على ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) الحكم العسكري الاول نوفمبر 1958 – اكتوبر 1964 . الحكم العسكري لثاني مايو 1969– ابريل 1985 . الاول بقيادة الجنرال ابراهيم عبود القائد العام للجيش . والثاني بقيادة العفيد نميري ومحموعة من الرواد

النهج : ‏ محدوديتها من منطلق الحدودية التاريخية للتشكيلة الرأسمالية وليس من منطلق أخر.
نــقـــد : بالضبط ، فالهجوم على الديمقراطية الليبرالية كان ينطلق من موقعين : الموقع الأول من الطبقة العاملة والماركسية، باعتبار أن السلطة بيد البرجوازية بفعل علاقات الإنتاج القائمة في المجتمع، طبيعة ملكية وسائل الإنتاج, توزيع الثروة . .الخ، وأنه لن تحل القضية الاجتماعية إلا من خلال الثورة الاجتماعية ، حيث يتبع ذلك شكل جديد من الديمقراطية ، نمط جديد من الممارسة الديمقراطية . والموقع الآخر من منطلق البرجوازية الصغيرة، وهى تنتقص من الديمقراطية الليبرالية وتتحدث عن التغيير الاجتماعي، لكن في إطار مصادرة أساس الديمقراطية الذي انتزعته الجماهير بنضال مرير جدا ، وبدلا من استكماله، تسعى لفرض دكتاتورية شريحة معينة من البرجوازية الصغيرة تحت شعار أنها تحقق العدالة الاجتماعية في مواجهة الديمقراطية الليبرالية التي عجزت عن تحقيق العدالة الاجتماعية. هذا النمط من الخداع عاش عليه النميرى خلال السنوات الأولى من حكمه. وهو النمط الذي جرب في بلدان عربية أخرى . اعتقد ليست لدينا أوهام أو غموض حول هذه القضية، سواء في الشكل الفلسفي أو الأيدولوجى أو الاقتصادي. لكن نعتقد أن أي تغيير اجتماعي نقدمه يجب أولا أن يحافظ ويدعم ويحمى ما اكتسبته الجماهير من حريات وحقوق أساسية وأن يستكمل ذلك بالتغييرات الاجتماعية , الديمقراطية الاقتصادية ، الديمقراطية الاجتماعية. هذه الصيغة قد تبدو مجردة ، لكن بدون حلها حلا جذريا وسليما لا اعتقد أن الثورة الوطنية الديمقراطية (سواء في السودان أو في منطقتنا ) ستجد طريقا سهلا تسلكه نحو وجدان الجماهير وتعبئتها وتنظيمها واستنهاضها . ، ففي ‏فترة من الفترات طرحت الأمور وكأن قضية التنمية نقيض للديمقراطية ، وكأن أي حديث عن الديمقراطية يفتح الباب لنشاط الثورة المضادة في ظل الأنظمة الوطنية وقيل أن الذين ينادون بالديمقراطية والتعددية يريدون أن يكشطوا الثورة أو يسقطوا النظام الثوري . هذا ما كان النميرى يردأ صباح مساء قائلا أن كل من يطالب بحقوق أساسية أو حريات ديمقراطية يرفع راية الرجعية والرأسمالية والعودة للنظام الرأسمالي والظلم الاجتماعي .
‏لنأخذ تجربة السودان بصورة محددة: ناضل ست سنوات ضد الحكم العسكري الأول واستعاد الحريات والتعددية الحزبية على النمط البرجوازي . ثم ناضل ست عشرة سنة في ظل نظام نميري واستعاد التعددية والحريات والحقوق على النمط الليبرالي. هذه مكاسب للشعب السوداني يجب أن لا يقلل منها أو ينتقص منها . لأن الشعب السوداني استفاد فائدة قصوى من الحريات في تطوير حركته الجماهيرية ووعيه السياسي وبناء تحالفاته وكشف المظالم الاجتماعية والسياسية، وخاصة في الريف. فعندما أتحدث عن الديمقراطية لا أعنى فقط ما يهم مجموعات المثقفين من حرية الرأي وحرية التعبير ، لكنى أتحدث من زاوية حقوق الفلاح في قرية نائية في أن يتقدم للقضاة ، وينشر في الصحف مظالمه ويحافظ على عاند إنتاجه برغم الاستغلال الرأسمالي وشبه الاقطاعى، عن طريق توحده في اتحاد أو نقابة أو في أي شكل من أشكال التنظيم الجماعي الذي تتيحه الديمقراطية الليبرالية. هذا في مواجهة ما جرى بناه من حكم عسكري يميني أول ثم حكم عسكري بدأ يساريا ثم أخذ يتجه نحو اليمين بذات الشعارات الخاصة بتحالف قوى الشعب العاملة و العدالة الاجتماعية و الاشتراكية .

‏بالتأكيد فإن الأفضل للعامل السوداني والفلاح السوداني هو النظام الديمقراطي الليبرالي . فما تحقق له من حريات وأحزاب ونقابات وانتخابات وبرلمان ‏يفتح المجال واسعا لصراعه ضد قوى الرأسمالية السودانية وشبه الإقطاع السوداني والاحتكارات الأجنبية, هذا الحلف الحاكم. فالشعب يشعر و يقتنع ذاتيا بما هو مفهوم لدينا . يقتنع بأن القوى اليمينية تضيق ذرعا بالحربات وبالنظام البرلماني الذي تحكم بواسطته ، لأنها تحس يوميا أن الحريات والحقوق والتعددية والبرلمان يفتح أمام الحركة الجماهيرية مجالا أوسع لاستقلالها الذاتي عن النفوذ الطائفي والقبلي - هذان الشكلان المميزان من البنى الفوقية اللذان تحافظ بها القوى اليمينية على نفوذها . ومع كل يوم يمر تحاول الجماهير أن تنعتق من الوصاية القبلية والطائفية وتؤسس ، ولو بشكل جنيني، نزعة الاستقلال هذه في طابع مؤسس، مثلا ، رابطة أبناء قبيلة ما . ورابطة من هذا النوع تحمل اسما قبليا قد تبدو للمراقب متخلفة، لكنها نزعة للخروج من الإطار القبلي. فمصطلح القبيلة نفسه يأخذ شكلا جديدا ، تعبيرا عن القسم الذي بدأ يعي أن مصالحه تقع خارج أطار النفوذ القبلي ، لكنه يرتبط بجماهير قبيلته. وهذا نوع من التحول البطئ في القطاع التقليدي ، في الاقتصاد المعيشي ، وله مدلول ثوري كبير في اتساع الحركة الجماهيرية، والأشكال المستقبلية لتيحالف الطبقة العاملة وجماهير الريف. فداخل هذه الرابطة تجد الطلبة والعناصر المستنيرة والعمال والموظفين والمثقفين، ولن تجد أبنا ء بيوتات الإدارات الأهلية، أبناء الارستقراطية القبلية . ( الإدارة الأهلية من قادة القبائل اتخذتها السلطة الاستعمارية في العشرينات أداة للحكم غير المباشر لجباية الضرائب والعشور ومنعتها سلطات إدارية وقضائية) .
‏فالروابط تعبير عن تطور داخل القبيلة تقود الأقسام المستنيرة من أبنائها ، تعبير عن استقلال ذاتي. ويدور داخل الروابط صراع : البعض يريد أن يحافظ على المظلة الطائفية من موقع الاستقلال داخلها ، والبعض ينزع للخروج من تلك المظلة والاعتماد على السند القبلي. ففي دارفور(*) مثلا عشرات ‏القبائل العربية وغير العربية المرتبطة بشكل أو بآخر بطائفة الأنصار وحزب الأمة. وكان مركز حزب الأمة يحدد مرشحي الدوائر البرلمانية في ذلك الإقليم. لكن أهل الإقليم أخنوا يرفضون الترشيح من المركز ، وبدأوا يقولون : نحن نختار المرشحين. وقد كان رأينا أن هذه النزعة نحو الاستقلال صحيحة جدا ، وسوف تتعلم تلك الجماهير من خلال تجربتها الذاتية كيف تختار الأفضل والأحسن من بين أبنانها. وما كان لهذا الشكل من نزعة الاستقلال لدى الجماهير القبلية أن يظهر لولا وجود الحريات والأحزاب والنظام البرلماني الذي وفر المناخ المناسب لتحرك هذه الجماهير من أسفل وضيق الفنات العليا في المؤسسة الطائفية القبلية من الحريات والحقوق الأساسية ، ناتج عن نزوع تلك الجماهير نحو الاستقلال.
‏القضية الثانية الأساسية أن كل مناضل عاقل معلم تماما أنه كلما توفرت حريات أكثر واجهت الطبقة العاملة ظروف أفضل لتطوير حركتها النقابية ووعيها السياسي حتى عندما تكون العناصر الانتهازية مسيطرة على قيادة النقابات. وكذلك الحال بالنسبة لحركة الثقافة والفكر والعاملين في الإدارة وجهاز الدولة. الظروف الديمقراطية دائماً الأفضل بالنسبة لتطور الوعي السياسي .
‏ثمة مسألة تبرز: هل عن طريق الديمقراطية الليبرالية والنظام البرلماني ستحل القضية الاجتماعية ، تحل قضية الثورة الاجتماعية ؟أ هذا غير وارد لسببين : الأول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) درافور هي اقليم غرب السودان على الحدود مع تشاد غرباً وليبا شمالاً

أن القوى اليمينية الحاكمة تحاول إفراغ النظام البرلماني من أهم مقوماته التعددية حرية الرأي، توزيع السلطات التشريعية والتنفيذية و القضائية ، إنها تضيق بالقضاة المستقل وتتغول على السلطة التشريعية ، تضيق بالحريات وتصدر القانون بعد الآخر للحد من هذه الحريات. هذا الوضع أدى إلى أزمة
النهج : ‏ حالياً
نــقـــد : نعم . وهي الأزمة الثالثة . نشبت الأزمة الأولى وتسلل عنها الحكم العسكري الأول لمصلحة القوى اليمينية ورأس المال المحلى والخارجي. في الأزمة الثانية عجز النظام البرلماني ولم تعجز الجماهير عن استخدام حقوقها بفعالية فضاق بها اليمين وانفتح الباب نحو الانقلاب الثاني ، الذي كان لابد له أن يدخل من بوابة حركة الجماهير وثورة اكتوبر1964 ‏وشعارات التغيير الاجتماعى والمد الثورى في المنطقة العربية وأفريقيا. ومن هنا تقييم تجربة ذلك النظام في فترته الأولى ، ومحاولته تقديم نفسه باسم الديمقراطية الجديدة أو الديمقراطية الثورية.
النهج : ‏ بالمناسبة ، تعبير ´´ الديمقراطية الجديدة هو عنوان كتاب لماوتسى تونج
نــقـــد : ‏ هذا التعبيرNew Democracy جاءنا من الصين ودخل على أدبياتنا الحزبية بلا دراسة وبلا تقييم وبلا عناية. وما يزال ماثلا في كثير من أدبياتنا الحزبية. وأعتقد أن موقف الحزب الشيوعى في ذلك الوقت من نظام نميرى كان يستند إلى هذا الفهم. إن أزمة النظام البرلمانى لا تحل بمصادرة الديمقراطية ونظام دكتاتورى.

‏كنا قبل الانتفاضة - مارس / ابريل1985 - نرى أن المعركة الأساسية أمام الشعب السوداني هي الإطاحة بنظام حكم الفرد . قد لا يكون تعبير حكم الفرد مصطلحا مكتملا ، لكنه يعنى الجمهورية الرئاسية التي تركز السلطات في يد رئيس الجمهورية، ونظام الحزب الواحد وسياساته الاقتصادية . ولم تكن ‏الانتفاضة للتغيير الاجتماعي بقدر ما كانت لاستعادة الحريات السياسية وبعض الإصلاحات ذات الطابع السياسي العام في إطار التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية القائمة بما فيها قطاع رأسمالية الدولة ورأسمالية القطاع الخاص والقطاع التقليدي الذي مازال يحافظ على بعض سمات الاقتصاد المعيشي (وليس كلها) الذي تكتسحه العلاقات السلعية النقدية . ولا يوجد في الوقت الحاضر أي مكان في السودان لا يتعامل مع السوق عن طريق النقد ، لا يوجد أحد في السودان إلا وينتج جزء من محصوله للسوق كي يبادله بالنقود . إذن فالقطاع التقليدي بمعنى subsistence Eonomy ‏لا يوجد في السودان حرفيا. بعض سمات القطاع التقليدي قائمة، لكنها لا تمائل سمات الاقتصاد المعيشي - فهذا القطاع ينهار وقسمات الانهيار تماثل ما يحصل حيثما يكون التطور الرأسمالي بطيئا وشأنها كما في بلدان العالم الثالث: تشكل حزام الفقر حول المدن ، الهجرة . .الخ، ويأخذ أحيانا شكل المجاعة وأحيانا التضخم والجفاف . أحيانا الحرب الأهلية.
النهج : تقصدون عملية التراكم البدائي ولكن ليس بشكلها الكلاسيكي.
نــقـــد : نعم ، تراكم بدانى لكن مختلف في الشكل . مجاعة، جفاف ، تصحر وعوامل أخرى تسير في المجرى الأساسي والقانون الأساسي الذي يحكم التطور ، ويكتسب شكل نزوح إلى المدن للبحث عن منفذ ومصير.
النهج : خلع المنتجين الصغار.. .
‏ نــقـــد : نعم خلعهم. لكن ليس فقط انهيار المنتج الصغير، ليس فقط الشكل الكلاسيكي . فهناك سمة ثانية فالذين ينهارون في الريف يوازيهم العادون من الخليج محملين بالمال لفتح بوتيكات ، أي نشوء أشكال أخرى من الإنتاج الصغير الخاص بالمدينة. هذا يعنى أن القوة المطرودة من الريف لا تتحول بالضرورة إلى قوى عاملة، إلى طبقة عاملة.
النهج : يتحول قسم منها إلى فئات مهمشة إذن..
‏ نــقـــد : فئات مهمشة في ظل التطور الشائه. . نواصل قضية الديمقراطية. . بعد الانتفاضة أعلنا أننا نقبل التحدي بالحفاظ على الديمقراطية الليبرالية والدفاع عنها . فقد ناضل شعبنا 16 ‏عاما لاستعادة هذه الحريات ، وأي حديث عرضى عن أن هذه الحريات وهذه الديمقراطية لا تعنى شيئا ولابد من المضى قدما لديمقراطية أخرى ، فيه كثير من التقدير الخاطئ لتطور الثورة، وفيه استخفاف بما أنجزه الشعب السوداني وضحى من أجله ، وفيه نزعة لدكتاتورية شريحة أخرى من (البرجوازية الصغيرة) تسرق رصيد الانتفاضة وتسرق رصيد حركة الجماهير من أجل التغيير وتفرض قيام انقلاب. . ما هو الأفق الآن ؟ الأفق هو الصراع حول الديمقراطية والنظام البرلماني وإصلاحه ببرنامج متكامل وليس مجرد شعار. وتتلخص إجراءات الإصلاح في الأتي :
‏أولا: قانون للانتخابات يوزع الدوائر الانتخابية بحيث تنال مناطق الوعى عددا أكبر من الدوائر مع المحافظة على مبدأ الديمقراطية الليبرالية في أن لكل مواطن واحد صوتا واحدا . لكن ظروف السودان وتجاربه تقتضي تخصيص دوائر للقوى الحديثة. مثقفون ، عمال . . الخ. هذه القوى تحملت أعباه التغيير السياسي في معارك الاستقلال الوطني وفي ثورة أكتوبر 1964م وفي الانتفاضة، ووجودها في البرلمان يعطي النظام البرلماني فعالية أكبر إلى جانب الدفاع عن مصالح هذه القوى من داخل البرلمان.
‏ثانيا: الدستور الديمقراطي والقوانين المتفرعة هي والتي لا تتعارض معه، ‏بحيث لا ينتهي كل نص في الدستور بتعبير «في حدود القانون». فبعض القضايا . يجب أن لا تمس كحقوق أساسية وحريات ديمقراطية بأي ضوابط لمصلحة الفئات الحاكمة لكى تتحكم في الحقوق والحريات كما تشاء.
‏ثالثا : حل مشكلة القوميات وشكل الإدارة - أو الدولة المركزية- مع أوسع سلطات ممكنة في المستوى المحلي . إضافة إلى مشكلة القوميات. ففي الجنوب مثلاً تجمع قبائل وقوميات مختلفة ذات فوارق عرقية وثقافية ودينية ورواسب من الاضطهاد والتخلف، ولابد من حكم ذاتي اقليمى للجنوب. وهناك مناطق مثل جبال النوبة تسكنها تجمعات عرقية غير عربية ولابد من شكل للإدارة الذاتية لها . وكذلك الحال في شرق السودان.
‏رابعا: تصفية الإدارة الأهلية باعتبارها شكلا من أشكال بقايا الإقطاع وشبه الإقطاع القبلي (السودان لم يعرف الإقطاع بشكله الكلاسيكي، لا العراقي ولا المصري ولا السوري ولا الأوربي . فالقبائل بدوية والسلطة القبلية هى الأساس. . ) نشر الديمقراطية وتوسيعها في مسائل الحكم وتصفية الإدارة الأهلية، وتوسيع قاعدة الحكم المحلي بمستوياته المختلفة: مجلس مدينة ، مجلس . . الخ. أما في المناطق المتخلفة النائية فيمكن أن تبقى الإدارة الأهلية بسلطات إدارية فقط، وتنزع عنها السلطات القضائية.
النهج :برنامج للإصلاح الديمقراطي يتضمن إبعادا اجتماعية كبيرة ولا يقتصر على البنية المؤسساتية للبرلمانية
‏‏ نــقـــد : أعود لقضية الدستور. أول دستور في السودان كان دستورا علمانيا ، لكنها ليست العلمانية الأنكلوساكسونية ، ليست العلمانية اللاتينية . لأن الدستور ينص على أن الإسلام دين الدولة. ومازلنا نرى أن السودان ، بحكم تمدد قومياته وأعراقه وثقافاته ، يحتاج إلى دستور ديمقراطي - وهذا تعبير أصدق من تعبير العلمانية واللاعلمانية ، دستور ديمقراطي لا يفرق بين المواطنين بسبب الدين أو العرق. فالعلمانية لها مدلول لا ينطبق كليا على ظروف السودان، حيث العلمانية تفصل نهائيا بين الدين والدولة. لكن عندما ينص الدستور أن الإسلام دين الدولة فالدستور لا يعود علمانيا .
‏نحن مع أن يكون الإسلام مصدرا من مصادر التشريع ، ليس فقط في الأحوال الشخصية وليس في هذا تنازل للقوى اليمينية بل أدراك لواقع السودان وتركيبته ، أدراك لتراثه الروحي والوجداني ، أدراك لقضية الأصالة والاستمرار في التطور السياسي. هذه القضايا مجتمعة تشكل محور صراع سياسي واقتصادي واجتماعي حول الديمقراطية. القوى اليمينية تضيق بكل هذا ، وتركز معركتها في قضية الدستور الإسلامي والدولة الدينية - تختزل كل هذه العملية في هذا الجانب. وهي لم تبدأ بهذا الشعار وإنما انتهت إليه عندما لمست أن النضال من أجل الديمقراطية ومن أجل حماية النظام الديمقراطي والبرلماني بدأ يلامس الآفاق الخاصة بالتغيير الاجتماعي ، بالثورة الاجتماعية ، فبدأت ترفع شعار الدستور الاسلامى والدولة الدينية.
‏النهج : هل تعتبر أن ذلك واحد من أسباب انعطاف الصادق المهدى من فكرة الدولة الحديثة إلي الدولة الإسلامية ؟
‏ نــقـــد : الصادق من يومه ينادى بالإسلام وبدستور الإسلام .
‏ النهج: قرأنا تأويلاته السياسية للإسلام وقضية الحدود . إنها تتقاطع مع فهم الإخوان. الصادق يحاول أن يستخدم الإرث الاسلامى ، علم الكلام ، حتى الفقه ، بتأويلات مغايرة. يعنى يحاربهم بنفس السلاح على نفس الصعيد باستنتاجات مغايرة، يبدو فعلا أن لديه انعطافا بهذا الشكل أو ذاك.
‏ نــقـــد : هذا الصراع الخاص بالديمقراطية الليبرالية في السودان ، جزء من الصراع الاجتماعي ، جزء من صراع الثورة ، القوى الشعبية تناضل لاستعادة الحريات كيما تبنى تحالفاتها ، تبنى تنظيماتها ، يزداد وعيها ، تكتسب من تجربتها الذاتية دروسا جديدة. والقوى اليمينية تحاول أن تحد من هذا الاندفاع ، وتفرض أشكالا مختلفة لمصادرة الديمقراطية والحريات، إما عن طريق دكتاتورية مدنية ، كأن لفرض الدولة الدينية والدستور الاسلامى، وتحد من الحريات وتصادرها برغم الشكل البرلماني الموجود ، أو أن تأتى المؤسسة العسكرية لمصلحة نفس النادي ، نادي القوى الاجتماعية الذي حكم السودان من الاستقلال حتى اليوم . وليس هذا اكتشافا نظريا جديدا . وليس تطبيقا خلاقا للماركسية، وليس ادعاء بعبقرية . لكنه قراءة للواقع السوداني باسترشاد ماركسي حسب قدراتنا ، حسب الاجتهاد الذي ترونه فيما لو تجولتم في وسط الناس. إنه لا يخلو من جانب براغماتى . لكن البرغماتية أداة من أدوات المعرفة ، ليست خطأ كلها ، فيها جوانب عملية صحيحة. لكن إذا تحولت إلي نظرية كاملة للمعرفة يصبح أمرها شيئا آخر. هذه واحدة من الخصائص المهمة بالنسبة لنا.
‏تلك واحدة - أما الثانية فإن الثورة الاجتماعية ذات المضمون الوطني الديمقراطي في السودان كانت قضية الديمقراطية السياسية ومازالت بالنسبة لها إحدى القضايا المركزية. فالثورة الوطنية الديمقراطية في السودان حسمت مسألة ثانية مهمة جدا ، هي مسألة التعددية. ولولا هذا الوعي بأهمية التعددية، لولا الممارسة الطويلة للتعددية الحزبية في السودان ، لاستطاع نظام نميرى آن يبقى كما يشاء على أساس الحزب الواحد. وقد أدرك الحز ب الشيوعي هذه الحقيقة من أول يوم . كان موقفه الاعتراض على هذا الشكل من أشكال ممارسة الثورة الاجتماعية ( شكل الحزب الواحد ومصادرة الديمقراطية) . نحن لم نرفض الشعارات التقدمية التي رفعها نميرى، فهي شعاراتنا. لكنها كانت سائرة في طريق مقفول توصلت إليه التجربة الناصرية وتوقفت عنه في يونيه 1976 ، وليس بموت عبد الناصر. كان السقف النهائي للتجربة يونيو 1967 .
‏التعددية جذرها ليبرالي . أليس كذلك ؟ نحن نعتقد أن الثورة الوطنية الديمقراطية وتطورها صوب الاشتراكية في السودان سيكون مرتبطا بالتعددية، وليس بالطبقة الواحدة حتى لو كانت الطبقة العاملة , ليس بالحزب الواحد حتى لو كان الحزب الشيوعي. ولا أجد أي حرج في أن أقول : ليس على غرار الوجود الشكلي للأحزاب كما يحدث في بعض بلدان الديمقراطيات الشعبية أو في الصين. هذا وجود شكلى لأحزاب متحالفة مع الحزب الحاكم . في السودان لن يكون الآمر بهذه الصورة. ستكون هناك جبهة الأحزاب ، والحزب الشيوعي سيكون ضمن هذه الأحزاب . آما بقية الأحزاب فلا ندرى. هناك أحزاب قد تنمو وهناك أحزاب قد تتراجع. هناك أحزاب قد تحدث داخلها تغيرات.
‏التعددية سمة من سمات تطور الثورة الوطنية الديمقراطية السودانية، وستكون ملازمة لها ، وفي تقديري حتى في الاشتراكية.
‏قضية هامة أخرى حسمتها الحركة السياسية للشعب السوداني منذ الحرب العالية الثانية وحتى اليوم: قضية أداة التغيير. فشكل الانتفاضة والإضراب السياسي أصبح مرتبطا تاريخيا بجماهير الشعب ، في شكل تعبئتها ، في شكل زحفها ، في شكل وحدتها ، في شكل تصديها للقضايا القائمة. هذا الشكل لا يختلف في فعاليته عن أي شكل أخر لتطور الثورات في بلدان أخرى.
‏هذه القضايا الثلاث، الديمقراطية- التعددية - الانتفاضة. هي خلاصة أساسية في تطور الثورة السودانية.
‏لذلك إذا جاء انقلاب يميني ، سيكون حدثا مؤقتا ، محطة انتكاسة. وإذا جاء انقلاب يساري ( مهما كانت يساريته) سيكون محطة إجهاض لتطور الثورة ، وبعدها يتحرك قطار الثورة إلى الأمام. هذا المسائل أصبحت بالنسبة لنا قناعات ، ليست قناعات تعصب، بل قناعات جدلية في تطور الحركة السياسية في السودان.
‏لنأخذ مثلا أحداث 26ديسمبر الماضي 1988في السودان . صحيح أن المسألة كانت تتعلق بزيادات في الأسعار، لكن تحرك الشعب السودانى في مظاهرات وإضرابات حول شعار واحد، ضد ألغاء الزيادات ، ونجح. كانت انتفاضة بكل معنى الكلمة، ليوم واحد ولقضية واحدة. إغفال هذه الحقيقة الموضوعية من تراث الشعب السوداني ونضاله يؤدى إلي كثير من الزعزعة.
‏على أن لخلاصة تجارب الحركة السياسية لشعب السوداني ، شقا آخر، وهو أن تجمعات القبائل والقوميات في الجنوب , كلما شعرت بالظلم ، حملت السلاح ودخلت الحرب . هذا الأسلوب لا اعتقد أنه سينتشر إلي كل أنحا ء السودان . وفي نفس الوقت لا يمكن إغفاله في تطور الحركة السياسية وحركة الثورة السودانية. أليس كذلك ؟ لكن مستقبل تطور الثورة السودانية وتطور الديمقراطية في السودان يعيدنا لمسالة ذكرتها في الإصلاح الديمقراطي ، وهى حل مشكلة القوميات في المناطق المتخلفة حلا ديمقراطيا ومساواة المواطنين في اجتماعي عميق الدستور بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية والدينية والثقافية والقومية. لذلك لا اعتقد أن الحرب الأهلية في الجنوب ستصبح لازمة أو ملازمة لتطور حركة الشعب السوداني نحو انجاز ثورته الوطنية الديمقراطية ، ولهذا نطالب بايقاف القتال وعقد المؤتمر الدستوري وإصلاح النظام الديمقراطي والسلام.
‏صحيح إن الجنوبيين كلما تفاقمت مشاكلهم القومية وتصل الأزمة مستوى معينا يحملون السلاح ويدخلون الغابة. أما الحركة السياسية في الشمال فتعتمد على النضال الجماهيري الديمقراطي فئ مواجهة أعتى الأنظمة العسكرية بالإضراب السياسي والانتفاضة وتقديم الضحايا ، وبالاعتماد على المتعاونين معها أو المتعاطفين والرأي العام الديمقراطي والوطني داخل القوات المسلحة. وما كان للانتفاضة أن تنجح ويطاح بنميرى لولا أنه في يوم الخميس والجمعة والسبت 4و5و6 ‏ابريل 1985‏) انعقدت اجتماعات التنوير داخل القوات المسلحة وكانت كلها ضد بقا ء نميرى واستمرار الحكم العسكري وضد نزول الجيش للشارع . هذا مستوى معين من الاستجابة والانحياز للشعب نتيجة للنقد السياسي والقدرات السياسية داخل القوات المسلحة في تلك اللحظة. ولو أطاح الجنود بقيادة الجيش القديمة وكونوا قيادة جديدة وتعاونوا مع قوى الانتفاضة لكان ميزان القوى السياسي قد تغير، لكن هذا لم يحدث. ولا يمكن مناقشة التاريخ .بـ لو و إلا لكنا أعدنا صياغة تاريخ العالم بما هو أحسن وعشنا في بحبوحة.
‏تلك هى العناوين الرئيسية.
‏نتناول قضايا أخرى في تقييم وإعادة تقييم صريح. نحن ساهمنا طبعاً في الستينات في قضية الديمقراطية الجديدة والدفاع عن تجربة عبد الناصر بوجه الهجوم الرجعى الامبريالي باعتباره نظاما وطنيا طرح شعارات تقدمية وحقق بعض الإصلاحات. لكن لم ننتقد بالقدر الكافي السلبيات التي أدت إلى تصفية التجربة نفسها . لذلك كان من السهل على واحد مثل النميرى أن يأتي في بلد مثل السودان فيه تعددية وفيه ثورة سابقة من أجل الحرية السياسية ، وأن يطرح هذه الشعارات فتجد استجابة من جانب الجماهير ، ولا يرى الرجل العادي فرقا كبيرا بين ما كان يطرحه الحزب الشيوعي وبين ما يطرحه النميرى. هذا خلل في معالجة الأمور الأيديولوجية كلفنا كثيرا ، كلفنا انقساما داخل الحزب وكلفنا خسائر في الصراع العسكري مع السلطة، يجب أن ننتبه له في مستقبل حياتنا السياسية.
‏جانب آخر ، نموذج الدولة الاشتراكية ونموذج الحزب الحاكم في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية. دافعنا عن هذه التجربة ، ودافعنا عن هذا النموذج. صحيح أن المؤتمر السابع والعشرين ( للحزب الشيوعي السوفيتي) طرح قضية التعدد وإصلاح النظام الاشتراكي . لكن جمود تطور التجربة الاشتراكية ترك ظلاله على تفكيرنا. طبعا نحن المسئولون عن ذلك وليست مسئولية من يترك ظلاله علينا . هذه قضية مهمة بالنسبة للأحزاب الشيوعية في تعاملها مع ما يجرى الآن. نحتاج إلى إعادة تقييم ، إلى شرح، إلى نقد حتى إلى نقد ذاتي ، لكن ليس النقد الذاتي السفلي الطابع الذي يشبه التوبة أو طلب الغفران، بل النقد الذاتي الذي يأتي في أطار أعمار المنهج الديالكتيكى في التعامل مع كل الظواهر القديمة والجديدة، والتي تتبلور أو تنشأ في المستقبل. نعتقد أن ذلك مهم دوما لتطور الفكر السياسي وللماركسية.
‏في إطار الفكر السياسي في السودان نبحث عن شكل الديمقراطية الجديدة شكل الديمقراطية التي تنبثق عن الانتفاضة المنتصرة. نعود لتجربة ثورة اكتوبر 1964وانتفاضة ابريل 1985‏. فالمواثيق التي التفت حولها الجماهير أو البرنامج السياسي لثورة أكتوبر وانتفاضة ابريل، كانت تحمل إصلاحات ذات طابع اقتصادي ومؤثر، وكان يمكن أن تساعد في تطور ونهوض حركة الجماهير لإحداث تغييرات ثورية ذات طابع اقتصادي واجتماعي. كما طرح ذلك البرنامج السياسي مؤشرات عامة لنمط جديد في ممارسة الديمقراطية مثل معاقبة الذين اعتدوا على الديمقراطية وصادروا الحرية ونهبوا أموال الشعب، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات ووضع دستور ديمقراطي وقانون للانتخابات يعطى وزنا أكبر لمناطق الوعي والقوى الحديثة في النظام البرلماني، م بعض الإصلاحات في جهازا لدولة وحل جهاز الأمن. . . الخ.
‏لكن يبقى السؤال: هل كلما جاء نظام عسكري ، تتوحد قوى العارفة وسيكون بينها بالضرورة قوى الأحزاب اليمينية ، ثم تطيح بالنظام العسكري لتعيد النظام البرلماني كي تحكم من جديد القوى التقليدية ؟ نعتقد أن هذا ليس شرطا لازما ، بل يتوقف على توازن القوى في اللحظة المعنية وقدرات الحركة الثورية نفسها ، والوضع الاقليمى والوضع الدولي المحيط بالسودان. ولكن لا يجوز تثبيط الهمم بالقول : لماذا نناضل من أجل الديمقراطية إذا كانت ستعيد للحكم القوى التقليدية ؟ هذا التثبيط ليس عفويا ، إنما خلفه القوى التي تريد أن تحكم بانقلاب عسكرى - يمينى أو يسارى.
‏ونحن نفضح هذا النمط من التفكير ونحاول أن نلهم الجماهير كى تدافع عن مكتسباتها الديمقراطية. فالجماهير ستلجأ للانتفاضة حتى في ظل حكومة برلمانية إذا اقتنعت في لحظة معينة إنها لا تستطيع أن تعيش في ظل تلك الحكومة أكثر مما عاشت وتود التغيير. وأحداث 26ديسمبر نذير بذلك. فدفاعنا عن الديمقراطية والحرية السياسية ليس دفاعا عن حكم القوى التقليدية بل دفاع عن مكتسبات الجماهير.
‏أما القضية الأخرى في هذا الإطار ، فهي : إذا كانت الديمقراطية الليبرالية كإفراز للنظام الرأسمالي قد فشلت في حل قضايا التطور، فما هو نمط الديمقراطية الذي تقدمه الاشتراكية ؟ هذا سؤال مشروع يجب أن يطرح. وفي رأيي أن المؤتمر السابع والعشرين والكونفرنس التاسع عشر للحزب السوفيتي وما طرح من إصلاحات في النظام السوفيتي ، وإصلاحات في النظام السياسي , يقترب من تقديم هذا النموذج، لكن لم يكتمل بعد، بل هو في طور البناء ، في طريق البداية. ويمكن إذا نجح أن يقدم نموذجا بديلا متكاملا للديمقراطية الليبرالية ، التي هى في نهاية الأمر من منجزات الشعوب، ومن منجزات الثورة البرجوازية العظيمة جداً جداً ، والتي غيرت في الحقيقة من وجه العالم وقضت على الحكم المطلق للقرون الوسطى. صحيح أنها أفرزت الاستعمار ومآسي الرأسمالية ، لكن ما يزال التحدى قائما. وقد اكتفينا سابقا بالكسل الذهنى : الرأسمالية سيئة، الاشتراكية أحسن ، والديمقراطية الاشتراكية أفضل. لكن بالتجربة العملية اتضح ( من واقع حركة الشعوب والبلدان الاشتراكية بما في ذلك الاتحاد السوفيتي) أن المسألة ليست على مايرام ولابد من تطويرها. أليس كذلك؟ هذا يقودنا مباشرة إلى البريسترويكا .
النهج: حقا . طرحنا عليكم السؤال، كيف ترون إلى تجربة البريسترويكا من زاوية رؤيتكم ليس فقط للتطور الداخلى للبنا الاشتراكى، بل ومن زاوية آفاق الثورة الوطنية الديمقراطية في بلداننا ؟
‏‏ نــقـــد : لايمكن طرح القضية بالتفصيل لأن البريسترويكا ماتزال في بداية مهدها ، وما تزال بانتظار النتائج ، باعتبار أن البريسترومكا تجربة ، أو أنها ذات طابع تجريبي. أعتقد أن البريسترويكا ضرورة تاريخية في تطور المجتمع الاشتراكى، أنها المصطلح الذي يعبر عن حلقة من حلقات تطور المجتمع الاشتراكي في مستويين المستوى الأول التوافق بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، والثاني النظام السياسي في إطار المجتمع الاشتراكي.هذه الحلقة، إما أنها ألغى في فترة من الفترات ، رغم أنها حلقة موضوعية، أو جرت محاولات جزئية للاعتراف بها ، وعولجت علاجا محدودا ومن منطلق متردد ، منطلق خائف من النتائج الموضوعية. البريسترويكا في نهاية الأمر استجابة متأخرة جدا لمتطلبات تلك الحلقة الموضوعية في تطور النظام الاشتراكي ، كنظام اجتماعي خاضع لقوانين التطور الموضوعية، وهذه القوانين ستفعل فعلها ، ولن يقلل من فعلها وموضوعيتها حقيقة أن هناك حزبا شيوعيا يهتدي بالماركسية موجودا في قمة السلطة. البريسترويكا يجب أن تطرح بهذا الثكل. إنها ثورة في المجتمع الاشتراكي ، تأخرت، وهذه واحدة من أسباب المشاكل التي أفرزت الوقف المتشكك. أي ننتظر حتى تنجح. فإما أن المجتمع الاشتراكي يعترف بأنه تشكيلة اقتصادية - اجتماعية لها قوانين موضوعية خاصة بها ، مثلما توجد قوانين موضوعية خاصة لكل المجتمعات ، أعنى قضية علاقات الإنتاج، ونظام الإنتاج، قضية القاعدة والبنية الفوقية والتناقضات، أو أن يتحول النظام الاشتراكي إلى مجموعة من المسلمات تطبق، وينتهى الأمر!
‏البريسترويكا أراها من هذه الزاوية، من زاوية أنها ثورة ضرورية تأخرت الاستجابة لها . وهذا التأخير أدى لما يسمى بفترة الجمود أو فترة الركود . إنها ثورة جديدة ، حلقة من حلقات تطور المجتمع الاشتراكي الذي يحتاج إلى أن ينتقل من مرحلة إلى أخرى ، من طور إلى آخر، ولابد له أن ينتقل عن طريق القفزات ، عن طريق التراكمات الكمية التي تؤدى إلى تغيرات نوعية ، عن طريق الصراع بين القديم والجديد . الصراع بين فئات وقوى اجتماعية موجودة في المجتمع الاشتراكي ، من الطبقة العاملة إلى الفلاحين إلى الانتلجنسيا ، والتي لا أعتقد أن مصالحها متطابقة أنما. صحيح أن الطبقة العاملة ستحرر كل المجتمع عندما تحرر نفسها- كمقولة ماركسية- لكن هذه الحقيقة لا تلغى دور بقية القوى الموجودة في المجتمع مع الطبقة العاملة في تحالف أو تقارب أو في تعاون.
البرويسترويكا مرتبطة بالعودة إلى لينين، والعودة إلى لينين تشمل العودة إلى الديمقراطية العميقة التي تحدث عنها في الفترة بين ثورة فبراير وثورة أكتوبر1917 .
ففي أطار السوفيتيات وفي إطار البرنامج الاشتراكي ، الأحزاب المشتركة في السوفيتيات يمكن أن تتناوب على السلطة في إطار البرنامج الاشتراكي. صحيح أن ما نعرفه عن التاريخ حتى الآن، إن موقف المناشفة وموقف الاشتراكيين الثورين أدى إلى أن يسير الحزب البلشفي لوحده. وهذا الجانب من تاريخ تطور الثورة السوفيتية وما نعرفه عنه ، أو ما نشر عنه ، مازال غير كاف ويحتاج إلى مزيد من الدراسة. وهن جهة ثانية فالصراع الفكري داخل الحزب بصورة ديمقراطية لم يمنع الحزب السوفيتي من الانتصار في الثورة . فالحزب انتصر ، وكان في قيادته لينين وتروتسكى وزينوفيف وكامينينف. أليس كذلك؟ وما حاول أن يفرضه ستالين من إجماع قسرى كان غريبا على تقاليد الحزب، والحقيقة غريب على تقاليد أى حزب يسمى حزبا. أحيانا الشيوعيون يأخذون بعض الصفات الإنسانية وينسبونها لنفسهم فقط، في حين أنها صفة إنسانية عامة.
‏هذا يقود إلى أن التعامل مع البريسترويكا من موقع المتفرج الذي ينتظر النتيجة، موقف غير سوى، وغير ماركسى وغير لينينى. البريسترويكا يجب أن تدعم ، ويجب أن تنتصر . لأنها ثورة داخل المجتمع الاشتراكي للارتقاء به إلى مستويات أرقى، وهذه مسألة طبيعية ومنطقية، وضرورة موضوعية. والصراع ضد ما أفرزه نمط الجمود والركود ، صراع لابد منه لتطور المجتمع الاشتراكي. لا يمكن أن تقف على الحياد . ولا يمكن أن تقف موقف المتفرج. يجب أن تنزل بكل قواك الفكرية و السياسية والتنظيمية مع البريسترويكا. وما تفرزه البريسترويكا من سلبيات لا يمكن أن يؤخذ كدليل على فشلها ، إنما هو نتاج الصراع بين القديم والجديد، بين الثورى والمحافظ.
‏إذ كيف يمكن أن نتصور مثلا تطور المجتمع السوفيتي بدون تطبيق نتائج الثورة العلمية التقنية؟ وهذا التطبيق مرتبط بالصراع ضد الأفكار التي كانت ترفض، بمبررات نظرية، الأخذ بهذه النتائج. وهذا ليس صراع مفاضلة بين مستوى من التكنيك ومن التقنية تستخدم في لحظة معينة. فالصراع هو بين أن تستخدم أو لا تستخدم. أو مثلا الصراع حول فعل قانون القيمة في النظام الاشتراكي، إنه صراع بين فهم متكامل وصحيح للماركسية وفهم غير صحيح للماركسية ، أو الصراع ضد تحويل الملكية الاشتراكية إلى صنم ، أو إلى صنمين في الحقيقة، صنم ملكية الدولة وصنم الملكية التعاونية. في نهاية الأمر تغلب الصنم الأول، كأنما ليست هناك أشكال أخرى للملكية الاشتراكية. فتعدد الأشكال عليه صراع، والمسألة لا تتوقف في حدود الشكل القانوني للملكية . وإنما الشكل الملائم في اللحظة المعينة لتطوير قوى الإنتاج : هذا هو المحك الأساسي.
‏وفي هذا الجانب الاقتصادي نشير إلى نظام الأسعار والسياسة دلالية . فبعد الثورة وقبل تطبيق سياسة النيب السياسة الاقتصادية الجديدة ( NEP) - كان هناك تصور بداني ، كما لو أن المجتمع الاشتراكي مجتمع مغلق، مجتمع اقتصادي مغلق، التبادل فيه يتم عن طريق السلع، ولا دور فيه للنقود . هذا تصور متخلف وهو تخلف مرتبط بتخلف البنية الاقتصادية لروسيا قبل الثورة. فتوصل لينين إلى صياغة سياسة (النيب) ، التي كان يجب أن تمتد لفترات أطول ، والانتقال منها يتم عبر دراسة وتمحيص على حلقات وسيطة. وهناك الكثير من الإدعاء بأن المجتمع الاشتراكي والنظام الاقتصادي الاشتراكي لا يعرفان الأزمات، ولا التضخم! لا. يعرف التضخم. هناك أموال متكدسة في البنوك، وأموال ونقود متكدسة لدى المواطنين، ولكن لا توجد سلع كافية . واليوم الذي يزيد فيه حجم النقود عن حجم السلع يحصل تضخم، وتحصل ندرة في السلع، وارتفاع في الأسعار.
‏ألا توجد صيغة تجعل الروبل قابلا للتحويل ، وسط اقتصاد عالمي متشابك وتجارة خارجية متسعة بين النظام الاشتراكي والدول الأخرى وبين الدول الاشتراكية نفسها ؟ أمر غير مفهوم ! وهناك عدم الفهم الصحيح للعلاقة والفوارق بين العمل المجرد والعمل الملموس وأثر ذلك على قضية القيمة.
‏هذه كلها قضايا تطرحها البرسترويكا. وكان شيئا طبيعيا أن تكون مطروحة على جدول عمل القيادة السياسية في الحياة اليومية لتلحق بها . لكن طرحت في الماضي بعض الحلول وتحولت تلك الحلول النظرية إلى قرارات ثابتة فتجمد الفكر.
‏في السنوات الأولى لملامستنا الفكر الماركسى قرأنا كتاب ستالين (القوانين الأساسية للاقتصاد الاشتراكى) . واضح أنه كانت هناك أفكار مغايرة. وكان هناك صراع داخل الحزب حسم بقرار، حسم بقرار خاطىء. أوخذ قضيية العلوم الطبيعية، علم الوراثة مثلا وغيره من العلوم ، وكيف تحول بعض العلماء إلى ذراع علمى لاجهزة بيربا وجرى الفتك بكل العلماء الذين طرحوا هذه القضايا ، واليوم . . .
‏ النهج: أعيد الاعتبار للكثير منهم .
‏ نــقـــد : ما يهمنى ليس رد الاعتبار ، فيمكن في لحظة معينة من تطور العلوم الطبيعية ، التي نقول عنها أنها مستقلة وغير طبقية ، أن تتحول إلى أداة من أدوات الصراع والقهر والفتك بعشرات العلماء الممتازين . باختصار ، فإن فكرة وأسلوب الإجماع الستالينى هي فكرة القهر، فكرة الاستبداد ، وقد أخرت تطور الحزب البلشفي الذي ارتبط منذ نشوئه بالصراع.
النهج: الماركسية كلها تاريخ من السجال والصراع.
‏‏ نــقـــد : سجال وصراع داخل الحزب ، لذلك فإن ما يقال اليوم عن رد الاعتبار وبناء ، تماثيل لضحايا القهر الستالينى غير كاف. وأعنى أن أحسن تمثال هو نشر كل وقائع المحاكمات بتفاصيلها. هذا هو التمثال الحقيقي ، والقضاء الحى على كل مخلفات فترة الجمود وفترة الركود - النشر الكامل للتفاصيل بأسماء الشهداء وأسماء ، الوشاة وأسماء شهود الزور.
‏الشق الآخر هو نشر كل أعمال لينين ، ونشر المناقشات التي كانت تدور في المؤتمرات الحزبية، خصوصا مؤتمر المنتصرين عام1934م ‏الذي فتك ستالين بعده بكل خصومه السياسيين . هذا هو الضمان أن لايتكرر ماحدث. وبنفس المستوى يجب أن تنشر كل التفاصيل عن الثورة الثقافية في الصين.
‏هذه عملية مهمة جدا لتطوير الفكر الماركسى ، وجز، من التطوير أن نتفادى الأخطاء ونتعلم من التجربة . هذا ما تطرحه البريسترويكا من قضايا فكرية لا يمكن لأي ماركسي أن يقف تجاهها موقف المتفرج المنتظر للنتائج.
‏أما فيما يتعلق بشق العلاقات الدولية ، فلا يمكن للقضايا ذات الطابع الإنساني أن تلغى القضايا ذات الطابع الطبقى والصراع الطبقى. وأى محاولة لطرح القضية بإما هذا أو ذاك، يكون طرحا وحيد الجانب. والطرح ليس من طبيعة البريسترويكا نفسها. فهي تمتاز كما امتاز المؤتمر العشرون بطرح إمكانية تفادى الحرب، وطورتها بإمكانية التعاون حول القضايا الإنسانية وهى: الحرب النووية، البيئة، الجوع، الديون . فالحرب النووية تهم كل الإنسانية ولن يتأتى النصر فيها إلا بحسم الصراع الطبقى والسياسي والفكري ضد العناصر المتطرفة في المؤسسات الرأسمالية والامبريالية. إذن فهي في قلب الصراع الطبقي ، لكنها تجمع قوى من داخل المؤسسة الرأسمالية. كذلك قضية البيئة، بالتأكيد هناك خطر يتهدد الدول الصناعية، رأسمالية كانت أم اشتراكية . كذلك مسائل الجفاف والتصحر والأوبئة . وكذلك قضية الجوع. كلها قضايا ذات طابع إنساني عام تحتاج إلى جهد إنساني عام. وأخيرا قضية الديون. تلك هي القضايا الإنسانية العامة، نحددها كيلا يحدث خلط بالقضايا الأخرى. فإذا ما اندلعت ثورة في بلد ما في رقعة من العالم يجري فيها جهد مشترك لإصلاح البيئة. فهذا لا يعنى إخماد تلك الثورة أو تجاهل التضامن معها .
‏ ما يهمنا في هذا الصدد ، في حركة التحرر العربية، هو التخلي عن أحلام الخمسينات والستينات، والتصور وحيد الجانب الذي كان يرى إمكانية أن نحصل على مساعدات بلا حدود وحتى بلا مقابل من النظام الاشتراكى العالمى . هذه الاحلام غير صحيحة. فالنظام الاشتراكي العالمي محدود القوى ، محدود القدرات في إطار دخل الفرد ، في إطار التزامات التسلح النووى والتقليدى، في اطار احتياجات تطور مستوى المعيشة، ومستوى التطور الصناعى والتقنى. فالاتحاد السوفيتى نفسه مايزال بلدا يصدر خامات ، فكيف يستورد خامات من كل العالم الثالث ؟ يعنى إذا استطاع أن يكفي الصين وحدها فكثر الله خيره . وهو لا يستطيع أن يكفي الصين. هذه واحدة من الأفكار الشائعة. فأساسها صحيح، ينطلق من موضوعة التحالف بين حركة التحرر الوطنى والنظام الاشتراكى العالمى. وأى بلد ينتقل إلى طريق التطور الاشتراكى، لابد يجد نفسه في تعاون وتنسيق مع النظام الاشتراكى العالمى. لكن مجتمعنا ، مجتمع المنتج الصغير يتصور دائما أنه يمكن أن يحمل على احتياجاته دون تعب. مثلما يرسل اليك.اهلك واحدا من القرية، ويقولون لهذا الواحد إذهب إلى فلان ليساعدك، ويفهم هذه المساعدة أنها تعنى أن يسكن لديك ويشرب ويأكل ، ويأخذ مصروف جيب ، ويجد بواسطتك عمل، وهو لا يريد العمل ، مادمت تمده بكل شى. هذه عقلية المنتج الصغير، وقد أثرت تأثيرا كبيرا. ومن جانب آخر حلت الدعاية السيامية محل الدراسة الاقتصادية، دراسة الجدوى لكل مشروع محدد في أى بلد نام وعلاقة الدول الاشتراكية بهذا البلد.
‏صحيح أن الصراح ضد الامبريالية أدى في بعض الحالات إلي قطيعة- مثلا تجميد الأرصدة المصربة بعد تأميم قناة السويس، تجميد الأرصدة بعد ثورة ايران، ودور الكارتيلات والشركات متعددة الجنسية وقدرتها على محاصرة أى بلد غير مرتاحة للتعامل معه. كل هذا يخنق الثورات ، ويؤدى إلي التهويل أن يعوض النظام الاشتراكي والسوق الاشتراكي عن ذلك. لكن ذلك غير ممكن . لهذا يجب أن نكون حريصين في التعامل. فنعن لانقطع العلاقة مع السوق الرأسمإلى ، بل هو الذي يقطعها. نحن نحتاج للتعاون مع السوق الاشتراكى والرأسمإلى . وهذا تكمله حركة أخرى - الحركة نحو إقامة نظام اقتصادى عإلى جديد، نحو تبادل متكافئ ويدخل فيها حوار الشمال والجنوب والصراع الدائر اليوم لأعفاء الديون أو ايجاد حل من الحلول لها.
‏تلك قضية عبرت عنها البريسترويكا بصورة محددة لكنها بحد ذاتها ليست كافية للحكم على البريسترويكا بكل ما فيها. فالاتحاد السوفيتى والنظام الاشتراكى، لايستطيع - أردنا أم لم نرد- إن ينتشر اقتصاديا وعسكريا بلا حدود ، لا يستطيع ماديا، لا يستطيع عسكرها. لست متشائما. إن التخوف من أن الثورات في بلداننا سوف تتأخر نتيجة البريسترويكا ليس في محله. بالعكس. يمكن أن نسرع بها إذا انطلقنا من تصورات واقعية وتعاملنا مع شعوبنا بشعارات واقعية حول ما ينتظرها في ثورة التغيير الاجتماعي وبناء الاشتراكية. هذا يتطلب إزالة أية صورة زاهية طوباوية عن النظام الاشتراكى وعن النظام الوطنى الديمقراطي. شعوبنا يجب أن تنجح ، يجب أن تضحى، يجب أن تتعلم كيف تعيش في فترة التراكم، في فترة الاستثمار، في فترة الحرمان من بعض الكماليات.
‏صحيح ان هذا يتم في ظروف عالمية ساد فيها النمط الاستهلاكي بفضل الثورة التقنية . أى أصبح في كل بلد عربى، في أى قرية ، الراديو الترانستور ، والفيديو، سلع الاستهلاك المعمرة ، لأن هذا هو الإنتاج العالمى. ولا يمكن أن تنتظر من شعوبنا أن تنوء بنفس الحرمان الذي عاش فيه الشعب السوفيتى في فترة الحصار وحرب التداخل في معادلة لابد من التعامل معها ديالكتيكيا كواقع جديد يفرض نفس.
‏لاحظ في بلداننا أن شرائح البرجوازية الصغيرة التي حكمت الأنظمة الوطنية رفعت شعار ( اننا لن نبنى الاشتراكية على حساب هذا الجيل لمصلحة أجيال قادمة.)هذا النص من عبد الناصر، ويعبر عن مصالح الطبقة الوسطى - الشرائح لتي حكمت من أبناء الفلاحين، صغار التجار. صغار المنتجين - فكانت لاتريد ترك أي فرصة للاستمتاع بالحياة الاستهلاكية الحديثة ، ناهيك من أن تضحى بذلك في سبيل التراكم الرأسمإلى والاستثمار. وبالطبع ضمن هنا الجيل لايدخل العمال والفلاحون. فكل طبقة سائدة تلبس مصالحها الاقتصادية والسياسية والروحية ثوب مصالح كل الشعب أو كل الأجيال.
‏إن الأسباب التي جعلت أقساما واسعة من الجماهير تبتعد عن الاشتراكية أو تشكك في جدواها كثيرة، واحدة منها النظام السياسي الذي يحتاج إلي إصلاح، ووتائر التراكم والاستثمار التي أدت إلي الحرمان من أشياء كثيرة ، وواحدة منها اغفال قانون القيمة سواء في الإنتاج أو في التوزيع أو في المردود أى الأجر.
النهج: الأمر في ظل أسعار محددة يقدر حصة العمال، أى يحدد نسب توزيع منتجات العمل.
‏ نــقـــد : وفي داخل العمال أنفسهم الذي يعمل والذي لا يعمل ، الأكثر كفاءة والأقل كفاءة، العامل المهني والعامل غير المهنى . هذه قضايا مطروحة ويجب أن تناقش ومن المسائل التي يجب أن نتعامل معها بواقعية ، قدرات النظام الرأسمإلى برغم أزمته. ففي إطار تاريخه العام ومرحلة الامبريالية والأزمة العامة ، يستطيع باطنيا أن يجدد قواه المنتجة ، أن يعدل ولو جرئيا في علاقات الإنتاج، بماله من احتياطى ،و بما له من ذكاء في استخدام الثورة العلمية التكنولوجية التي جملته يعرض مافقده من أسواق في المستمعرات وفي البلدان الاشتراكية، بما يستطيع أن يحقق من انتاجية أعلى ، وبالتإلى تقليل مايستهلك من خامات وتكلفة ، إضافة إلى التنازلات التي يقدمها للطبقة العاملة، والتغيرات في داخل الطبقة العاملة نفسها. فعمال الحديد والصلب وعمال المناجم الذين كانوا قلب الطبقة العاملة لحد الستينات في أوربا الغربية ماعادوا اليوم القوة الرئيسية . القوة الرئيسية هى عمال فروع الالكترونيات الذين لا يعتبرون أنفسهم إلى الآن عمالا، بل يعتبرون أنفسهم فنيين ومهندسين ذوى تطلعات أخرى . وهم يستغلون ويسهمون في إنتاج فائض القيمة داخل المجتمع ويؤثرون تأثيرا ضخما جدا على الإنتاج وعلى مساره.

‏لقد طرأت متغيرات جديدة على الطبقة العاملة وتركيبها ، ودور الفئات المختلفة فيها ، وما عاد ممكنا الحديث بالشكل التقليدى القديم عن عمال الصناعات الثقيلة والمناجم والحديد والصلب. فليسوا هم بالضرورة طليعة الطبقة العاملة وطليعة كل العاملين. أصبحت هناك قوة جديدة ، بما في ذلك المهنيين، الذين يتعرضون للاستغلال، أى عمال الياقات البيضاء ،. إنهم قوة كبيرة جدا في الوقت الحاضر. ولو نظرنا للاقتصاد الرأسمالي نجد أن وتائر تطوره في قطاع الخدمات .اسرع وأوسع من القطاع الإنتاجي المباشر. هذه حقائق متغيرات في تركيب الطبقة العاملة. لكنا مازلنا نتعامل معها من الموقع القديم حول التحالف بين حركة التحرر الوطني والنظام الاشتراكى العالمى والطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية. فأى طبقة عاملة في أورما نقصد ؟ هذه قضية يجب أن نكون واقعيين فيها .
‏قد كان لتضامن الرأي العام البريطاني تأثيره في العراق مثلا. وكان لوجود حزب العمال البريطانى في الحكم بعد الحرب وضغط النقابات البريطانية من أجل حق عمال المستعمرات في التنظيم النقابى ، أثره الايجابي والمساعد في تكوين النقابات في السودان. صحيح أنهم كانوا يريدون توجيه النقابات في السودان وجهة اصلاحية ، لكن الشيوعيين في السودان صارعوا المستشارين الذين .اوفدتهم الحكومة البريطانية، ودفعوا النقابات نحو الصراع الطبقى والشكل الطبقى واستقلال النقابة.
‏هذه متغيرات في تكتيكاتنا في داخل حركة التحرر الوطني العربية يجب أن ناخذها بالاعتبار، ليس للمواربة، ليس للمواءمة الانتهازية، بل للأدراك الصحيح لتوازن القوى العالمى والمتغيرات الجديدة في العالم . في نهاية الأمر فإن ما نعانيه من مظاهر التضخم ومانعانيه من التعامل وفق صفقات صندوق النقد الدولى، تعانيه يوغسوفيا وبولندا والمجر. طيب، قبل عشرين عاما كنا نقول أن النظام الاقتصادى الاشتراكى لايعرف الأزمات ولا يعرف التضخم، لكن اتضح أنه يعرف الختناقات ويعرف انعدام السلع - أى أن الصيغ القديمة ماعادت تمشى. ومايسمى بالتفكير الجديد ، هو في حقيقة الأمر الماركسية والمتغيرات الجديدة في عالم اليوم وليس تفكيرا جديدا خارج الماركسية. هذه باختصار نظرتنا للبرويسترويكا.
النهج:نلاحظ أن تدخل الدولة في اقتصاديات البلدان العربية حقيقة واقعة تأخذ طابعا أو اشكالا متعددة ، سوا ، بدخول الدولة كمنتج مباشر في الإنتاج المادي، سواء في القطاع الأول أم القطاع الثانى. يعنى إنتاج وسانل الإنتاج وانتاج وسائل الاستهلاك، والشكل الآخر الميز في بعض الدول الريعية النفطية هو دور الدولة كمنفق ريعى كمستهلك، كزبون.
‏‏ نــقـــد : بالمناسبة البتروليين ناجحون وتجب دراسة تجربتهم.
‏ النهج: : التطور الرأسمالي في السودان ، بدأ من القطاع الأجنبي الدخيل الآتى من الخارج، أى رأسمالية وافدة، إلى جانب التطور التقليدى ، نعنى النمو العفوى للرأسمالية من داخل المجتمع نفسه، والشكل الثالث الذي يتم عبر التدخل الكثيف للدولة ، ليس من ناحية التشريعات والقسر مافوق الاقتصادى، وانما دخولها المباشر كرب عمل منتج ، كرأسمال جماعى . نحاول أن نرى خصانص التطور الرأسمإلى في السودان ، ودور الدولة فيه ، كيف ترون ذلك ؟ إلى أى مدى نمت فنات طفيلية غير منتجة ، وإلى أى مدى يمكن في الواقع العملى . إحداث تمايز بين البرجوازية المنتجة والبرجوازية غير المنتجة، في ضوء تجربتكم في السودان ؟ وإلى أى مدى يمكن الاستمرار في الدعوة إلى تدخل الدولة كرأسمإلى جماعى منتج في إطار مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ؟
‏‏ نــقـــد : كل الخصائص تكمن في الخلفية التاريخية ، ويمكن ايجازما فيمايلى :
- دخلت الإدارة البريطانية السودان كإدارة ثنائية بريطانية مصرية وبدأت تضع الأسس لقطاع الإنتاج الحديث الرأسمإلى : بعض الورش ، العمل المأجور، كانت هناك بعض الحرف لكنها تعرضت للدمار شأن كل بلد دخلته الدوائر الاستعمارية . دخول الإدارة البريطانية منا يختلف عنه في الهند ، حيث دخلت الشركات أولا ثم جاءت الإدارة. هكذا أصبحت كل المنشآت التي تقام ملكا للدولة وعندما نال السودان استقلاله ظلت تلك المنشأت ملكا للدولة السكة الحديد، الطيران ، النقل النهرى، ورش الصيانة ، الخدمات . لم تكن في السودان صناعة تذكر . وكانت البنوك أجنبية تعمل في التجارة الخارجية. وتمتلك الدولة ايضا اكبر المشاريع الزراعية لإنتاج القطن مثل مشروع الجزيرة المروى بالانسياب من الخزان، من السد. كان المشروع شراكة بين شركة بريطانية والإدارة البريطانية بعقد زمنى، إنتهى عام1950م ‏وآلت ملكيته للحكومة . ربما اختلف الوضع لو امتد العقد حتى اندلاع الحرب الكورية وارتفاع أسعار الخامات الزراعية - القطن ومن هنا أصبحت الدولة أكبر مخدم ، ومازالت.
- قامت الإدارة البريطانية بمسح وتسجيل الأراضي ، التي تملكها القبائل والعشائر والأسر ، وماعداها أصبح ملكا للدولة ، مع حق الدولة في نزع الأراضي للصالح العام، أو تأجيرها إيجارا اسميا إذا كانت صالحة للاستثمار الزراعي -10 قروش للفدان سنويا. وبهذا قامت الإدارة البريطانية بدور البرجوازية لمصلحة رأس المال في الأرض ، أشبه بدور ثورة كرومويل في بريطانيا .
- عززت الإدارة البريطانية الفئات المساندة لها: بيوتات الادارة الآهلية، زعماء الطوائف ، كبار الموظفين ، فآعطتهم رخصا لمشاريع زراعية خاصة على النيل لإنتاج القطن . وكانت هذه الفئة أقوى فئات الرأسمالية السودانية لكنها تراجعت لتدهور أسعار القطن ، ووصول النميرى للسلطة.
- تظل الرأسمالية التجارية أوسع الفئات، والوعاء الكبير الذي خرجت منه فئاتها الأخرى للزراعة والعقار وغيرها ، دون أن تنفصل عنها .
- ‏¬يكمل القطاع الزراعي ، قطاع ثروة حيوانية كبير في السودان ، تنشط فيه فئة تجارية نشطة للاستهلاك الداخلي والتصدير.
- ‏¬كانت في السودان قبل الحكم العسكري الأول بعض الورش والصناعات الخفيفة كالمياه الغازية والثلج والصابون وغيرها في القطاع الخاص . ثم قامت خلال الحكم العسكري بنوك متخصصة: بنك زراعي ، بنك صناعي ، عقاري ، فاتسع نشاط الفئات الرأسمالية، زراعية ، صناعية ، عقارية . وحدث توسع في الصناعة في القطاع الخاص حتى تفوق على القطاع العام من حيث حجم الاستثمار والإنتاج وعدد العمال. لكن الدولة انشأت صناعات إستراتيجية كالسكر والأسمنت والغزل والنسيج ومدابغ الجلود . . .الخ.
واتسعت الرأسمالية العقارية ، وتلك التي تضارب في الأراضي ، كما ساعدها أن مجالس الحكومة المحلية راحت تبيع الأراضي والعقارات الحكومية للقطاع الخاص لتغطية عجز موازناتها من هذا الدخل غير المتكرر، وتعقد المزادات لبيع الأراضى السكنية والمتاجر والأسواق. . فارتفعت أسعار الأرض وثروة الرأسمالية العقارية والمضاربة في الأرض والعقار، رغم أن السكن في السودان ليس مشكلة لاتساع مساحته ، لكن المشكلة هي خدمات الإسكان والسكان.
- ‏ قام الحكم العسكري الثاني بتأميم البنوك ، ثم تراجع عنه كسياسة، فظلت البنوك المؤممة ملكا للدولة ، وسمح لبنوك أجنبية أن تفتح فروعا لها في السودان، ثم تجمعت مجموعات التجار التي كانت أموالها مودعة في بنوك الدولة وانشأت بنوكا خاصة بها ومارست النشاط المصرفي . وهى ليست رأسمالية مالية.
وعندما أعلن النميرى تبنيه للفكر الاسلامى ونظام الحكم الإسلامي ، قامت في السبعينات مصارف إسلامية بامتيازات لم تتوفر للبنوك الأخرى في القطاعين: تصدير الأرباح بالعملة الصعبة، إعفاء من الضرائب، اعفاء من رقابة ‏البنك المركزي . ثم فرض النميرى أسلمة كل الجهاز المصرفي، العام والخاص والأجنبي. فتوفرت إمكانات مالية هائلة للنشاط الطفيلى ، حيث تسهيلات البنوك قصيرة الأجل، وهى في الواقع بيوتات تجارية للتسليف وليست مصارف بالمعنى الكامل . فنشطت حركة المضاربة بالسلع التموينية والمحاصيل عن طريق التخزين. فضلا عن أن تسهيلات المصارف الإسلامية تتم وفق أسس سياسية: الانتماء للاتجاه الاسلامى أو بالتوصية منه وليس وفق الضمانات المعروفة. وقد ترك هذا النشاط ‏أثره السلبي على بقية البنوك خاصة بنوك الدولة. وهكذا جرت رسملة أتباع الاتجاه الإسلامي في حزب الجبهة القومية الإسلامية - من الذي يفتح كشكا للصحف أو السندوتشات إلى الذي يصدر محاصيل إلي الذي يستورد مواد تموينية ، وغير ذلك من النشاط الطفيلي.
ونتيجة لهذه الممارسات المصرفية ، اتسع النشاط الطفيلي ، وتدهورت الصناعة التي باتت تعمل بمتوسط 20% إلى 25% من طاقتها لفقدان التمويل.
- ‏ سمة أخيرة لتطور الرأسمالية فئ السودان أن الجيل الثالث من أبنائها ويدير
أعمالها اليوم جيل متعلم متفتح مستنير من برقراطيى جهاز الدولة ممن كانوا مديرى بنوك ومديرى مصالح . فكل من يحال للمعاش أو يطرد من الخدمة (وقد طردهم نميرى بالعشرات) لا يذهب لمنزله ، بل ينشئ شركة للتصدير والاستيراد أو يحصل على توكيل لبيوتات أجنبية، إلى جانب فئة البرقراطية الرأسمالية المدنية والعسكرية التي أصبحت ذات وزن كبير ومؤثر لارتباطها بجهاز الدولة و معرفتها بالسوق العالمي والتجربة والخيال. وهناك انخراط بيوتات شبه الإقطاع القبلي والطائفي في النشاط الرأسمالي بكل قطاعاته. وهناك فئة رأسمالية إقليمية قوامها المتعلمون والمستنيرون من أبناء قبائل وقوميات مناطق السودان المختلفة ، بدءوا كلسان حال لمظالم أهلهم، ودخلوا الحركة السياسية ولامسوا الجهاز ‏التشريعي والتنفيذي، ومنه أنشأوا قاعدتهم الاقتصادية ، وتبنوا شعار الحكم اللامركزى وتوسيع صلاحياته ، وكلما زادت الملاحية زادت القدرة على إصدار القرار الاقتصادي . وهناك الفئة الرأسمالية من أبناء القبائل والقوميات الجنوبية ¬وتتكون هذه الفئة من الذين احتلوا مناصب سياسية أو تنفيذية في جهاز الدولة ، وبدأوا نشاطهم الرأسمالي كمستهلكين - استهلاك البذخ - من المرتبات والامتيازات والرشاوى التي يتلقونها من الأحزاب الشمالية الكبيرة أو من الخزينة العامة مباشرة. فأسسوا الشركات ودخلوا في شراكات مع الرأسمالية الشمالية. في حين كان الرأسمالي التجاري المنحدر من السلالات العربية الإسلامية هو الذي يتولى النشاط التجارى في تلك الناطق المتخلفة ، ومن هنا العداء حيال التبادل غير المتكافئ لهؤلا، التجار مع الفلاحين والرعاة الذين ينظرون إلى هذا التاجر العربى المستغل الذي كان يتعامل مع أجدادهم في تجارة الرقيق . وبذا يزداد العداء القومى.
اتسعت صفوف الرأسمالية السودانية اتساعا كبيرا وتنوعت علاقاتها الدولية تنوعا كبيرا ، وبرغم الأزمة والضائقة مازالت أمامها مساحة للحركة. كما أن اكتشاف البترول سيعطيها مجالا أرحب، وهو بترول بكميات تجارية لكنه معطل نتيجة العمليات العسكرية.
النهج: في الجنوب
نــقـــد : في الجنوب وفي الغرب . ومازالت عملية الاكتشاف جارية للرأسمالية السودانية إذن احتياطي من الزمن واحتياطي من الإمكانيات ، بفضل اكتشاف البترول والمصارف. فإذا توقفت الحرب في الجنوب ، فسوف يحدث نهوض غير اعتيادي على يد الرأسمالية السودانية. ولكن ليس قبل انتها ء الحرب.
النهج: أى دور ترونه للقطاع الخاص في برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية في ضوء حديثكم عن دور أسآس للدولة ، وفي ضوء ميل رؤوس الأموال المحلية للنشاط الطفيلي
‏ نــقـــد : ما معنى الثورة الوطنية الديمقراطية ؟ معناها أن فيها طابعا وطنيا أى استكمال السيادة الوطنية والاستقلال الوطنى - تخليص البلاد من أشكال الاستعمار القديم الكولونيالى الذي كان موجودا بجيوشه ، ومن تغلغل الاستعمار الحديث الذي يأتى بطريق غير مباشر مستفيدا من بقايا الاستعمار القديم التي لم تتم تصفيتها ، ومستفيدا من القوى الاجتماعية ذات المصلحة في إرث بقايا الاستعمار القديم وفي الارتباط بالاستعمار الحديث. وبهذا فالثورة الوطنية الديمقراطية واسعة تتسع لكل الوطنيين ، لكل من هو مع سيادة الوطن، وأن نعترف بأنه وطنى ، وعدم قصر الوطنية على الشيوعيين والديمقراطيين.
‏أما الشق الديمقراطي في الثورة- ولا ينبغي بالطبع فصل الجانب الوطني عن الديمقراطي ، إذ لايمكن تحقيق هذا دون ذاك أو هذا قبل ذاك - فهو أن تحقق إصلاحات اقتصادية اجتماعية سياسية تمهيدا لتحقيق أهداف التغيير الاجتماعي الديمقراطي ، بمعنى أن الأسبقية تكون لتصفية كل الأشكال شبه الإقطاعية أو الإقطاعية المتبقية . وأود أن أكون واضحا في هذه ‏المسألة. فعندما أقول إقطاع فهذا يختلف عن الإقطاع في مصر م العراق وأوربا ، الإقطاع في البلدان التي توجد بها أزمة أرض- إذ ليس في السودان أزمة أرض. الأرض واسعة. المشكلة هي الاستثمار لري ألأراضي أو تحضيرها للزراعة المطرية. أما في مناطق الري فإن المشكلة هي توزيع أراضي المرعى للقبائل و العشانر ودور الإدارة الأهلية في ذلك وسيطرتها على أحسن المراعى.
‏في جنوب السودان الاقتصاد الطبيعي معطل بسبب الحرب الأهلية بين 1955 و 1972 وبين 1983 وحتى اليوم فهناك القبائل والتجمعات القومية النيلية ¬شلك ، دينكا ، نوير - وأراضى المرعى والزراعة وتوزيعها العرفي بين القبائل. وفوق الكيان القبلى تقوم مجموعة المكوك والسلاطين . والكجور وهى الشكل المتبقى من التركيبة القبلية الأفريقية القديمة.
‏تصفية هذه الأشكال القديمة يقع ضمن شعار تصفية الإدارة الأهلية التي منحها الاستعمار البريطاني سلطات إدارية وقضائية ، وكلفها بجمع الضرائب مقابل جزء منها ، فجمعت لنفسها ثروة كبيرة وثروة حيوانية وأخصب المراعى، وانتقلت بهذه الثروة للنشاط الرأسمالي في الشركات والمصارف . . الخ.
‏على أن تصفية هذا النوع من العلامات السابقة للرأسمالية لن تتم كما تمت في الثورة الفرنسية . بشكلها الكلاسيكي ، أو بمثلما فعل عبد الناصر بالإقطاعيين الذين كانوا حول الملك فاروق في مصر. ففي ظروف السودان نتحدث عن شبه الاقطاع –Semi-Feudalism ‏- ولم تتوصل إلي المصطح الأقرب البديل.
‏أما الإصلاح الزراعي فلا يمكن اختزاله في برنامج واحد في ظروف السودان نسبة لتعدد وتنوع علاقات الإنتاج في مشاريع رأسمالية للدولة لإنتاج القطن، والزراعة الرأسمالية الشاسعة في المناطق المطرية ، والزراعة على ضفاف النيل . . الخ . ، ولا يمكن إدخالها في قالب واحد يناسب الكتاب الماركسي الكلاسيكي . المطلوب هو الاقتراب من هذه الخصائص بالدراسة. وهناك مجهود في هذا الاتجاه وأمام هذه المهمة يجب أن لا يتوقع الشيوعيون ولا الديمقراطيون التمتع بالراحة الذهنية.
‏وفيما يتعلق بالثروة الوطنية الأساسية التي يسيطر عليها الاستعمار، فيتبقى أن يعاد النظر في الاتفاقيات التي تمس القرار السياسي والسيادي ، ووضعها في يد القوى الوطنية الديمقراطية . كذلك الحال في الإصلاحات الديمقراطية الأخرى التي تجرى في قطاع التعليم والخدمات وتوزيع الثروة.
‏الثورة الوطنية الديمقراطية ليست ثورة اشتراكية حتى يطبق فيها كامل البرنامج الاشتراكى . لكنها في نفس الوقت ليست عملية إصلاح هيكلي أوعملية ذات طابع مؤقت. إنها تغييرات تجرى في كل البنية الاقتصادية الاجتماعية لمصلحة الطبقات والفئات والقوى الاجتماعية التي ناضلت خلف هذه الأهداف ليس لمصلحة الأفراد ولا القيادات ولا لمصلحة الحزب السياسي ولا لمصلحة قيادات التحالف. ويبقى أهم إصلاح في هذا الجانب هو إصلاح جهاز الدولة . فهو الجهاز الذي ورثناه عن الإدارة البريطانية وأضأفت عليه الحكومات السودانية المتعاقبة أجهزة قمع إضافية وضخمته وزادت تكلفته، وأصدرت قوانين لا تحصى وتعد لمصلحة البرقراطية وأجهزة القمع من جيش وبوليس وغيره لمصادرة الحريات. وبحكم سيطرة جهاز الدولة على القطاع العام ، أكبر قطاع اقتصادى ، أصبحت الفئات البرقراطية تملك إلى جانب القرار الإداري ، قرارا في الشؤون المالية فتؤثر بذلك في التطور الاقتصادي، ولها مصلحة مرتبطة بالرأسمالية في السوق الأبيض والأسود . ولهذا تجد الواحد من كبار البرقراطيين عندما يحال على المعاش. إما يؤسس شركة أو يصبح عضوا في مجلس إدارة شركة ، ويستفيد من موقعه السابق وعلاقاته ليسهل لشركته الجديدة أعمالها ويوفر عليها مبالغ كان يمكن أن تصرفها وتخسر ، إضافة إلي إقامة علاقات مع الشركات الأجنبية والتأثير على القرار الحكومى فيما يتعلق بإرساء العطاءا‏ت نظير مقابل.
‏هذه الإصلاحات ذات الطابع الديمقراطي تقنن في دستور وطني ديمقراطي ملامحه مستمدة من الشعارات والأهداف التي رفعت بعد انتفاضة مارس /ابريل ‏1985 : النظام البرلماني الديمقراطي ، الحقوق والحريات الأساسية ، محاكمة الذين أجرموا في حق الشعب وأفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية، إلغاء القوانين المقيدة للحريات ، إلغاء قوانين سبتمبر . . .الخ . هذه الإصلاحات التي طرحت في ثورة اكتوبر ‏1964 وانتفاضة 1985هى على وجه التحديد الإصلاحات السياسية ذات الطابع الوطني الديمقراطي التي ينشدها الشعب السوداني، وسعى كى تضمن وتجسد في دستور وفي حكومة لازال يبحث عنها.
‏دور القطاع الخاص في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية . نحن نتحدث أيضا عن دور له حتى في ظل السودان الاشتراكي - وقد يبدو هذا الحديث مختلفا عما عهدناه . فالثورة والتغيير الاجتماعي يستهدفان مصلحة الناس ولا يستهدفان غيرها. واذا كان هذا هو الهدف فإننا نبدأ من نقطة معينة هي مستوى تطور القوى المنتجة. ففي بلد كالسودان لايزال 80% من سكانه يعمل في الزراعة التقليدية حيث لا وجود للآليات الحديثة والتكنولوجيا ، وحيث الصناعات الموجودة ماتزال تحويلية ولمواد غذائية استهلاكية ، وحيث أكبر قطاعين في الصناعة هما السكر والنسيج في الاستثمار والعمالة ، وحيث لا قاعدة صناعية ، بل ولا صناعة أسمدة في بلد زراعى .واذا انتقلنا للجنوب حيث القرى مبعثرة داخل الغابات .. . الخ. أمام هذا الواقع المتخلف لمستوى القوى المنتجة يظل للقطاع الخاص دور في النظام الوطنى الديمقراطى وفي ظل الاشتراكية :
- ‏ تجارة التجزئة وتوصيلها للقرى النائية يقوم بها القطاع الخاص بكفاءة أكبر وتكلفة أقل ، ولا يستطيع أن يقوم بها القطاع العام وتكلفة موظفيه وأجهزته مما يزيد أسعار السلع.
- للقطاع الخاص دور في الصناعة و الزراعة والثروة الحيوانية ، لأن للدولة لا تمتلك الأموال الكافية للاستثمار ولا تمتلك القدرات الإدارية الكافية لإدارة المؤسسات المختلفة بمفردها.
- للقطاع الخاص دور في التنمية في القطاعات المنتجة ، ويجب أن لا يمس النظام الوطني الديمقراطي مصالح القطاع الخاص المنتج ، شريطة أن يعمل وفق الخطة العامة للتطور الاقتصادي الاجتماعي للبلد. وهذا لا ينطبق على النشاط الطفيلي الذي يعمل في المضاربات والعملة. . .الخ
‏ تنشأ عدة تساؤلات:
1. شعار الدفاع عن القطاع العام صحيح لأنه يوفر عائدا واستثماراته أكبر وأفضل لمصلحة الشعب كله . لكن كلنا نعرف أن القطاع العام صار مكانا للإثراء بالنسبة لكبار الموظفين البرقراطيين وصار مسخرا لخدمة الرأسماليين في القطاع الخاص . فما العمل اللازم لإصلاحه .
2. ‏كيف يعبر القطاع الخاص عن نفسه سياسيا في النظام الوطني الديمقراطي، وهو قوة اجتماعية اقتصادية . فبأي شكل يعبر؟ هل يشارك في وضع الخطة العامة أم لا، ماذا يفعل بأرباحه وكيف تضمن له الدولة أرباحه ؟ ‏وكيف تنظم عملية انتقاله بين القطاعات بحافز الربح. . ؟ وماذا عمن يريد نقل أرباحه للخارج؟ كل هذه الأسئلة يطرحها علينا الرأسماليون شئنا أم أبينا . فكيف يمكن التصرف معهم ؟ هذه قضية تحتاج إلى حل. ففي فترة بدا وكأن هذا الأمر غير ممكن.
‏ مسألة التعامل مع رأس المال الأجنبي تحتاج إلى إعادة نظر ، ليس
من باب الخضوع له. لكن من باب التعامل معه كضرورة موضوعية.
- ‏ في الظرف العالمي الحالي ، وبعد انتعاش سوق البترول وتكدس مليارات ‏البتر ودولارات في أمريكا وغرب أوربا وإعادة استثمار هذه الأموال في بلدان العالم الثالث مع الثورة العلمية التكنولوجية واحتياج بلدان العالم الثالث لرأس المال الأجنبى.
- ‏ إمكانيات الدول الاشتراكية لا تكفي لتوفير الاستثمارات الضرورية للبلدان التي تسير في طريق وطنى ديمقراطى ، فضلا عن أن البلدان الاشتراكية والاتحاد السوفيتى نفسه في احتياج للتكنولوجيا الحديثة واعادة الاستثمار لتجديد اقتصادياته.
- ‏¬امكانية التعامل مع منلوق النقد IMF والبنك الدولي من موقع العلاقات المتكافئة وليس علاقات النهب وعلاقات الاستنزاف ، في إطار الحركة الجديدة التي تجرى في العالم وترفع شعار (نحدو نظام اقتصادى عالمى جديد) ، وحوار الشمال والجنوب، وشعار إلغاء الديون - هذه الحركة لابد أن تصل إلى هدف يعدل من الموازين المختلفة السائدة حاليا- إضافة إلى مسألة أن قضية رأس المال الأجنبي مرتبطة بقضية القطاع الخاص في الداخل ودوره المشار اليه.
‏ليس في هذا تنازل، أو مايقال عن أن الشيوعيين تراجعوا . بالعكس . صار الشيوعيون أكثر معرفة بمجتمعهم، لأن الماركسية ليست أهدافا مجردة عامة تجتهد انت كى تلوى عنق الواقع حتى يلامسها . لكن وكلما تقترب من واقع مجتمعك، تصبح أكثر معرفة بمصالح شعبه والطريق الموصل اليها ، كلما يصبح بمقدورك اقناع الشعب للسير معك لتحقيق هذه الأهداف لأنها تخدم مصالحه.
‏هناك جانب مهم متعلق بتجربتنا . فقد جاء النميرى ومجموعته بشعارات اشتراكية وشعارات يسارية. وجاء عبد الناصر قبله بذات الشعارات ، وصدرت قرارات المصادرة والتأميم . فماذا كانت النتيجة؟ لم تكن سوى الانهيار الاقتصادي . . بقى أن نعرف حدود تلك الشعارات التي كانت عزيزة على الثور ين ‏مثل تأميم البنوك والشركات. لأنه لايمكنك أن تؤمم وتصادر ثم تتعامل مح السوق الرأسمالى، لأن المستثمر يخاف على مصير استثماراته. لهذا لابد من أن ينص في البرنامج على التأميم مع التعويض العادل، وفي إطار كلمة العادل مساحة واسعة للأخذ والرد والتعامل مع قضايا التجارة الخارجية. فأى محاولة لبلد يريد أن يبنى الاشتراكية فيقفل حدوده ويتعامل فقط مع الدول الاشتراكية، لن يكون له مستقبل في التطور الاقتصادي الحديث المبنى على الثورة العلمية التكنولوجية، وفي نفس الوقت يستطيع هذا البلد أن يتخذ موقفا ثوريا ، موقفا وطنيا مستقلا تجاه رأس المال الأجنبي. فرأس المال الأجنبي سيكون أيضا بحاجة إلى هذا البلد كسوق تجارية أو سوق استثمارية أو على الأقل لاسترداد ديونه على البلد. ولديك مختلف التكتيكات والميكانزمات التي يمكن استخدامها للاستفادة من الظرف العالمي.
‏لقد وقف الحزب الشيوعى السوداني ضد المصادرات التي أجراها نميرى عام 1970م كنا نعتقد بضرورة أن يتوقف التأميم في حدود البنوك الأجنبية وشركات التأمين و بعض الشركات الأجنبية الكبرى التي تسيطر على التجارة الخارجية، فذلك إجراء ضرورى لاستكمال السيادة الوطنية. أما التأميمات الأخرى والتي مست الرأسمالية السودانية فلم تكن صحيحة. كما أن أى مصادرات تمت لم تكن صحيحة لا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية السياسية*. وعندما تراجع نميرى ومجموعته عن التأميمات والمصادرات بطريقة غير منظمة، عاد الذين صودروا أكثر غنى وأكثر ثرا عن ذى قبل. وهذا العبث بالشعارات الثورية في التطبيق، هذا العبث البرجوازى الصغير بقضايا الثورة الوطنية الديمقراطية، تدفع ثمنه الحركة الثورية العربية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كان رأى الحزب الشيوعي ان المصادرة عقوبة اقتصادية، ولزم لذلك ان تخضع لحكم القضاء
‏في كل الأحوال ، الثورة الوطنية الديمقراطية لن تقوم بدون ثوريين وطبقات ثورية ، بدون برنامج وطني ديمقراطي ماركسى واضح، بدون سير الحزب الشيوعى مع الطبقة العاملة ومع جماهير الفلاحين الغفيرة والمثقفين الوطنيين الثوريين، مع القوى الوطنية الديمقراطية داخل القوات المسلحة، وكانوا جميعا في حالة نهوض ثوري وتصميم في مواجهة القوى العارضة الداخلية والخارجية . بغير هذا لن تكون الثورة الوطنية الديمقراطية . ومن جانب آخر فالثورة الوطنية الديمقراطية لن تتم عن طريق البرلمان. فالبرلمان يعطي فقط فرصة لمخاطبة الجماهير وفيه قدر من الحريات وفرصة حركة أكثر من الدكتاتورية العسكرية اليمينية واليسارية.
النهج: ما هي المهام الاقتصادية التي رسمها الحزب أزاه خصائص تطور الرأسمالية السودانية ؟ نجد في أدبياتكم نقدا للرأسمالية الطفيلية والبرقراطية . ونقدا للدولة الباذخة وبرجوازيتها البيروقراطية التي تنهب وتدعم النشاطات الطفيلية. ونجد في أدبياتكم دعما للرأسمالية المنتجة. هل هناك إمكانية لإعادة توجيه التطور توجيها منتجا ؟ كيف ترون إلى ذلك برنامجيا ؟ ‏وكيف توازنون بين مصالح التطور الرأسمالي الإنتاجي، وبين حاجات الجماهير الشعبية؟
‏ نــقـــد : في هذا الجانب انعقد مؤتمر اقتصادي قومي في النصف الأول من عام 1986م . كنا مانزال وقتها في الفترة الانتقالية والانتفاضة لا تزال في حالة نشاط. وكان أحد شعاراتها إصلاح الوضع الاقتصادي بعد زوال نظام نميرى. فتكونت لجنة تحضيرية للمؤتمر شملت كل الاقتصاديين السودانيين على اختلاف اتجاهاتهم بمن في ذلك الذين يعملون في المؤسسات العالية والإقليمية، واستمر التحضير لفترة طويلة، وخرج المؤتمر ببرنامج للانقاذ الاقتصادى أهم معاله:

- سيطرة وإشراف المصرف المركزي على السياسة والتسهيلات المصرفية.
- الحد من استدانة الحكومة من النظام الصرفي لتقليل التضخم.
- إعادة تأهيل مشاريع الإنتاج الزراعي والصناعي وإعطاؤهما الأسبقية. .
- الضغط على صندوق النقد الدولي لتسهيل شروطه.
- تثبيت أسعار السلع الأساسية الضرورية للمواطن لحل الضائقة المعيشية.
هذا برنامج مباشر لتخفيف آثار الأزمة، وليس حلها ، ويبدأ بتوجيه السياسة المصرفية نحو الإنتاج الزراعى والإنتاج الصناعى ، وضرب النشاط الطفيلي، والوصول مع صندوق النقد لحل مشكلة الديون : إما تجمد أو تلغي أو تجمد الفوائد . . .الخ، وأن يساعد الصندوق في تصريف صادرات السودان ، لأن الصندوق يفرض خفض قيمة العملة السودانية كيما تملك الصادرات قدرة تنافسية، فيترتب على ذلك ارتفاع قيمة مدخلات الإنتاج المستوردة.
النهج: وترتفع قيمة المنتجات الداخلية. . .
‏ نــقـــد : البترول والأسمدة والآليات الذراعية والمبيدات الحشرية نستوردها سنويا بأسعار عالية وتدخل في تكلفة الإنتاج ، فتخرج منتجاتنا الزراعية عالية التكلفة وعاجزة عن التنافس في السوق العالمية. إذن هذه دوامة مستمرة. أخيرا نحن نميل إلى تركيز الأسعار بدلا من زيادة الأجور من أجل إزالة الفوارق في المرتبات في جهاز الدولة وفي القطاع العام والخاص. أما المطالبة بزيادة الأجور فقط. في إطار هذه الحلقة المفرغة، فلن تقود إلا إلى المزيد من التضخم، وبالتالى إضعاف القوة الشرائية للسودانيين . وهناك مطلب أساسي آخر هو تصفية النشاط الطفيلي، وأن تخضع للرقابة كل البنوك التي ساعدت على تمويل النشاط الطفيلي . فهناك تجاوزات لضوابط بنك السودان المركزي . هناك تهريب عملة، هناك تلاعب في الحسابات لتقليل إيرادات الدولة من الضرائب وأرباح البنوك ، وهناك أخيرا فرض ‏رقابة البنك المركزي على النقد الأجنبي، والحد من التهريب، واتخاذ الإجراءات لتوفير الحد الأدنى من ضروريات الحياة للناس، الخبز، الذرة، القمح، السكر، زيت الطعام ، الشاى ، الجبن ، الأقمشة الشعبية ، الأحذية ، الأدوية.
‏هذا يقودني الى مسألة الرأسمالية المنتجة و الرأسمالية غير المنتجة. يصعب آن يتعايش الاثنان في بلداننا لطالما كان النشاط الطفيلي قانعا . فمن الأفضل لآى رأسمالي أن يستثمر عملاته من دولار وجنيه في النشاط الطفيلي ، لآنه يحقق في السنة ثلاث أو أربع دولارات، في حين أن دخله في التجارة وفي الصناعة والزراعة يكون موسميا . لذلك لا أرى مخرجا للبلدان النامية إلا بتدخل الدولة وسياسة تخطيط اقتصادي رأسمالي لمصلحة الرأسمالية المنتجة. لكن مهما صغرت المساحة التي تتحرك فيها الرأسمالية فإنها تكفي لاجتذاب رأس المال المنتج إليها ، لآن شروط المنافسة غير متكافئة، ولأن المخاطر هنا - في الإنتاج - أكبر . وهذا يقودنا إلى قضية سياسية رئيسية ، هي السعي لتجميع الفائض الموجود حاليا ومنع هروبه للخارج، وتوجيهه نحو الاستثمار في الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمات الضرورية والبنية التحتية - فهنا الانهيار كامل. هذا باختصار البرنامج الذي يتماشى مع الاحتياجات الماسة في الوقت الحاضر.
‏نأتى الآن إلي مسألة برامج المرحلة ككل. فتفاديا لزحمة الشعارات التي كانت سائدة في الستينات ، وتفاديا لهوس البرجوازية الصغيرة التي تروج لشعارات دون دراسة أو تأصيل أو حتى تحديد المفهوم المحدد داخل البرنامج ، نعمل الآن بطريقة أخرى. مثلا نقوم بدراسة الإصلاح الزراعي في كل مشروع زراعي محدد على حدة. بدلا عن الحديث المعمم في علاقات الإنتاج بهذا الشكل أو ذاك في كل مشاريع رأسمالية الدولة. فرغم ما عندنا من وضوح وقناعة فان دراسة المناطق الزراعية المختلفة دراسة ميدانية تكشف عن أن علاقات الانتاج متباينة. وهذا ‏أفضل في التعليم السياسي للشيوعيين وللجماهير التي نتعامل معها.
‏كذلك عقدنا ندوة دراسية حول القطاع العام ، وجرت مناقشات وتعديلات لتعاد صياغة الورقة الأصلية حول الموضوع بما في ذلك متاعب وسلبيات القطاع العام في النظام الاشتراكي، لأنه هو الآخر ( قطاع عام). صحيح إن طبيعة الدولة تختلف ، والمضمون الاجتماعي يختلف ، لكن ميكانيزم العمل الداخلى لقطاع الدولة واحد. وقد رأينا أن تضمن الدراسة هذا الجانب الجديد لأنه يفتح أفقا للشيوعيين ويجعلهم أكثر اقترابا من الواقع، بدلا من الدفاع العام عن القطاع العام الذي يتولى التطوير، لكنه يولد بعضا من النشاط الطفيلي ، وكان يشكل مصدرا للنهب، نهب الفائض، وبالتالي يدمر قوى منتجة ، يدمر حتى الجهاز الإداري ، أو القوة العاملة في الجهاز الإداري للمجتمع. عقدنا كذلك ندوة دراسية عن الأجور والمرتبات لبحث البدائل الممكنة.
‏وعقدنا ندوة دراسية لبحث مضمون شعار ( فرض سيطرة الدولة على النظام المصرفي ). هذا شعار أساسى في الثورة الوطنية الديمقراطية ، لكن ما المقصود به، وما مضمونه الملموس؟ يجب تحدد ذلك. في الستينات كنا نرفع شعار التأميم . جاء النميرى وأمم البنوك والتجارة الخارجية لكن ماهو العائد؟ ماهى الحصيلة السياسية الاقتصادية والاجتماعية لهذا التأميم ) إن من حق أي مواطن أن يسأل : هل سنناضل لدعم التأميم مرة أخرى لكى يحدث ماحدث على أيام نميرى؟ ومن الواجب علينا أن نقدم إجابة مسوغة علميا ، وليس إجابة عامة تقول إن هذه (رأسمالية دولة) ، وان التأميم لا يعنى الاشتراكية ، وأن ذلك يتحدد بطبيعة السلطة السياسية.
‏لابد من الدراسة الميدانية في حدود قدرا تك ومعرفتك بالماركسية. لن يلومك أحد أنت لست متفقها . المهم أن لا تكون غافلا عما يجرى. هذا هو الأسلوب الذي ‏نراه مناسبا في البرنامج الجديد للحزب . وهناك لجنة صياغة تعكف على وضعه. اعتمدنا أسلوب دراسة كل قضايا البرنامج الوطني الديمقراطي دراسة موثقة على الطبيعة، ليس بالمعنى الاكاديمى ، لكن بمعنى أن يستوعب الحزب أكثر وأكثر المتغيرات التي حصلت في المجتمع السوداني. لقد كان الحزب في السرية والسرية عزلة. وعليه نحاول الاقتراب من الواقع ومن المتغيرات البرنامجية عن هذا الواقع، ونأمل مناقشة ذلك خارج السودان أيضا قبل عقد مؤتمر حزبنا . نحن نرى أن قضايا البرنامج الوطني الديمقراطي يجب أن تكون واحدة من محاور الندوات المستمرة التي تعقدها ( النهج ).
النهج:هناك توجه لدراسة خبرة العمل ووسط الشباب والطلبة ووسط الفلاحين إضافة إلى دراسة الطبقة العاملة العربية في إطار فريق بعث متكامل.
‏ نــقـــد :هذه مسألة هامة . ما عاد من الممكن البقاء في الإشكالية. نريد أن نصدر حول البرنامج عشرات الدراسات والكتب. هذه الصيغة في العمل الفكري تجعل الجبهة الفكرية ترتقي بعملها استنادا إلي نشاط مجموعات من المتخصصين، وهذه عقلية كاملة للحزب الشيوعى. تستطيع حقيقة أن تعرف ماهى الإستراتيجية وماهو التكنيك وماهو شعار برنامج النضال اليومي وماهو القضية البرنامجية حتى لا يكون ذلك حكرا على بعض الكهنة الحزبيين ، بل بمثابة رأى عام أو عقل جماعى عالى المستوى.
‏ النهج: تحدثنا عن خصائص التطور الرأسمالي ، ولم نتحدث عن الطبقة العاملة ، نشأتها ، خصائصها ، حجمها ،. . .الخ
‏ نــقـــد :نشأ الجيل الأول من الطبقة العاملة السودانية- مع دخول الاستعمار عام 1898م في مؤسسات النقل والمواصلات والصيانة والخدمات ، وكان أكبر تكتل ‏عمالي هو عمال السكة الحديد- سائقي القطارات و عمال ورش الصيانة . هذه الكتلة أسست الحركة النقابية ولفت حولها عمال الصيانة والخدمات. ثم دخلت فئة عمال الصناعات الخفيفة في الستينات، وبدأت تتسع صفوف الفئات الصناعية اتساعا عدديا ، لكنها شهدت أيضا اتساعا فوقيا- فالتركيب التقنى ارتقى، بات هناك عمال من خريجى الثانويات وخريجى المعاهد الفنية وخريجى التدريب المهنى ، وبدأوا يشكلون مجموعات مؤثرة داخل حركة الطبقة العاملة. بعد ذلك اتسعت فئات أخرى مثل عمال الشاحنات والنقل - فالسودان واسع يتطلب شبكة نقل كبيرة، وطبعا السكة الحديد أفضل وأرخص وضرورية اقتصاديا لربط البلد وتوحيده استراتيجيا .
‏في السبعينات حدثت تطورات جديدة . فقد تزامن القمع والتشريد في ظل نظام نميرى مع إزدهار سوق العمل في بلدان البترول بعد حرب 1973م ‏مما أدي إلي هجرة ضخمة جدا من الأيدى العاملة الماهرة والنقابين المتمرسين الذين شردوا لأسباب سياسية. فعند البحث الماركسي عن الطبقة العاملة علينا أن نتحدث عن تركيبها العضوى وتركيبها التقنى وأيضا تركيب الوعى ، وهذا مهم جدا . فالفئات الواعية من الطبقة العاملة تعرضت للتشريد، وهاجرت، للسعودية وليبيا والخليج، ولن تعود كجزه من الطبقة العاملة، وهذا تطور مشوه . انها تعود كمنتج صغير أو مالك صغير، يفتح مطمعا ، أو يجلب معه حافلة أو شاحنة أو عربة تاكسى ، يفتح كنتينا أو دكانا. هذا تشوه في بنية الطبقة العاملة. زد على ذلك فقد دخلت أيد عاملة رفيعة نتيجة النزوح من الريف مما خفض مستوى في فترة الحكم العسكرى الأول58-64م ‏اتسعت القاعدة الرأسمالية وقامت منشآت صناعية وزراعية بتمويل البنك الدولى - وهذه الفترة الأولى للدفع الرأسمالي بإشراف وتخطيط رأس المال الأجنبي والمؤسسات المالية الدولية - مصانع للسكر، مشاريع للقطن، توسع في مد السكك الحديدية. كما شيد الاتحاد السوفيتى عددا من الصناعات، وكلها ملك للدولة.
- ‏¬ في فترة الحكم العسكرى الثانى 69-85م توسع القطاع العام بالتأميم والمصادرة - مؤسسات صناعية ، زراعية ، عقارية، خدمية ، ومطاعم - باختصار ابتذال التأميم والمصادرة ، خاصة وقد شمل التأميم والمصادرة جزءا غير قليل من ممتلكات ومؤسسات الرأسمالية السودانية.
فيهذه الفترة شهدنا النمر السرطاني للرأسمالية البرقراطية والفئات الطفيلية المرتبطة معها في السوق عن طريق ارتباطها بجهاز الدولة وأجهزة السلطة السياسية كالاتحاد الاشتراكي.
- ليس في السودان مشكلة أرض، فالأرض الصالحة للزراعة بالري من النيل أو الأمطار واسعة. المشكلة هى رأس المال المستثمر في عملية الري من النيل بالسدود أو المضخات وتحضير الارض، والآليات من الحرث إلى الحصاد . ومازالت حصة السودان من مياه النيل لم تستنفد كلها. ويميز الزراعة في السودان سيادة نمط رأسمالية الدولة في زراعة القطن . وللقطاع الخاص استثمارات في الزراعة - خاصة آلآلية التي تعتمد على الأمطار- لإنتاج الذرة والفول والسمسم كمحاصيل نقدية غذائية وخامات صناعية وللتصدير- حيث يستحوذ الرأسمالي على مساحة شاشعة- أقلها إلف فدان، مقابل أجرة على الفدان للدولة ، ويوفر من البنوك المال اللازم لآليات وعمال تحضير الأرض ثم الزراعة ثم الحصاد .
‏التركيب العضوي للطبقة العاملة. زد على ذلك أن ظروف القهر جهدت الوعى النقابى الذي كان يتسم بسرعة انتشاره فأصبح بطيئا. ولذلك فإن الروابط القبلية داخل الطبقة العاملة لا تزال أقوى من الروابط الطبقية ، فضلأ عن عدم الاستقرار في سوق العمل والاستقرار في مهنة واحدة . خذ هذا المثال: أقدم مصنع للنسيج في السودان يستوعب حوالى عشرة آلاف عامل ، لكن عدد العمال الذين عملوا فيه وتركوه يمل إلى 90ألف عامل. أما في قطاع الفنيين الذين تخرجوا من معاهد فوق الثانوية أو بمستوى الئانوية ، فإنهم نتيجة للدفع الرأسمالي للسوق ، ونتيجة لحقيقة أن الشهادة المدرسية في بلداننا المتخلفة تصير طريقا للرأسمالية وتغيير الوضع الطبقي، وتحول المره من ابن فلاح أو ابن عامل إلى عضو في الجهاز البرقراطى ، فإنهم يحملون تطلعات في هذا الاتجاه . فلم يرتبطوا بالطبقة العاملة. بل كونوا نقاباتهم لوحدهم وأصبحت هناك نقابات للفنيين في المصنع. في المدى البعيد ومن منظور التطور البعيد . نحن نعتبرهم جزءا من الطبقة العاملة، لكننا لانفرض هذا الفهم عليهم الأن. لقد تخلف التركيب العضوي للطبقة العاملة وتخلف وعيها نفسه . والحقيقة أن الأزمة المالية الاقتصادية الراهنة في السودان ¬-أزمة الطاقة- تجعل كل الصناعات تعمل بطاقة منخفضة. والعمال في هذه المؤسسات التي تعمل بنصف أو ربع طاقتها ، يضطرون بسبب تدنى الأجور إلى البحث عن عمل آخر مواز.
النهج: لاحظنا من خلال بعض الدراسات أن نسبة كبيرة من المؤسسات الإنتاجية هى مؤسسات صغيرة جدا ، وبها أقل من 20عاملا.
‏ نــقـــد : قانون التنظيم النقابي لا يسمح للعمال أن يكونوا نقابة إلا إذا كان عددهم ثلاثين عاملا. هذا القانون حرم مالا يقل عن ربع مليون عامل يعملون في مؤسسات كثيرة جدا تستخدم قوة عاملة ضخمة جدا لو أخذت مجتمعة. إن حجب حق التنظيم النقابي عن هذه الجمهرة الوأسعة، يغير من طبيعة الطبقة العاملة كطبقة، ومن رسالتها ، ودورها ، خاصة في سنوات مصادرة الديمقراطية وفرض الاتجاه الاشتراكي كحزب واحد تخضع له النقابات كرافد وتابع.
‏استجابت الحكومة لضغط العمال بالغاء قانون النقابات. لكنه إلغاء شكلي لأن مواده الأساسية مازالت مستمرة وأدخلت في القانون الجديد. . هذه تقريا الظروف المحيطة بتركيب الطبقة العاملة في السودان.
النهج: كم عدد العمال في النقابات ؟
‏‏ نــقـــد :600.000 ‏ستمائة ألف ، وإذا أضفت غير الونظمين للنقابات يصبح العدد مليون.
‏ النهج: كيف تصفون نفوذكم في الأوساط النقابية؟
‏ نــقـــد : ضعيف. لقد ضعف وجودنا أيام حكم نميرى ضعفا شديدا نتيجة التشريد. بعد الانتفاضة تحسن قليلا. لكنه دون المستوى المطلوب ، صحيح أننا موجودون في مختلف المستويات النقابية،حتى اللجنة المركزية لاتحاد العمال، لكن وجودنا ضعيف عموما.
‏ النهج: مايزال الريف يلعب دورا هاما بالغ الأهمية في السودان، بأنماطه اللتقليدية ، رغم دخول الدولة كمنتج ، ورغم الزراعة الرأسمالية الكبيرة. ماهى الانماط السائدة في الريف وفي أي وجهة تتطور؟
‏ نــقـــد : عدة أنماط. . .
- ‏ نمط رأسمالية الدولة هو الأساس في مجال إنتاج القطن -وبعض المحاصيل النقدية مثل الفول والقمح. .الخ. العلاقة هناك نوع من المشاركة بين الدولة والزارعين . وهناك عمال آليات وعمال زراعيون موسميون أو دائمون.
- نمط مشاريع لزراعة القطن ومحاصيل نقدية تمنح الدولة ترخيصا لرأسمالي بتعميرها ، فيتكفل بشق القنوات وجلب معدات الرى . لكن هذه المشاريع ما عادت مجدية للرأسماليين في نهاية الستينات فآلت للدولة وتحولت لرأسمالية الدولة.
- الزراعة على النيل شمال الخرطوم أقرب إلي علاقات الريف المصري ، أي ملكيات لأسر صغيرة تجمع في مشاريع كبيرة في طريق التعاون أو الاستثمار المباشر والإيجار. وللدولة أيضا مشاريع على النيل تتولى فيها عملية الري مقابل إيجار.
- هناك زراعة آلية شاسعة رأسمالية لإنتاج الذرة والفول والسمسم. بالعمل المأجور المباشر - محاصيل غذائية وللتصدير : وتروى هذه الزراعة بالأمطار. وفي هذه المناطق توجد الملكيات والحيارات الصغيرة للعائلة والأفراد وبعض صغار التجار، وهؤلاء ينتجون كأسر وأفراد ويبيعون للتجار، أى أنهم يتعرضون للاستغلال من جانب التجار مباشرة. في الجنوب ، حيث الحرب تدمر كل شئ، هناك حيازات الأسرة ، لكنها حيازات في إطار حيازة القبيلة لأرض معينة يزرعونها معا.
النهج: حيازة وليس ملكية.
‏ نــقـــد : نعم حيازة ، أضف لذلك قطاعا واسعا من الرعاة في غرب السودان وشرقه وفي الجنوب الشرقي ، يملكون ملايين من رؤوس الأبقار والضأن والأبل والماعز، و مشكلتهم هى المراعى والمياه، وهم يزاولون زراعة مطرية في حدود الأراضي التابعة للقبيلة التي توزعها على الأسر المختلفة ، فتتولى مجموعة منها الرعى ، وأخرى الزراعة ، وأخرى أعمالا مغايرة.
‏النهج: كيف تفسرون ارتفاع نسبة مكان الريف ، حيث تصل في السودان الى 75% رغم أن البلدان العربية الأخرى شهدت حركة تمدين عاصفة؟
‏‏ نــقـــد : تذكروا العامل الجغرافي ، فالسودان بلد شاسع . ثانيا الاستثمار في الزراعة ، حيث الأمطار القديمة تسعل الاستثمار الرأسمالي في أي منطقة، فيها ظروف مواتية لزراعة رأسمالية شاسعة، كما أن تطور الزراعة في مثلث وسط السودان - بين النيلين الأبيض والأزرق- مازال مستمرا لسهولة المواصلات والقرب من النيل. لكن السبب الرئيسي أن كل الحكومات المتعاقبة لم تضع خطة للتغيير، إما جمعت بعض المشاريع جمعا وأسمتها خطة ، أو إنها بل بدأت خطة جادة ‏ثم سرعان ما تراجعت عنها. كان بالإمكان إحراز تطور ضخم جدا وتكلفة بسيطة جدا في كل أنحاء السودان. وهناك الحرب الأهلية في الجنوب مما لا يوفر الاستقرار. غير أن العامل الرئيسي أن الرأسمالية السودانية لم تدفع خطة للتنمية قدما ، عجزت عن إحداثه التنمية ، عجزت القوى الاجتماعية التي حكمت السودان - عسكريا ومدنيا عن تطوير السودان بأي مستوى قابل للمقارنة بأي فئات مماثلة لها في المنطقة العربية والأفريقية.
‏ النهج: يتميز السودان بتجربة غنية ، ومريرة ، في مجال ما سمى . (الانبعاث الإسلامي) . ودراسة دور العامل الإسلامي تكتسب أهمية إستثنانية . ليس فقط من زارعة عوامل انبعاث ( الإخوان المسلمين ) وتنامي دورهم السياسي و الإجتماعى ، وانعطاف النميرى إلي ( الحكم الإسلامي) فحسب ، بل أيضا من رواية عوامل استمرار الأشكال والعلاقات التقليدية ، وبالتحديد العلاقات الطائفية والدور المؤثر الذي تلعبه في الحياة السياسية، نعنى طائفتى الختمية والأنصار. كيف تواجهون التحديات التي تطرحها هذه القضايا أمامكم؟
نــقـــد : لنبدأ بالعلاقات الطائفية ، فهذه الطوائف نفسها طرحت موضوع الحكم الاسلامى. حزب الآمة مثلا، منذ أول نشوته ، رفع شعار (وطننا السودان وديننا الإسلام) . فالعامل الاسلامى متداخل في الحياة السودانية حتى لو لم يكن هناك (أخوان مسلمون) وعليه ينبغي لنا أن نعاين تاريخ نشأة الطوائف.
‏من حيث النشوء التاريخي ، الأنصار هم القبائل السودانية التي ارتبطت بثورة المهدي ويسمونهم أنصار المهدي . آما الختمية فهي طريقة من الطرق الصوفية لها جذور في مصر، تحذر مؤسسها من السعودية ، والتفت حولها القبائل النيلية في شمال السودان وكذلك في شرقه وفي العاصمة ، أكثر مما في غرب السودان معقل المهدية . هناك الآسر التي تضررت من المهدية فانتمت للختمية التي كانت على علاقة طيبة مع الحكم الثنائي الذي كان في علاقة سيئة مع بقايا المهدية والأنصار، فكان ذلك بمثابة نوح من الحماية للطائفية الختمية.
‏طلائع البرجوازية السودانية من المتعلمين كونوا ما سمى بحلقات ثقافية ، ثم مؤتمر الخريجين وطرحوا أنفسهم كلسان حال للشعب بعيدا عن الطائفتين . لكن عندما طرحوا برنامجهم السياسي بطريقة إصلاحية وغير سوية فقدموا مذكرة للحكام البريطانيين لإعطاء السودانيين حقوقهم، وكان وقتها اعلان ميثاق الاطلنطى بين روزفلت وتشرشل ، وعندما أصبح عليهم توصيل رسالتهم للشعب ، واجهوا صعوبات ، فراحوا يلجئون للطاتفتين ( عرف السودان قبلهم احزاب ذات طابع حديث).* نلاحظ أن البرجوازية وطلائعها ، بسبب من ضعفها ، ألقت بنفسها في حبائل شبه الإقطاع الطائفي . فالرأسمالية السودانية عموما لا تستطيع آن تعبر عن نفسها تعبيرا مستقلا إلا من خلال التحالف مع الطوائف .
النهج: ألا يؤدى التطور الرأسمالي نفسه إلي تفكيك الروابط الطائفية؟
‏ نــقـــد : سيقضى عليها. ولكنها لا تتطور على غرار اليونكر في ألمانيا لا تتطور بالشكل العادي الطبيعي التقليدي . فكل البيوتات التي تمتلك بنوكا وشركات وأسهما وصناعات وعقارات، عندها علاقات شبه إقطاعية وتعتمد على علاقات طائفية . عائلة الميرغنى تتلقى الخمس هن عدد كبير جدا من المزارعين طوعا واختيارا.
النهج: ريع ديني ؟
نــقـــد : هذا سيستمر لربما حتى الاشتراكية. فبعدما يدفع هؤلاء الضرائب للدولة، فمن حقهم أن يدفعوا لمن يشاءون ، فاستمرار هذه الأمور يرتبط بوعي الناس.
وإذا كانت طلائع البرجوازية قد صعدت على أكتاف الطائفية، فإن التطور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) جمعية الإتحاد السودانى 1919وجمعية اللواء الأبيض بعدما وشاركتا في تفجير الحركة الوطنية
عام1924 ‏، وكانتا بعيدا عن الطائفية
الاجتماعي والتطور الثقافي والثورات التي اندلعت، والانتفاضة ، والنقابات، كل ذلك قلل كثيرا من النفوذ الطائفي وإلا ماكان لنا أن نكون موجودين . لكن الطائفية تجدد بنيتها ، تعلم أبناءها . ففي الماضي كان زعيم الطائفة وحوله مجموعة من المثقفين يشكلون كل القيادة أما الآن فالقيادة من البيت الطائفي مباشرة ، وسيأتي أولادهم وأحفادهم ليجددوا بنيتهم. إنهم يكونون أحزابا ‏تحكم . وهناك عمال أنصار وعمال ختمية بسبب الجهل والأمية . يأتون للنقابة ويصوتون للشيوعية لكنهم يعرفون مرشح الطائفة في البرلمان هذه الازدواجية سوف تستمر وستظل ظاهرة الطائفية برغم الصراع وأثر الوعي والثقافة والتقدم السياسي وتحرر الجماهير ، لكن كشكل من أشكال التركيب العلوي ، التركيب الفوقي ، لأنها مرتبطة بشعائر وتقاليد لها قوة الاستمرار. مثلا في المولد النبوي لكل طائفة شعائر وتراتيل ، وللأنصار شعائر عند الزواج يوم 27 ‏رجب في ضريح المهدي
‏ النهج: هل هناك هرمية في هذه ‏المؤسسة ؟
‏ نــقـــد : نعم . الميرغنى ومن بعده خلفاء .الأنصار لديهم الإمام ووكلاء الإمام.
النهج: هل هناك تداخل بين التنظيمات الحزبية والهرمية الطائفية أم أن هذه الأخيرة مستقلة نسيبا؟
‏ نــقـــد : كل الأنصار في حزب الأمة ولا يوجد أنصارى خارجه لينضم للاتحادي الديمقراطي .كما لا يوجد ختمي في حزب الأمة. يستطيع من يشاء أن يخرج ويكون حزبا لوحده.
النهج: ألم تحصل انشقاقات في داخل العائلة ؟
‏ نــقـــد :حصلت في حزبه الأمة. خرج الصادق عن عمه المرحوم الإمام الهادي المهدي ، فأصبح حزب الأمة جناح الصادق وحزب الأمة جناح الإمام ثم توحد الحزب. كما سبق وانشق حزب المرحوم الأزهري عن حزبه الميرغنى ثم توحدا .
‏ النهج: انتم ترون أن الطائفتين ستستمران لفترة طويلة حتى مع نمو الرأسمالية بالمعنى العقلاني وحتى مع بلترة الناس ، وتحطم العلاقات البيطريركية و زحف العلاقات السلعية النقدية.
‏ نــقـــد :العلاقات الإقطاعية وشبه الإقطاعية لم يتم تصفيتها بالصورة الكلاسيكية التي جرت بها في المجتمع الصناعي الأوربي ، لأن المجتمع الصناعي الأوربي حضر للنهضة الصناعية بفترة تمهيدية هي عصر التنوير. أين عصرنا التنويرى؟
‏ النهج: عدا التباينات في أشكال العبادة والصلوات ، وعدا التمايز المذهبي والقبلي بين الختمية والأنصار، كيف تقفون التمايزات الأخرى ؟
‏ نــقـــد :الخلافات بينهم كانت أعمق في فترة الحركة الوطنية لنيل الاستقلال. كان الختمية قاعدة الأحزاب الوطنية المنادية بالوحدة مع مصر تحت التاج المصري ضد الاستعمار البريطاني. وكان الأنصار مع استقلال السودان من بريطانيا ومصر. لكن عشية الاستقلال الكل كان يطالب به م ويبدو أن الرأسمالية السودانية التي كانت تتوجه للتعاون مع مصر ضد الانجليز صارت تفكر في مصالحها الداخلية أكثر عندما اقترب الاستقلال. فالتنظيم الرأسمالي شمل بيوتات وأسرا من الطرفين، وهى تشق طريقها بوصفها مظلات للتطور الرأسمالي - فالمصالح تلتقي وتتشابك ، والخلافات موجودة . لكن عوامل الوحدة بينهم أكبر، فكلهم يسير على طريق التطور الرأسمالي وكلهم يقف مع الدستور الاسلامى والدولة الدينية، وكلهم مع سيادة القومية العربية الإسلامية على بقية القوميات السودانية. وهذه القضايا الثلاث تربطهم بالإخوان المسلمين.
‏ النهج: كيف يمكن لحركة الإخوان المسلمين أن تعيش خارج الطائفتين ، ناهيك عن العيش داخلهما ، مادام أساسها دينيا؟ أن يبرز حزب شيوعي فذالك ممكن على أساس وجود تمايز اجتماعي. طبقي داخل كل طائفة، وبروز مصالح متضاربة تسمح بمثل ذلك التمايز. فكيف الحال مع الإخوان المسلمين؟
‏ نــقـــد :بدأت حركة الأخوان وسط الطلاب ثم الخريجين ، ومازال ثقلها وسط هذه الفئات . وظلوا هكذا حتى منتصف السبعينات، عندما تصالحوا مع نميرى وأصبحت لديهم حرية الحركة ، لكن ظلوا محصورين ولهم ارتباطاتهم بجنيف المركز الاسلامى، سعيد رمضان ولهم علاقة تعاون مع السعودية ودعم خارجي، لكنهم لا يشتغلون للسعودية بالمعنى المباشر. حرية الحركة أيام نميرى أعطتهم ميزة على القوى السياسية الأخرى التي كانت محرومة ومصادرة. وهناك تأثير المؤسسات المالية الإسلامية التي دخلت السودان- يرعاها محمد الفيصل وله خلافات مع العائلة ويحاول بناء أمجاده خارج السعودية عن طريق البنوك الإسلامية، وهو على صلة وثيقة بالإخوان المسلمين . ومع المؤسسات المالية بدأ التبشير بتطبيق النظام الاسلامى في الاقتصاد ، أساسا المصارف والتجارة، فحاز الإخوان نصيبا ضخما ونفوذا : تمويل ، وظائف للكادر، فنمت صفوفهم ولديهم الآن تنظيم فعال وقوى. زد على ذلك المد الاسلامى في المنطقة وإعلان نميرى للحكم الاسلامى . يضاف إلى ذلك غياب التنظيمات الثورية والديمقراطية والجماهيرية في عهد نميرى. وقد استطاعوا التغلغل داخل بعض التكوينات القبلية التابعة للطوائف ، ودخلوا الطرق الصوفية التابعة للطائفتين - وفي السودان طرق صوفية متعددة إسماعيلية ، شاذلية ، قادرية. .
‏ النهج: انخراط الإخوان في نشاط البنوك الإسلامية ودخولهم عالم المضاربة والأعمال والتجارة ، ألم يغيرا من البنية الاجتماعية للتنظيم؟
‏‏ نــقـــد :طبعا ، البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية أعطتهم مصادر تمويل وحولت جزا كبيرا منهم إلى أصحاب ملايين. حزبهم نفسه أصبح حزبا غنيا- كمية من الدور، أدوات المواصلات، الطباعة، الصحف ، متفرغين حزبيين. وقد تميزوا بالإنفاق في الانتخابات ، أنفقوا أكثر من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي. كانت فرصتهم أيام نميرى حيث نالوا حرية الحركة والقوى السياسية الأخرى كلها معارضة ومقهورة. وحتى عندما اختلفوا مع نميرى واعتقلهم ، لم يدم ذلك سوى أسبوعين، 16 ‏يوما ، ثم انفجرت الانتفاضة.
‏ النهج: علام كان الخلاف؟
‏ نــقـــد :أصبحوا قوة ذات نفوذ في الاتحاد الاشتراكي تنافس القوى الأخرى التي ‏تعتبر نفسها صاحبة سبق، وكان نميرى يشعر أنه بعد تطبيق الشريعة الإسلامية قد أفرغهم من برنامجهم فوجه ضربته لهم- تماما كما فعل مع الشيوعيين في بداية حكمه.
‏في الفترة الانتقالية ، كان هناك المجلس العسكري الانتقالي لانقلاب كبار الجنرالات لإجهاض الانتفاضة خوفا من المد الثوري وقوى التجمع النقابي والحزبي التي قادت الانتفاضة، فمعل الجنرالات، والقوى الخارجية التي كانت تقف خلفهم. على التعجيل بإطلاق سراح الإخوان ليعملوا كقوة مناوئة ، وراح المجلس العسكري يتعامل معهم في مواجهة بقية القوى السياسية . وبما أنهم كانوا الحزب الذي مارس نشاطا منظما من 1978 الى1985م ، استطاعوا تنظيم نشاطهم بسرعة، على عكس الأحزاب الأخرى التي كانت تستند في السرية على كيانات مغيرة سرية واحتاجت لزمن طويل لتنظيم صفوفها.
النهج: كيف تقيمون المصالح الطبقية التي يعبر عنها الإخوان المسلمون ؟
‏ نــقـــد : الطفيلية ، النشاط الطفيلي بالمطلق، وليس التجار عموما ، فالبيوتات التجارية التقليدية متضررة من نشاطهم. فقد دخلوا ميادين المضاربة مستفيدين من ضخامة أموال البنوك وصاروا ينافسون الآخرين بضراوة ، ونجد أنهم يدافعون عن النشاط الطفيلي بكل أشكاله.
النهج: من أي منطلق تعارضون مشروع القوانين البديلة؟ وعلى فرض أن المؤتمر الدستوري المرتقب أجازها ، فماذا سيكون موقفكم العملي؟
‏‏ نــقـــد : نعارض كما عارض الناس في السودان قوانين سبتمبر 1983م. والقوانين البديلة أسوأ من قوانين سبتمبر. و قد أصدرنا وجهة نظرنا في كتيب ، ونظمنا عشرات الندوات ولدينا الاستعداد لمواصلتها . ونعتقد أنها قوانين تسلب ‏الحريات وحقوق المواطن وتستخدم الدين لمصلحة طبقات وفئات سياسية بعينها ، ليس لإنقاذ الإسلام، لكن لمصالح سياسية واقتصادية وضريبة خاصة بالسلطة ومصالح الأحزاب والقوى الاجتماعية التي تمثلها. هذا هو موقفنا . فهو ليس موقفا ضد الدين، ليس موقفا من الإسلام، ليس رفضا للإسلام، ليس محاولة لفرض دين آخر على المسلمين أو دفعهم لأن يتخلوا عن معتقدهم. فالسودانيون بينهم مسلمون وفيهم غير المسلمين . وهناك مبدأ حرية المعتقد واحترام العقيدة في نفس الوقت. لذلك نقول أننا نوافق في الدستور على أن تكون الشريعة الإسلامية مصدرا من مصادر التشريع، ونختلف عن الآخرين الذين يقولون أن الشريعة هى المصدر الوحيد للتشريع. نحن نرى أن هناك مصادر أخرى، كالعرف والفكر الإنساني العام. فالقوانين التي نعمل بها اليوم ، وهى لا تتعارض مع الشريعة في الجوهر، مستمدة من تراث الإنسانية- السكسون- اللاتين، والعرف الساند في السودان قبل قيام الدولة الحديثة. . الخ. صحيح أن التكوين النفسي والوجداني للمواطن السوداني المسلم أقرب لتراثه من التراث اللاتيني والسكسوني، أو قوانين روما القديمة، لكن كيف نستلهم تراث وقيم الإسلام وتعاليمه. وبأي وجهة : هل بوجهة المستقبل ومتغيراته أم بوجهة حدود الصلب والقطع والبتر؟ وهل الإسلام كله عقوبات؟
‏إذا وافق المؤتمر الدستوري على القوانين البديلة، وهذا مستبعد بحكم طبيعته، فلن تخسف بنا الأرض . ولن نعدم وسيلة للعمل السياسي - سنتعرض لعقوبات ومطاردة وقهر، لكن سوف نستمر نقنع شعبنا بأن هذه القوانين تؤدى لدولة دينية، وتصبح لقرارات الحاكم قدسية، إذا عارضته كأنما تعارض إرادة الله. وهذه مسألة خطيرة جدا
النهج: رفعتم شعار الحكومة الواسعة . كيف الوصول اليها ؟
‏‏‏ نــقـــد : الحكومة الواسعة في مواجهة حكومة الأمة والجبهة، فعندما خرج الاتحادي الديمقراطي من الحكومة، بقى أحد أمرين : هل يصبح عملنا الدعوة لرجوع الاتحادي الديمقراطي للحكم ؟ هذا شأنه هو كحزب. لكن قلنا أن المهام المطروحة: السلام، الأحوال المالية الاقتصادية، المجاعة، النازحين ، كارثة السيول والأمطار، الديون والانهيار المالي. . تتطلب اشتراك قوى أوسع في الحكومة، بدلا من حصرها في الأمة والجبهة فقط. الوصول إليها يتم بمختلف الأشكال. . يرجع الاتحادي الديمقراطي وترجع بعض الأحزاب التي كانت ممثلة في الحكومة، لكن هذا يحتاج لبرنامج ، وأهم شي في البرنامج تحقيق السلام وعقد المؤتمر الدستورى. فبدون السلام ليس هناك مستقبل أو تنمية أو ديمقراطية. وتبلور البرنامج في ثلاث نقاط: إيقاف الحرب ، حل الضائقة المعيشية، الحافظة على النظام الديمقراطي. إذا تكونت حكومة وفق هذا البرنامج فسوف تكون حكومة واسعة تضم الاتحادي الديمقراطي، والمعارضة الأفريقية، ويمكن بضغط أكبر أن تمثل قوى جديدة ولو بشخصيات كرموز، كما أن الحزب القومي السوداني سيشارك في الحكومة. ولم نضع شرط اشتراك الحزب الشيوعى. فالحكومة بهذا التمثيل الواسع ستجد ترحيبا من الجماهير اللا حزبية شأن الحكومة الانتقالية وحكومة الائتلاف الأولى بين الأمة والاتحادي التي كانت تحت تأثير جماهير الحزبين المتأثرة بأجواء الانتفاضة وكذلك نواب الحزبين.
‏هذا هو المطلوب . ليس مطلوبا القيام بانتفاضة جديدة كي ننفذ شعار الحكومة الواسعة، بل في إطار العمل السياسي والتوازن الحالي. حكومة واسعة بهذا البرنامج أفضل من حكومة الأمة والجبهة التي تسير عمليا في وجهة برنامج الجبهة واستمرار الحرب.*
النهج: لماذا إذن رفعتم شعار حل الجمعية الى البرلمان؟
‏‏‏ نــقـــد : طرحنا في وقت كانت جلسات الجمعية تفشل بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، على أن تجرى انتخابات جديدة بقانون انتخابات جديد. ففشل البرلمان في أداء مهمته يؤدى إلى هبوط أسهم الديمقراطية والقناعة بها وسط الجماهير. فبدل الممارسة الفاشلة من جانب البرلمان نرجع للجماهير، وحتى لو جاءت بنصف النواب تكون قد مارست حقها واكتسبت تجربة جديدة وتعليما سياسيا . صحيح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) بعد هذا الحديث تكونت بالفعل حكومة واسعة شاركت فيها الاحزاب المذكورة، شارك فيها الحزب الشيوعى وممثلون لنقابات، ولم تشترك فيها الجبهة الإسلامية
أن المناطق المتخلفة قد تأتى بنفس الوجوه أو من هم في مصافهم ولن تتغير التركيبة الاجتماعية في النظام التمثيلي الموجود حاليا طالما ظل النظام القبلي العشائري والطائفي موجودا . وقد ربطنا حل الجمعية بعدد من الشروط، منها : تعديل قانون الانتخابات ليعطى وزنا أكبر في عدد الدوائر لمناطق الوعى ، وتمثيل القوى الحديثة. هذا لاشك يغير التركيبة البرلمانية، ويعطى فعالية أكبر للجهاز التشريعى ويساعد على رفع وعى الجماهير. صحيح أن لا هذا البرلمان ولا أى برلمان آخر أداة لتغيير اجتماعي وطني ديمقراطي أو ثوري في السودان. لكن بالمقارنة مع الحلقة المفرغة، مرة برلمان ومرة انقلاب، فالأحسن تثبيت النظام البرلماني وتطويره من ارتهان إرادة البلد لمجموعة من العسكريين وللمؤسسة العسكرية المحافظة بطبيعتها مهما أخرجت من عسكريين يساريين في لحظة من اللحظات.
‏لكن جدت ظروف .جاءت حكومة الوفاق ، وأصبح الواجب الصراع ضدها من خارج الجمعية ومن داخلها. وسنرفع الشعار مرة أخرى ، لأنه بعد فترة ستكون هناك محاولات لتمديد عبر الجمعية بحجة أن ظروف الحرب في الجنوب لا تسمح بإجراء ، انتخابات متكتملة ! ماذا نفعل في هذه الحالة ؟ هل ندعو العسكريين ونقول لهم تعالوا أنقذونا من هذه الورطة ؟ لا يمكن. الخيار العسكري غير وارد . قد يحدث ‏في الواقع . ولكن لن نكون من دعاته. لن نكون من حداثة. إن حدث فليحدث حتى يتمكن الناس من تغطيه ويمشوا .
‏لا أعتقد أن في انتفاضة 26 ديسمبر 1988م ‏كان شعار حل الجمعية صحيحا ، إلا إذا كنت تريد أن تحمل معركة واحدة كل شعاراتك التي تنتظرها عشرات المعارك في المستقبل. يعنى تريد أن تريح نفسك. والله أعطاك معركة واحدة، فألبسها هذا الشعار وذاك، ودعها تحل لك المشكلة. يحدث هذا أحيانا . والثورات تبدأ بمعارك بسيطة والانتفاضة حدثت هكذا . أعلن نميرى زيادة الأسعار في 26/03/1985م ‏في طريقه للمطار ليسافر فاندلعت المظاهرات من الجامعة الإسلامية في أم درمان ووصلت للمنطقة الصناعية والتهبت وتطورت حتى موكب الأربعاء وإعلان الإضراب السياسي. حاول نائب نميرى تقديم إصلاحات فتجاوزها الناس. وحاول سوار الذهب فرملة الانتفاضة فتجاوزه الناس.
‏معركة 26 ‏ديسمبر ما كانت لتتحمل شعار حل الجمعية. كانت المعركة رهينة بسحب زيادات الأسعار. لكن آثار ديسمبر مازالت مستمرة، فلها ما بعدها في وعى الجماهير، في إحساسها بالقهر والظلم، ، أهم شئ إحساسها بأنها مازالت صاحبة قرار في التركيبة السياسية. الشارع مازال صاحب قرار. لهذا نلحظ النهوض النقابي ضد التشريد وفي فرض التفاوض مع الحكومة بعد أن كانت ترفضه.
النهج: هل هناك تنسيق بين أطراف المعارضة داخل البرلمان؟ وهل هناك إمكانية لقيام جبهة موحدة حول القضايا الرئيسية؟
نــقـــد : نعم، لكن ليس بالصورة التي تتخيلها لكي ننام مطمئنين بأن كل شئ مرتب وأن التنسيق قائم. فحتى المعارضة الأفريقية التي توحد الأحزاب الأفريقية، ‏عادت بعض الأحزاب للحكومة. وفي داخل الاتحادي الديمقراطي تيار لازال يصر على العودة للحكومة وتيار يرى الاستمرار في العارضة. لكن برغم هذا هناك تنسيق في المواقف اليومية، ففي البرلمان يتقابل د.عز الدين على عامر واليابا سرور والشريف الهندي أو سيد احمد الحسين لتنسيق المواقف. وهناك منبر آخر نشارك فيه هو (هيئة الدفاع عن مبادرة السلام) التي تضم تجمعات كبيرة من أحزاب ونقابات واتجاهات سياسية، حيث التنسيق حول قضية السلام. ونشارك في (الهيئة الشعبية للدفاع عن الديمقراطية) التي أنشئت فد القانون الجنائي الإسلامي- -قانون الترابى - وهنا يتم تنسيق أيضا . طبعا كان من الأفضل لو تم كل هذا وتجمع في منبر سياسي واحد لكن ذلك ليسر ناضجا بعد ، لأننا غير متفقين نهائيا حول الأهداف العامة والأساسية للمعارضة- الإمكانية موجودة، لكن التطبيق تعترضه عقبات كبيرة. أحزاب جنوبية تعتقد أنها يجب أن ترجع للحكومة، وجزء يعارض . نحتاج إلى الصبر وعدم الافتعال ، كيلا تكون الجبهة مجرد واجهة، أو اسم بلا محتوى. فالبلاد تعانى من مشاكل كبيرة، والقطاعات التي تحتج على النظام القائم والأوضاع القائمة واسعة وكبيرة ، لكن خطواتها ليست دائما سريعة كخطواتنا . فلأفضل أن لا نستعجل ولا نيأس، وأن نكمل هذه المهمة تدريجيا.
النهج: هناك طائفة من القضايا الداخلية الراهنة تحتل مركز الاهتمام، منها استمرار الحرب ، المؤتمر الدستوري ، الأزمة الوزارية. .الخ. كيف ترون إلى قضية الجنوب؟
‏ نــقـــد : القضية في الجنوب ترتبط في هذه ‏اللحظة بقضية الحرب و السلام قبل أن ترتبط بقضية العدالة بين القوميات أو التطور المتوازن لأقاليم السودان المختلفة بما فيها الإقليم الجنوبي- هذه. القضية كلفت السودان ربع قرن من الدمار و الخراب.
‏يصعب في الوقت الحاضر الحديث عن حل قضية الجنوب وحل المشكلة القومية في الجنوب، بدون حل مشكلة الحرب والسلام، على اعتبار أن الحركة التي تحمل السلاح- الحركة الشعبية والجيش الشعبي - يتألف قوامها من القبائل الجنوبية، وستظل المشكلة ملتهبة إلى أن تصل إلى المؤتمر الدستوري بعد وقف إطلاق النار ورفع حالة الطوارئ. والمؤتمر الدستوري مهمته حل القضايا الخمس ، وهى: نوع الحكم الملائم للسودان، التوزيع العادل للثروة، الدين والدولة ، هوية السودان، الثقافات والحقوق القومية..الخ.
‏بعد المؤتمر الدستوري سوف يستمر الصراع السياسي كما يحدث في أي بلد آخر فما يحسمه المؤتمر لا يعنى نهاية المشاكل ، لأنه في الجنوب نفسه قبائل مختلفة، وفي الشمال قبائل مختلفة، وللسلام مشاكل وتكلفته التي لا تقل عن تكلفة الحرب، لكن الاستثمار في ظل السلام يجرى لمصلحة الإنسان ، أما الصرف على الحرب فهو صرف على الدمار.
النهج: ما هو موقفكم من مبادرة الميرغنى؟
‏‏ نــقـــد : أيدنا هذه المبادرة باعتبار أنها اتفاق بين الطرفين على تحديد موعد للمؤتمر الدستوري والخطوات التي يجب أن تتخذ حتى موعد انعقاده، رفع حالة الطوارئ، وقف أطلاق النار..الخ. فهي اتفاقية سياسية، بيان سياسي، وتختلف عن الاتفاق النهائي الذى يوقع في المؤتمر. تعتقد أنها كانت اتفاقية جيدة وسليمة، وكانت قد سبقتها اتفاقية كوكادام) . وقد تمت الاتفاقية في ظروف تصعيد عسكري حاد وازدياد عدد الضحايا ، وتوجه الحكومة نحو الحل العسكري . ومن ‏هنا جاء ، الترحيب التلقائي في جانب الشعب . فالقضية ليست بنود الاتفاقية ، بل الوجهة العامة للاتفاقية . أما بنودها فقابلة للمناقشة والتعديل. لذا شاركنا في الضغط على الحكومة لقبول المبادرة.
‏فالانتصار على أى حرب عصابات يحتاج لزمن طويل جدا في السودان أو غيره! وفي هذه المدة أرواح تزهق ودماء تسيل وإمكانيات مادية تصرف في وقت لا تتوفر فيه لقمة العيش أو القمح أو السكر أو الدواء للناس. ميزة الاتفاقية أن قرنق والميرغني توصلا إلى صيغة توصل الناس إلى مخرج من الحرب، وبرغم ارتباك الجو السياسي ، فالضغط على الحكومة مستمر لقبول المبادرة أو تقديم مبادرة مثلها أو أحسن منها ، يوافق عليها الطرف الآخر ونبدأ في إجراءات المؤتمر الدستوري. هذا هو الحل. . لأن هذه الحرب ليس لها أفق ، لن تجرى تغييرا ثوريا في عموم المجتمع السوداني. أنها حرب نشأت لأن هناك اضطهادا وظلما على القوميات المضطهدة . ولهذه القوميات حقوق ويجب أن تكون متساوية مع كل القوميات أو مع القومية الكبيرة المنحدرة من السلالات العربية الإسلامية . ولابد أن يكون السودان لكل السودانيين بصرف النظر عن اللون أو العرق أو الدين أو القبيلة. هذه هي المعركة الأساسية المستمرة. المسلم سيظل مسلما والمسيحي سيظل مسيحيا ، ومواطن الجنوب الذى يؤمن بالكجور سيظل مؤمنا بالكجور. . لكن كمواطنين متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات. . هذا هو الجوهر، لكن ما إذا كان السودان اشتراكيا ، ديمقراطيا . إسلاميا ، ليبراليا برلمانيا ، فهذه قضية تحسم خلال الصراع السياسي. . رأينا في اتفاقية السلام واضح.
النهج: ما هى أفاق تحقيق السلام أو تنفيذ المبادرة بعد تشكيل حكومة من الأمة والجبهة فقط؟
‏ نــقـــد : نعتقد أن تحقيق السلام صعب بوجود هذه الوزارة، فهؤلاء لا يدرون ما يقولون. أنهم يريدون أن يقووا أنفسهم عن طريق الحرب. نحن دعاة المؤتمر الدستوري وتحقيق السلام.
‏فكل يوم تستمر فيه الحرب خسارة على الشعب السوداني. فالذين يموتون من هذا الجانب سودانيون ، والذين يموتون من حركة قرنق سودانيون أيضا. يمكن لهذا أو ذاك أن يسميهم (خوارج) أو متمردين ، لكنهم جزه من الشعب السوداني يجب أن يعيشوا في سلام مع الآخرين.



#عادل_الامين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجموعة قصصية :خيال مآتة برتبة جنرال
- آفاق المرأة والحركة النسوية بعد الثورات العربية
- الطريق الثالث ..!
- السودان بين رماة الحدق والغوغائية المطلقة
- شفرة ابن عربي
- زهور بابل ....رواية
- هكذا تكلم نيلسون ما نديلا
- اسرائيل ودولة جنوب السودان
- وعي البطة ووعي النسر
- في السودان..ذهبت السكرة ولم تاتي الفكرة!!
- هكذا تكلم د.عمر القراي :الدين ورجال الدين عبر السنين
- مقالات سودانية:صمتوا عن الفساد.. وطالبوا بقهر العباد!!
- خطاب الرئيس اوباما والنخب العربية
- الوعد الحق والفجر الكاذب
- سيرة مدينة:الشعب يريد اسقاط النظام
- لماذا كان د.جون قرنق وحدويا؟!
- موت الدولة المركزية
- انتخابات جنوب كردفان وافاق التغيير
- شاهدواالفكرة....وفناؤها
- مصر والسودان وافاق التنمية البشرية


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- هكذا تكلم محمد ابراهيم نقد / عادل الامين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - المتغيرات فى تركيبة الطبقة العاملة ودورها، والعلاقة مع الأحزاب اليسارية - - بمناسبة 1 ايار- ماي عيد العمال العالمي 2012 - عادل الامين - هكذا تكلم محمد ابراهيم نقد