رضا السمين
الحوار المتمدن-العدد: 3702 - 2012 / 4 / 19 - 21:17
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
هل من أذن واعية تسمع أو عقل رشيد ؟
كيف نجدّد أفق المعنى ؟ كيف نعيد بناء ما تهدّم ؟ كيف نحمي النور المقدّس لانتفاضة المواطن الفاعل لكي لا يخبو مرة أخرى في "الأغلبية الصامتة" ؟
مع تنامي عولمة الرأسمالية وهيمنة الرؤى الليبرالية الجديدة لم يعد يشغل الفكر المعاصر السؤال البسيط، مواطنة أم لا مواطنة، حداثة أم سلفية ؟ بل أيّ مواطنة ؟ هذا هو سؤال مرحلتنا التاريخية حسب واقعنا الذي نعيش وإنسانيتنا : مواطنة تنويرية تحترم المواطن الفرد وتؤسس لمجتمع يتجاوز قوى الطبيعة والحظ ويبني إنسانية الإنسان على مفهومي الرحمة والتعاون، أم مواطنة رأسمالية مدينية حداثوية ؟ مواطنة ديمقراطية مركّبة عادلة اجتماعيا وثقافيا أم مواطنة قانونية شكلية لا تحضر إلاّ وقت الحملة الانتخابية ؟ مواطنة تحترم الميزان بين الحرية والعدل الاجتماعي، بين المساواة وحرمة الجسد، بين الحق والواجب، أم مواطنة تختزل القيم السياسية في حرية الجسد وتفكيك المجتمع لصالح الربح المالي، وإعلاء سياسات الاستهلاك على حساب الجسد السياسي والخير العام والقيمة الإنسانية ؟ مواطنة في أي هندسة للمدينة ؟ مواطنة في مدينة اجتماعية ذات هوية ثقافية ومسافات إنسانية، أم مواطنة المدن الرأسمالية السرطانية المعادية للمجتمع والقائمة على حسابات الاقتصاد وتدويل الربح المالي قبل حساب إنسانية الإنسان والجماعة والثقافة ؟ مواطنة التدافع نحو النفع العام والعمران في الأرض أم المواطنة الافتراضية في واقع الشاشات وهيمنة الرأسمال الهلامي والمتعدد الجنسية ؟
هناك ثلاث نماذج إسلامية خارج بلاد العرب هي ماليزيا وإيران وتركيا، وهناك نماذج أميركا اللاتينية المهمّة جدّا من الناحية التنموية وعلاقة الدين بالمجتمع وإنتاج فكر يساري خاص بها، من مدرسة التبعية إلى لاهوت التحرير... ونموذج الصين الذي لا يمكن تجاهله في رؤى وتجارب التنمية والتي مازالت تتمسك بمنظومتها الثورية على رغم التحول لاقتصاد السوق، وفي كلّ هذه النماذج هناك قيادة حاسمة وفاعلة وعلمية، تضمن ديمقراطية توافقية والسلام الاجتماعي والسياسي، وضعت بذكاء مشاريع التنمية في سياقها الإقليمي والعالمي، والقيادة في هذه النماذج ليست بالمعنى القبلي العشائري الذي اعتدناه في بلادنا، عشيرة الدم أو عشيرة الحزب أو عشيرة نخبة النهب والفساد، ونرى في كل هذه النماذج مجتمع مدني قوي بشكل لافت، حتى في الحالة الصينية، وفي كل هذه الحالات قضايا التنمية لم تك مسألة فكرية أو مشاحنات عقائدية حول العلاقة بين الأنا والآخر وقضايا التغريب، بل صنعت أدوات فقه الأولويات ونظرية المصلحة والنظر لخريطة العالم بشكل مركب ولخيارات التنمية بأبعادها المتنوعة والمتشابكة في الواقع المعاصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مع توفير الإمكانيات العلمية والمالية والبشرية للمجال العسكري وللتطوير الذاتي للقدرات في مجال العلوم والتكنولوجيا.
لن نقبل بعد الثورة بمعادلة الترهيب والترغيب لا في السياسة ولا في الاجتماع، ولا يمكننا مجاملة أحد على حساب مستقبل الوطن ومصالح المجتمع الأهلي العليا.
يرى اليسار الإسلامي أنه لا بدّ من تجاوز مشاكساتنا الفرعية التي تعوق نهضتنا ونَنفر للتفكر في العالم، كيف نُصلح واقعنا ونتعلم في نفس الوقت من خبرات المجتمعات الأخرى، وكيف نحمل رؤيتنا للعالم فيكون عندنا ما نقدم له عبر الاختلاف والتنوع. الانغلاق على الذات سهل، لكن الوعي بثقل أمانة الاستخلاف والسير بها لأقصى أطراف العالم مهمة عسيرة لا يقدر عليها إلا من يحملون القرآن على بصيرة ويرفضون القعود خاصة في زمن التبست فيه الأمور...
المعركة الأساسية، بهدف استعادة الإنسانية التي افتقدناها، تدور رحاها حول فائض الوهم وفائض القيمة وفائض القوة:
فائض الوهم السياسي، الذي قد تملؤه السلطة بالتسويف ويملؤه أمنها بالخوف والتنكيل، وقد يملؤه تجار الشريعة بفتاوى، أو يملؤه القاعدون بالجبن والصمت، أو يملؤه تجار الحداثة بالهيستيريا وهوامات الانقلاب.
فائض القيمة أي المسافة التي تخلقها الرأسمالية بين العامل وأجره الذي يستولي صاحب رأس المال على معظمه فيتركه جِلدا على عظم.
فائض القوّة للشركات المتعددة الجنسية والعسكريتاريا الغربية وفرض الهيمنة والفقر والحرب على العالم.
الديمقراطية هي المجال العام الذي يحتفي بالأسئلة والمراجعات، والاستجابة للقضايا الأكثر إلحاحا وجدوى، وتقريب المسافات وتجسير الفجوات بين قطاعات النخبة وبين هذه الأخيرة والمجتمع الأهلي. والحق أننا نحتاج تشجيع القيادات الفكرية والسياسية ودفعها إلى ثورة فكرية لتخرج من حالة الاستقطاب حول النيّات والهوس بالشعارات الرّخوة... فلا أحد يدرك الواقع أو يصل للحقيقة وحده، ولعلّه من المفيد التذكير بأنّ المجتمع الأهلي في حاجة للجميع، ومعارك الشاشات قد تخفي أنّ الآخر إنسان.
نريد أن نقيم دولة حقوق وديموقراطية حقيقية، تقوم على الحرية وعلى الإلتزام بالقوانين، برغم ما يحصل الآن من اضطرابات وانفلات أمني والذي قد يدوم لسنوات إنْ لم تُتخذ إجراءات حازمة لصالح الفئات الشعبية الفقيرة والمعطّلين عن العمل، خاصة وأننا لاحظنا أنّ هناك في إدارة الأمن من يقف ضد القرارات التي يصدرها وزير الداخلية أو على الأقلّ لا تتجاوب معها أو لا تحسن تنفيذها، والقيام بإجراءات سريعة وعاجلة لإصلاح القضاء والأمن وتدبّر الشؤون المالية، إذ يجب وضع سياسة اقتصادية مرتبطة بالوضع السياسي الراهن تعكس الثورة وتستجيب لتحدياتها، وليس سياسة مالية واقتصادية يقترحها التكنوقراط.
تدير فئة من "النخبة" الجدل السياسي بعقلية الكمين : أنت متهم وستخضع للتفتيش، تفتيش أقوالك أو حقيبتك أو عقلك... وغدا جسدك وبيتك ؟؟ والنخبة تتربص بك لا فقط في حركاتك بل في أفعال وأقوال من يُحسبون عليك، كي يتم "فضحك" وتعريتك بحسب اتجاهك المفترض وميولك، تفتيش النيات أو تفتيش أمني، وتتربص بك فيما يعتنقه أو يقوله من يشاركك عَلَمَ هويتك، لتمارس القمع أو التخويف، وفي كل الحالات سيتمّ شتمك، من أصغر "ثورجي مخبر" لأصغر إعلامي عِرّيف يتوعّدك... في عقلية الكمين أنتَ دائما "متّهم" ولست مواطنا. أين هؤلاء "الديمقراطيين" من ثقافة : رغم أنني أختلف معك إلاّ أنني سأقاتل من أجل حقك في أن تعبر عن رأيك ؟!! ولكنهم لا يكادون يفقهون قولا...
البحث عن أفضل كيفية لإدارة مجتمع ما هو شأن كل أفراده الأحرار وفق استشارة مؤسسية وجدل عام. كيف يدير مجتمعنا الاختلافَ بدرجاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ؟ وقبل الشروع في الإجابة حول كيفية الإدارة السياسية للاختلاف... لنسأل: هل نحن نفكر وفق أولوياتنا ومصالح المجتمع الأهلي العليا، أم استجابة لأسئلة مطروحة خارج سياقاتنا، سواء فرضتها علينا العولمة وسلعها الفكرية أم ألزمتنا بها التقاليد الموروثة ؟
شيطان الردّة عن الثورة يكمن في التفاصيل، مثل عدم المحاسبة لمن نهبوا ثروات البلاد والعباد أو الانتهازية الحزبية مقابل حماية القنّاصة والقتلة، أو عودة التجمّع الفاسد المفسِد من خلال حزب الأسماء المستعارة، أو نسيان مصالح المعطَّلين من الشباب، أو القبول بمرتزقة إعلام النظام المخلوع بدعوى الياسمين، أو التركيز المرَضي على الخلاف بين المتديّنين والعلمانيين لإشعال الفتنة وتقسيم قوى الشعب خدمة لمصالح معادية للوطن وللناس، سواء بثمن بخس أو نتيجة كسل ذهني، أو عدم تجاوز الخوف الكامن في العقول من الديمقراطية وما قد تفرزه من أغلبية وشرعية لصالح الآخر المغاير، أو اعتبار صناديق الاقتراع طريقا مقبولا للانقلاب على الحريات، أو التراجع عن الثورة وهدر دماء الشهداء والجرحى بدعوى الحاجة للأمن واستقرار نظام الأغلبية الصامتة، أو التوافق المغشوش لطمأنة الكسالى وتغليف الخوف من الحرية بأسطورة الخوف من المجهول، أو توليد الإرهاب ونشر الخوف بين الناس لترجع حليمة لعادتها القديمة في تقنين الفرار طريقا للخلاص، أو إضمار أنّ الشعب قاصر وتنصيب المجموعات نفسها وصيّا عليه بمساحيق شتى ثورية أو حداثوية، أو التغافل عن أنّ الذين لا مصلحة لهم في الثورة يمكن أن يلجأوا إلى الانقلاب والإعلام الخبيث والإسناد الأجنبي وعدم الاستعداد لقطع الطريق على المفسدين، أو سقوط المجتمع الأهلي كلّه في هوّة الاقتصاد المعطَّل وغياهب الجوع ...
أيّة رافعة اقتصادية يمكن أن تحلّ مشاكل الفقر وإنتاج الثروة لا فقط مسألة توزيعها ؟ ما العمل ؟ كيف نساهم في تحفيز المواطنين للتعرّف على الأفكار وخبرات العالمين وقراءة القرآن والتلاقي مع البشر ؟ ماذا سنعمل للمحاصَرين في قاع المجتمع نساء ورجالا وولدان ؟ إنّ أعظم الخيانة هي خيانة المجتمع الأهلي، في حرّياته أو شرعيته السياسية أو أمواله أو أعراضه، ويبدأ الغدر والخيانة عندما يفصل بعضهم بين الممارسة وبين الفكرة...
#رضا_السمين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟