أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نقولا الزهر - مفهوم العالم ما بين اللغة والفلسفة















المزيد.....

مفهوم العالم ما بين اللغة والفلسفة


نقولا الزهر

الحوار المتمدن-العدد: 1088 - 2005 / 1 / 24 - 09:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مذ كنت طالباً كانت تشدني وتستهويني كلمة (العالَم). في الإنجيل يقول السيد المسيح: "مملكتي ليست من هذا العالم". فهنالك إذن عالم آخر؟ لكن بعض المفسرين الذين يعطون للمسيح طابعاً ثورياً وتغييرياً لتغيير ما هو سائد قالوا عن هذا العالم الآخر أنه لن يكون خارج هذه الأرض، وهو مستقبليّ ولتحقيقه لا بد من النضال في سبيله، هو مدينة فاضلة ، مجتمع أكثر عدلاً وأكثر تقدماً.
-1-
مفهوم العالم إذن لا يتعلق بمفرد بل بجمعٍ وتعدد، بعالَمينَ وعوالم. كنت دائماً أرى هذا المفهوم مختلفا ومتميزاً ومتفرداً بين مشابهاته من حيث سعة وشمولية دلالاته اللغوية حينما يضاف إلى الكلمات الأخرى، وكنت أرى أنه يتسم بقدرة غير عادية على توليد الفئات المفهومية (categorie) عبر إضافته أو وصفه.
ورغم أن مفهوم العالم لا يقارن مكانياً بالكون والأرض و الفضاء والكواكب والنجوم، أو بالأحرى لا يحمل خصائص مكانية واضحة ومحددة، لكن دلالته اللغوية أوسع من الدلالة اللغوية لكل هذه المفاهيم التي ذكرناها، ويمكن أن يكون هو إطاراً لها حينما يضاف إليها وليس العكس، فيمكننا أن نقول عالَم الأكوان (في لغة المتصوفة) وعالَم الأرض وعالَم الفضاء وعالَم الكواكب وعالَم النجوم وعالَم المجرات.
وكذلك حينما يستعمل مفهوم العالم كإطارٍ للأشياء، هو أوسع وأشمل لغوياً بما لا يقاس من الأطر الأخرى مثل فضاء (espace)، وحقل أو مجال(champs)، وميدان(domaine). فعالم المرأة وعالم الطيور وعالم النحل وعالم النبات وعالم البحار وعالم الشعر، أوسع وأشمل بمعناه من فضاء المرأة وفضاء الطيور، أو مجال النحل ومجال النبات، أو حقل البحار، أو ميدان الشعر وميدان الفنون.
-2-
الوزن الإسمي (فاعَلْ) في اللغة العربية نادر جداً، ولا يذكر لسان العرب من الأسماء التي على هذا الوزن سوى أربعة، هي: عالَمْ وطابََعْ وخاتَمْ ودانَقْ، وربما ينتمي شاقَلْ (بالعبرية شيكل) لهذا الوزن.
والشيء البارز في هذه الأسماء الخمسة هو عدم التساوي الهائل في سعة وتواتر دلالاتها واستعمالاتها، فدانق وشاقل كانا يعبران عن وحدات وزن أو نقود قديمة وقد قل استعمالهما؛ و(خاتَم) يدل على خاتمة الشيء أوالحدث ونهايتهما وكذلك يدل على خاتم الزواج وخاتم الملك وأختام التوقيع والتصديق؛ بينما (طابَع) استعمالاته في اللغة أكثر وهو يدل على الصورة والمظهر والسمة الثابتة نسبياً أو الأكثر ديمومة في الشيء، ولكن الاستعمالات التي لا تعد ولا تحصى هي للاسم الأول (عالَم).
في اعتقادي الطابَعْ من طَبَعَ والخاتَمْ من خَتمَ والعالَمْ من عَلِمَ. وأرى أن فعلي الطبع والختم يحملان سمة الانتهاء والاكتمال والإنجاز والثبات النسبي والديمومة في الوقت الذي يحمل فعل العلم سمة عدم الانتهاء وعدم الاكتمال والمعرفة المستمرة والدائمة، فهو فعل فتح وبحث واكتشاف واختراع وتوسع؛ ربما لهذه الآفاق الهائلة الاتساع واللانهائية التي يتميز بها فعل العلم والمعرفة يمكن أن نعزوَ هذا الفرق الهائل في الدلالات والاستعمالات اللغوية بين الخاتم والطابع من جهة، والعالم من جهة أخرى.
في اعتقادي أن القدرة التوليدية لمفهوم العالم تتعلق بموضوعية عدم اختتام فعل العلم والمعرفة والاختراع والاكتشاف والبحث. لذلك علينا ألا نستغرب حينما نرى مفهوم العالم يمكن إضافته إلى أي مفهوم آخر ليدل على فضائه وإطاره وميدانه وليكون أشمل من الفضاء و الميدان والحقل والمجال.
فيمكننا إذن أن نضيف مفهوم العالم إلى أي اسم في لغتنا العربية (كل الأسماء مفاهيم)، فالمقولة الناتجة تكون صحيحة وذات دلالة مفيدة. فهنالك عالم للشياطين وعالم للجريمة وعالم للأحذية وعالم للأزياء وعالم للحلاقة وعالم للجرذان وعالم للبراغيث وعالم للدعارة وعالم للشر وعالم للسيارات والطيارات وعالم المفاتيح وعالم الكومبيوتر.......إلخ.
وكذلك هنالك عالم إسلامي وعالم مسيحي وعالم بوذي وعالم هندوسي وعالم وثني وعالم علماني.......
وهنالك عالم عربي وعالم أوربي وعالم آسيوي وعالم أفريقي وعالم أمريكي وعالم لاتيني وعالم أنكلو ساكسوني وعالم اسكيندينافي...........
وهنالك العالم القديم وعالم القرون الوسطى والعالم الحديث وعالم ما بعد الحداثة.......
وهنالك عالم الأساطير وعالم الخرافة وعالم السحر وعالم الإنس وعالم الجن ......
ولماذا نذهب بعيداً فهنالك وبين ظهرانينا العالم السفلي، عالم الزنازين والجلادين و الدواليب والجنازير والكرابيج وعصي الخيزران والكراسي الألمانية.........
فكل مدرك وكل معلوم من الشيء يشكل عالمه الخاص وهذا الأخير نسبي وتاريخي ومتغير.....
وعدد العوالم غير محدود طالما المعرفة والعلم والبحث والاكتشاف في تواصل ومضاء...
-3-
ولمفهوم العالم دلالة ثانية، هي:الخلق والناس والجموع، وتأتي الكلمة هنا غير مضافة ولا موصوفة(عالَمْ حاف)، نكرةً أو معرَّفةً بالألف واللام. و كل طفل صغير يبدأ في إدراك هذه الدلالة منذ نعومة أظفاره، حينما يقول الأهل لتنبيهه كي لا يتصرف تصرفات غير لائقة أو يثير ضجيجاً أو صخباً: عندنا عالم أي عندنا ناس. وقد يكون هؤلاء الناس شخصاً واحداً. أو حينما نقول جاءنا عالم اليوم، أو حينما يريد أحدهم إطراء رجل أو امرأة فيقول: إنه ابن عالم، إنها بنت عالم وناس، أو يريد الذم فيقول: فلان لا ابن عالم ولا ابن ناس.
مفهوم العالم في هذه الدلالة مرتبط بالإنسان والناس، وفي الكثير من المناطق السورية يقال على سبيل المثال: كل العالم كانوا في العرس، أو في الجنازة أو الحفل..... وفي اللغة الفرنسية يقال نفس التعبير للدلالة على كل الناس (Tous le monde). وفي كثير من الأحيان يأخذ مفهوم العالم هنا معنى الغير والآخر بالنسبة إلى المتكلم؛ وهذا نراه ببساطة عند طفل صغير لم يكتمل وعيه بعد، حينما يتساءل أمام والده أو والدته فيما إذا كان هما وإخوته وأخواته وجده وجدته وأقاربه من العالم (أي من الناس) أم لا؟ وكذلك رجال الدين في العصور الوسطى لم يكونوا يعتبرون أنفسهم من العالم (من الناس) فبالنسبة إليهم العالم هم الآخرون أي غير الكهنوتيين، وإلى الآن في الكنائس المسيحية الشرقية يطلق رجال الدين المسيحيون على غير السلك الكهنوتي لقب العلمانيين.
-4-
والدلالة الثالثة لمفهوم العالم هي مفهوم الدنيا والمعمورة والمسكونة والأمم، وهنا تستخدم الكلمة معرفة بأل التعريف غالباً، وهذه الدلالة أيضا نسبية وتاريخية، فحدود العالم بالنسبة إلى إنسان العصور الحجرية يختلف عن حدوده بالنسبة إلى إنسان العصور التاريخية العبودية أو الإقطاعية أو الحديثة. فبالنسبة إلى كلكامش كانت المدينة الساحلية(ربما بيروت أو صيدا أو صور..) التي وصل إليها ليبحث عن الخلود هي نهاية العالم. ولماذا نذهب بعيداً ففي القرن الماضي كان هنالك بعض القرى الريفية في بلادنا المنعزلة عن طرق المواصلات والمدن والراديو والكهرباء، التي حدودها بالنسبة إلى الكثير من سكانها هي حدود العالم. وكذلك الطوفان الذي ورد ذكره في ملحمة جلجامش والتوراة وكتب وأساطير الشعوب الأخرى، هذا الطوفان الذي كان يشمل عالمهم كله، لم يكن يتعدى حدود وتخوم المنطقة التي كانوا يعلمونها ويعرفونها ويتمكنون من وصولها. وربما طوفان تسونامي الذي حدث في جنوبي شرق آسيا اخيراً هو في حجمه أضعاف أضعاف الطوفان التوراتي.فقبل عام 1594 لم يكن سكان العالم القديم يعرفون ويعلمون أن هنالك عالماً في غرب الأرض، وكذلك سكان أميركا الأصليون لم يكونوا يعرفون عالماً آخر في مشرق الأرض.فالعالم كان محدوداً وراح يتسع مع تواتر الاكتشافات والاختراعات وتطور المواصلات والاتصالات..
ولننظر إلى عالم اليوم عالم العولمة فهو يشمل كل تخوم الكوكب الأرضي وعالم الغد ربما يمتد إلى الكواكب الأخرى.....
في الواقع نسبية مفهوم العالم تتعلق تماماً بنسبية العلم والمعرفة، ويمكننا القول أن تخوم مفهوم العالم تجاور دائماً تخوم العلم والمعرفة والمواصلات والاتصالات ووسائل الانتقال.....
لست من الذين يؤمنون بقداسة اللغة العربية، ولا بقداسة أية لغة أخرى، ولكني أرى أن اللغة العربية لا تقل بقدرتها المفهومية عن اللغات العالمية الأخرى ولكنها تحتاج من اللغويين إلى الكثير من العمل والبحث والانفتاح. وأرى أنها كما قال طه حسين هي بأمس الضرورة لأن تعامل كعلم مستقل عن المشاعر الدينية والقومية مثل أي علم من العلوم الأخرى. هي مثل أي علم خاضعة لقانون النفي وإمكانية الحذف والإضافة. واللغة مثل الأمة ومثل الشعب إذا لم تخضع لفعلي التقليم والتطعيم يمكن أن تشيخ ويمكن أن تموت فهذا حال العالم وهذه حال الدنيا!!!!........
نقولا الزهر
دمشق في22/1/2004



#نقولا_الزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مداخلة حول - علمانية لايربطها رابط بالإلحاد
- في عالم المفاهيم - الفرق بين الأصول والهويات
- حوار ذو شجون حول السجون
- حكاية النذور المتراكمة
- خبر من مقبرة الزمان عن الزيت الغريق
- في عالم المفاهيم(حول العلاقة بين النسبي والمطلق)
- سياتل بداية النقد العملي للعولمة
- سوريا في الخمسينات
- قصيدة قصيرة من أخدود دمشقي
- من وادي الآلهة إلى وادي القديسين
- الحوار المتمدن طريق رحب من الرؤوس والقلوب إلى الورق
- العلمانية تحرر الدولة والدين من طغيان التحالف السلطوي -الفقه ...
- مداخلة حول مفهوم الشعب
- من الطقوس والإشارات في الحياة السياسية السورية
- المجتمع المدني من جون لوك إلى الأمير سعود الفيصل
- شذرات من - المقامةِ البربرية
- إلى أيلول
- يوم مشهود من أيام أبي نرجس
- حمدي الروماني
- التقيتهما مرة واحدة


المزيد.....




- الخرطوم تطالب بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث -عدوان الإمار ...
- استمرار الاحتجاجات في جامعات أوروبا تضامنًا مع الفلسطينيين ف ...
- الرئيس الإيراني: عقيدتنا تمنعنا من حيازة السلاح النووي لا ال ...
- مظاهرة ضد خطة الحكومة لتمديد استخدام محطة -مانشان- للطاقة ال ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة خسائر القوات الأوكرانية خلال أسبوع ...
- أطباء المستشفى الميداني الإماراتي في غزة يستأصلون ورما وزنه ...
- مجلس أميركي من أجل استخدام -آمن وسليم- للذكاء الاصطناعي
- جبهة الخلاص تدين -التطورات الخطيرة- في قضية التآمر على أمن ا ...
- الاستخبارات الأميركية -ترجح- أن بوتين لم يأمر بقتل نافالني-ب ...
- روسيا وأوكرانيا.. قصف متبادل بالمسيرات والصواريخ يستهدف منشآ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نقولا الزهر - مفهوم العالم ما بين اللغة والفلسفة