أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - أتاتورك والخلافة... الوعي المزيف















المزيد.....

أتاتورك والخلافة... الوعي المزيف


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 3700 - 2012 / 4 / 16 - 00:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يؤكد حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) في تركيا على التكوين والوجهة العلمانية للدولة التركية بشكل لا مواربة فيه، كما يفصل البرنامج السياسي المطول للحزب، المنشور في موقعه الرسمي على شبكة الإنترنت. تقول مقدمة البرنامج السياسي "إن حزبنا يشكل الأرضية لوحدة وتكامل الجمهورية التركية حيث العلمانية والديمقراطية ودولة القانون وصيرورات الحضارة والدمقرطة، وحرية الاعتقاد، والمساواة في الفرص تعتبر أموراً جوهرية". ثم تفاخر المقدمة بإنجازات الدولة التركية وتقتبس عن مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك (الذي تظهر صورته جلية مع العلم التركي على الصفحة الأولى للموقع الإلكتروني الرسمي للحزب) وتقول: "إن جمهوريتنا ليست عاجزة. والحل يكمن في الشعب نفسه. وكما قال العظيم أتاتورك فإن القدرة على إنقاذ الأمة تكمن في عزمها وتصميمها". لماذا لا يجد إسلاميو تركيا بدّاً من تضمين هذه التأكيدات في أدبياتهم مقرين ومادحين أتاتورك الذي يراه غيرهم من الإسلاميين "الرجل الصنم" الذي دمر الخلافة الإسلامية وأنهى حكم سلاطين بني عثمان؟ الجواب على هذا السؤال يكشف مقدار الوعي المزيف والقراءة الانتقائية (والساذجة) للتاريخ المُشتهرة في أوساط كثير من الإسلاميين غير الأتراك. يعرف قادة ومؤسسو حزب العدالة والتنمية الأتراك أنه من دون أتاتورك لما كانت هناك دولة تركية كما نعرفها الآن ولكانت تقاسمتها الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الأولى وتقطعت أوصالها بين دول الحلفاء وروسيا واليونان، وهو تقاسم كان يتم عبر اتفاقيات مذلة وقعها السلاطين الذين كانوا، من أجل كرسي السلطنة وبقائهم عليه ولو بشكل رمزي ومن دون أي سيادة، يمهرون تواقيع الاستسلام والتمزيق واحداً تلو الآخر.

وكان مصطفى كمال أتاتورك أحد الذين تمردوا على سياسات الأستانة التي تلاحقت تنازلاتها للغرب ووضعت تركيا على شفير التقسيم والتجزئة. وكان الغرب يكبل السلاطين بالسياسات والشروط المختلفة، فيما كان أتاتورك يحارب أساطيل الغرب في الدردنيل والروس في شرق الأناضول حتى لا تسقط الأراضي التركية تحت الاحتلالات المختلفة. والفرق بين آخر السلاطين في أواخر الدولة العثمانية وأتاتورك من منظور الخلافة الإسلامية والعلاقة مع الغرب هو التالي: السلاطين احتموا برمزية الخلافة وصورتها في المخيلة الإسلامية واستغلوها إلى أبعد مدى وظلوا يزعمون أنهم ممثلو الإسلام والمدافعون عنه. ولكن عمليّاً، على أرض الواقع لم يكن لذلك الزعم أي معنى، لأن الهدف الحقيقي كان التلاعب بالعواطف الإسلامية للشعوب من أجل الإبقاء على كرسي السلطنة والسلالة العثمانية التي فسدت إلى أبعد مدى في أواخر حكمها وكانت تقدم التنازل تلو الآخر للغرب على حساب سيادة الدولة وأراضيها. وكان السلاطين الضعفاء في إسطنبول قد بدأوا يوقعون المعاهدة تلو الأخرى مع القوى الكبرى ويقدمون بها التنازلات التي قطعت أرجاء الإمبراطورية ورهنتها للخارج، بدءاً من برنامج "ميرتزيج" الإصلاحي سنة 1903 الذي وافق عليه السلطان عبدالحميد الثاني وبموجبه تخضع قوات البوليس التركي في مقدونيا لمراقبين دوليين، ووصولاً إلى معاهدة سيفرس عام 1920 التي مزقت بقايا الإمبراطورية ووافق عليها سلطان إسطنبول ووزيره الأعظم ورفضها أتاتورك والحركة الوطنية التركية. كان السلاطين خاضعين للسياسات الخارجية وكانت المقايضة المأمولة أن يؤمّن لهم ذلك الخضوع بقاء الحكم. وفي المقابل، اقتنع مصطفى كمال خريج المدارس والكليات العسكرية، والذي قرأ فولتير وجان جاك روسو في الثانوية وتعلم الفرنسية، أن تقدم تركيا وقوتها ووقوفها في وجه الغرب لن يكون إلا عبر تبني النموذج الغربي نفسه، أي الوقوف في وجه الغرب عبر امتلاك أسلحة الغرب نفسه. ومن هنا فإن الفهم الصحيح لأتاتورك ونموذجه ومنطلقات حداثته تأتي من هذه النقطة تحديداً: تبني منهج الغرب في الحداثة والتقدم، ومقاومة إمبريالية الغرب وجيوشه وهيمنته في الوقت نفسه.

وعندما كان الضابط الصغير مصطفى كمال في أواسط الثلاثينات من عمره قاد معركة الدردنيل الشهيرة التي وضعته على مراتب سلم المجد العسكري وكانت بداية صعوده المُبهر. وقد اشتهرت تلك المعركة باسم آخر هو "غاليبولي" وأصبحت مما يُدرس في الكليات العسكرية بسبب حنكة وإصرار مصطفى كمال وشجاعته طوال أشهر التي قوضت خطط تشرتشل يومها لإحكام الحصار على تركيا من جهة الغرب. ومضيق الدردنيل هو الخاصرة الرخوة التي إن تمت السيطرة عليها فإن جيوش الكومنولث يومها (الإنجليز، والأستراليين، والكنديين، بالإضافة إلى الفرنسيين واليونان) ستطبق على بحر مرمرة وتصبح إسطنبول بعد ذلك قيد السقوط شبه المحتم. وخلال أسابيع القتال الطويلة والمريرة التي سقط فيها ألوف المجندين (ومنهم كتائب عديدة من العرب الذين تم تجنيدهم من بلاد الشام) كان على مصطفى كمال مواجهة أسطول كبير من سفن الحلفاء التي أحاطت بالجزيرة الصغيرة وأرادت اكتساحها ودكتها بالمدفعية لفترات طويلة متواصلة. وفي لحظة فاصلة في تلك الأسابيع المطيرة والعاصفة والمتوترة شن الحلفاء هجوماً واسعاً أدى إلى هرب الجنود الأتراك من منطقة الشاطئ باحثين عن مناطق أكثر أمناً، وبدا أن تلك المعركة هي الفاصلة وإثرها ستسقط الجزيرة والمضيق بيد الحلفاء. يومها وقف أتاتورك بقامته الطويلة ووجهه الصارم في وجه الجنود الراكضين وأوقفهم، وصرخ في وجوههم صرخته التي دخلت التاريخ وأدخلته إليه قائلًا لهم: "لا أتوقع منكم أن تهاجموا، لكني آمركم بأن تموتوا! وفي الوقت الذي يمضي حتى نموت جميعاً، سوف تأتي قوات إضافية وقادة آخرون ليأخذوا مكاننا". في تلك الأثناء كانت المؤامرات تحاك ضد الضابط الذي حمى الخاصرة التركية وتم استدعاؤه إلى إسطنبول، وعمليّاً إبعاده عن الجيش. وفي قتاله اللاحق ضد اليونانيين والروس كان أتاتورك قد تمرد على قرارات إسطنبول التي أمرته بالتخلي عن الجيش خضوعاً لضغوط الخلفاء ونقمتهم على إنجازاته. وعندما بزغ نجمه العسكري أكثر وقاد الجيش دفاعاً عن أنقرة ضد حصار الجيش اليوناني كان قد وصل مرحلة يصعب على أحد في تركيا مجاراته فيها، فيما كان السلاطين يصبحون من مخلفات الماضي العتيق.

إن حداثة أتاتورك العسكرية والتعليمية هي التي أنتجت منه قائداً فريداً قاتل ببسالة واستنارة ضد قوات الحلفاء من جهة وضد أطماع الروس من جهة ثانية وضد اليونانيين الذين احتلوا إزمير وحاصروا أنقرة من جهة ثالثة. ولكنه في الوقت نفسه أدرك أن حربه هي ضد أطماع الغرب وليس ضد حداثة الغرب وعلومه التي يجب أن تتبنى لأنها هي التي تحقق القوة والاستقلال الحقيقيين. أما انتماء سلاطين بني عثمان للماضي فهو ما قوض دولتهم وحولها إلى رجل مريض لا حول له ولا قوة.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروز بلغراد... -أوديسة- في البلقان!
- الديمقراطية وإدارة الاختلاف
- عقد اجتماعي عربي جديد
- الثورات العربية... واللامبالاة الجماعية!
- معايير نجاح الثورات العربية
- حول نجاح الثورات العربية
- «مؤتمر أصدقاء سورية»: عجز دولي آخر أمام النظام السوري
- الثورة السورية... والمسألة الطائفية
- ازدواجية معايير روسيا والصين
- أدونيس والثورات العربية
- الثورات العربية: رهان على المستقبل
- الانتخابات الفلسطينية: حل أم مشكلة؟
- مسارات الرواية العربية
- النظام السوري... وفزاعة التدويل
- تاريخ مرير... وبعث بلا قيامة!
- -حماس- والمصالحة... والمقاومة السلمية
- الهجوم على برهان غليون: من -اغتيال العقل- إلى -اغتيال السياس ...
- تفاقم العنصرية الأميركية ضد الفلسطينيين
- الإسلاميون والسلطة: نهاية الإيديولوجيا
- النظام السوري واستقرار إسرائيل


المزيد.....




- بايدن واثق من أن ترمب -لن يقبل- نتيجة الانتخابات الرئاسية
- حماس: إسرائيل غير جادة وتستغل المفاوضات غطاء لاجتياح رفح
- بايدن: القنابل التي قدمناها لإسرائيل استخدمت في قتل المدنيين ...
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
- بايدن على قناعة بأن ترامب لن يعترف بهزيمة في الانتخابات
- قائد -نوراد-: الولايات المتحدة غير قادرة على صد هجوم بحجم ال ...
- أبرز مواصفات iPad Pro 13 الجديد من آبل
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
- الجيش الإسرائيلي: معبر -كرم أبو سالم- تعرض للقصف من رفح مجدد ...
- -يني شفق-: 5 دول إفريقية قررت إنهاء عمليات الشحن البري مع إس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - أتاتورك والخلافة... الوعي المزيف