أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - الديمقراطية وإدارة الاختلاف















المزيد.....

الديمقراطية وإدارة الاختلاف


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 3686 - 2012 / 4 / 2 - 10:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الديمقراطية كغيرها من المفاهيم السياسية الحديثة تفتقد إلى تعريف محكم أو شكل قاطع في التطبيق والممارسة العملية، وتمتاز بتعدد أشكالها واتخاذها أنماطاً وصوراً متعددة بحسب السياق السياسي والاجتماعي والسيرورة التاريخية للمجموعة البشرية التي تتبنى تطبيقها. بيد أن الجوهر المؤسس للديمقراطية وأيّاً كانت تمثلاتها النهائية على الأرض يبقى واحداً ويمكن إجماله بـ"الإدارة السلمية للصراعات والتنافسات التي ترافق أي اجتماع بشري، وأحد أهم تطبيقاته السياسية هو التداول على السلطة بطريقة سلمية للتعبير عن رأي الأغلبية". وهذا يعني أن الفهم المدخلي والمُبسط للديمقراطية يمكن أن يتركز على كونها مجرد "آلية" سياسية تفصل بين المختلفين سياسيّاً وإيديولوجيّاً على قاعدة ترجمة توجهات الغالبية ومنحها ميزة الحكم والإمساك بالسلطة لفترة زمنية محددة.

تطورت الديمقراطية في تاريخ البشر والأفكار السياسية لتحاول الإجابة عن سؤالين: الأول، كيف يمكن التعبير عن رأي الغالبية وترجمته في الحكم والسياسة، والثاني، ما هو الشكل الأفضل لإدارة الصراعات السياسية بين المختلفين مصلحيّاً وسياسيّاً وعقائديّاً من دون إراقة دماء وحروب أهلية؟ هذان السؤالان يعكسان في ما يعكسانه نزعة طوباوية وأخرى واقعية. النزعة الطوباوية تتمثل في إزاحة استبداد أفراد محدودين بالمجموع العام والغالبية وفرض إرادة نخبة قليلة العدد على الغالبية الأكثر عدداً. وتاريخ البشرية انتمى في شطره الأعرض إلى نزعة الاستبداد، حيث انتهكت توجهات الغالبيات من البشر، وتم إخضاعها للسلطات الديكتاتورية للإمبراطوريات والدول الدينية وغير الدينية. وفي حال تطورت مجموعة سياسية أو معارضة للحكم لها مطالب متباينة فإن "الآلية" الوحيدة للصراع بينها وبين النخبة الحاكمة هي العنف، مترجماً إلى ثورة مسلحة، أو حرب أهلية أو خارجية، تحسم نتيجتها من يؤول إليه الحكم. والعنف إذن كان هو الآلية التي تحسم الصراعات السياسية وبحسب نتيجته تتحدد من تكون له "الشوكة والغلبة" وبالتالي السلطة. وقد انطبقت هذه السيرورة على معظم تواريخ العالم في شرقه وغربه إلى أن بدأت أرضية الاستبداد تهتز بفعل طرقات فكر الأنوار ومفاهيم السياسة الحديثة بما فيها المواطنة والديمقراطية والحريات السياسية.

أما النزعة الواقعية التي جاءت بها الديمقراطية فتمثلت في إقرارها بأن الصراعات والتنافسات بين البشر مكون أساسي ومستديم في المجتمعات وأن أي محاولة لإنهاء تلك الصراعات وفرض رؤية واحدة تعمل على "دمج" الأفراد وقولبتهم في شكل واحد بحيث تنتفي خلافاتهم السياسية والإيديولوجية والمصلحية لن تقود إلا إلى عكس ما تهدف إليه، وهو المزيد من الخلافات. وقد أشر تاريخ البشر إلى أن الرغبات والمشاريع غير الواقعية لكثير من الزعماء أو المشاريع الإيديولوجية أو العقائد التي أرادت أن تقضي على الخلافات والصراعات بالقوة والعنف والأدلجة انتهت إلى مشاريع فاشية تتنوع في الدرجة من الديكتاتورية التقليدية وصولًا إلى الهتلرية والنازية وتبني الإبادة للقضاء على الآخر المختلف.

إن الاعتراف بالاختلاف والصراعات في كل مجتمع والتنافس بين جماعات المصالح السياسية وغيرها هو أحد الأركان المتينة للنظام الديمقراطي، الذي يقر بالحقائق ولا يدعي عدم وجودها. ولأن هذه الاختلافات والصراعات تبقى في أي تجمع بشري فإن الواقعية تفترض التعامل معها واجتراح طريقة فعالة تحاول التخفيف من غلوائها وبناء فضاء صحي لها كي تتصارع سلميّاً وتتنافس من دون دماء. وعدم الاعتراف بتلك الخلافات الكامنة وما يتولد عنها من صراعات يعني كبت تلك الخلافات وحشرها تحت السطح للحفاظ على الادعاء السلطوي والديكتاتوري.

وخلاصة ذلك أن الديمقراطية تعمل في واقع الأمر على إدارة الصراعات بل والكراهيات أيضاً بين مجموعات متنافسة داخل المجتمع الواحد، وعبقريتها تكمن في أن مناخ الحرية الذي تخلقه لتفريغ تلك التنافسات والكراهيات يعمل في المدى الطويل على عقلنتها وكبح جماحها ودفعها نحو الوسط. والكراهيات المحتدة تزداد رسوخاً وحِدة عندما يتم قمعها ودفعها تحت السطح والتظاهر بعدم وجودها وعدم وجود أطراف ومجموعات ممثلة لها. ولكن عندما تتعرض تلك النزعات المتطرفة سواء في حدة طروحاتها أو في كراهياتها وتنكشف أمام المجموع العريض من الناس، فإنها تخسر طاقة جذبها الأولية من ناحية، ثم لا تجد بداً من الاندراج في مسارات أكثر اعتدالاً كي توسع دائرة المستجيبين لها. وعندما تتنافس الجماعات والأحزاب المختلفة في مناخ حرية صحي تتيحه الديمقراطية فإن عينها تكون مركزة على الدوام على المجموع العريض، الذي أصبح يمتلك السيادة والقرار الأهم في التوجه العام والسياسة للحكم والسلطة.

إن تعريف الديمقراطية ومقاربتها من منظور واقعي وعملياتي بحت وبكونها "آلية" فحسب وليست إيديولوجيا في حد ذاتها، أو عقيدة سياسية تتنافس مع العقائد السياسية الأخرى، لا يقفل نقاشاً واسعاً وسجالاً عميقاً ومحتداً حول هذه المسألة التأسيسية -أي أن السؤال يبقى مطروحاً إزاء الحيادية الإيديولوجية للديمقراطية وفي ما إن كانت حدود اشتغالها وتعريفها أيضاً تتوقف عند إدراكها كآلية لحسم الصراعات السياسية والإيديولوجية بطريقة سلمية وحسب. وهنا يتسع نطاق الإجابة ويتخذ طيفاً واسعاً، إذ ثمة من يصر على حيادية الديمقراطية وخلوها من أية إيديولوجيّا، وهناك من يراها مثقلة بحمولات إيديولوجية غربية بما يحول بينها وبين التطبيق في بيئات أخرى. ويبدو أن الديمقراطية تقع في منطقة وسطى في طيف النقاش ذاك. فمن ناحية النشوء والتطور لا يمكن إغفال حقيقة المنشأ الغربي للديمقراطية وما عناه ذلك من اشتراطات واستبطانات هي التي ميزت الديمقراطية ومنحتها المعنى الخاص بها (وأهم ذلك تأسسها على مفاهيم المواطنة، والمساواة، والحرية، وعكس إرادة المجموع العام). ومن ناحية ثانية ونظراً لمرونة المفهوم وسيرورته التاريخية بكونه شكلاً من أشكال التسيس التاريخي والبشري الذي يستمر قيد الإنجاز والتطور، فقد تم تطبيقه في بيئات غير غربية عديدة، تواءمت معه، وتواءم معها بهذه الدرجة أو تلك، محرراً الديمقراطية من لحظة تأسيسها ومانحاً إياها كوسموبوليتانية تؤهلها للتطبيق في أي مكان وضمن أي ثقافة.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقد اجتماعي عربي جديد
- الثورات العربية... واللامبالاة الجماعية!
- معايير نجاح الثورات العربية
- حول نجاح الثورات العربية
- «مؤتمر أصدقاء سورية»: عجز دولي آخر أمام النظام السوري
- الثورة السورية... والمسألة الطائفية
- ازدواجية معايير روسيا والصين
- أدونيس والثورات العربية
- الثورات العربية: رهان على المستقبل
- الانتخابات الفلسطينية: حل أم مشكلة؟
- مسارات الرواية العربية
- النظام السوري... وفزاعة التدويل
- تاريخ مرير... وبعث بلا قيامة!
- -حماس- والمصالحة... والمقاومة السلمية
- الهجوم على برهان غليون: من -اغتيال العقل- إلى -اغتيال السياس ...
- تفاقم العنصرية الأميركية ضد الفلسطينيين
- الإسلاميون والسلطة: نهاية الإيديولوجيا
- النظام السوري واستقرار إسرائيل
- ما البديل عن التدخل الخارجي؟
- الثورات العربية والانقسامات الطائفية


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - الديمقراطية وإدارة الاختلاف