أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - أدونيس والثورات العربية














المزيد.....

أدونيس والثورات العربية


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 3630 - 2012 / 2 / 6 - 00:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الموقف المُلتبس الذي عبر عنه أدونيس إزاء الثورة السورية في رسالته الشهيرة إلى "السيد الرئيس" في شهر يونيو الماضي ونشرتها صحيفة "السفير" ازداد التباساً في مقابلة مطولة مع "الغارديان" البريطانية في 28 يناير الماضي. ابتداءً، من حق أدونيس اتخاذ الموقف الذي يراه، كما أن من حق الآخرين أيضاً انتقاد ما يراه لكونه مثقفاً عموميّاً وصاحب رأي، وهناك ما يمكن أن يتم الاتفاق معه، وهناك ما يثير النقاش الخلافي. وفي المقابلة المذكورة يقول أدونيس إن "المُبدع يجب أن يكون دائماً مع ما هو ثوري، لكن يجب ألا يتحدث كالثوريين"، وهو قول يتسم بالغموض وعدم الوضوح. ويورد أدونيس هذه العبارة، الموقف، في سياق توصيفه للالتزام والانخراط السياسي الذي يسم غالبية المثقفين والمبدعين العرب، مؤكداً أنه "ليس مثلهم". ويستطرد في رده على منتقدي التباس موقفه من الثورة السورية بأنه لا يتكلم لغتهم، فهؤلاء "مثل معلمي المدارس يملون عليك ما يجب قوله، وتكرار نفس الكلمات". الصحفية التي أجرت المقابلة ذكرت أن أدونيس في رسالته، التي جلبت عليه الانتقاد الواسع، طالب الرئيس بشار الأسد بالتنحي، وهي اقترفت بذلك خطأ كبيراً، وأضافت "مجداً" غير حقيقي إلى التعالي الذي طغى على إجابات الشاعر وتصريحاته. ففي الرسالة المذكورة كان ثمة تأسيس مكرور ومثير للأعصاب لمرجعية "السيد الرئيس" ليس فقط السياسية بل أيضاً التغييرية حيث أناط به أدونيس نقل سوريا إلى الديمقراطية، وهو، أي "السيد الرئيس" حين يفعل ذلك فإن أعداءه وأصدقاءه سيقولون عنه إنه أسس "لمرحلة سياسية جديدة في تاريخ سوريا وربما في تاريخ المنطقة العربية كلها". وعلى خلاف ما قالته "الغارديان" فإن أدونيس يومها لم يطلب من رئيسه التنحي بل ختم رسالته بإرسال التمنيات الصادقة "لسوريا، ولشعبها، ولك، السيد الرئيس". هنا يختلف كثيرون مع أدونيس، ومن حقهم أن يفعلوا، ففي اللحظات الحاسمة ليس هناك موقف وسط بين الضحية والجلاد، والانحياز يصبح مسؤولية أخلاقية قبل أن يكون سياسة وفكراً.

ولكن الأهم من ذلك هو تكرار أدونيس لنظرته التشاؤمية حول الثورة السورية بسبب كونها انطلقت من "الجامع"، وهو انطلاق يؤكد اختلاط الدين بالسياسة في بلاد ومجتمعات العرب، وهذا ما يستحق النقاش والتوقف عنده. وأدونيس محق في ترسيم الشرط الأول والتأسيسي لقيام ديمقراطية عربية حقيقية وهو "الفصل الكامل بين ما هو ديني وما هو سياسي". ولكنه لا يقول لنا كيف يمكن أن يتم ذلك، ويتغاضى عن الإقرار الصريح بأن مثل هذا الخروج لا يتم إلا عبر عملية تاريخية، طويلة ومعقدة وليست إرادوية. وأن الثورات العربية، برغم إسلاموييها وسلفييها، تمثل البوابة العريضة لبداية تلك العملية.


والمقارنة بين مرحلتي ما قبل الثورات العربية وما بعدها في البلدان التي قامت فيها هي مقارنة بين الجمود والتكلس وعدم الحراك، والتغير والحراك والصراع الاجتماعي والسياسي الذي بدأ بدينامية هائلة. في المرحلة الأولى، الجمود والتكلس، خرج العرب من التاريخ فعلاً توقف زمنهم. وفي المرحلة الثانية، بداية دخول التاريخ وتحرك الزمن. ورؤيوية الشاعر تفترض موضعة هذه النقلة الكبيرة في سياق تاريخي عريض ينفك من أسر اللحظة التشاؤمية الراهنة حيث سيطرة الخطابات الأصولية وترعرعها الواسع. في اللحظة الراهنة يسيطر الدين الذي صار ملجأ للمظلومين والمقموعين خلال عقود الانهيار الماضية، وتندفع تعبيراته وتياراته وشعاراته الطوباوية. ومن هذه اللحظة بالضبط يبدأ الاختبار الطويل والعسير وتحرر الوعي الشعبي من الأسر الطويل للخطابات الدينية. ولم تكن هذه اللحظة مُتاحة في ما سبق، منذ بدايات عهود الاستقلالات العربية. كانت تلك الخطابات تراكم رأس مال رمزيّاً مثاليّاً نتيجة فشل الخطابات والسياسات الأخرى، القومية والاشتراكية والليبرالية وغيرها. وقد تزاوج ذلك الفشل المريع للنخب الحاكمة مع أنظمتها الديكتاتورية القامعة بما وسع من الهوة بين "خطاب السماء الجمعي" و"خطابات الأرض العملية"، وانحازت الجموع للأول بسبب ترسخه في الوجدان.

لا يمكن تحييد الدين تدريجيّاً عن السياسة بقرار فوقي، بل عبر التجربة، والتاريخ، والممارسة، وتطوير وعي عريض يتنامى مع الزمن. ومثل هذه العملية التدريجية يوفر أمرين، الأول هو انتشار وتعمق قناعة عند الرأي العام مبنية على التجربة تفيد بأن خلط الدين بالسياسة لا يؤدي إلا إلى تشويه الدين وتعطيل السياسة. والثاني يتمثل في اقتناع الناس بأن تحييد الدين عن السياسة لا يعني معاداة الدين والممارسات الدينية الفردية والجماعية التي لا يمكن استئصالها من المجتمعات. وهذه قناعات لا تحدث في وقت قصير، كما لا تتم بالتنظير الاستعلائي ولا التمنيات. وأفضل آليات ترسخها تتطور عندما تخرج عبر انتفاضات الإصلاح الديني الذي يصبح أمراً لا مناص منه كما حدث في التاريخ الأوروبي. وجوهر الإصلاح الديني يتمثل في محاولة طمأنة الأفراد على دينهم من غول السياسة، والحفاظ على السياسة من تغول الدين. فالسياسة والدين متعارضان بالتعريف، ذلك أن الأولى قائمة على "المتحول" في ما الدين يقوم على "الثابت"، وهذا التعارض تتفاقم أوجهه في الحياة الحديثة وتعقيداتها. فالثورات اللوثرية والكالفنية التي أعادت تشكيل المسيحية وعملت على تحييدها عن السياسة خرجت من رحم الدين نفسه عندما واجه تعقيد الحياة والسياسة. ومستقبل الدين والسياسة في البلدان والثقافة العربية والإسلامية الذي انفتح بعد الثورات العربية على مصاريعه سيتجه نحو مسارات شبيهة، لأن معضلات الحياة والسياسة تتشابه إن لم تتطابق شرقاً وغرباً.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورات العربية: رهان على المستقبل
- الانتخابات الفلسطينية: حل أم مشكلة؟
- مسارات الرواية العربية
- النظام السوري... وفزاعة التدويل
- تاريخ مرير... وبعث بلا قيامة!
- -حماس- والمصالحة... والمقاومة السلمية
- الهجوم على برهان غليون: من -اغتيال العقل- إلى -اغتيال السياس ...
- تفاقم العنصرية الأميركية ضد الفلسطينيين
- الإسلاميون والسلطة: نهاية الإيديولوجيا
- النظام السوري واستقرار إسرائيل
- ما البديل عن التدخل الخارجي؟
- الثورات العربية والانقسامات الطائفية
- الشعوب بين الإصلاح والثورات
- معنى الثورة: النهر ضد المستنقع
- هل يبرز فكر قومي جديد؟
- فلسطين وبدائل -الدعم- الأميركي
- إلغاء -الرباعية- الدولية
- فلسطين: تغيير قواعد اللعبة!
- الملكيات العربية: إما الملكية الدستورية ... وإما النهاية
- الإسلاميون وسذاجة فهم العلمانية


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - أدونيس والثورات العربية