أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي هادي - أندلسيات-5- هل ساعد اليهود المسلمين على فتحِ الأندلس؟















المزيد.....

أندلسيات-5- هل ساعد اليهود المسلمين على فتحِ الأندلس؟


محيي هادي

الحوار المتمدن-العدد: 1079 - 2005 / 1 / 15 - 10:57
المحور: الادب والفن
    


لقد تداول حكم الأندلـس عدة ملوك قال عنـهم ابن الأثيـر: منـهم من عبد الأوثان ومنـهم من دان بدين النصرانية، إلى أن انتهى الحكم إلى الملك غيطشـة (Witiza)، وكانت ولايتـه سـنة سـبع وسـبعين للهجـرة. ثم توفـي وخلـف ولديـن، (في مصادر أخرى ثلاثة أبناء)، فلـم يرض بهما أهل الأندلس ورضوا برجل يقال له لُذريق، وكان شجاعاً وليس من بيت الملك.
و ذكر المقري أن رذريق هو من إصبهان.
إن المصادر العربية تذكر إسم لذريق حينا، و الذريق حينا آخر، و رذريق مرة أخرى، و تعني بهذه الأسماء، عند ربطها بأيام الفتح الإسلامي، الملك الأخير الذي حكم أسبانيا قبل دخول المسلمين إليها، وهو الذي يُطلق عليه باللغة الأسبانية إسم (Rodrigo) .
لقد كان (Rodrigo) دوقا لمنطقة إشبيلية (Duque de la Betica) ثم انتخبوه ليصبح ملكا لاسبانيا، إذ كانت العادة آنئذ هو انتخاب الملك، و هذه العادة هي عادة جرمانية، و القوط ذو أصل جرماني. ولكن عندما توفي الملك غيطشة أراد أعوانه تنصيب ابنه على كرسي الحكم، و قد رفض النبلاء هذا التنصيب لمخالفته لتلك العادة.
و كانت تحدث في الإنتخابات الملكية "ولائما" دموية تُقطع فيها رؤوس المنافسين في الملكية، و ليس فقط رؤوسهم بل و أيضا رؤوس أفراد عائلاتهم و أتباعهم بهدف إضعافهم، و بهذا يفوز الأقوى من المرشحين للملكية في هذه "الإتنخابات"، فيصل إلى كرسي الحكم و يصبح ملكا.

و في عراقنا وجدنا كيف صعد إبن الدرابين صدام الدموي إلى الحكم بعد أن صفّى كل منافسيه، بين تسميم و سجن و قتل و قطع رؤوس، ابتداء من عرّابه أحمد حسن البكر، إلى رفاق حزبه الذين صفّاهم بوليمة قاعة الخلد، إلى قطع رأسي صهريه، زوجي ابنتين من بناته. و لم تسلم كذلك عوائل المنافسين له.

و في سورية لم يحصل أي انتخاب، و لم يتُم تنصيب ملكا بطريقة وراثية، بل تمَّ تنصيب رئيسا للجمهورية بالوراثة، غصبا و رغم كل الأنوف، بما في ذلك الدستور السوري "الدائم" البعثي.

إنَّ هناك عدة عوامل شجعت المسلمين على فتح الأندلس، منها:
(1) عن المقتبس لابن حيان : أن لذريق لم يكن من أبناء الملوك، و لا بصحيح النسب في القوط ، و أنه إنما نال الملك من طريق الغصب و التسور عندما مات أغشطة الملك (Witiza) الذي كان قبله، و كان أثيرا لديه، مكينا، فاستصغر أولاده لمكانه، و استمال طائفة من الرجال مالوا معه، فانتزع الملك من أولاد أغشطة و استبقاهم، فكانوا هم الذين دبروا عليه عندما لقي رجال العرب المقتحمين عليه بالأندلس من تلقاء بحر الزقاق و عليهم طارق بن زياد مولى موسى بن نصير طماعة منهم أن يؤدي و يخلص إليهم ملك أبيهم.

(2) و ذكر المقري: لقد كان من سير أكابر العجم بالأندلس وقوّادهم أن يبعثوا أولادهم الذين يريدون منفعتهم والتنويه بهم إلى بلاد الملك الأكبر بطليطلة ليصيروا في خدمته، ويتأدّبوا بأدبه، وينالوا من كرامته، حتى إذا بلغوا أنكح بعضهم بعضاً استئلافاً لآبائهم، وحمل صدقاتهم، وتولّى تجهيز إناثهم إلى أزواجهن. فاتفق أن فعل ذلك يليان عامل لُذريق على سبتة، وكانت يومئذ في يد صاحب الأندلس، وأهلها على النصرانية، ركب الطريقة بابنة له بارعة الجمال تكرم عليه، فلمّا صارت عند الذريق وقعت عينه عليها فأعجبته وأحبها حبّاً شديداً، ولم يملك نفسه حتى استكرهها وافتضّها، فاحتالت حتى أعلمت أباها بذلك سراً، بمكاتبة خفية، فأحفظه شأنها جدّاً، واشتدّت حميّته، وقال: ودين المسيح لأزيلنّ سلطانه، و لأحفرنّ تحت قدميه، فكان امتعاضه من فاحشة ابنته هو السبب في فتح الأندلس بالذي سبق من قدر الله تعالى.

و تذكر مصـادر أسبانية أن ابنـة يليـان كانت تسمى (Florinda) أو (Oliva)، وقد نعتها أعداء أبيها بـ (La Cava) أي المومس، و إن لفظ كلمة (La Cava) باللغة الأسبانية يُقارب لفظ كلمة "القحبة" التي كثير ما تٌستعمل في العراق لنعت المرأة المومس.

ثم يستمر المقري ليذكر أن يليان ركب بحر الزّقاق من سبتة في أصعب الأوقات في يناير قلب الشتاء، فصار بالأندلس، وأقبل إلى طليطلة نحو الملك الذريق، فأنكر هذا عليه مجيئه في مثل ذلك الوقت، وسأله عمّا لديه ولم جاء في مثل وقته؟ فذكر خيراً، واعتلّ بمرض زوجته، وشدّةِ شوقِها إلى رُؤيَةِ بنتها التي عنده، وتمنيها لقاءها قبل الموت، وإلحاحها عليه في إحضارها، وأنّه أحبّ إسعافَها، ورجا بلوغها أمنيتها منه، وسأل الملك إخراجها إليه، وتحيل إطلاقه للمبادرة بها، ففعل، وأجاز الجارية، وتوثّق منها الكتمان عليه، وأفضل على أبيها، فانقلب عنه. وذكروا أنّه لما ودّعه قال له لُذريق: إذا قدمت علينا فاستفره لنا من الشّذانقات التي لم تزل تطرفنا بها فإنها آثر جوارحنا لدينا، فقال له: أيّها الملك، وحقّ المسيح لئن بقيت لأدخلنّ عليك شذانقاتٍ ما دخل عليك مثلها قط - عرّض له بالذي أضمره من السعي في إدخال رجال العرب عليه و لذريق لا يفطن.

( 3 ) كان هناك عداء و صراع بين أتباع الملك السابق غيطشة و أتباع الملك الجديد رذريق، و قد أصبح أتباع غبطشة أدلاء للمسلمين في توغلهم في الأراضي الأندلسية.

( 4 ) كما و كانت هناك أيضا حربا في الشمال ضد البشكنش، أي الباسك، مما ساعد على ضعف الحكم الأسباني، و ابتعاد جيوشه.

(5) إضافة إلى أتباع بطشة فإن اليهود الأندلسين قد قدموا الدعم و الإرشاد إلى الجيوش الإسلامية.
لقد وصل اليهود إلى اسبانيا بعد عام 70م بعد القضاء على دولتهم و تهديم معبدهم في فلسطين و تهجيرهم في أنحاء العالم. و في عام 616 م تمَّ طردهم أيضا من أسبانيا على يد الملك القوطي Sisebuto, ، و كذلك، و في عام 694م، أي قبل دخول المسلمين إلى الأندلس بسنوات قليلة، أصدر الملك القوطي Egica قرارا أعلن بموجبه تحويل اليهود إلى عبيد.

إتصال يليان بموسى
ذكر المقَّري أن يليانَ لم يتنهنه عندما رجع من طليطلة، و استقرّ بسبتة محل عمله، أن تهيّأ للمسير نحو موسى بن نُصَير الأمير، فمضى نحوه بإفريقية (تونس)، وكلَّمه في غزوِ الأندلسِ، ووصف له حُسنَها وفَضْـلَها، وما جمعتْ من أسبابِ المنافع، وأنواع المرافق، وطيب المزارع، وكثرة الثمار، و غزارة المياه وعذوبتها، وهوّن عليه مع ذلك حال رجالها، ووصفهم بضعف البأس وقلّة الغناء، فشوّق موسى إلى ما هناك، وأخذ بالحزم فيما دعاه إليه يليان، فعاقده على الانحراف إلى المسلمين، واستظهر عليه بأن سامه مكاشفة أهل ملّته من الأندلس المشركين والاستخراج إليهم بالدخول إليها وشنّ الغارة فيها، ففعل يليان ذلك، وجمع جمعاً من أهل عمله، فدخل بهم في مركبين وحلّ بساحل الجزيرة الخضراء، فأغار وقتل وسبى وغنم، وأقام بها أيّاماً، ثمّ رجع بمن معه سالمين، وشاع الخبر عند المسلمين، فأنِسـوا بيليان واطمأنّوا إليه، وكان ذلك عقب سنة تسعين.
كتب موسى بن نصير إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك يخبره بالذي دعاه إليه يليان من أمر الأندلس، ويستأذنه في اقتحامها، فكتب إليه الوليد: أن خضها بالسرايا حتى ترى وتختبر شأنها، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال، فراجعه أنّه ليس ببحر زخّار، وإنّما هو خليج منه يبين للناظر ما خلفه، فكتب إليه: وإن كان فلابدّ من اختباره بالسرايا قبل اقتحامه.
فبعث موسى عند ذلك رجلاً من مواليه من البرابرة اسمه طريف يكنى أبا زرعة في أربعمائة رجل معهم مائة فرس سار بهم في أربعة مراكب، فنزل بجزيرة تقابل جزيرة الأندلس المعروفة بالخضراء التي هي اليوم معبر سفنهم ودار صناعتهم، ويقال لها اليوم جزيرة طريف(Tarifa) لنزوله بها، وأقام بها أيّاماً حتى اجتمع إليه أصحابه، ثم مضى حتى أغار على الجزيرة فأصاب سبياً لم ير موسى ولا أصحابه مثله حسناً، ومالاً جسيماً، وأمتعة، وذلك في شهر رمضان سنة إحدى وتسعين.
فلمّا رأى الناس ذلك تسرّعوا إلى الدخول.
وقيل: دخل طريف في ألف رجل، فأصاب غنائم وسبياً، ودخل بعده أبو زرعة شيخ من البرابرة، وليس بطريف، في ألف رجل منهم أيضاً فأصابوا أهل الجزيرة قد تفرّقوا عنها، فضرّموا عامّتها بالنار، وحرقوا كنيسة بها كانت عندهم معظّمة، وأصابوا سبياً يسيراً، وقتلوا وانصرفوا سالمين.

ثم إن موسى بن نُصير دعا مولاه طارق بن زياد، وكان على مقدمات جيوشه، و ذكر ابن حيان أن طارقا تجهز في سبعة آلاف من المسلمين جُلهم من البربر، في أربع سفن، و حطّ بجبل طارق المنسوب إليه يوم السبت في شعبان سنة 92 هـ، و لم تزل المراكب تعود حتى توافى جميع أصحابه عنده بالجبل.
أما ابن خلدون فيقول بأن طارقا أجاز البحر سنة 92 هـ بإذن أميره موسى بن نصير في نحو ثلاثمائة من العرب، و احتشد معهم من البربر زهاء عشرة آلاف. فصيَّرهم عسكرين ، أحدهما على نفسه و نزل به جبل الفتح، فسمي جبل طارق به(Gibraltar) ، و الآخر تحت أمرة طريف بن مالك النخعي، و نزل بمكان مدينة طريف (Tarifa)، فسمي به. و أداروا الاسوار على أنفسهم للتحصن.
و قيل: حل طارق بجبله يوم الإثنين لخمس خلون من رجب سنة 92 هـ في اثنا عشر ألفا غير ستة عشر رجلا أجازهم يليان إلى ساحل الأندلس في مراكب التجار من حيث لم يُـعلم بهم ، أولا أولا ، و ركب أميرهم طارق آخرهم.
و قيل أيضا أن طارقا قد وصل الجبل يوم سبت في شعبان سنة 92 هـ.

إن المسلمين يؤمنون كثيرا بالأحلام، و لم يخلُ خليفة أو سلطان أو قائد من حلم ذكره المؤرخون، حتى أن البعض يفرق بين آيات القرآن و الأحاديث النبوية بأن الأولى هي إلهاما في أحلام النوم و أن الثانية هي أقوال في الصحوة. و طارق بن زياد رأى حلما عند عبوره نحو الأندلس، فذكر المقري: عن طارق أنّه كان نائماً في المركب فرأى في منامه النبي، صلى الله عليه وسلّم، والخلفاء الأربعة أصحابه عليهم السلام يمشون على الماء حتى مرّوا به، فبشّره النبي، صلى الله عليه وسلّم، بالفتح، وأمره بالرفق بالمسلمين، والوفاء بالعهد. وقيل: إنّه لما ركب البحر غلبته عينه فكان يرى النبي، صلى الله عليه وسلّم، وحوله المهاجرون والأنصار قد تقلّدوا السيوف وتنكبوا القسيّ، فيقول له رسول الله، صلى الله عليه وسلّم: يا طارق، تقدم لشأنك، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدّامه، فهبّ من نومه مستبشراً، وبشّر أصحابه، وثابت إليه نفسه ثقةً ببشراه، فقويت نفسه، ولم يشكّ في الظفر، فخرج من البلد، واقتحم بسيط البلاد شانّاً للغارة.

و حكي أن طارقا أصاب عجوزا من أهل الجزيرة، فقالت له في بعض قولها: إنه كان لها زوج عالم بالحدثان فكان يحدثهم عن أمير يدخل إلى بلدهم هذا و يغلب عليه، و يصف من نعته أنه ضخم الهامة، فأنت كذلك، و منها أن في كتفه الأيسر شامة عليها شَـعر، فإن كانت بك هذه العلامة فأنت هو، فكشف طارق ثوبه فإذا بالشامة على ما ذكرت العجوز، فاستبشر هو و من معه.

لقد ذكر مؤرخون عرب أن طارقا كان واليا على طنجة، و قيل: أنه كان فارسيا همدانيا، و قيل: أنه ليس بمولى لموسى و إنما هو رجل من صدف، و قيل: مولى لهم، و قد كان بعض عقبه بالأندلس ينكرون ولاء موسى إنكارا شديدا، و قيل: إنه بربري من نفزة.
أما ابن بشكوال فقد ذكر عن طارق أنه هو طارق بن عمرو، فتح الجزيرة و دوَّخها، و إليه نُسب جبل طارق الذي تعرفه العامة بجبل الفتح، و قُبلة الجزيرة الخضراء، و رحل مع سيِّدِه إلى الشام و انقطع خبره.

و ذُكر أنَّ طارقَ بن زياد عندما أكمل عبورَه إلى الجانبِ الأندلسي أحرقَ سفنَـه قبل أن يقول خطبتَـه المشهورة، التي فيها: "أين المفر، البحر من ورائكم و العدو من أمامكم، و ليس لكم و الله إلا الصدق و الصبر". و أصبحت هذه الكلمات مثلا يضرب بها.
إن سبب عبور المسلمين إلى جزيرة الأندلس لم يكن لنشر الدين الإسلامي الجديد فقط، بل و ربما كان الدافع الرئيسي و المهم لذلك هو الحصول على الغنائم و سبي النساء، إذ كتب المقَّري أنَّ طارق بن زياد قال في خطبته: وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان، الرافلات في الدرّ والمرجان، والحلل المنسوجة بالعقيان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان.

و كتب اليافعي في (مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان): لما نزل طارق من الجبل بالجيش الذي معه كتب نائب للذريق، يقال له تذمير(Teodomiro) : أنه قد وقع بأرضنا قوم لا ندري من السماء هم أم من الأرض فأقبل الذريق في سبعين ألف فارس ومعه العجل يحتمل الأموال والمتاع، وهو على سريره بين دابتين عليه قبة مكللة بالدر والياقوت والزبرجد.
فلما دنا من طارق وعسكره قال طارق لمن معه: أين المفر والبحر من ورائكم والعدو أمامكم فليس عليكم والله إلا الصدق والصبر،وليس لكم وزير إلا سيوفكم، فلما التقوا حمل طارق على سرير الذريق وقد رفع على رأسه رواق ديباج يظله، وهو في غاية من النبوة والأعلام، وبين يديه المقاتلة والسلاح، وحمل أصحاب طارق معه، فتفرقت المقاتلة من بين يدي الذريق، فخلص إليه طارق فضربه بالسيف على رأسه فقتله على سريره، فلما رأى أصحابه مصرع ملكهم اقتحم الجيشان.

و يذكر عبد الرحمن الحجي في (التاريخ الأندلسي): جمع لذريق ما أمكنه جمعه من الجيش، و قد اختلفت الروايات التاريخية في عدد جيشه، فجعلها بعضهم مائة ألف، و أقل تقدير هو أربعون ألفا، و هو ما يرويه ابن خلدون.

ذكر المقري أنَّ لذريق ولّى ميمنته أحد ابني غيطشة، و ميسرته الآخر، فكانا رأسي الذين أداروا عليه الهزيمة، وأداهما إلى ذلك طمع رجوع ملك والدهما إليهما. و لما تقابل الجيشان أجمع أولاد غيطشة على الغدر بلذريق، وأرسلوا إلى طارق يعلمونه أن لذريق كان تابعاً وخادماً لأبيهم فغلبهم على سلطانه بعد مهلكه وأنّهم غير تاركي حقهم لديه، ويسألونه الأمان على أن يميلوا إليه عند اللقاء فيمن يتبعهم، وأن يسلّم إليهم إذا ظفر ضياع والدهم بالأندلس كلّها، وكانت ثلاثة آلاف ضيعة نفائس مختارة، وهي التي سميت بعد ذلك صفايا الملوك، فأجابهم إلى ذلك، وعاقدهم عليه، فالتقى الفريقان من الغد، فانحاز الأولاد إلى طارق، فكان ذلك أقوى أسباب الفتح.

استمرت المعركة التي سميت بمعركة برباط ثمانية أيام. وكان النصر للمسلمين ولم يزل طارق يفتح البلاد و التحق به موسى بن نصير إلى أن بلغ ساحل البحر المحيط.

هناك رواية أخرى عن مقتل رذريق ذكرها المقّري فكتب: وخفي أثر لذريق فلا يدرى أمره، إلاّ أن المسلمين وجدوا فرسه الأشهب الذي فقد وهو راكبه، وعليه سرج له من ذهب مكلّل بالياقوت والزبرجد، ووجدوا أحد خفّيه وكان من ذهب مكلّل بالدرّ والياقوت، وقد ساخ الفرس في طين وحمأة، وغرق العلج، فثبت أحد خفّيه في الطين فأخذ، وخفي الآخر، وغاب شخص العلج ولم يوجد حيّاً ولا ميتاً.


و ذكر المقَّري: هزم الله المشركين، فقُـتل منهم خلقٌ عظيم، أقامت عظامهم بعد ذلك بدهر طويل ملبسة لتلك الأرض، قالوا: وحاز المسلمون من عسكرِهم ما يجلّ قدره، فكانوا يَعرفون كِبار العجم وملوكهم بخواتم الذهب يجدونها في أصابعهم ويعرفون من دونهم بخواتم الفضة، ويميزون عبيدهم بخواتم النحاس، فجمع طارق الفيءَ وخَمّسه، ثمّ اقتسمه أهله على تسعة آلاف من المسلمين سوى العبيد والأتباع.

ثم يستمر المقَّري: وتسامع الناس من أهل برّ العدوة بالفتح على طارق بالأندلس وسعة المغنم فيها، فأقبلوا نحوه من كل وجه، وخرقوا البحر على كل ما قدروا عليه من مركب وقشر، فلحقوا بطارق.

بعد معركة برباط استمر طارق في التوغل في الأراضي الأندلسية، يفتح المدن العديدة، و هو في طريقه إلى طليطلة عاصمة القوط الأسبان. و صار للمسلمين سنّة متبعة في كل بلد يفتحونه أن يضموا يهوده إلى القصبة مع قطعة من المسلمين لحفظها، ويمضي معظم الناس لغيرها، وإذا لم يجدوا يهوداً وفّروا عدد المسلمين المخلّفين لحفظ ما فتح.
لقد كان هم طارق هو الوصول بسرعة إلى العاصمة القوطية حيث مركز المملكة التي فيها الكنوز الكثيرة و الكثيرة و خاصة مائدة النبي سليمان التي كان صيتها قد أزاد شهية المسلمين للإسراع إلى طليطلة.

و قد ذكر المقري نقلا عن ابن حيان أن طارقا انتهى إلى طليطلة دار مملكة القوط ، فألفاها خالية قد فرّ أهلها و لجأوا إلى مدينة خلف الجبل. فضم اليهود إلى طليطلة(Toledo) ، و خلف بها رجالا من أصحابه، و مضى خلف من فرّ من أهل طليطلة فسلك إلى وادي الحجارة(Guadaljara) ، ثم استقبل الجبل فقطعه من فجِّ سمي به بعد.

إنَّ الجيوش الرومانية تأخرت 200 سـنة في الإستيلاء على أسبانيا على العكس من الجيوش الإسـلامية التي سـيطرت على شـبه الجزيرة الإيبرية (أسـبانيا و البرتغال) خلال سـنتين، بعد معركة برباط الكبيرة (La batalla de Guadalete).

هنا تنتهي هذه الحلقة من أندلسيات و إلى اللقاء في حلقة أخرى.

محيي هادي- أسبانيا
كانون الثاني/2005
[email protected]



#محيي_هادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشقاؤنا شقاؤنا
- أريد أن أنتخب
- أندلسيات -4- هل طليطلة هي مدينة أصحاب الكهف؟
- أندلسـيات -3
- أندلسيات_2
- أندلسيات-1
- لن يكون هناك مكان لظلام طالبان
- هل يُمْكِن الحِوار؟
- لعنة الله عليكم
- أغنيتي لإرهابيي الفلوجة
- فتوى القرضاوي الارهابية
- ليس كل محمد برسول
- الشيوعيون الزرقاويون
- عمائم الشيطان
- الثيران المععمة
- على درب خالد بن الوليد
- الجزيرة تبحث عن شرف لها
- سيسحق العراقيون أعداءهم
- اقرأ
- مذبوح على الطريقة الإسلامية


المزيد.....




- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي هادي - أندلسيات-5- هل ساعد اليهود المسلمين على فتحِ الأندلس؟