أندلسيات_2

محيي هادي

الحوار المتمدن-العدد: 1049 - 2004 / 12 / 16 - 11:42
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

أندلسيات -2-
أصل تسمية الأندلس: أساطير و احتمالات.

إن الغالبية العظمى من المؤرخين العرب و المسلمين، وخاصة مؤرخي العصور القديمة، يعتمدون على الروايات و القصص الدينية في البحث عن أصول شعب أو أرض ما. و إن المصادر الدينية اليهودية و المسيحية و الإسلامية التي تطغي على المسلمين، و هي منبع فكر لهم، تذكر أن سكان الأرض قد أفناهم الطوفان الذي عمَّ الأرض فماتوا غرقا و لم يبق منهم أحد على قيد الحياة سوى الذين ركبوا سفينة النبي نوح فنجوا من الغرق، و لهذا السبب يحاول المؤرخون العرب البحث عن جذور أي قوم أو شعب في الجد الأعلى نوح.
يذكر كثير من المؤرخين العرب أن الأندلس سميت بهذا الاسم نسبة إلى أندلس بن يافث بن نوح الذي هو أول من عمّرها، و قد ذكر إبن خلدون إنّ أول من سكنها بعد الطوفان قوم يعرفون بالاندلش - بشين معجمة - ثم عرّب هذا الاسم بعد ذلك بسين مهملة. فهكذا فإن أول من سكنها بعد الطوفان قوم عُرفوا بالأندلس فعمروها وتداولوا ملكها دهراً طويلاً. ثم يذكر أن سكان الأندلس كانوا مجوساً، و عقابا لهم حبس الله عنهم المطر وتوالى عليهم القحط. فهلك أكثرهم، وفر منها من أطاق الفرار. فخلت أرض الأندلس من الناس مائة سنة.
و إذا كان أندلس قد نزل في الأندلس فاستعمرها و سميت به، فإن أخاه سبت قد نزل في مدينة سبتة المغربية في الجانب الأفريقي لمضيق جبل طارق والتي تقع تحت السيطرة الأسبانية في الوقت الحاضر، وسميت باسمه أيضا. و عند تطرقنا لنسل نوح، أندلس و سبت، فإنه من الفائدة الأسطورية أن نذكر أن أخاه يأجوج هو الذي نزل في الأرض الكبيرة، أي في أوربا، التي تسكنها شعوب متعددة اللغات و الطباع و الأديان، و نذكر أيضا أن أخا آخرا، أفريقين، نزل في أفريقيا، و به سميت أفريقيا.
و ذكر النويري أن الله بعث لعمارتها الأفارقة، فدخل إليها قوم ممن أجلاهم ملك إفريقية بسبب قحط توالى على بلاده حتى كاد يفنى أهلها. فحملهم في السفن مع أمير من عنده. فأرسوا بجزية قادس (Cadiz) . فرأوا الأندلس وقد أخصبت بلادها وجرت أنهارها. فسكنوها وعمَّروها. ونصبوا لهم ملوكاً ضبطوا أمرهم. وكانت دار مملكتهم طائفة الخراب من أرض إشبيلية، بنوها وسكنوها. وأقاموا مدة تزيد على مائة وخمسين سنة، ملك منهم فيها أحد عشر ملكاً.

و قادس الآن هي شبه جزيرة تقع في الطرف الجنوبي الغربي لأسبانيا، و تطل على المحيط الأطلسي.

و تذكر مصادر أسبانية أن الفينيقيين هم الذين دخلوا أسبانيا و شيدوا مدينة غادير (Cadir)أي (Cadiz)، في حدود عام 1100 قبل الميلاد، و قد بنوا في هذه المدينة معبدا لعبادة هرقل. و شيدوا أيضا مدنا أخرى كثيرة منها: Betica و Sevilla و Malaga و .Cordoba و قد تفيد هنا الإشارة إلى التقارب الحاصل بين اسمي غادير الأسبانية و أغادير المغربية.

ثم ذكر النويري: أن النصارى، أي الأسبان، تسمي الأندلس إشبانية باسم رجل صلب فيها يقال له إشبانش، وقيل: باسم ملك كان لها في الزمان الأول اسمه إشبان بن طيطش.
ثم استطرد فذكر أن الله أرسل عليهم، أي على الأفريقيين، عجـم رومة، وملكهم إشبان بن طيطش فغزاهم ومزقهم وقتل منهم وحاصرهم بطالقة، وقد تحصنوا بها، فدمرها، ثم ابتنى عليها إشبانية - وهي إشبيلية - واتخذها دار مملكته. وكثرت جموعه وعتا وتجبر. وغزا بيت المقدس وغنم ما فيه، وقتل منه مائـة ألف، ونقـل المرمر منه إلى إشـبيليـة وغيرها. وغنم منـه مائـدة سـليمان بن داود عليهما السلام، وهي التي غنمها طارق-بن زياد- لما فتح طليطلة.
وكان إشبان هذا قد وقف عليه الخضر، و هو يحرث الأرض فقال له: يا إشبان، سوف تحظى وتعلو وتملك. فإذا ملكت فارفق بذرية الأنبياء. فقال له إشبان: أتسخر بي وكيف ينال مثلي الملك؟ فردَّ عليه الخضر: قد جعل الملك فيكَ من جعل عصاك هذه كما ترى فنظر إشبان إليها، فإذا هي قد أورقـت. فارتاع وذهب عنه الخضر إلا أن إشبان قد وثـق بقولـه.
فداخـل إشبان الناس وارتقى حتى ملك ملكاً عظيماً. وكان مُلكه عشـرين سنة ودام ملك الإشبانية إلى أن ملك منهم خمسة وخمسون ملكاً.

أما ما تذكره مصادر أسبانية فإن إسبان، أي إشبان، هو شخصية أسطورية كان يعتبر مالكا لأسبانيا و روما. و أن طيطش (Tito) شخصية حقيقية و هو الذي غزا بيت المقدس، و استحوذ على كنوز معبد-قصر- داود، ومنها مائدة سليمان المذكورة أعلاه. و تذكر هذه المصادر أيضـا أنـه، في حوالي عام 501 قبـل الميلاد، قـام القـرطاجنيين (los Cartaginenses)بالسيطرة على قادس و أخذها من أيدي الفينيقيين. و بهذا فهناك اختلاف في مدة الأفريقيين التي ذكرها النويري عن المدة التي تذكرها المصادر الأسبانية.

و تذكّرنا اسطورة عصا إشبان بقصة عصا النبي موسى التي انقلبت إلى أفعى لتبتلع حيّات سحرة فرعون مصر. و عند ذكرنا لقصة النبي موسى لا بد لنا أيضا أن نذكر اسطورة الملك سرجون الأكدي مؤسس "الإمبراطورية" الأكدية، التي لها شبه مع بداية قصة موسى، إذ أن أم سرجون حملت به، و عندما ولدته لم تكن تريد الحفاظ عليه و تربيته، فصنعت صندوقا-تابوتا- من قصب، و و ضعت فيه ابنها و رمته في النهر. فحملت مياه النهر الصندوق و أوصلته إلى بيت فلاح فقير، فالتقطه، و بسبب فقره فإنه حمله إلى بيت الملك السومري. إن الملك السومري ربى سرجون و قربه إليه و تبناه فجعله ابنا له و سماه سرجونا، و أصبح هذا من أكثر المدللين و المحبوبين عند الملك. و عندما كبر سرجون و ترعرع ارتفع نجمه العسكري و بزغ فقام بانقلاب ضد أبيه الملك، فنحاه عن الحكم و قضى على الدولة السومرية ثم أنشا الدولة الأكدية.

و قد ذكر الدميري عن ابن خلكان: ان اليونان هم أهل الحكمة، و كانوا يسكنون بلاد المشرق قبل الإسكندرية، فلما ظهرت الفرس وزاحمت اليونان على ما بأيديهم من الممالك، انتقلوا إلى جزيرة الأندلس، لكونها طرفاً من آخر العمارة، ولم يكن لها ذكر، ولا ملكها أحد من الملوك المعتبرة، ولا كانت عامرة كلها، ولما عمرت الأرض بعد الطوفان، كانت صورة المعمور منها عندهم على شكل طائر رأسه المشرق، وذنبه المغرب، وجناحاه الشمال والجنوب، وبطنه ما بينهما، فكانوا يزدرون المغرب لنسبته إلى أخس أجزاء الطائر. وكان اليونان لا يرون فناء الأمم بالحروب، لما فيه من الأضرار والاشتغال عن العلوم، التي أمرها عندهم أهم الأمور، فلذلك انحازوا من بين يدي الفرس إلى الأندلس، فعمروها وشقوا أنهارها، وبنوا المعاقل، وغرسوا الجنان والكروم، وملئوها حرثاً ونسلا، فعظمت وطابت، حتى قال قائلهم، لما رأى بهجتها: إن الطائر الذي صورت العمارة على شكله، وكان المغرب ذنبه، كان طاووساً، لأن معظم جماله في ذنبه.

و قال مؤرخون عرب أن الحكمة نزلت من السماء على ثلاثة أعضاء: على أدمغة اليونان، و على ألسنة العرب، و على أيدي أهل الصين.

و تذكر مصادر أسبانية أن اليونان، الأغريق، دخلوا إلى اسبانيا في حدود عام 776 قبل الميلاد، و كانوا قد وصلوا إليها من جزيرة رودس و شيَّدوا في منطقة كاتالونيا في الشمال الشرقي مدينة (Rodas) التي تسمى اليوم(Rosas) .

ثم دخلها من عجم رومة أمة يدعون البشتولقات، وملكهم طلوبش بن بيطة، وذلك حين بعث الله المسيح عليه السلام. فغلبوا عليها، واستولوا على ملكها، وقتلوا ملكها. وملك منهم سبعة وعشرون ملكاً. وكانت مدينة ماردة (Merida) دار ملكهم.
و تذكـر مصـادر أسبانية أن مدينة ماردة شُيِّدت في عام 25 قبل الميـلاد مـن قبل القيصأر أكتبيان (Octavio Cesar)

ثم دخلت عليهم أمة القوط مع ملك لهم. فغلبوا على الأندلس واقتطعوها من صاحب رومة. وكان ظهورهم من ناحية أنطالية شرق الأندلس، فأغارت على بلاد مجدونية من تلك الناحية في أيام قليوديوس قيصر، ثالث القياصرة. فخرج إليهم وهزمهم وقتل فيهم. ولم يظهروا بعدها إلى أيام قسطنطين الأكبر. وأعادوا الغارة. فسير إليهم جيشاً فلم يثبتوا له. وانقطع خبرهم إلى دولة ثالث ملك بعد قسطنيطين، فقدموا على أنفسهم أميراً اسمه لذريق، وكان يعبد الأوثان. فسار إلى رومة ليحمل النصارى على السجود لأوثانه وظهر منه سوء سيرة، فتخاذل أصحابه عنه ومالوا إلى أخيه وحاربوه. فاستعان بصاحب رومة، فبعث إليه جيشاً فهزم أخاه ودان بدين النصارى. وكانت ولايته ثلاث عشرة سنة. ثم ولي بعده أقريط، وبعده أمريق وبعده وغديش. وكانوا قد عادوا إلى عبادة الأوثان. فجمع من أصحابه مائة ألف وسار إلى رومة. فسير إليه ملك الروم جيشاً فهزموه وقتلوه. ثم ملك بعده ألَـرِيق.

تذكر مصادر أسبانية أن أصل القوط هو من جزيرة غوتلاند (Gotland) في بحر البلطيق. وفي عام 409 و تحت أمرة ألاريكو (Alarico)احتلوا و نهبوا روما ، ثم رحلوا إلى الجنوب الغربي من (Galia) فرنسا، و قد تنازل الرومان عن مواقعهم في هذه المناطق إلى القوط. ثم استمر القوط في توسيع نفوذهم فنشروه على شبه جزيرة إيبريا، أسبانيا و البرتغال حاليا.
و قد ذكر ابن خلدون أن القوط هم من نسل يأجوج بن يافث بن نوح، و لم أجد لحد الآن أي مؤرخ قد أطلق على أوربا اسم يأجوج أو يأجوجة، لنعتمد على نفس القاعدة فنسمي أوربا على الطريقة التي سميت بها الأندلس و سبتة و أفريقيا.
و عن دخول اليهود إلى أسبانيا فإن مصادر أسبانية تذكر أنهم دخلوا شبه الجزيرة عام 70 م، و أن القيصر الروماني (Vespasiano) كان قد بعث إلى أسبانيا قسما من اليهود الهاربين من فلسطين، بعد أن قضى الرومان على الدولة اليهودية التي كانت قائمة هناك.

أما الإدريسي في -نزهة المشتاق- فقد ذكر أن ما خلف الجبل المسمى بالشارات( Sierra Morena) في جهة الجنوب يسمى اسبانية و ما خلف الجبل في جهة الشمال يسمى قشتالة (Castilla).

إما عبد الرحمن الحجي فإنه يذكر في كتابه (التاريخ الأندلسي) أن "أصل مصطلح الأندلس مأخوذ من قبائل الوندال (Vandalos) التي تعود إلى اصل جرماني، احتلت شبه الجزيرة الإيبيرية حوالي القرن الثالث و الرابع و حتى الخامس الميلادي، و سميت باسمها : فاندلُـسيا (Vandalusia) ، أي بلاد الوندال. ثم نطقت بالعربية: الأندلس.

إلا أن هناك مصادر أسبانية تذكر أن الجرمانيين غزوا أسبانيـا عام 408 م، أي بأربعـة أعوام قبل غزو القوط (Los visigodos) لها. و قد ذكرت أعلاه بعض الشيء عنهم.

و يذكر الحجي أن مدلول هذا المصطلح قد أطلقه المؤرخون و الجغرافيون الأندلسيون أحيانا على كل شبه الجزيرة الأندلسية. ثم استعمل للدلالة على كل المناطق التي سكنها المسلمون و حكموها من شبه الجزيرة الإيبيرية، أي أسبانيا و البرتغال.

و يجـدر بالذكر أن المناطق الجنوبيـة من أسـبانيا تشكل اليـوم وحدة سياسيـة ذات حكـم ذاتي تسـمى بـ (Andalucia) ، وهذه الكلمة تنطق في تلك المناطق بـ -أنْـدَلُسِـيّـا-، و في بقيـة المناطـق بـ -أندلُثِـيّـا- .و كانت المناطق الجنوبية تشكِّل جزءا مهما من الاندلس، و فيها مدن شهيرة في التأريخ العربي كغرناطة و قرطبة و اشبيلية، نغني بموشحات شعرائها و نطرب لهم، و نقرأ لأدبائها و ندرس كتب علمائها. و كذلك فإن في هذه المنطقة أيضا توجد مدينة المُنكَّب (Almuٌecar)، التي تطل على ساحل البحر المتوسط، و التي وصل إليها الأموي عبد الرحمن الداخل، ليدخل في الأندلس و يكوِّن فيها إمارته.

و هنا أنهي الحلقة الثانية من أندلسيات.

محيي هادي-أسبانيا
تشرين الثاني / 2004
[email protected]

#محيي_هادي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات