|
الثورة السورية بين السلمية واللاسلمية
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3654 - 2012 / 3 / 1 - 15:31
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
أولا : الثورة السورية بين السلمية واللاسلمية في الحديث النبوي الشريف جاء: " من رأى منكم شرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وهذا أضعف الإيمان " . الحديث النبوي قاعدة أو مبدأ سياسي/ أخلاقي/ اجتماعي/ إنساني ، صالح للتطبيق في أي زمان ومكان . وفحواه هو عمل موجب .. لاسالب ، بدلالة الأولوية التي حض وأكد عليها ، وهي التغيير " باليد" ، واليد لفظة رمزية مجازية ، هي كناية عن الفعل ، وليس الاكتفاء بالقول ، وهو أيضا دلالة واضحة لضرورة استخدام القوة بأنواعها ودرجاتها لدفع الشر بأشكاله ودرجاته . ودفع الشر يعني إزالته أسبابا ونتائج . اليد هنا مصطلح يراد منه القيام بعمل موجب مواجه ومقاوم ورافض للشر ، والشر هنا هو العدوان والأذى والضرر الذي يوقعه شخص أو فئة على شخص أو فئة من الناس . وهذا هو الموقف والعمل الإيجابي الذي شرع لحماية الحقوق والحريات والسلم والسلمية . وحينما تدعو الضرورة لاستخدام العنف منعا للعنف ومن أجل وقف العنف المعتدي ، يصبح العنف مشروعا وواجبا ، يصب في خدمة وحماية الأمن والسلم والسلمية . العنف يتحدد بمضمونه وغاياته ، التي تحدد بدورها مشروعيته من عدمها . إن مواجهة الظلم والشر لاتكون إلا بعمل إيجابي ، وهو حق وواجب ديني قانوني أخلاقي ، لأنه ضرورة حيوية ماسة للفرد والمجتمع . واستخدام سلاح السلمية سبيلا للتغيير هو عمل موجب ، ويندرج تحت مصطلح الفعل واستخدام ( اليد) كدلالة على الفعل الموجب . ولكن إن استحال على السلمية تحقيق ذلك .. فلابد من مواجهة الشر بالطرق غير السلمية حتما وكرد فعل مشروع وأخلاقي وقانوني وحيوي . وإن الموقف السلبي من الظلم والشر لهو ظلم وشر أيضا ، ولو تستر تحت شعارات مخادعة وجذابة وملتبسة ، كالإصرار على التقيد بالسلمية سبيلا للاحتجاج والاعتراض والتغيير ، وهو شعار مقبول في حال وفائه بإزالة الشر وقدرته على ذلك ، وحتى في حال كونه مجرد إمكانية واحتمالية واردة وقابلة للتحقيق ، وأما إن خرجت السلمية عن السياق السابق ، وكانت خيارا مستحيل التحقيق ، فإن الإصرارعلى الالتزام بالسلمية سبيلا للتغيير ،يصبح دعوة عبثية لامعقولة ، وكلمة حق يراد بها باطل . خاصة وأن السلمية تواجه عقوبة الإعدام المستمر . إن التغيير بالعمل الموجب ( باليد) له الأفضلية ، ويعلو على العمل ( باللسان ) ، وهذا الأخير ماهو سوى خيار اضطراري ، يتم اللجوء إليه في حال العجز عن اللجوء للعمل باليد ، أي بالقيام بعمل ملموس يفضي إلى دفع الظلم والشر الواقع ، وفقا للحديث النبوي . وأما ( بالقلب ) فهو أضعف الإيمان ، وآخر الخيارات ، حين لاطاقة لمواجهة الظلم والشر إلا بما يعتمل في القلب من مشاعر وأحاسيس ونوايا وتمنيات ودعاء . فالتراتبية المنطقية لدفع الشر كما وردت في الحديث النبوي ، هي التراتبية المأخوذ بها عموما في كل الشرائع السماوية والأرضية . وإذا كان الظلم والشر أمرا واقعا مستمرا كأن يكون نظاما حكم مسيطر ، فلابد من العمل على تغييره بكل الوسائل المناسبة التي تؤدي الغرض وتحقق الهدف ، بدءا من الوسائل السلمية والمدنية وانتهاء بالمقاومة ، وكلها تعتبر تطبيقا لمبدأ التغيير باليد ( واليد رمز العمل والفعل والممارسة والتطبيق والتنفيذ ) . كلها تعتبر تطبيقا لأولوية التغيير باليد ، مادامت تفي بالغرض وتحقق الغاية المرجوة ( التغيير ) وإزالة الشر . والمفارقة هي أن الشعب السوري قد طبق الحديث النبوي الشريف بشكل معكوس ، بتراتبية معكوسة تماما . التراتبية الأصلية هي : اليد ثم اللسان ثم القلب . والتراتبية المعكوسة التي طبقها الشعب السوري في مسعاه لتغيير الاستبداد الجاثم على صدره لأربعة عقود ، هي القلب ثم اللسان وأخيرا اليد . بدأت بالدرجة الأضعف ( أضعف الإيمان ) فلطالما تمنى الناس الخلاص من الديكتاتورية والاستبداد والظلم والفساد ، وبعد تراكمية مديدة ، تحول القهر في لحظة من حالة الكمون والسلبية والكبت والحلم والطموح والتمني إلى حالة موجبة فاعلة ، وهو تغير نوعي حاسم ، مفاده الأنتقال من حالة السكوت والتلميح ، إلى حالة التصريح والتعبير والجهر بالدعوة للتغيير السياسي سلميا ، وكانت الشعارات المطروحة متواضعة جدا ، لاتتعدى المطالبة بالحريات والحقوق الأساسية للإنسان ، وهي شعارات معروفة في حينها : أي في بداية الثورة ضد الديكتاتورية ، وظل سقف المطالبة تحت سقف النظام الديكتاتوري نفسه . وهنا تجسيد للانتقال من درجة أدنى ( التغيير بالقلب ) إلى درجة أعلى ( التغيير باللسان ) وهي درجة موجبة ، لأنها فعل كلامي ، إنها قول يراد منه المطالبة بضرورة التغيير بعيدا عن اللجوء للعنف والقوة . وأما وقد ووجهت إرادة الناس بالقمع واستعمال القوة المفرط والقتل والتنكيل والملاحقة ، فإن المقاومة تصبح تحصيل حاصل ، وخيار مفروض لامهرب منه ، لأن المعركة تكون قد فرضت عليهم فرضا ، ولأن تلك المعركة هي معركة الوجود من عدمه . ولا يملك المدافع حينئذ مخرجا غير الدفاع عن الذات الحيوية . وأي دعوة للامتناع عن الدفاع تصب في خانة الشراكة بالشر قولا وعملا . ومن يتغاضى عن الشر كمن يسهم به . والساكت عن الحق شيطان أخرس كما يقال . ومادامت وسائل تغيير الشر السلمية قد باءت بالفشل ، ووجهت بشر أكبر وأكثر إصرارا وتصميما وتعمدا ، وأقصد بذلك مواجهة الدعوات السلمية بالقتل والرصاص والملاحقة والتنكيل والتعذيب ، مادامت وسائل التغيير السلمية تواجه باللاسلمية ، فإنه يصبح لامناص من اللجوء إلى العنف وسائر وسائل الدفاع ( وهي رد فعل ) لحماية الذات الفردية والجماعية من الهلاك المحدق والمحقق الصادر عن الخصم المعتدي . وتلك هي الدرجة القصوى من درجات التغيير باليد ، وهي استخدام العنف كخيار وحيد لرد ودفع العنف المعتدي . وهو ماوصلت إليه الأمور في الحالة السورية ، والتي كان للسلطة الدور الرئيس في السير في ذلك الاتجاه حتى الآن . وإلى أن وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة . وهي النقطة التي لارجاء بعدها ولا أمل في أي حل سياسي سلمي ، كما توحي بذلك كل المؤشرات والقرائن في الميدان . البعض يلتبس عليه مفهوم السلمية ، ويرى في مواجهة الشر باليد ( أي بالقوة ) عملا عنفيا يكافئ الشر القائم . وهذا الالتباس مخالف لمنطق الأشياء والطبيعة . إنه يضع في كفة واحدة .. عنف الشر وضرره ، وعنف الخير المواجه له . وتلك مساواة مستحيلة وغير واقعية . ذلك لأن دفع الضرر هو حق وضرورة فطرية ، تحتمها سنن الكون والخلق والبقاء . ودفع الشر هو دفع لأذاه وضرره . ويتدرج دفع الشر حسب درجة الأذى والضرر الذي يحمله ، فمن الشر مايمكن إزالته بنظرة عتاب ، بلوم ، بتأنيب ، بكلمة حسنة أو ملاحظة أو توجيه أو إنذار أو طرد أو غرامة ، أو اعتقال أو ممارسة العنف إن تطلب الأمر الدفاع الإيجابي العنفي لدفع الضرر الناتج عن الشر المعتدي . إن الأصل في الأشياء هو رد العنف بما يكافئه من عنف . ولايوجد مثال واحد في التاريخ على مواجهة العدوان بالقتل بالسلمية . ولايمكن خلط المفاهيم والتجارب كما يروج على ألسنة البعض من الذين يسوقون تجارب غاندي ولوثر كينغ وبعض بلدان أوروبا الشرقية ، والخ على أنها مواجهة ظافرة بالطرق السلمية . فهذا غير صحيح ، لأنها كانت مواجهة سلمية من الطرفين ، وفي الحاضنة الديمقراطية الواحدة . والعدوان لايواجه إلا بالمقاومة . ولو واجه غاندي وكينغ القتل والرصاص لكفا عن الاحتجاج السلمي وانتقلا إلى المقاومة . ولو كانا في بلد ديكتاتوري كسوريا ، وواجها مايواجهه الشعب السوري ، لكانا اتخذا موقفا مختلفا تماما . موقفا مقاوما ومضادا ومحاربا للجريمة بكل وسائل العنف المتاحة لهما . ونضع أكثر من خط هنا على حقيقة أن الحراك الشعبي السوري قد بدأ وانطلق بشكل مدني حضاري سلمي تماما ، معترضا على الشر والعدوان رافضا للذل والعبودية والديكتاتورية ، وقد اختار المعترضون أن يغيروا " بلسانهم " . أن ينتقلوا من التغيير ب" القلب " إلى التغيير " باللسان " تطبيقا للحديث النبوي ، في شقه السلمي . وعبر الشعب السوري سلميا عن رغبته وإرادته بالتغيير والإصلاح واسترداد الحقوق والحريات وكانت شعاراته راقية جدا ( الشعب السوري مابينذل ، حرية .. حرية ، واحد واحد واحد الشعب السوري واحد ، وسلمية .. سلمية .. الخ ) وقد ووجهت كلها بالرصاص والقتل والاعتقال والتنكيل . ولم يعد التراجع من " اللسان إلى " القلب" ممكنا بعد أن حشرالمحتجون المطالبون بالتغيير في الزاوية : زاوية العنف والهلاك والموت . واضطر – بالعكس- للانتقال إلى الأمام : أي من المقاومة والتغيير ( باللسان ) إلى المقاومة ( باليد ) : أي بالدفع بالقوة المقاومة المدافعة عن الذات . وكان مرغما مضطرا لسلوك ذلك الخيار ردا على خيار العنف الرسمي الذي لم ولا يتوقف عند حدود . والبادئ أظلم ، أما الدعوة للتمسك بالسلمية في مواجهة القتل العمد ، فماهي سوى دعوة للانتحار المجاني العبثي واللاواقعي . وهذا غير قابل للتطبيق عمليا ، لأنه يتعارض مع السليقة والفطرة البشرية ، ولايمكننا أن نضع إشارة مساواة بين السلمية والاستسلام ، ولابين السلمية والانتحار ، ولابين السلمية واللاسلمية . وعندما سيواجه السلميون القتل عقابا على سلميتهم ، فإنهم لن يستمروا بسلميتهم ، بل سيتحولون إلى الدفاع بشقيه : الإيجابي والسلبي للحفاظ على أرواحهم وأرواح ذويهم وأرزاقهم من الهلاك المنفلت من أي ضوابط أخلاقية وقانونية وإنسانية . إنهم سيجابهون خطر الموت والهلاك بكل الوسائل المتاحة بين أيديهم وهي وسائل متواضعة وضعيفة ، والسلطة السورية هي التي وضعتهم في هذا الموقف الدفاعي رغما عنهم ، وهي التي جرتهم إلى المواجهة العنفية لمجرد أنها تريد أن تبرر قمعها لهم على طول الخط . ولمجرد أنها لاتؤمن بغير الخيار الأمني ولاتفهم سوى لغته ، ولاتملك خيارا بديلا عنه لصون ذاتها وتأمين بقائها واستمرارها في الحكم والسلطة . ولامخرج لها بسوى ذلك ، وليس بوسعها الهروب لأن كل الطرق مسدودة في وجهها ، ولأنها باتت أمام استحقاق المحاسبة والمساءلة الذي سينتهي بها خارج سدة الحكم والسلطة على أقل تقدير . إن السلمية لاتعني بحال من الأحوال الاستسلام للقتل المجاني ، وخاصة فيما يخص الثوار الذين لايستطيعون التراجع إلى الوراء ، لأن ذلك يعني موتهم في كل الحالات وملاحقتهم والتنكيل بهم . ولاخيار أمامهم سوى التقدم والتقدم إلى مالانهاية . ومهما كانت النتائج كارثية فلن تكون أقل كارثية من التراجع عن المضي في مواجهة السلطة . إنها معركة حياة أو موت ، ولاحل وسط ، ولاإمكانية لأي حوار ، ولا إمكانية لبناء ذرة من الثقة بين الطرفين . ولذلك فإن المعركة مستمرة ومتصاعدة وكارثية على الصعد كافة . وخاصة بعد أن صارت المعركة السورية معركة دولية شاملة ، متعددة الوسائل والأدوات والأهداف .
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا : الجبهة الدولية المشتعلة
-
حكايات صاحب الجلالة
-
السلطة الأم: سلطة الشعب
-
حتمية انتصار الثورة السورية
-
جحا وساميل : (5) ، حلقة جديدة
-
إضاءة على الحقبة الأسدية
-
الأدب والثورة
-
من قصائد الثورة (10)
-
جحا وساميلا: الحلقة الرابعة :قصص قصيرة مسلسلة
-
قصيدتان : ذاكرة للحب و نجوم الفرح : شعر نثري
-
حيث يوجد الحب
-
أنا ونعيمة والوحش : قصة قصيرة
-
جحا وساميلا (3) : قصة قصيرة
-
اليسار السوري: تاريخ فاشل ودعوة لإعادة البناء
-
من خلف الغربة : شعر نثري
-
تعقيبا على مكارم ابراهيم : حق تقرير المصير ......
-
الأديب باسم عبدو: في
-
جحا وساميلا وزائر الليل : قصة قصيرة (2)
-
جحا وساميلا : قصة قصيرة
-
سأعود إليك : شعر نثري
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا
...
-
الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح
...
-
تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه
...
-
الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
-
حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
-
استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا
...
-
الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ
...
-
بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
-
صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
-
انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|