أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد صبيح - تمخض الجبل فولد فارا















المزيد.....

تمخض الجبل فولد فارا


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 1076 - 2005 / 1 / 12 - 09:52
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


لم يقارب المثل العربي الذي عنونت به هذه المادة موقفا مثلما هو الحال مع شريط الاعترافات التلفزيوني الذي قدمته قناة العربية الفضائية يوم 10/1 لأربع شبان عراقيين قاموا بمجموعة من أعمال العنف والإرهاب كالاختطاف والقتل وقطع الرؤوس مقابل مبالغ مالية تافهة. وبقدر ماكان هذا العرض مثيرا ولافتا للانتباه فقد جاء مخيبا للآمال ويفتقد للكثير من الفطنة. فبعد العديد من التهديدات العنترية الساذجة لوزير الدفاع العراقي التي افتقدت للحكمة والرصانة وبعد التكرار الممل من قبل العديد من المسؤولين الحكوميين لوعود بعرض الإرهابيين القادمين من وراء الحدود على وسائل الإعلام وعلى الرأي العام العراقي والعالمي كأدلة لاتقبل الدحض على تدخل دول الجوار مثبتين بذلك ادعاءاتهم في أن أعمال العنف والإرهاب في العراق هي صناعة خارجية بالدرجة الأساس. وجاء العرض كذلك بعد الإعلانات المتواصلة عن اعتقالات لإرهابيين ومسلحين متلبسين بأدوات الجريمة لو جمعت أعدادهم لتوفر لدينا منهم رقم كبير جدا، بعد كل هذا الوعد والوعيد يأتي هذا الإعلان البائس بعرض أربع شبان فقط يثيرون الشفقة وليس العطف بسبب طبيعة دوافعهم، كما ادعوها، التي شكلت أساسها خلفيتهم الاجتماعية كمعدمين ومهمشين وكإفراز لحقبة أنتجت مستويات هائلة من التدمير في كل هياكل المجتمع وأولا وقبل كل شيء في بنية المجتمع الروحية.

كان الشريط التلفزيوني بادي الركاكة، فالاعترافات بدت وكأنها معدة سلفا وتبغي التركيز على اتجاه واحد هو إبراز حالة الندم والتوبة المصطنعة التي يبدو إنها الفكرة الأساسية الكامنة من وراء تقديمه. ورغم كل الحذاقة المهنية التي تمتلكها قناة العربية إلا إنها عجزت ( وليس هذا ذنبها) في أن تغطي على مستوى الركاكة والافتعال في العرض. فقد استضافت، لإلقاء الضوء على الموضوع، أستاذا جامعيا مصريا مختصا بالأمراض النفسية قدم تحليلا أجوفا مليء بالعبارات الجاهزة التي لاتدل على شيء، لكنه، ورغم أن تحليله كان مكملا لأجواء الركاكة، قد ذكر شيئا مهما في النهاية بتأكيده أن هؤلاء الأشخاص لم تظهر عليهم أية علامة من علامات الندم، وهذا التشخيص دحض، برأيي، الغاية التي قدم من اجلها العرض. واستضاف البرنامج أيضا مساعدا لوزير الأمن القومي العراقي الذي كان كغالبية المسؤولين العراقيين يتكلم ولا يقول شيئا.. وضعف القدرة على التحدث بلباقة ووضوح وعمق لدى المسؤولين العراقيين باستثناء القلة القليلة التي منها <وإبراهيم الجعفري> هي واحدة من علامات انعدام الكفاءة المهنية والسياسية لدى هؤلاء. وموضوعة طبيعة اللغة التي يستخدمها المسؤولون العراقيون ودلالاتها تصلح لبحث لا يخلوا من الطرافة والمتعة وحتما الفائدة. فلغة وزير الكهرباء على سبيل المثال تبدو وكأنها مستوحاة من أجواء سوق الشورجة( عندي كهرباء، انطي كهرباء) تبعث على القليل من السخرية والكثير من الغيظ. وأيضا لغة بعض المسؤولين من ذوي الأصول البعثية، وهم كثر في هذه الحكومة، المتشبثين بالسليقة بمفردات التحقير والاستهانة والتزييف وهي لغة سطحية ومبتذلة في عمومها( تابع الشعلان والنقيب كأمثلة).

بالمحصلة كشف حديث المسؤول العراقي عن تورطه ومن ورائه حكومته بالتناقض بين الأهداف التي ابتغوها من وراء هذا العرض، كتكتيكات تمارسها الحكومة ومن وراءها إدارة الاحتلال لتحييد المسلحين وتجنب إثارتهم قدر المستطاع في محاولة، كما يبدو، لاسترضاء من يقف وراءهم، وهم بالتحديد: البعثيون وهيئة علماء المسلمين. ولكل هؤلاء حظوة كبيرة داخل هذه الحكومة. وبين تطمين المواطن العراقي الغاضب على حكومته وعلى ساسته المترنحين بتخبطاتهم أمامه بممارساتهم وقرارتهم ويقفون عاجزين، بعضهم بتعمد متسقا مع نوايا وأهداف سياسية ومذهبية، أمام أزماته ومشاكله التي لا يطيقها بشر غيره.

فالحكومة تنوس مرهقة بين نيتين أو مشروعين، من ناحية تريد إغراء المسلحين بفكرة التوبة والعفو أو بعض العفو الذي سيشتمل على أحكام غير قاسية ولاتتناسب مع طبيعة الجرم. ومن ناحية أخرى هي لا تستطيع أن تفرط بالحزم المفترض الذي عليها أن تبديه، ولو صوريا، والذي به توعدت المسلحين ووعدت المواطنين. لهذا صرنا لانفهم ماذا كان يريد المسؤول العراقي أن يقول. هل سينال هؤلاء المجرمون عقابا صارما يتناسب مع حجم الجريمة المادي وآثارها المعنوية والسياسية والاجتماعية، أم إن إظهارهم (التوبة) سيشفع لهم ويعفيهم من مسؤولية تلك الجرائم؟.
إن نوايا الحكومة المضمرة لاستمالة المسلحين بمثل هكذا تلويحات كإظهار التوبة والندم لا تعكس تخبطا وعجز ضمني في مواجهة هؤلاء المسلحين فقط الذين يبدو انهم أصحاب قدرة واسعة للتحكم بمداخل العملية السياسية عن طريق لعبة العنف القادرين عليها تماما. وإنما تشي أيضا بنوايا البعض( داخل وخارج الحكومة) ممن يريد عودة البعثيين القتلة أو إبقائهم في العملية السياسية ( فهم بالتالي رصيده البشري والسياسي) بالضد من مزاج الشارع العراقي والقوى السياسية فيه. وأكيد إن الكثير من المواطنين قد لاحظوا إن طرق عودة البعثيين متنوعة وابرز علاماتها الإكثار من الفرز المزيف بين البعثيين والصداميين والإلحاح على فكرة ومضامين المصالحة الوطنية.

إن مشروع عودة البعثيين مشروع كبير وله قدرات متنوعة، منها الجهد المسلح التخريبي الذي يقومون به مستفيدين من قدراتهم اللوجستية لكون كل مداخل الدولة السرية بحوزتهم، ومنها الجهد السياسي عن طريق هيئة علماء المسلمين وغيرها، ومنها الجهد الإعلامي عن طريق قناة الشرقية الفضائية، هذا غير الجهد العربي الفضائحي من حملات تأييد ولجان دفاع عن المجرمين وغيرها. وحتما أن مشروع بهذا الحجم وبهذه القدرات سيحقق النجاح المطلوب لاسيما إذا استطاع أن يمرر تطلعاته، كعادة المشروع ألبعثي، من تحت أنظار الأحزاب السياسية المشغولة بإعادة ترتيب حساباتها الحزبية الضيقة.

ولكن قد يعترض هنا احد ما معتبرا تكتيك الحكومة لا يجانب الصواب. فجزء من مواجهة الجريمة هو منح الفرصة للمجرمين للتراجع. فغلق الباب بالمطلق أمامهم سيسد في وجوههم كل الطرق ويبقيهم متشبثين، حتى وان لم يريدوا، بطريق الجريمة. وهذا الاعتراض يحمل منطقا سليما إلا أن هذا المنطق لا يصمد أمام الوقائع التي كشف عنها الشريط التلفزيوني. فهؤلاء المجرمون لم يسلموا أنفسهم للحكومة ليعلنوا التوبة وليعبروا عن ندمهم وإنما قبض عليهم متلبسين. وقد ينفع المجرم المقبوض عليه بعض الشيء ندمه واستعداده للتوبة ولكن هؤلاء، بحسب أستاذ الأمراض النفسية المصري، لم يظهروا أي نزوع لتوبة حقيقية، وان نوعية جرائمهم هي جرائم تعكس، حسب نفس الأخصائي، موت نهائي للضمير وقسوة غير طبيعية تقتضي، حسب منطق ما قدمه تحليل أستاذ الإمراض النفسية ذاته، العقوبة الصارمة. بالإضافة إلى أن جريمتهم ليست جريمة فردية ومعزولة وإنما هي جزء من حرب شاملة يشنها البعثيون والإرهابيون مستعينين بأمثال هؤلاء، ضد الشعب العراقي. وإعفائهم من عقوبة قاسية بحجة توبتهم سيمنح فرصة واسعة للمجرمين الآخرين للإيغال أكثر في استهتارهم بأرواح الناس واسترخاصهم لها. فجميعهم سيعلن توبة وندم، زائفين غالبا، حين يقبض عليهم وسيخلصون أنفسهم من دفع ثمن جرائمهم. أما إذا بقوا طليقين فسيواصلون ارتكابهم للجرائم ولن تخيفهم حتما حكومة بهذا القدر الهائل من العجز والضعف وانعدام الكفاءة بل وأكثر على قدر مريع من السذاجة.



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حق الانفصال وداعا ايها الكرد وداعا
- خلل بنيوي وتبعية مركبة
- ماذا عن القتلة
- هيئة علماء المسلمين بين الكراهية الدينية واعادة الاعتبار للن ...
- الجانب الاهم في جرائم النظام البعثي
- الحوار المتمدن في لحظة اختبار
- العراق .. عراق من؟
- تضييق دائرة الصراع علاوي ـ الزرقاوي
- الشهيد عاشقا للحياة
- مخاض السيادة ورهان الامن
- وحدة اليسار العراقي
- البطالة السياسية - عن ظاهرة المنسحبين من الحزب
- شمر بخير ولكن....!
- تسمية الأشياء بأسمائها - حول الأحداث الأخيرة في العراق
- من اجل يسار عراقي معافى - ملاحظة عامة على أوضاع النقد في حيا ...
- أخوة الخوف
- الشهيد الشيوعي مشروع إعلامي
- إرهاب جيفارا ألزرقاوي
- الجرح النرجسي للكرد
- ألترهيب الإسلامي


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - خالد صبيح - تمخض الجبل فولد فارا