أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري - خالد صبيح - أخوة الخوف















المزيد.....

أخوة الخوف


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 774 - 2004 / 3 / 15 - 04:37
المحور: ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري
    


تبدو الحكمة الشعبية القائلة ان الزمن هو أفضل طبيب للمصائب هي الأصدق في توصيف واقع العراق بعد مرور عام على احتلاله وسقوط النظام ألبعثي فيه. ومدة العام تلك بدت وكأنها فسحة زمنية ضرورية، رغم الخسائر والمخاطر، لكي تساعد على تهدئة النظرة الانفعالية للتطورات والتغيرات التي وقعت، والتي بلغت حدودا هستيرية لدى البعض بعيد سقوط النظام. ولتتبدد بنفس الوقت المخاوف غير الواقعية التي تركزت، وان بحدود ضيقة، حول إمكانية ن يعود المابون صدام وعصابته إلى السلطة بعد ان شاع وهم في ان له تأثير وفاعلية على مسار الأحداث وهو الامر الذي أثبتت واقعة اعتقاله ذليلا، حيث جلب لنفسه ولأتباعه ومؤيديه العار، من أنها كانت مخاوف ليس لها أساس واقعي. وصارت الأنظار تتجه ألان إلى التركيز على الأشياء الأكثر عملية وواقعية والفرز والتمييز فيما بينها، وهي أشياء تصب جوهرا في شؤون إعادة بناء مؤسسات الدولة والحكم وفق أسس جديدة معتمدة لمبادئ الديمقراطية والتعددية. لكن فهم دور الزمن في توضيح الصورة المغبشة لايعني القبول بفكرة ان الزمن يمكنه ان يمنح الأشياء شرعية مجانية تفتقد لها بصورة موضوعية، ولا يعني كذلك أننا يمكن أو يجب ان نقبل بالأمر الواقع وننتظر إن يقدم لنا الزمن ومرور الوقت ما يمكن أو ما يجب من حلول لمعضلاتنا المتعددة. فالتحرك والنشاط ضروريان، وهذا أمر نافل، من اجل إبراز المصالح الوطنية الحيوية والدفاع عنها وتثبيتها وقنونتها. والمصالح الوطنية الحيوية تلك باتت معروفة ومحددة وتتلخص بشكل عام بإنهاء الاحتلال و نيل الاستقلال وبناء قواعد وأسس لنظام حكم وإدارة ديمقراطيين كبديل معقول يحقق مطامح الشعب العراقي على أنقاض النظام ألبعثي والاحتلال معا.
وإذا بدا الرأي المتفق عليه بما يشبه الإجماع من ان الانجاز الأكبر بلا منازع الذي تحقق للشعب العراقي خلال هذا العام قد تمثل في سقوط النظام كلحظة وطنية فاصلة فان ذلك لا يجب إن يدعنا نرتكن إلى التفاؤل، رغم شرعية وواقعية ذلك، من دون الانتباه والتركيز على بعض المخاطر التي تحيق بعملية تحويل ثمار سقوط النظام لصالح الشعب العراقي. وبما ان الخطر الأكبر الذي تدلل عليه كل المؤشرات، المعلن منها والخفي، هو خطر يحيق بعملية التحول السياسي من مخاوف تتمثل في محاولة إشعال فتنة طائفية أو عرقية تؤدي إلى حرب أهلية تؤدي بدورها إلى تدمير للمجتمع العراقي بمجموعه، فإنها ـ الفتنة ـ تشكل من جانب آخر الرهان الأكبر لمن يعادي مطامح العراقيين ويسعى لخلق بلبلة لإعاقة جهود بناء الأمن والاستقرار والحياة الكريمة لهم. ومع ان الجميع يسعى جاهدا من اجل تعزيز العلاقات بين أطياف المجتمع وقطع الطريق على الفتنة إلا ان الجهود والمساعي ليست كلها في ذات المستوى من الجدية والاندفاع بما يوحي وكأن هناك من يراهن على مسار اتجاه الأحداث الآنية، المرتبك بفعل التخريب، ليقوي وضعه ويعزز من قدراته على حساب المهمة الأكبر المتجسدة في الميل العام لضرورة تعزيز الوحدة الوطنية وإشاعة قيم التآلف بين أطياف المجتمع المختلفة. وكدليل على ذلك ما قوبلت به ديناميكية التحرك الشيعي المتمثل بتدخلات وإيماءات المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني في الشأن الوطني العام وبطريقة اتسمت بالتواضع والشعور العالي بالمسؤولية وبمرونة عالية عكست حكمة المرجعية ونضجها في معالجة المواقف المتعددة، مع التأكيد على ما يمكن ان يؤخذ على هذا التوسع المفرط في التدخل في تناول الشأن السياسي من قبل المرجع الأعلى وبما لا يتناسب وطروحات المرجعية مما يثير تحفظا منبعه القلق من ان يتحول هذا التدخل، الضروري في بعض الحالات ألآن، إلى نهج ثابت سيثير المتاعب والمعوقات أكثر في مستقبل الحياة السياسية إذا وظفته أطراف أخرى تستقوي بالمرجعية أو في حال ان تتحول المرجعية من قيادة السيد السيستاني إلى أياد أخرى، فتتحول هذه الممارسة، التي أملتها ضرورات الموقف والظروف، إلى ارث وتقليد عمل يستثمر لمسعى حزبي ضيق تعاد به أمجاد المطامح المضمرة، في خطاب وتوجهات غالبية التيار الديني، بقيام الدولة الدينية الشمولية. أقول إن هذه الديناميكية والروح الايجابية التي وسمت سلوك المرجعية قوبلت ببرود وسلبية ونزوع انتظاري ومتشكك من الطرف الآخر في زاوية المعادلة العراقية، إذا استعرنا التعابير السائدة، وهو الطرف السني. إذ لم يتخذ النشاط وتحديد المواقف السني نوع من الثبات والاستمرارية وانغلق في دائرة ردود الفعل في كل جوانب العملية السياسية ولاسيما بما هو مرتبط بعمليات الإرهاب التي يُظن أنها دعمتها ووفرت لها الغطاء الشرعي والأخلاقي، في المراحل الأولى علىالاقل، وبما يمكن نسبه إلى دوافع طائفية بحتة، لان قبولهم وتشجيعهم لهذه الأعمال التخريبية لم يأت متكئا على خلفية موقفهم من الاحتلال وعملية سقوط النظام فحسب، والناشئ ببعض دوافعه أصلا من ترسبات علاقاتهم بالسلطة البعثية وتركيبها الطائفي، وإنما لاجل إضعاف الطرف الشيعي بعدما صارت العمليات الإرهابية تتركز على أفراد الشرطة العراقية. وهي عمليات تؤدي، عمليا وحسب الاستنتاجات، إلى الرد على بعض قوة الطائفة الشيعية بسبب من انتظام مجاميع كبيرة من قوات بدر، الميليشيا الشيعية التابعة للمجلس الأعلى، في جهاز الشرطة العراقية. ولاحظنا ان ممثلو السنة لم ينتفضوا على أعمال الإرهاب تلك ويدينونها إلا حينما مستهم في معاقل مدنهم. بمعنى أخر نقول انه لم ترتق مواقف ممثلي السنة الرسميين إلى مستوى المبادرة لتطوير العلاقات فيما بين فئات الشعب وركزوا، غالبا بقلق وارتياب، على اي نامة من الطرف الشيعي يمكن ان تحسب على رصيد السلوك الطائفي بما فيها سعى الشيعة المشروع، رغم المبالغة في بعض الجوانب، إلى تعديل منظومة علاقتهم مع، ودورهم في، مؤسسات الحكم ومالحق بهم من غبن في هذا المجال.
هناك طبعا إشكالات أخرى تشكل منفردة أو مع عناصر أخرى ما يمكن اعتباره أساس أو أرضية للحرب الأهلية كالإشكالات على أسس عرقية في شمال العراق بين العرب والتركمان والآشوريين من جهة والأكراد من جهة أخرى، ومع أنها أكثر حدة وعنفا، إلا انه لا يمكنها ان تتحول إلى صراع شامل، وستتوفر إمكانية تطويقها أكثر بعد ان يتم إقرار الدستور وتنفيذ الاتفاقات مع قوات الاحتلال ويتسلم العراقيون شؤون البلد، وإذا ما بقيت قائمة كذلك النوايا السليمة والوعي في ضرورة إقامة علاقات متوازنة وصيانة مبدأ التشارك والروح الوطنية.
تجدر الملاحظة هنا إلى ان التجاور والتداخل المتعدد والمتنوع في المستويين الاجتماعي والسياسي، الذي يشكل السمة الأبرز للمجتمع العراقي، وخصوصا حين يستطيع كل جزء منه التعبير عن نفسه وعن كيانيته، قد افرز تشكيلا ذا طراز خاص للعلاقة بين أطياف المجتمع، فأسس بذلك لحالة مميزة من رابطة قائمة على الخوف والقلق والتشكك من الأطراف فيما بينها. فكل طرف قلق من الطرف الآخر ويشكك في نواياه وبنفس الوقت ليس هناك جهة ما تجرؤ على خرق مبادئ الالتزام بالوفاق الاجتماعي المغروس بعمق في النسيج العقلي والنفسي للمجتمع. وبهذا يصير كل طرف، من الناحية العملية، في حالة ترقب وانتظار وقلق من ان يقوم الطرف الآخر بخرق لهذا التفاهم الضمني القائم على منع تجاوز المديات المقبولة والمنطقية في عملية التجاذب السياسي والاجتماعي مما يجعل الجميع يخاف من الجميع والكل يشكل تهديدا للكل، وفي نفس الوقت الكل يسعى للحفاظ على حق وجوده الطبيعي والمشروع. وهكذا ينتج عن هذه المعادلة، الصعبة والمذهلة، ان كل فرد وجماعة هو عنصر ضمان في سلوكه ومواقفه للآخر وفي نفس الوقت هو حالة تهديد له مما يضع الحالة بما يمكن إن نطلق عليه تسمية ـ أُخوة الخوف ـ اي أن الرابطة بالآخر يحققها ويضبطها ويوجهها عنصر الخوف منه، فيتحول هذا الخوف إلى رابط ايجابي يخلق التماسك الداخلي الضروري في مواجهة اي محاولة - على المستوى السياسي، ولحد ما الاجتماعي - لخلخلة معادلة الوفاق الوطني.
الصورة رغم كل هذا ليست بالسيئة. بل على العكس فهي تبعث على التفاؤل. ويمكن ان تتقدم العملية بشكل أفضل وتتحقق الكثير من الخطوات الايجابية باتجاه بناء الوطن والمجتمع بطريقة ترضي الجميع لو يتم الاتفاق على مشتركات تحدد الحدود الدنيا من مطامح جميع الإطراف ووفق الثوابت الوطنية وبالأسس الديمقراطية والاعتراف المتبادل من قبل الجميع بالجميع.

السويد
10 اذار 2004



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشهيد الشيوعي مشروع إعلامي
- إرهاب جيفارا ألزرقاوي
- الجرح النرجسي للكرد
- ألترهيب الإسلامي
- ثقافة الصنم
- الموقع المهذب
- وحدة الراي واقعها ودورها
- البعث يضع النقاط على الحروف
- نبوءة الخراب وتجلياته
- النقد نقاش وحوار وليس عنفصة إفهام لفريد بن ايار
- مسيحيو العراق الحجاب الاسلامي والمشروع الوطني
- قرارالغاء عقوبة الاعدام وسؤال المشروعية والجدوى
- الاجتثاث بالحوار
- المسالة الكردية الفدرالية والديمقراطية وحق تقرير المصير
- جريمة قتل في شارع عام - قصة مقتل اولوف بالمة
- عالم صدام حسين بين حضور التاريخ وغياب المؤلف مدى شاسع من الذ ...
- غياب المنهج وسطحية المعايير رد على الدكتور احمد البغدادي
- علاقات العراق بمحيطه ضرورية ومشروطة
- في تشريح المقاومة العراقية
- المثقفون لعراقيون تشوش الرؤية في تقييم التجربة الذاتية


المزيد.....




- تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر تجمع عدد من راقصي الباليه ...
- قطر: نعمل حاليا على إعادة تقييم دورنا في وقف النار بغزة وأطر ...
- -تصعيد نوعي في جنوب لبنان-.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إ ...
- البحرية الأمريكية تكشف لـCNN ملابسات اندلاع حريق في سفينة كا ...
- اليأس يطغى على مخيم غوما للنازحين في جمهورية الكونغو الديمقر ...
- -النواب الأمريكي- يصوّت السبت على مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- شاهد بالفيديو.. العاهل الأردني يستقبل ملك البحرين في العقبة ...
- بايدن يتهم الصين بـ-الغش- بشأن أسعار الصلب
- الاتحاد الأوروبي يتفق على ضرورة توريد أنظمة دفاع جوي لأوكران ...


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري - خالد صبيح - أخوة الخوف