|
ما مصير الكيبوتسات؟
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 3653 - 2012 / 2 / 29 - 07:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سألتُ في مقال كتبته قبل اثنتي عشرة سنة في صحيفة القدس سؤالا يقول: ما مصير الكيبوتسات الصهيونية؟ وهل كانت تكتيكا مرحليا لإسرائيل وقد انتهى دورها الآن ؟ مما يعني أن يتولى الحاخامون الأرثوذكس الحارديم صياغة مستقبل إسرائيل . وإذا كان الأمر كذلك فمن هم أسياد وحكام إسرائيل القادرون على الإمساك بزمام الأمور في إسرائيل ؟ أهم اللتوانيون الإشكنازيم ، أم هم ( شاس ) السفارديم ؟ وما مصير التيار العلماني واليساري ، وهل سيكون ضحية هذا التغير ، أم أن اليسار سيضطر إلى لبس طاقية الرأس الدينية الكيبا وإحياء شعائر السبت ولبس المعاطف السوداء الطويلة ؟ إن الإجابة على الأسئلة السابقة يحتاج إلى بحوث لا يتسع لها مقالي .. غير أنني سأكتفي بالإشارة إلى بعض المظاهر التي تؤكد بأن [ الزحف الأصولي الأرثوذكسي ] لم يعد ظاهرة حزبية تكتيكية ، ولكنه أكثر خطورة من ذلك ، فهو يطال المجتمع الإسرائيلي بأسره .. وسيطالنا نحن الفلسطينيين أيضا ! إن ثورةً حقيقية تجري في الساحة الإسرائيلية هذه الأيام ، تؤكد بأن [ دفيئات ] الأصولية الإسرائيلية تعمل بكل طاقاتها مستغلة الأجواء الملائمة لذلك ، مستفيدة من ( حالة التردي ) التي يمرّ بها اليسار الإسرائيلي هذه الأيام، لإنتاج جيلٍ أصولي متطرف ، لا يفهم سوى الإقصاء والإبعاد للفلسطينيين فهو الحل الوحيد لتأسيس الدولة اليهودية النقية ! إن مؤسسة اليسار الكبري الإشتراكية العلمانية (الكيبوتسات) أصبحت إحدى ذكريات الماضي الغابر، فقد كانت في بداية تأسيس إسرائيل بمثابة ستارة لإخفاء " الترهات " الأصولية للمتزمتين ، وتحسين صورتهم ( العنصرية جدا ) نحو غير اليهود والإسرائيليين ، وقد نجحت هذه المؤسسة بالفعل في تحقيق ذلك . استُخدمت الكيبوتسات أيضا مكياجا ديموقراطيا لطمس ( الممارسة الترنسفيرية ) المتمثلة في طرد اللاجئين الفلسطينيين من ديارهم .. وهذه المؤسسة التي ( أفرخت ) جيل [الصابرا ] الصهيوني ، الذي يشبه نبات الصبر ، حلوٌ في داخله ، شائكٌ في خارجه ؛ كانت هذه المؤسسة أحد اليافطات الكبيرة لدولة إسرائيل ،وكان جيل الصابرا المولود في هذه المؤسسة ( الديموقراطية جدا ) ! والحرة جدا ، والتقدمية جدا …! مسؤولا عن قمع الحرية الفلسطينية ، وتصفية المناضلين الفلسطينيين .. وأكثر أبناء هذه المؤسسة هم أعضاء الشاباك والموساد والفرق العسكرية الخاصة، وكان الإسرائيليون يشترطون على كل زائر أن يزور الكيبوتسات ليرى بعينييه أن الإسرائيليين شعبٌ حضاري ، يعتنق المساواة مذهبا ، والتفاني في العمل ، والاعتماد على الذات، هذه المؤسسة الاشتراكية التقدمية .
فالكيبوتس يعني العيش المشترك في جماعة، وشعارها هو [ كلٌ بحسب طاقته وحاجته ] ، ولا يحصل عضو الكيبوتس عن أجر على أعماله ، فالكيبوتس يوفر له كل حاجاته . ظلّ الكيبوتس هذا هو الواجهة الديموقراطية العلمانية لإسرائيل عقودا من الزمن ، ولعلّ أكبر فائدة جناها الإسرائيليون من نظام ( الكيبوتسات ) هي أنهم اقنعوا دول شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي سابقا والتي كانت تدعم الحق الفلسطيني ، بأن إسرائيل دولة اشتراكية وسط عالم عربي ( رأسمالي ) رجعي وفق التعبير الشيوعي ! وأكبر دليل على أن الإسرائيليين كانوا يستعملون الكيبوتسات تكتيكا وقتيا ، ودرعا واقيا يصلح للمعركة ، أن الكيبوتسات تحولت بعد انهيار عصر القطبين ، وسيادة عصر القطب الأمريكي الواحد ، إلى هياكل عظمية ومومياوات، حُفِظتْ في متحف إسرائيل! يصرخ الكاتب الإسرائيلي ( حجاي سيغال ) في صحيفة معاريف 22/8/2000 ويقول : " ترقد الحركة الكيبوتسية فوق النعش .. فثلث الكيبوتسات أعلنت إفلاسها .. إن معدل عمر الجيل الكيبوتسي 52 سنة فقط .. الزراعة أصابها القحط .. وأصبحت الكيبوتسات تدفع للعاملين فيها أجرا " وهكذا لم تعد للكيبوتسات ضرورةٌ ، بعد أن أدت غرضها كواجهة للاشتراكية والديموقراطية والحرية والعلمانية ، وكستارة واقية ضد الأصولية الحريدية، وقد نجحت الحركة الكيبوتسية في طلاء " الصهيونية " بالزبدة والمربي لتصلح وجبة الإفطار الشهية عند دول العالم الأخرى ! ويصرخ الكاتب سيغال قائلا : "لم تصمد الحركة الكيبوتسية نصف قرن ، بينما نجحت الأرثوذكسية المتزمته في البقاء قرونا طويلة !" فهل سيكون القرن الجديد هو قرن الأصولية التي تجرف ما تبقى من العلمانية ؟ وهل سيتحقق حلم الحاخامات بقيام [ الدولة التوراتية ] بعد قدوم " الماشيح المنتظر ؟ إن مقياس ( ريختر ) للهزات السياسية الإسرائيلية يشير إلى أن المجتمع الإسرائيلي ينحدر بقوة نحو الجاذبية الأرثوذكسية .. ويشير إلى خلل خطير في التيار اليساري ( المتآكل )! وأخيرا - الأرثوذكسية التلمودية لا ترى في مرآتها إلا وجهها فقط ، أما وجوه الآخرين فهي كالغبار على سطح هذه المرآة، تُمسح بالإصبع فقط ! - الأرثوذكسية القادمة لن تكتفي بقضم الأرض ، وإقصاء الآخر فقط ، ولكنها ترمي إلى إعادة صياغة التاريخ كله ، وفق مشيئتها ! - إن كنا نعترف بأن نصف قرنٍ مضى دون أن نتمكن من كشف فسيفساء المجتمع الإسرائيلي ؛ فإن من العار أن يمر نصفُ قرنٍ آخر دون أن نتمكن من فك الشيفرة الجينية لهذه المجتمع ، - شباب الأصوليين لا يخدمون في الجيش الإسرائيلي ، بل يتعلمون التوراة والمشناة والجماراه والهاغاداه ، ولكنهم سرعان ما يعوضون هذا النقص ، فيصبحون جنودا عتاة ، حينما يعتدون على ممتلكاتنا في الخليل والقدس وكل فلسطين، في كتيبة الناحال الأصولية ، وفي غيرها من كتائب الحارديم! - وبعد هل سينجح ( الحريديم الأرثوذكس ) في تحويل الكيبوتسات إلى كنس للعبادة ، أو أحياء سكنية أصولية لتعليم مبادئ التلمود ، وفق الإستراتيجية المستقبلية لإسرائيل التلمودية في القرن الجديد ؟!!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تخلصوا من العرب أعضاء الكنيست
-
الدولة الأسطورية إسرائيل
-
نوما هنيئا أيها السلطان
-
الضحية هي الثقافة في مصر
-
أحفاد المخاتير والشعب المختار
-
الفارابي في شارع 26 يوليو
-
الى الهاكرز العرب
-
من الغابات إلى الفيلات
-
الماء أخطر من الكاتيوشا
-
قراصنة جيش الدفاع يشلون مصارف غزة
-
الاستبانات والاحصاءات لغة العصر
-
واقع التعليم الأليم
-
أحزاب وطنية لفش غل الرعية
-
تقنيات اللجان في فلسطين
-
عام استرجاع المبدعين
-
آثارهم المعمرة وآثارنا المدمرة
-
مقارنة بين احتفالين
-
ماذا يفعل متقاعدو الجيش الإسرائيلي؟
-
شارع الشمقمق
-
الثمن تاريخنا
المزيد.....
-
أوليفييه روا: الغرب لا يرى الإسلام مشكلة ثقافية بل كتهديد وج
...
-
البيت الأبيض: واشنطن قد تدعم تصنيف جماعة الإخوان -إرهابية-
-
المحامي العام يكشف تفاصيل تتعلق بوفاة شاب في الجامع الأموي
-
من سوريا إلى ألمانيا .. العنف الطائفي وصل الشتات السوري
-
صحيفة سويسرية: الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط بين التهديد
...
-
حركات يهودية مناهضة للصهيونية تتحدى إسرائيل من أوروبا
-
وفاة شاب في الجامع الأموي.. السبب يشعل مواقع التواصل
-
الأردن.. النيابة تستدعي -متسترين- على أملاك جماعة الإخوان
-
مقتل الشاب يوسف اللباد بعد اعتقاله بالجامع الأموي يثير جدلا
...
-
النيابة الأردنية تستدعي متهمين -بالتستر- على أملاك جماعة الإ
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|