سعاد خيري
الحوار المتمدن-العدد: 3652 - 2012 / 2 / 28 - 14:04
المحور:
سيرة ذاتية
تفرغ زكي خيري للعمل الفكري لرفضه قيادة البعث للجبهة الوطنية
وبدء ممارستي الكتابة
في ظل تصاعد وتائر الارهاب عقد الحزب الشيوعي مؤتمره الثاني عام 1970 في كردستان . واخذني معه لان انتقال العوائل اقل اثارة لشبهة رجال الامن. فقد استنفرت حكومة البعث كل قواها لاخضاع الحزب الشيوعي لشروط البعث في اقامة الجبهة, وتقليص نفوذه الجماهيري الذي تنامى بعد فترة وجيزة من الحريات الديموقراطية التي وعدوا بها. ولم اتساءل عن سبب حرماني من حضور المؤتمر رغم اني كنت في اللجنة القيادية للتنظيم النسوي!!
كان فرحنا غامرا بنجاح المؤتمر دون تضحيات , رغم استشهاد عدد من الرفاق قبل المؤتمر . وكان من جملة قرارات المؤتمر كتابة تاريخ الحزب دون ان يعين لجنة لمتابعة تنفيذ ذلك او يسند لاي احد مسؤلية ذلك.
هيمن القرار على افكاري ولم اجد من هو اجدر بهذه المهمة من زكي خيري!! فهو مواكب لهذا الطريق منذ البداية اولا ولقدرته الكتابية ونهجه الماركسي ثانيا. ولذلك فاتحته بالموضوع . ولم يعترض وطلب مني كعادته عند كتابة اي موضوع يكتبه ان اضع برنامجا له او خطوط عريضة للموضوع.
وفعلا وضعت الخطة وفي كل مرة كان يطلب مني توسيعها . واذا كانت الخطة في البدء صفحة واحدة اصبحت عشرات الصفحات ومن ثم المئات . فقررنا نشر ما انجزه ويصححه في حلقات في الثقافة الجديدة . ولاقت اقبالا شديدا مع تزايد صعوبات الحصول على المصادر . فقد تنبه الكثير من الرفاق الى امكانية كتابة تاريخ الحزب واخذوا يجمعون الوثائق ويحتفظون بها لانفسهم رغم كل تأكيدي لهم بارجاع كل وثيقة الى اصحابها بعد ان استفيد منها. وتابع فخري كريم ذلك باستلام كل ما انتهي من الاستفادة منه فضلا عن نشر الحلقات . ولم نكن ضد مساهمة اي رفيق في الكتابة وفي المناقشة والنقد.
وتوقف كل نشاط للحزب الشيوعي عام 1971 بسبب الحملة الارهابية التي اشهرها حكم البعث على الحزب بعد عقد اتفاقية 11/اذار/1971للحكم الذاتي حتى لا يستفيد الحزب جماهيريا من عقدها باعتباره كان اول من صاغ مشروع الحكم الذاتي لكردستان وكان المناضل العنيد من اجل الحقوق القومية للشعب الكردي. وتطورت الحملة الارهابية واستولت الحكومة على مطبعة الحزب السرية في كركوك واعتقلت العديد من الرفاق واستشهد عضو اللجنة المركزية معروف البرزنجي تحت التعذيب . وبسبب اعتراف احد اعضاء اللجنة المركزية تحت التعذيب تقرر تغيير اماكن اختفاء الرفاق القياديين. فانتقل زكي خيري الى بيت اخر وبقيت مع الاطفال لوحدنا وكانت الشرطة تحيط بالبيت ليل نهار . وكان كل خوفي على الاطفال اذ لم تتورع حكومة البعث في تلك الفترة حتى عن قتل الاطفال . فطلبت من الاطفال اذا سمعوا صوت الرصاص ان يلجأوا الى تحت السرير . وتقبل الاطفال ذلك دون اي استفسار او هلع. فقد كانا عمليين جدا ويتفهمان كل شيء ببساطة ولم يشكلان اية مشكلة لي . فقد كانا يتكيفان مع كل ظرف فمن حياة الحرية الى حياة الاختفاء ومن الرفاه والحياة في ارقى فنادق البلدان الاشتراكية الى العيش في غرفة مغلقة وشضف العيش بل والجوع.
وتقرر بعد ذلك ترك البيت ولم يمضي شهرا على استئجاره والعيش في بيت زكية خيري. ورغم كل لطفها كنت اشعر بالحرج. وبعد عدة اشهر حصل بعض الانفراج وانتقلنا مع زكي الى بيت جديد . وكان كل هم زكي هومواصلة اصدار ادبيات الحزب . وتذكر وجود مطبعة صغيرة كانت المانيا الديموقراطية قد اهدتها للحزب بعد ثورة 14/تموز/1958 تثمينا لدور الحزب في الثورة. فقد كانت هذه المطبعة تعمل في فترة الحكم النازي ويسهل اخفاءها والتنقل بها لصغر حجمها وقلة متطلباتها . فهي تعمل بالاوف سيت ولا تحتاج الى صف حروف . ولكن لم يكن هناك من يعرف هذا الفن من الطباعة في العراق . فاودعت عند السيد فريد الاحمر الذي كانت مطابعه تطبع اتحاد الشعب.
تذكرها زكي خيري واوكل الى ابن اخته الشهيد سعدون علاء الدين مهمة جلبها وفك طلاسم فنها وعكف الاثنان ليل نهار على دراسة الوثائق المرفقة وكانت باللغة الالمانية فارسل الى منظمة الحزب في بريطانيا بطلب الكتب عن هذا الفن بالانكليزية والى المانيا بارسال الات التصوير. كانا يمضيان الليل والنهار في الدراسة واجراء التجارب حتى حققا الامنية باصدار اول بيان للحزب الى الرأي العام العالمي يفضح جرائم حكم البعث بحق الشيوعيين وحملات التعذيب والاغتيالات مطالبا باكبر حملة عالمية للتضامن مع شعبنا وحزبنا . واستمرت تعمل على اصدار البيانات السرية حتى اعادة اصدار جريدة طريق الشعب عام 1973بعد عقد الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة البعث.
وعبثا حاول زكي خيري اقناعي بهواية التصوير التي تتطلبها طباعة الاوف سيت , لانني كنت وما زلت لا اطيق الغرف المغلقة والمظلمة والمضاءة بالضوء الاحمر . وانغمرت ثانية في كتابة تاريخ الحركة الثورية . كنت انهض مبكرا في الساعة السادسة صباحا وانا في اقصى نشاطي الفكري فقد تعودت طوال حياتي الدراسية ان استفاد من الساعات الصباحية للدراسة المركزة . وحتى يستيقظ الاطفال واباهم اكون قد انجزت الوجبة الاولى من الكتابة وتبقى الوجبة الثانية رهن بسنوح الفرص . فقد يكلفني زكي ببعض الواجبات فضلا عن قراءة الصحف واعداد الطعام وتنظيف البيت واللعب مع الاطفال واعدادهم للمدرسة والاشراف على دراستهم واستقبال الضيوف. اما في الليل فلم اتعود مطلقا على الدراسة ولا حتى على قراءة القصص لانها تسبب لي الارق حيث تستعيد ذاكرتي كل ما اقرأ عدة مرات فلا استطيع النوم.
ومن مفارقات تلك الفترة كان يحيى ووداد يتصوران بسبب تهرب والدهما من كثرة اسئلتهما قائلا اذهبا الى امكما بان اباهما لا يفهم شيئا رغم كل حبهما له ولاسيما اغداقه عليهما عندما يصحبهما في نزهة على الرغم من ندرة ذلك. فاحدثا ضجة مرح عندما وجداه يصحح لي !! بابا يصحح لماما!!
وعندما كنت اطبع بعض الفصول من تاريخ الحركة الثورية حاول يحيى وهو في الثامنة من العمر مساعدتي وفعلا طبع عدة صفحات من الكتاب . فاصرت وداد ان تفعل مثله وهي في الخامسة من العمر وفي الصف الاول. وتطورت اسئلة يحيى فسألني يوما , ما هي النقود!! ووجدته يوما يحفر بالحديقة وسألته لماذا!! قال ابحث عن النفط!! ومرة وجدته في المطبخ يخلط الملح والفلفل وسالته لماذا !! قال , اجري تجربة كيمياوية!! وكنت احاول دائما ان اوضح لهما بكل دقة علمية وتبسيط كل شيء .
كنت اوصلهما الى المدرسة وانتظر عودتهما بالدقائق ويستبد بي القلق اذاما تاخرا قليلا وكثيرا ما اذهب لاحضارهما وقد يصلان البيت قبل وصولي الى المدرسة فسيارة المدرسة لاتتبع طريقا مباشرا لانها توصل العديد من الاطفال الى بيوتهم.
كنت اعاني كثيرا, فمن جهة الارهاب الدموي ومن جهة اخرى ما ينقله لنا عامر عبد اللة من اصرار البعث على توقيع ميثاق الجبهة بقيادتهم واغتيال كل من يقف بوجه ذلك بل وتصميمهم على اغتيال زكي خيري. ولم يعبأ زكي بكل ذلك واصعب ما كان يواجهه في تلك الفترة تمرد اللجنة المركزية على قيادته لصمودها بوجه ضغوطات الحكومة , في غياب سكرتيرالحزب, طوال تلك الفترة العصيبة.
#سعاد_خيري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟