أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس يونس العنزي - الصفحة الأولى من روايتي - متاهة الحب الأول -















المزيد.....

الصفحة الأولى من روايتي - متاهة الحب الأول -


عباس يونس العنزي
(عèçَ حونَ الْيïي الْنٍي)


الحوار المتمدن-العدد: 3618 - 2012 / 1 / 25 - 11:30
المحور: الادب والفن
    


الصفحة الأولى من رواية متاهة الحب الأول
ظهيـرة يوم خريفي حزين كأنه انفصل عن زمنه ، وقد نثرت الشمس فيه شعـرها الذهبـي الخدر البراق فوق وجه الهور الأسـمر ، ومرت الريح متوجعة كسيحة محمومة إذ ضيعت أغانيها الرتيبة الشجية وتوطن فيها لـحن الأنين الـحاد الـمتيبس فتاهت عن دروبـها القديـمة بين غابات البردي و القصب ، هبت حينا وسكنت حينا فساقت بضعة غيوم متناثرة كخراف اسطورية بيض مفزوعة في حقل سـماوي أزرق ، في تلك الظهيرة ، اضطرب الـماء ، صدم بعضه بعضه بشدة أفزعت الطيور التي كانت لا تنقطع عن التلفت الوجل وهي تصطاد بنهم طعامها الوفير كأن ما حدث قبل حين زرع الخوف والريبة وارسل جذورهما عميقا في غرائزها، وراحت تطلق اصواتها كصراخ مولول في الفضاء الرطب بينما حط بـعضها بسرعة فوق أطلال بيوت قرى القصب المـحترقة تترقب شيئا ما قد يحصل في أي لحظة ، شيئا من جنس أصوات الرصاص ودوي القنابل و لهيب النار وصيحات القتلى واستغاثات المصابين ،كان كل شئ مـحض فتات سكنه شيطان الانـهيار بسيمائه الجامدة اللئيمة الـمبهمة والمرصعة بفتحات صنعتها القذائف والطلقات تشبه أفواها متوحشة جشعة تبحث عن ضحايا أخرى لتقودها إلى التلاشي والعدم مـما أشاع في المكان روح جزع مشوب بأسى مطلق وألم اسود لا يطيقهما الموت ذاته .
في تلك الساعة المصعوقة بـمشهد الدمار، ومن جديد ، أبصرت عيناه الدامعتان المصطبغتان بلون الدم والـخاليتان إلا من الدهشة العقيمة نثار عشه القديـم ، ووطأت قدماه العاريتان جزيرة الـقصب والبـردي بعد أن أصر على خلع حذائه و جوربيه ليتمكن من ملامسة المكان وتمثل احاسيس صادقة تحي فيه الذكريات البعيدة ، لكن شتان بين ما كان و بين الآن ! وبدلا عن تلك الذكريات أحس بالسعيـر يـجتاح ثنايا روحه وملأت منخريه رائحة حريـق سمع بركان فورته وأزيره المرعب وما عرف أين مصدره ، حوله أم في أعماقه ، لكنه تأكد بعد كل ما رأى من هول عظيم أنه حريق لن ينطفئ أبدا ويا للمصيبة والخسارة ، فبعد ثلاثة وثلاثيـن عاما من حياة الصبـر و الحنيـن والـهروب والشعور الـمؤذي بالـمطاردة يعود فلا يلاقيه سوى الخراب والفراغ والهزيـمة التامة الـماحقة ! شعر بأنه يغوص سريعا في أعماق بـحر فـجيعة لا قرار له ، تلفت الى كل وجهة وما من منقذ له قط ، بل هو لـم يتمن أي شفيع ولو لـهنيهة ، وبصدق تمنى التبخر و الفناء والموت دون قيود قد تشده لدنيا لم يكن له فيها أدنى إنصاف .
ثـمة خوذ مقلوبة ملطخة بالدم طافت على المياه أو قذفت على الأرض كأنـها زوارق ألم ترجل عنها ركابها من أفكار واحلام خائبة دارت في رؤوس الجنود فظلت طريقها وطافت دون هدى ، ولا بد أن تكون قد سقطت في لـحظة مواجهة خائبة عن تلك الرؤوس الـمهشمة مـمن مروا أو عسكروا فوق جزر البـردي أو من يدري فربـما ابتلعتهم مياه الهور النهمة في ما مر من الأيام الأليمة ، أيام نذر الـحرب والتهيئة لطواحين القتل الـمجاني ، ولم يخلفوا وراءهم إلا مناظر بائسة لبقايا آثار وسائل اتقاء الـموت المستباحة ، السواتر الـهشة الـمصنوعة من الطين والقصب والتي ليس بـمقدورها حـماية شئ ، إلى جانب قطع الأسلحة الصدئة وأكوام الرصاصات التي لـم تستخدم وظلت معدة لارتكاب الـجرائم الـمتقابلة ولكن دون طائل ، وعشرات الرسائل وقصاصات الورق الـمحشوة بالأشواق والتحيات والألـم والتي لم يقدر لـها أن تصل أحدا أبدا ..و حين غـادر الأحياء منهم ، تركوا الغرقى لمصيرهم ولم يصحبوا معهم إلا التعب الممض والذكريات العصيبة .
انـحدرت من عينيه دمـوع يائسة وغرقت مشاعره في ظـلمة داكنة كئيبة فيما فرق وعيه شتاتا منظر دنياه المزري حيث تمزقت كل الأحلام الجميلة بعودة ظافرة إليها ، وتراقصت في مـخيلته أحداث الماضي البعيد وفجأة تيقن أن الآمال كلها قد رحلت مع طيور الـخضيري الـتي لا يبدو أنـها ستعود من جديد .
ـ لم يبق أي أمل ..
تـمتم مشتت بن شغاتي مـحدثا نفسه الجريـحة بصوت مـختنق متحشرج وانتابته رغبة عاصفة لأن يقطع جسده ويرميه مع هذا الـخراب الـمرعب .. امتدت يداه إلى بدلته الأنيقة التي طالـما تـخيل نفسه متبخترا بـها أمام ( بـهية ) وبحركة سريعة قطع أزرارها وخلعها عنه ورماها بعيدا فاختـلطت مع الملابس الكاكية الممزقة المنتشرة في أرجاء المكان والتي تركها الجنود المساكين عندما رحلوا إلى مصيرهم المجهول .. ركض في كل الاتـجاهات تشنج جسده وأحس بالتلاشي يأكل كل زوايا نفسه الـخاوية ، أراد أن يـمسك بأية بقية تتصل بأولئك الغائبيـن الذين كان يسميهم أهله أو أن يشم رائحتهم التي لا يستطيع أن ينساها وهي تفوح من الـماء و القصب والأكواخ لكنه لم يستطع إلا التقيؤ حتى فرغت معدته تـماما .. جثا على ركبتيه وانكب على وجهه ثم سار على أطرافه الأربعة وأطلق صوتا عميقا يشبه خوار جاموسة مذبوحة حتى وصل كوخ أمه الصامد أمام الحرائق والرصاص الذي أصاب كل نواحيه .. ثقوب وحرائق ودمار لكنه مازال قائما يذكِر بالماضي الذي مهما كانت قسوته فلن تبلغ حجم المصيبة التي صار إليها الحاضر .
على حافات البيوت الـمتصلة بالهور طفت جثة أو أجزاء جثث شوهتها الأسـماك فـحفرت العيون وقطعت الأذان والأصابع .. ظن مشتت إنه سـمع تأوهات من تألم وقتل هناك .. أو لعلها الريح تصرخ مولولة وهي تـمر بين الأطلال الكئيبة لتحكي قصص الذين ابتلعهم الضياع وسرعان ما سينساهم أحباؤهم وبعد زمن لن يفـتقدهم أحد حتى أبناؤهم سيعشقون وينشغلون عن ذكراهم برسائل الحب الساذجة
ـ ألم أقل لك أن أهـل الـقرية هربوا منذ
أكثر من شهر ، ابحث عن الأحياء منهم في
بيوت الطين حول البصرة فربـما لك أمل
أن تـجدهم هناك .
أعاد سائق الزورق ذو الـمحرك الصاخب قوله مرات ومرات منذ أن طلب منه هذا الرجل الذي لم يشك قط أنه مـجنون بطريقة ما الـمجيء به إلى هذه الـمجاهل الخطيرة البعيدة التي لم يعد يسكنها سوى أشباح الموتى .. لكن مشتت لم يكن آبها به واستمر يـمشي على أطرافه الأربع دون كلل وبعد ساعة من التوحد مع الخراب لـم يبق في مآقيه دمعة واحدة ليذرفها ولم يعد بوسع جسده التنقل والارتـجاف أمام التفاصيل الدقيقة لهذا العالم المستباح ، فتمدد بمحاذاة ساتر مهدم ولم يكن في رأسه سوى صورة.. بـهية .



#عباس_يونس_العنزي (هاشتاغ)       عèçَ_حونَ_الْيïي_الْنٍي#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خريبط وحلمه الضائع - قصة قصيرة
- تحية الصباح الأخيرة - قصة قصيرة
- هلوسات ..
- السلاطين لن يتعظوا ... استذكارا للدكتور علي الوردي
- دلو اللبن ...
- ومضة في أزمة الحقيقة
- مناقشة اولى لمنطلقات الفكر الصهيوني - 7 -
- مناقشة اولى لمنطلقات الفكر الصهيوني - 6 -
- مناقشة اولى لمنطلقات الفكر الصهيوني -5 -
- هنية
- مناقشة أولى لمنطلقات الفكر الصهيوني - 4 -
- مناقشة أولى لمنطلقات الفكر الصهيوني -3-
- مناقشة أولى لمنطلقات الفكر الصهيوني -2 -
- مناقشة اولى لمنطلقات الحركة الصهيونية
- غريزة البقاء والتوريث المعرفي
- مقدمة أولى في فلسفة أصول الإرادة
- الرمز الاسطوري عند حسب الشيخ جعفر
- الموت بين الحق والعقوبة
- الطوطمية - محاولة للفهم والتفسير
- قصة قصيرة بعنوان - عبود وكلبه المعجزة -


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس يونس العنزي - الصفحة الأولى من روايتي - متاهة الحب الأول -