|
ثلاثة مظاريف
جودت هوشيار
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 3615 - 2012 / 1 / 22 - 00:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثمة نكتة سوفيتية قديمة عن تداول السلطة تصف على نحو دقيق سلوك الرؤساء الفاشلين فى الحكم و بخاصة سلوك المالكى خلال السنوات الخمس الماضية و تنطبق تماما على حاكم العراق (الجديد) السيد نورى المالكى . تقول النكتة أن ستالين ترك لمن يخلفه فى الحكم ثلاثة مغلفات و أوصاه ان يفتح كل مغلف اذا وصلت الأمور فى البلاد الى حافة الأزمة . و بعد عدة سنوات حلت الأزمة الأولى و فتح خروشوف المغلف الأول و قرأ : ( ألق علىَّ مسؤولية فشلك) و بعد فترة حدثت الأزمة الثانية و فتح المظروف الثانى وقرأ النص السابق نفسه . و عندما حلت أزمة جديدة فتح المظروف الثالث و كم كانت دهشته عظيمة عندما قرأ: (جهز ثلاثة مغلفات لمن يخلفك فى الحكم ) .
دأب الحكام الجدد فى الأنظمة الأستبدادية ، بعد مضى فترة على وصولهم الى السلطة و أخفاقهم فى تحقيق وعودهم المعسولة - بتوجيه اللوم واصابع الأتهام الى أسلافهم فى الحكم و تحميلهم المسؤولية عن كل ما يحدث فى البلاد من أزمات و أخطاء فى مجالات الحياة المختلفة . وهو تقليد ممل و مضلل فى آن معا، الهدف منه التنصل من المسؤولية و التستر على الأخطاء و خداع الرأى العام فى سبيل البقاء فى السلطة لأطول فترة ممكنة . كل عراقى (خبر النظام الصدامى) يعرف ان هذا النظام كان سيئا بكل المقاييس حيث تفنن فى قتل العراقيين و زج البلاد فى حروب عبثية و نهب و بدد ثروات العراق . و خلف وراءه تركة ثقيلة . و كان من المؤمل قيام العهد الجديد بمعالجة المشاكل المزمنة التى تسبب بها النظام السابق و الأخطاء الجسيمة التى أرتكبها و لكن ها نحن اليوم بعد مرور حوالى تسع سنوات على التغيير نرى ان " القائد الضرورة الجديد " ليس بأفضل من الدكتاتور السابق فى أنتهاك حقوق الأسان و أعتقال المعارضين و زجهم فى سجون سرية وتعذيبهم لأنتزاع الأعترافات الكاذبة منهم او حتى التستر على أغتيالهم بالكواتم أو فى مساكنهم ، كما حدث مع الشهيد هادى المهدى . أضافة الى تسخير أمكانات الدولة من اجل أحكام قبضته على الحكم .و أستغلال السلطة من أجل مصالحه الشخصية و الحزبية الضيقة .
ماذا فعل المالكى منذ توليه رئاسة الوزارة قبل حوالى خمس سنوات ؟ ليس لدى المالكى و مستشاريه السبعين و أبواقه الناعقة ليل نهار عن أنجازات موهومة ، جواب واضح على هذا السؤال ، لأن كل ما فعله المالكى هو أستغلال عشرات المغلفات الموروثة من أسلافه أبشع أستغلال . و ألقاء مسؤولية فشل حكومته فى أداء مهامها و عن كل ما يعانيه البلاد من مشاكل ، على النظام المباد أو على الآخرين .
المالكى لا يمتلك الشجاعة الكافية و لا الجرأة المطلوبة من رجل دولة للأعتراف بأخطاءه ، ويفضل التهرب من المسؤولية بأستمرار و التنصل من وعوده - نعم وعوده و ليس برنامجه ، لأنه ليس لدي المالكى و حزبه برنامج علمى مدروس وواضح و آليات محددة لتنفيذه من أجل أعادة بناء الدولة العراقية المدمرة ، بل شعارات ديماغوجية أكبر من قدراته بكثير و أخطر من أن يتولى تنفيذها – أذا كانت لديه النية أصلا لتطبيقها على ارض الواقع - شخص لا يمتلك الحد الأدنى من المؤهلات و الخبرة المطلوبة لأدارة دفة الحكم فى مرحلة عصيبة ، كالتى يمر بها العراق اليوم ، حيث تتفاقم المشاكل يوما بعد آخر فى كافة ميادين الحياة . أن الهم الأكبر للمالكى هو البقاء فى السلطة أطول فترة ممكنة عن طريق الهيمنة التامة على القوات الأمنية و خضوعها المباشر لأوامر القائد العام للقوات المسلحة و أتباع سياسة الترغيب و التهديد فى قمع و أسكات أصوات الأحرار الذين ، لا يؤمنون بعبقرية " القائد الضرورة " حتى داخل حزبه ، ناهيك عن الأحزاب الأخرى و التشهير بالخصوم السياسيين تمهيدا لتصفيتهم و أزاحتهم عن طريقه للبقاء فى السلطة لولاية ثالثة و رابعة ! .، كما أعترف بنفسه مؤخرا حين قال ان لا احد يستطيع أن يزيحه عن السلطة ، حتى بعد ست سنوات . قد يكون ذلك زلة لسان ، و لكنها كشفت دواخل المالكى و عدم أيمانه بالديمقراطية و بمبدأ التداول السلمى للسلطة .
فى بداية حكمه ( الزاهر ) وعند نشوب أى مشكلة كان المالكى ، يبحث عن ذريعة لتبريرها ، أما اليوم فقد أكتشف " القائد الضرورة " الجديد ، أن المغلفات القديمة التى ورثها عن أسلافه ، لم تعد تجدى نفعا و لن تضمن له البقاء فى السلطة ، بعد ان فشل فى تحقيق أى أنجاز يذكر رغم أنفاق حوالى خمسمائة مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية - ذهب الجزء الأكبر منها الى جيوب ( العراقيين الجدد ) الذين صعدوا ( من الطهارة الى المنارة ) كما يقول المثل الشعبى العراقى !
سلاح المالكى الجديد للبقاء فى السلطة ، هو خلق الأزمات ، أزمـة وراء أزمـة و قد تتداخل أكثر من أزمـة فى آن واحد و ذلك بهدف صرف أنظار خصومه السياسيين و ألهاء الرأى العام العراقى عما يجرى فى الخفاء و يسخر من أجله كل أمكانات الدولة بهدف بسط هيمنته على كافة مفاصل السلطة و تهميش البرلمان و نقض القوانين التى يسنها و تجاهل القرارات التى يتخذها و تسيس القضاء لمصلحته عن طريق شراء ذمم كبار القضاة ( كما أشارت الى ذلك مؤخرا و كالة أسوشيتد برس للأنباء ) و أستغلال شبكة الأعلام العراقى و الأعلام الحزبى و غير الحزبى الممول من خزينة الدولة ، لأطلاق غبار كثيف من الأكاذيب للتغطية على العمل الجارى وراء الكواليس .
حكومة المالكى هى حكومة الأزمات المفتعلة أبتداءا من أزمة ( المساءلة و العدالة ) قبيل الأنتخابات التشريعية الأخيرة و أزمة التنصل من تنفيذ أتفاقية أربيل لتقاسم السلطة عند تشكيل الحكومة الحالية و تداعياتها و مرورا بأزمة الأنقلاب المزعوم قبيل الأنسحاب الأميركى من العراق و أنتهاءا بأزمة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمى . و ما دام المالكى فى السلطة سيشهد العراق المزيد من الأزمات المفتعلة و المسرحيات المفبركة التى جند لها أعوانه المقربين لصب الزيت على النيران المشتعلة و أبواقه الأعلامية الصاخبة التى تقوم ليل نهار بتلميع صورته الكالحة و تبرر أخطاءه و خطاياه و عجزه الكامل عن القيام بأى عمل أيجابى و تشهر بزعماء المعارضة على نحوسمج يتصف بمنتهى الأبتذال فى تجاوز كل المعايير الأخلاقية و الأعلامية . المالكى - الذى فقد ، ثقة العراقيين ، كل العراقيين و بضمنهم حلفائه السياسيين ، بأستثناء زمرة من الوصوليين الملتفين حوله و المنتفعين من فتات موائده - لن يستطيع الأستمرار فى أختلاق الأزمات و أحتكار الحكم طويلا ،لأن لعبة الأزمات المفتعلة قد أنكشفت و لن تنطلى على أحد بعد اليوم . جودت هوشيار [email protected]
#جودت_هوشيار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراقيون الجدد
-
قضاء المالكى
-
ستالين العراق
-
القلق و ما بعده
-
حول بعض التأويلات الخاطئة لمصطلح ال( كردولوجيا )
-
غزل سياسى أم نفاق علنى
-
الموقف الروسى من الصحوة العربية
-
تولستوى و جائزة نوبل للآداب
-
واحة الأمن و الأمان فى العراق المعذب -2
-
واحة الأمن و الأمان فى العراق المعذب -1
-
عودة الوعى الى المثقفين العراقيين
-
صواريخ المالكى و أقماره الصناعية
-
الأساطير الكوردية في الأدب العالمي
-
أساس الأزدهار الثقافى الكردى
-
روائع التراث الكردى بين رودينكو و وزارة الثقافة الكردستانية
...
-
المالكى ... نفاق لا ينتهى
-
قوة الضعفاء
-
احتفال أمام نصب الحرية ببغداد
-
نحو مفهوم جديد للرسالة الأعلامية
-
من المآثر البطولية لكرد الاكز ( alagiz)
المزيد.....
-
فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ
...
-
تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق
...
-
السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا
...
-
الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو
...
-
بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو
...
-
شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك
...
-
دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
-
مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر
...
-
قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
-
مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|