أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء النادي - الإخوان المسلمون والنموذج التركي















المزيد.....

الإخوان المسلمون والنموذج التركي


علاء النادي

الحوار المتمدن-العدد: 3604 - 2012 / 1 / 11 - 17:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التجارب الإنسانية بطبيعتها غير قابلة للنسخ والمحاكاة، فلكل مجتمع بيئته وظروفه وقضاياه وإشكالياته. لكن هذا لا يعني غض الطرف عن تلك التجارب وإبعادها عن مقتضيات الدرس والفحص الموضوعي، والاقتراب المقارن بينها وبين أشباهها ونظائرها ومعكوساتها، والاستفادة من دروسها وعبرها.
يرقب الكثيرون تجربة الإخوان المسلمين المنتظرة بمصر، ويتمنى البعض أن تكون الحالة التركية الأردوغانية (كما يحلو للبعض أن يختزلها) المثال الذي ينسج إخوان مصر على منواله.
لا يكترث الكثيرون بقراءة الظروف الموضوعية لكلا التجربتين، ليس بمعنى أن مآل تجربة الإخوان محكوم عليه سلفًا وبشكل نهائي بالافتراق البائن والتقاطع العكسي مع تجربة أردوغان ورفاقه، ولكن بمعنى أن الاشتراطات اللازمة لدخول الإخوان المسلمين بمصر في أجواء تجربة مفتوحة على احتمالات تقديم نموذج غير تقليدي في تجارب الإسلاميين المعاصرة تبدو غير متوفرة، وتحتاج إلى وقت حتى تنضج، وجرأة في توفير مستلزماتها من قبل الإخوان، وحتى من قبل خصومهم الأيديولوجيين الذين يحاصرونهم في بعض الأحيان بأسئلة تستهدف حشرهم في الزاوية، والخصم السياسي من رصيدهم، وتأليب بعض الشرائح الاجتماعية عليهم أكثر مما تقوم على الجدل الموضوعي حول طبيعة وملامح المشروع الإخواني في قضاياه الأساسية ومفاصله الرئيسة.
في تجربة العدالة والتنمية التركي لم يكن أردوغان بمفرده صانع الحدث وبطل الرواية، فقد كان إلى جواره مجموعة من قيادات الحزب ورؤوس المشهد السياسي في تركيا الآن، مثل عبد الله غول وداود أوغلو وغيرهم. قام هؤلاء بالقطع التاريخي مع التجربة التي أسسها نجم الدين أربكان، وظل يقود جولاتها من معترك إلى معترك، حتى أيقن هؤلاء بأن صيرورة التجربة باحت بأسرارها وقالت كلمتها، ولم يعد ممكنًا بعد أن وصلت لحالة الموات المراهنة على التطور الخطي في ذات المسار الذي سلكته.

في الملمح السابق هناك تباينات بين النموذج التركي وبين حالة الإخوان في مصر في لحظتهم الراهنة، فقد قطع حزب العدالة والتنمية قبل أن يخوض استحقاقات تجربته السياسية ويصل إلى سدة السلطة مع تجربة حزبية، صحيح أنها وصلت لنهايتها كما قرءوها، لكنها أكسبتهم خلال مسيرتهم معها خبرات كبيرة جعلتهم في أحيان كثيرة يتقلدون الوزارات، بل ورئاسة الوزارة، ويلتصقون بمواقع صناعة القرار ويطلعون على ما يدور في دهاليز المؤسسات الصلبة والناعمة التي تقوم بتدبير أمور الدولة في تركيا.
على العكس من ذلك يبدو الإخوان في وضعية صعبة ومعقدة، إذ ليس هناك يقين بأن الجماعة بتجربتها وكيانيتها التنظيمية قادرة على التكيف واكتساب مؤهلات المرونة والسرعة في التعاطي مع تحديات اللحظة الراهنة بكل تعقيداتها، والتي تتطلب من الخيال السياسي والقرارات والرؤى الآنية والمستقبلية ما يبدو خارج قدرة الجماعة على تحمل كثافته.
وإذا كان الإخوان طوال الفترات الماضية لم يتمكنوا من تحقيق هذا التحول النوعي فكيف سيمكنهم ذلك في تلك المساحة الزمنية القليلة والمضغوطة؟! إضافة إلى أن القطع على عسره وصعوبته يتم مع نوعية في الخبرات التاريخية مختلفة تمامًا عن الحالة التركية، فالقطع في حالة الإخوان إذا ما أريد له أن يتم مع تجربة جماعة دعوية صاحبة نشاط سياسي بالمعنى العام، كان يتم في سياق ظرفي ومتقطع، فالجماعة طوال تاريخها الذي يربو على ثمانية عقود مرة لم تقم بتدبير شأن وزاري، ولم تنخرط في دولايب وأجهزة ومؤسسات الدولة البيروقراطية، ناهيك عن أن تقترب من مواقع صنع القرار وتطلع على ما يبدو خافيًا وراء الكواليس وتتزود بخبرات المطبخ السياسي .
قطع أردوغان وحزبه إذن مع التجربة التاريخية قبل الدخول في المراكمة، من خلال فصول التجربة الجديدة، فيما عاجلت حركية التغيير الثورية بمباغتتها الإخوان وهم على ذات الحال التاريخية إلا قليلاً، حيث لم تتمكن بعض المحاولات التي جرت من الحفر في صلب الجماعة لإنجاز تغيير نوعي في بنيتها التي ظهرت ممانعة إزاء كل محاولات تشبيبها جيليًّا وإداريًّا وفكريًّا، لتكون بمستوى الجهوزية التي تمكنها من مواجهة اختبارات من النوع الثقيل كالذي يكابده الإخوان الآن.
الدفع بأن التأسيس الحزبي للذراع السياسي للجماعة يمكن أن يشكل الاستعاضة الموضوعية لمقتضى التغيير النوعي لا يمكن التسليم به، ذلك أن هذا التأسيس جرى هو الآخر على عجل، فرضه إرباك الحدث ودون سابق تجهيز، وعندما تم الاختيار بين النماذج التي اجترحها الإسلاميون في هندسة العلاقة بين الجماعة والحزب، وضبط وتحديد التمايزات بين الدعوي والسياسي بمعناه العام والحزبي في إطاره التخصصي والدقيق، كان الانحياز لأكثر النسخ روتينية وأقلها جدة وفاعلية في خبرات الإسلاميين.
تبدو المعادلة المطروحة على الإخوان الآن عسيرة وصعبة، فالجماعة التي ظلت ممسوكة بالضبط التنظيمي الروتيني يراد لها أن تدخل على خط التفاعل مع دولة مفككة ذات تاريخ بيروقراطي وورتيني عتيق، من أجل تحقيق مُخرج يتمثل في إنتاج دولة عصرية وشابة ذات مرونة وروح وثابة !.
دخل أردوغان وكتلته وفق ما بدا على تجربتهم باستباق استعدادي ومرونة كافية، فيما يعاني الإخوان من عدم توفر تلك الكتلة وغياب الجهوزية والتهيؤ، وصدمة الحيرة لدى البعض منهم، فالكيانية التنظيمية الكبيرة والتي شكَّلت رافعة الصعود السياسي تبدو بشكل مفارق عائقًا ممانعًا أمام قدرة الجماعة على التكيف والمرونة والعبور الآمن إلى ثنائيات الواقعية السياسية، وإطلاق العنان أمام الخيال السياسي في آن معًا، والقدرة على المساهمة الفاعلة في بناء مشروع وطني حضاري يستند إلى رؤية مقاصدية في استلهام روحية الفكرة الإسلامية، أكثر من انشداده إلى تصورات متيبسة محكومة بضغط التنظيم وإرثه التاريخي، وغلبة النزعة الأيديولوجية والتي غالباً ما يجري تخفيف وطأتها على مضامين القرار والخطاب السياسي بجرعات برجماتية.

بعض الإشارات السابقة تكشف عن أن أردوغان وحزبه دخلوا تجربة الحكم وهم يمتلكون رصيدًا من التجربة في هذا الميدان، كما أنهم وهذا هو الأهم كانوا يمتلكون استراتيجة جاهزة وعشرات المشاريع القومية التنموية، المبنية على حسابات موضوعية، وحيازة القدرة على تحقيق مستهدفاتها بشكل عملي ووفق خطط وسياسات إجرائية، ما يعني في المحصلة النهائية أن الرؤية والمسارات كانت واضحة ولم تكن خاضعة لمنطق المحاولة والتجريب.
على العكس من ذلك لا يمتلك الإخوان تلك الاستراتيجية وهذه المشاريع، فما هو مطروح بعض التصورات البرامجية ذات الشعارات العامة، والتي لا يمكن الوثوق بأن صياغتها تمت من خلال خبرات الميدان العملية، وعلى أعين كوادر عالية التدريب والتجهيز، كما أن الاستراتيجة بمعناها ومبناها الكبير تبدو مفتقدة، ويحاول الإخوان تجميع خيوطها، وهي مهمة شديدة الصعوبة أيضًا على خلفية حضورها في جدول أعمال مشحون ومزدحم بمتابعة التفاصيل التي لا يمكن تخفيض مستويات الاهتمام بها في هذه الظرفية السياسية الدقيقة التي تمر بها الجماعة، وتمس جوهر حضورها في مستقبل العملية السياسية التاريخية التي يخوض الجميع في مصر غمار مخاضها الصعب والعسير.

في مجال علاقة الدولة بالحريات العامة وإطلاق طاقات المجتمع الأهلي، هناك في تجربة العدالة والتنمية التركي ما يمكن إصدار أحكام معيارية حوله، فالتجربة كانت تراهن بشكل أساس على تحفيز تلك الطاقات المجتمعية، إضافة إلى حسمها القاطع بشأن احترام الحريات العامة، وأن الأصل فيها الإطلاق وليس التقييد. وغني عني القول هنا إن أردوغان وحزبه لم يتلعثموا في اعلان القبول بكل مضامين الديمقراطية ودولة الحريات العامة، ولم يحيطوا موقفهم منها بضوابط احترازية.
لم تدخل بعد تجربة الإخوان مضمار التشغيل حتى يمكن الحكم عليها وفق الشاهد الموضوعي، إلا أن التصريحات التي تطلقها بعض قيادات الجماعة تعاني من الارتباك، وقد تُفهَم أحيانا بسبب ضبابيتها واختلاف التصريحات بشأنها على نحو يشي بأن تلك الحريات ورحابتها وما قد يصحبها من تحقيق نتائج مرجوة على الصعد الحياتية تعد أهدافًا ثانوية تساعد على خلق مناخ اجتماعي ضابط لتلك الحريات، وهو رهان أيديولوجي بامتياز. فبدلاً من الرهان على تكريس ثقافة التسامح والقبول بالمختلف وعدم خنقه بالضغوط المجتمعية حتى ولو كانت من النوع الناعم، يراهن البعض على سياج المحاصرة الذي ستوفره كثافة الضغط المجتمعي من أجل تلجيم ما يرونه خارجاً على منظومة التعاليم والقيم الإسلامية عبر الاحراج المجتمعي ومؤاخذاته حتى لا يتم التدخل السافر في إطاره التشريعي وما ينطوي عليه من احتمال استحقاق كلفة سياسية يبو أن تحملها لن يكون ميسوراً في الأفق المنظور لارتباطها بتداخلات الظرف الاجتماعي والسياسي قطريا ودولياً ومعادلة تأثيره التي لا يمكن انكارها على الفاعليين السياسيين والاجتماعيين.

تعاني الدولة المصرية الحديثة منذ عهد محمد علي من تغولها على المجتمع، تلك الإشكالية جرى تجذيرها في ممارسات دولة الاستقلال الوطني، حيث تم سلب المجتمع كل مساحات الاستقلالية وتجريده من روح المبادرة، حتى بدا وكأن هذه الدولة هي من صنعت مجتمعها وأنتجته.
لا يعني العرض السابق أن حاصل تضميناته تؤكد على حتمية فشل التجربة الإخوانية المنتظرة قياسًا لنظيرتها التركية التي يشكل أردوغان أيقونتها الرمزية لدى الكثيرين. فهناك ما يمكن أن يسعف الإخوان في تحقيق نجاحات محتملة على المدى القصير، وخاصة فيما يتعلق بالشأن الحياتي، وهي نجاحات تعزز الثقة بالذات، وتوفر دعمًا مجتمعيًّا يخفف مما يمكن أن يُصار إليه من محاججة أيديولوجية من قبل البعض داخل أروقة الجماعة وخارجها في سجالهم مع التجربة في هكذا أطوار محتملة.مثل هكذا نجاحات غير قادرة على تحقيق التحول النوعي بحد ذاتها لكن دورها سيكون هاماً ومفصلياً في التحفيز للسير قدماً في انتهاج السياسات غير التقليدية والتخلص من ضغط البيئة السياسية غير المواتية خاصة على مستوى التنظيم الذي قد يساير تلك التحولات إذا ما رأها تصب حسب قناعاته في صالح المشروع السياسي للجماعة والحزب ،وأنها ترسخ أقدام الجماعة داخل النسيج المجتمعي .هذا البعد النفسي هام ومؤثر في إدراك ديناميات العمل داخل الجماعة والمؤثرات التي تساهم في خلق الصورة الذهنية عن واقع الجماعة ومحيطها الخارجي الذي تتفاعل معه لدى أفرادها ومدى قبولهم للقرارات والخطابات السياسية التي يجري دوماً اسقاطها من أعلى قمة الهرم التنظيمي ويتم تمريرها عبر آليات هيراركية ،ومن خلال استخدام قوالب الاقناع التي تغلف بالأخير بمبدأ السمع والطاعة.
هذا الرصيد الأدائي على الصعيد الإجرائي في حال ضعفه ربما يجنح بالقائمين على أمور الجماعة إلى الاستناد بصورة كبيرة إلى الكيانية التنظيمية، باعتبارها الغطاء والمصد والحائط الأخير الذي يمكن الاحتماء به في ظل العواصف السياسية المنتظرة في ظل هكذا أجواء.



#علاء_النادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صعود الإسلاميين والأسئلة المنسية
- الصعود السلفي..الأسباب والتداعيات
- الإخوان المسلمون..الصعود المأزوم
- المسكوت عنه في جدل الإسلاميين والليبراليين
- الإسلاميون المصريون..حتى يتبدد القلق
- الليبراليون والنقد الذاتي
- الإخوان المسلمون إذ يُحشرون في الزاوية
- الإسلاميون والليبراليون واستحقاقات التحول الديمقراطي
- الإخوان المسلمون و-الدولة-..الرؤى والإشكاليات-دراسة
- الاسلاميون وحتمية المراجعة


المزيد.....




- مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن ...
- الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم ...
- الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
- التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد ...
- حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
- الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
- ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
- بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
- هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
- وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء النادي - الإخوان المسلمون والنموذج التركي