أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جابر حسين - لوركا ، رياحنة الألفية الثالثة أيضا !















المزيد.....



لوركا ، رياحنة الألفية الثالثة أيضا !


جابر حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3596 - 2012 / 1 / 3 - 02:57
المحور: الادب والفن
    


الجزء الأول : قاتل لوركا
----------------------

"أيُّها المسيح السيَّد
بحقِّ الجرح النازف في خاصرتك
بحقِّ قرنفلات دمك الزكيِّ
عكِّر الليل على الجنود!"

لوركا
******

أنتونيو فونسيكا:
نكتب عنه، لا لنمجده أو نرفع من شأنه الوضيع أصلاً! ولكنا نكتب لنلعنه في التَّاريخ والحياة والناس! فقد قَبَرته الأقدار في وحل الحياة، فمات وهو بعدُ حيّ! منبوذٌ منطوٍ كخرقةٍ باليةٍ مهترئة، مسحوقاً بين الناس كصرصارٍ تافه! صَنفٌ في الناس وضعته أقداره في موضع السوء والشذوذ والدناءة، فالتصق العار به، بكيانه كله وبجسده أيضاً. فعاش ومات مجللاً به، يتنفسه كالهواء في حياته جميعها، وصاحَبَهُ في ما بعد مماته! لا يذكره أحد إلا ليسقط على ذكراه الخاملة دثاراً كاملاً من الحقارة ليظل محيطاً به لأزمانٍ طويلةٍ قادمة!.
لا، لم يكن أندلسياً، ولكنه كاستلياني ولد في (تولاو) في العاشر من تموز عام 1890م. ضابطٌ في سلاح المشاة أُحيلَ للتقاعد بعد الحرب برتبة كولونيل. لم يكن له شكلُ الإسباني أبداً: فقد كان ضخماً، عيناهُ شديدتا الزرقة، وشعره أشقر، وجلده أبيض مليء بالنَمَش، ميَّالٌ إلى العنف وحب الظهور والدخول الطوعي في المشاجرات، يحتقر النساء ويعاملهن كما يروض الخيول بقسوةٍ مخادعةٍ تخفي وراءها دائماً استعداداً للنازلات وربما للتراجع! لا يعرف المواقف الكبيرة، ولا القيم والمبادئ في الحياة، حصاناً يحركه المهماز، يتحرك ويجمح، يبدو مصقولاً وناصعاً من الخارج، وفي داخله تنطوي جوانحه على سمات أحقر الوحوش وخستها!.
كان يعمل كالحصان، ويلمع في تلك الأجواء المشحونة بالرهبة والخوف والحذر. وتنهال عليه المكافآت والأوسمة والأنواط العسكرية، ويزداد هو صلفاً وخسةً ونذالة!
الأبناء ومظاهر اللعنة:
--------------------
(يا سيِّدَ الشهداءِ حمزة،
قد غدوتُ ضحيَّتَك،
أنا ما جَنَيْتُ على حياتِكَ
ما جنَاهُ عليَّ موتُكَ!
أنا لم يصافحْنِي الرَّسولُ..
أنا لم يكلِّمْنِي الرَّسولُ..
ازْوَرَّ عَنِّي!
نَدَمٌ تطاردُهُ الحَيَاةُ،
قَرحٌ على وَجْهِ الزَّمَان!
وشربتُ خمرَ الأرض لكن ما ارْتَوَيْت!
أيَّاً مَضَيْتُ فَمَا يُفَارِقُنِي الشبح!).

وحشي قاتل حمزة: مسرحية الحسين ثائراً،الحسين شهيدا: عبدالرحمن الشرقاوي.

خُدِعَت فيه (ماريا مونتيسنوس) وتزوجته، تزوَّجَت الصَّلَف العسكري والزَّهوَ المخادع، ذهبا معاً في فرقة الحماية إلى إفريقيا، ثم إلى سان تلندر، واستقرَّت بهما الحال في مدريد بوزارة الحرب. أنجبت له ماريا ولدان وثلاث بنات. كان يكره بناته الثلاث بالجملة! فقد كَرِهَ النساء قاطبة، رغم مباذلِهِ وعُهْرِهِ وفُسُوقِهِ!.
بيدرو، ابنه الأكبر، هو الوحيد من بين أبنائه الذي كان يحبه، فأقصاه عن دراسةِ الطب التي أرادها الصبي، وألحقه بالجيش، فمات مقتولاً في (تولاد)، خلال حصار (الكاذار)، وهو في ريعان شبابه، وظلَّت ماريا تقول إنه هو من قتل ابنه!، لأنه قد تورط في قتل الشاعر، ولم يَنْصَع لنداءاتها ويبتعد عن آل لوركا، ولهذا، فإن اللعنة ظلت تطارده أينما حلَّ، وكانت هي تطارده بكلماتها الجارحات واصفةً إياه بـ(قاتل بيدرو الحقيقي)!. هكذا ظلت تردد طوال حياتها حتى فارقت الدنيا من بعده!.
علاقة بيدرو بأبيه كانت علاقة ملتبسة، غامضة، يخالطها الإثم والعار والعُهر: في إجازات بيدرو النادرة، كانا يجلسان سوياً منفردين، معزولين عن بقية الأسرة، وفي العَتمَة، بعيداً عن الجميع، كانا يتحدثان: يدخنان السيجار ويعُبَّان الخمر من زجاجات النبيذ الإسباني، وكل مساء يخرجان معاً إلى حيث يقومان ـ معاً أيضاً ـ بخيانة الأم!، يخونانها معاً ومع امرأةٍ واحدة؛ غجرية عاهرة تُدعَى (بيريكا فارول). وتشاء الأقدار أن يموت بيدرو تحت الحصار بعد أسابيع ثلاثة فقط من اغتيال الشاعر! اهتزَّ فونسيكا لموت الابن، اهتزَّ وجدانه كله، واخترقه سهمٌ ملتهبٌ مسموم!، فأصبح يعبُّ الخمر ليلاً ونهاراً، حتى أصبح كالنفاية، وصيحات الزوجة المعتزلة ولعناتها تسقط عليه كالحجارة والأشواك، فتفسد عليه أيامه ولياليه وبقية عُمرِهِ القميء!.
الابن الأصغر لويس، أصبح منطوياً على ذاته كالقنفذ، يبتعد عن الأسرة جميعها وعن بقية الناس، بدأ بدراسة اللاهوت، فأصبح يسوعياً في روما، لا يكاد يتواصل مع أسرته إلا نادراً، ومن بعد، أقام بصورةٍ دائمةٍ ومستمرةٍ في أحد الأديرة في إسبانيا، بعيداً عن الأسرة وسيرة الأب، مطارداً هو الآخر باللعنة ذاتها ـ فقد نجا من الموت بأعجوبة عندما أَضرَمَت إحدى العصابات النار في الدير الذي يقيم فيه، فعاش بقية عمره قصيَّاً وبعيداً ومنعزلاً حتى الموت!.
البنتُ الكبرى ماتت وهي تضع مولودها الأول الذي قضى بعد وفاتها بساعاتٍ قليلة، ولم تكن قط سعيدة بزواجها، كانت حزينة، منكسرة، وزوجها السِّكير يَسُومها العذاب!.
البنت الصغرى تزوجت وهي في العقد الثاني من عمرها، وكانت وزوجها في عراكٍ مستمر، منفصلين في واقع الأمر، وقد أوْلَدَها بنتين وولداً، مات الولد عنها صغيراً وهو في السادسة، وذهبت كلا البنتين في الحياة، فلم تعرف الأسرة لهما من سبيل!.
أما البنت الوسطى فأمرها عجب: هَرَبت إلى إحدى إرساليات الأديرة المنتشرة في ذلك الزمان، ولعلها نَشَدَت أن تكفِّر عن خطاياها وخطايا الأسرة المنكوبة المطاردة باللعنة الأبدية، سافرت مع الرَّاهبات في إرساليات التبشير إلى مجاهل إفريقيا! وهناك، وسط الأدغال والأحراش الكثيفة ذات الظلمات، وعلى وَقْعِ ضربات الطبول وصيحات الرعب، داهَمَت مجموعة مقاتلة من الأفارقة البدائيين معسكرهم وقتلوا كل من في المعسكر، وأحرقوا الخيام والمساكن والأمتعة والمبشِّرين! كانت مجزرة بشعة، ولكنها نجت منها، ولكن بعد أن اغتصبها رجل القبيلة القوي، ثم تركها للخُلَّص من أتباعه، وقد فاقوا العشرين، تعاقبوا عليها واحداً بعد الآخر! وتركوها. أتى بعض المبشرين إلى أنقاض المعسكر وأخذوها ـ وهي كالحطام البالي ـ إلى حاضرة الفاتيكان في روما، حيث أُدخِلَت هناك أحد الأديرة وهي حُبلَى، مجللةً بالعارِ والانكسار، ومن بعد، وَضَعَت عنها حملها: طفلاً ذي ملامحَ إفريقيةً، ثمرةَ العنف والاغتصاب الوحشيِّ المجنون!، وأصبحت هي الوحيدة التي بقيت ـ من بعد ـ من أسرة فونسيكا، لتروي، من بين المرارةِ والذهول وظلال الموت والفجيعة القاسية؛ لعنة الشاعر الكبير التي طاردت الأسرة فرداً فرداً حتى الموت!.
أهي عدالة السماء، أم هي تجليات الحقارة التي أمسكت برقاب افراد الاسرة المنكوبة فأوردتهم هذا المورد الذرئ الفاجع؟!.
ماريا الزوجة تعتزل الحياة:
-------------------------
اعتزلته؛ ومن بعد هجرته تماماً، بعد أن تأكدت من خيانتِهِ لها مع عاهرات من الدرجة الثالثة؛ يتخذ منهنَّ عشيقات، أدرَكَت ـ بغريزة الأنثى لديها ـ خِسَّة ونذالة من اتخذته لها زوجاً، فقد أسْفَرَ عن سجاياه البشعة كلها أمامها، أصبح أمامها عارياً وواضحاً كالحثالة، فقد وَجَدَتهُ مخادعاً كذاباً وحقيراً، سكيراً، عربيداً وقاتلاً ملطَّخَةٌ أياديهِ وقلبُهُ وملابسُهُ بدماء ضحاياه؛ أصبح لدى حاكم غرناطة المدني (فالدر) منفِّذاً لجرائمِهِ القذرة كلها، يقتلُ ضحيته بدمٍ باردٍ وتلقائيةٍ باردةٍ كالثلج، يفعلها وهو يمسح بأصابعهِ النتنة أطراف جبينه المكلل بالخزي والعار، عاشت معه ماريا انفصالاً كاملاً، كلٌّ منهما في غرفةٍ خاصة، بعيداً عن الآخر، كانت تبتعد عنه بأقصى ما تستطيع.
كانت البداية لهذا الوضع الشاذ بين الزوجين حين عرفت بعلاقته الآثمة مع (بيريكا فارول)، فاعتزلته وعَزَلَت نفسها بمحض إرادتها في الطابق الأرضيّ من البيت، واتخذت من الغُرفَة مهداً لها، ومعبداً وكهفاً تأوي إليه، تقبع فيها بين أركانها وأطرافها، تندبُ حظها في الحياة، وتلعن أقدارها التي ربطت بينها وهذا الوحش النتن المجلل بالنذالة والصلف العسكري المسلَّح.
في (لوس فيلز)، منزل الأسرة، أصبح الوضع لا يطاق: مات بيدرو، ورحل لويس عن البيت ليقيم مع أستاذه القديم في الحقوق الكنسية، نأى بنفسه عن البيت والأسرة وذهب في البعيد حتى الأبد، وتفرقت البنات بمصائرهن الفاجعة، وبقيت ماريا الزوجة التعسة معتزلةً في كهفها، وحيدةً كطائرٍ جريحٍ مهيضِ الجناح في قفصٍ كئيبٍ بارد؛ والأب، جالبُ اللعنةِ وبَطَلُها، يعبُّ الخمر، يخرجُ صباحاً ليحضر في الهزيع الأخير من الليل محمولاً على الأيدي، مخموراً كثورٍ ميت، مغموساً بالدم، تتصاعدُ منه روائح مختلطة نتنة: رائحة التبغ والخمر والطعام والعرق والشَعْر، روائحُ عطنة لزجة، خانقة كما الكبريت، حامضة كما الليمون المتخثر، دبقة كالشَّمع الحار المتساقط عن الأيدي، تصدر عنه رائحة الأعشاب المتعفنة وسط مياهٍ راكدةٍ آسنة، ويتكوَّمُ على الأريكة أو الفراش، كومةً من اللحم والدم والعرق، يئنُّ، فتصدرُ عنه حشرجات نازفة كحيوانٍ جريحٍ يتألم بعمقٍ وأبعادٍ مخيفة، وتتصاعد أبخرةُ تنفسهِ في شخيرٍ يتعالى ليملأ الغرفة كلها والردهة والبيت وأطرافه جميعها، كحيوانٍ ذُبِحَ لتوِّه وما اكتمل منه الذبح؛ يتكوَّمُ كجثةٍ متحللةٍ متروكةٍ في الخلاء الفسيح.
في ليلة الأحد، أتى به بعد منتصف الليل حارسان مدنيان، مخموراً بصورةٍ مرعبة، يحملانه كجثة، ملطخاً بالدم، تفوح منه روائحه المختلطة؛ الشديدة اللزوجة كالصمغ، ألقياه على أريكة قديمة في ردهة المنزل.
ـ سيدتي، زوجك ارتكب لتوه جريمة قتل!.
كانت ماريا تقف في منتصف الردهة، متلفعةً برداء من الصوف الأسود، شاحبةً كما الأشباح، ولكنها متعالية ومتماسكة كأبراج الكنائس، وفي بريق عينيها تَجَمَّعَ كلُّ احتقارها لهذا المسخ البشري المتكوم كبقايا لحومٍ مهترئةٍ على الأريكة، قالت بعدم اكتراث:
ـ ليست هي المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا!.
ومَضَت إلى غرفتها. لقد قتل عشيقته (فارول)، رصاصتان في البطن، رصاصتان في العُنق، ورصاصةٌ خامسةٌ في الرأس!. الأخيرة كانت رصاصة الرحمة، التي اختصَّ في إيداعها الرؤوس!؛ قَتَلها في الملهى أمام الملأ، وارتمى عليها يأخذُ الجثةَ إلى أحضانه، مُلطِّخاً نفسه بدمِ الضحيةِ البارد، ويخور فوق الجثة كالثور المذبوح!.
غرناطة في الظلام:
-----------------
في تموز العام 1939م، والجمهورية الفتية تكافح كي توطِّد سلطتها، يعاضدها ويساندها شرفاء العالم أجمع، يتجمع اليمين الإسباني وأصدقاؤه وأذنابه، وينهضون بعبء تقويض الجمهورية وأنصارها، بعنفٍ وحشيٍّ بشعٍ لم يشهد التاريخ الإنساني له مثيلاً، وقد خَلَّدَ بيكاسو تلك الوحشية المرعبة في لوحته الخالدة (جورنيكا)، تلك القرية الإسبانية الوادعة، التي حوَّلَهَا القصفُ اليمينيّ إلى شظايا: الناس والبيوت والحيوانات والطيور والأشجار والعشب وأجمل الورود والزهور، اختلطوا جميعاً كما اختلط الليل فيها بالنهار، هيروشيما الإسبانية، أيَّةُ نذالةٍ تلك وأيُّ حقد؟!.
في مثل هذه الأجواء القاتمة، وجد (فونيسكا) نفسه مغموساً في المؤامرات والدسائس والدم، كان يوقف زملاءَه في السلاح لمجرد الشبهة، ويودي بهم إلى ساحة الإعدام، مزهواً وصاعداً على سلم الترقي والمجد العسكري الزائف، هكذا أوقف رفيق دورته العسكرية الحاكم المدني (فيدال) و(توريس مارتينيز) وتمادى، فأوقف الدكتور فرناندز (مختار غرناطة الاشتراكي)؛ كان المختار صِهراً للشاعر لوركا، وابن عمِّها الشقيق لوالد زوج فونسيكا نفسه!، أودى بهم جميعاً إلى الموت!. كان هو الذي يتقدم ببلاغ الاتهام في مواجهة الضحية، ومن بعد، يقود ثلةً من الجنود ويذهب بهم ليوقف ضحيته ويقفل عليها في زنزانةٍ مظلمة، باردة، رطبة؛ وفي فجر اليوم التالي يكون على رأس فرقة الإعدام. يذهب في الفجر، متلفعاً بالظلام والليل بعرباتٍ مدنيةٍ عاديةٍ إلى الريف، حيث الخلاء الممتد بعيداً عن الناس وعن ضمير العالم، يغتال الضحية بمجموعاتٍ كاملةٍ من الطلقات، على أن تكون الرصاصة الأخيرة في العنق أو الرأس أو كليهما، تكون من غدَّارته هو بالذات، تخرج من بين أصابعه هو، كان حريصاً جداً على هذا الشَّرط، ينفذه بدقةٍ وحرصٍ ومثابرةٍ غريبة، حتى أصبح معروفاً برجل المهمات الخطيرة والقذرة، وهو بهذه المهمات القَذِرة مزهوَّاً؛ يُخالط زهوه الزائف بزجاجاتٍ كاملةٍ من الخمر والعُهر والنَّوم والدم!.
20 تموز 1936م، استولى الجمهوريون على غرناطة، قامت لجانٌ عسكريةٌ ومدنية للطوارئ، ولَمَعَت في أجواء ذلك العنفوان الجمهوري شخصيتان: الحاكم المدني سيزار توريز مارتينيز، والآخر هو هو رئيس بلدية غرناطة الاشتراكي الدكتور مانويل فرناندز مونسينوس، والذي كان في الوقت نفسه نائب رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد العمال، وهو زوج كونشا غارسيا لوركا، أخت الشاعر لوركا، كانوا يعتمدون على قوات كبيرة: 16 ألف عضواً في الاتحاد العام للعمال، و12 ألف عضواً في اتحاد الشَّغيلة القومي، والكثير من الطلاب والكُتَّاب والفنانيين والجنود. ولكن سرعان ما أخذت القوى المضادة للثورة تتجمع بسرعة، وتسترد قواها التي فاجأتها الجمهورية: 600 من الكتائب، و400 ينتسبون للاتحاد الإسباني المستقل، تحركوا ساعة القيلولة: (مينوز وتوماس وفالدز ونستار وفونسيكا)، بالدبابات والمدفعية الثقيلة، طوَّقوا الجنرال كاميان، صادروا سلاحه ثم قتلوه، قَتَلَهُ فونسيكا بالذات، استولوا على المراكز المهمة، وقصفوا حي (البائسين)؛ مركز المقاومة، الحي الذي خلَّده الشاعر (لوركا) في قصائده، قصفوه ببطاريات الميدان واقتحموه، وفي مقبرة (سرو ديل سول)، أعدم رئيس البلدية وأعوانه جميعاً، وتولى فونسيكا تسديد رصاصات الرحمة، مهمته التي يحذقها وينفِّذها بدقةٍ متناهيةٍ وبإصرارٍ غريب!.
عاشت غرناطة خمسة أيام كاملة تحت تهديد السلاح والدم والعار، وتم تنصيب القمندان (فالدز) حاكماً مدنياً لغرناطة الجريحة النازفة، وقام هو على الفور بترحيل مقرِّه الرسمي إلى معتقل وساحة محكمة استثنائية دائمة الانعقاد، القانون كان غائباً، والعصابات المسلحة تجوب الشوارع وتخترق البيوت وتفتش ضمائر الناس، كان القتل يتم سريعاً لمجرد الشبهة، أو لتصفية ثأرات قديمة، أو للهو وتزجيةِ الوقتِ بإهدار الدم والتلذُّذ بسماع أصوات الأنين والاستغاثة تصدر عن الضحايا. كان من بين عصابات الدم في تلك الأيام السود، من تخصص في ذبح النساء بعد اغتصابهن بسكين المطبخ، ومن كان يقطع أجساد الأطفال قطعاً صغيرةً أمام الجميع!!.
كانت أياماً سوداء، مليئةً بالدم والقتل، عاراً عظيماً جلَّلَ وجهَ إسبانيا السَّمح النبيل!.
المؤامرة تبدأ:
------------
في أحد تلك الأيام الحالكة الظلام، تقدَّم (رامون لويز آلونسو) نائب غرناطة في المجلس التشريعي من الحاكم المدني (فالدز)، وفي حضور فونسيكا، وأعلن أمامه في صلفٍ زائف: أن قادة الكتائب يُخفون في بيوتهم شخصيةً حمراء؛ ومن وجهة النظر الرسمية للحاكم المدني، فإن الشخصيات الحمراء جميعها قد تمت تصفيتهم، ولهذا السبب فقد تعجب الحاكم تجاه المعلومةِ المقدمةِ إليه، بل وشكَّلت أمامه تحدياً مباشراً لحسِّه الأمني الطاغي، واستفزازاً في ذات الوقت لقدراته كحاكم!، وطلب رامون لويز آلونسو استصدار مذكرةِ توقيفٍ بحقِّ فيديريكو غارسيا لوركا اللاجئ إلى الطابق الأول من (كال آنجليو)، منزل الأخوة روزال قادة الكتائب!.
الإخوة روزال كان منهم: (جوزي روزال) قائد منظمة الكتائب في غرناطة، وأخوه (أنطونيو)، وهو مسؤول المنظمة المالي، وأخوهما الثالث (ميكيل)، منفذ المهام القذرة التي يأمرانه بها، وهم جميعاً من اليمين المتطرف، ويقومون بمساعدة ومؤازرة السلطة!.
سأل الحاكم المدني:
- فيديريكو غارسيا لوركا، من يكون؟!.
- شاعر!.
ولم يكن أيٌّ منهما قد سمع عن الشاعر، لا الحاكم ولا فونسيكا ولا البطانة التافهة من حولهم، فقد كانوا ثلةً من الرعاع، بعيدون كلياً عن الثقافة والأدب والفكر!.
- ماهي التهم الموجهة إليه؟! سأل الحاكم.
- مؤلفاته!!.
- كيف ذلك؟!.
- لقد سبب لنا، عن طريق مؤلفاته، شروراً يعجز عن مثلها الآخرون الذين يحملون السلاح!.
تعجب الحاكم جداً، ولكنه وافق على إصدار مذكرة التوقيف بحق الشاعر!. وبدأ سيلٌ المعلومات يتدفق فوق منضدة الحاكم المدني. لقد اشتغل فونسيكا ورامون بجدٍّ ونشاطٍ في تجهيز المعلومات المطلوبة.
فيديريكو غارسيا رودريكيز. والد الشاعر كان جمهورياً عريقاً، ومنذ إعلان الجمهورية، أصبح الصديق الحميم لـ(دون فرنادو جيز دي لوس زيوس)، أستاذ الجامعة، وأحد أبرز زعماء الحزب الاشتراكي، امرأته (لوك لوركا) والدة الشاعر، مدرِّسة سابقة، سيدةٌ رصينةٌ بعيدةٌ عن الأضواء. رُزِقَ الزوجان أربعةَ أبناء: (فيدريكو، كونشا، باكو، إيزابيل). ومضت المعلومات حول الشاعر تقول: فيديريكو كتب الكثير من القصائد والمسرحيات، وكتب النثر ومقالات نقدية عديدة، مجموعات أصدقائه وحلقات المثقفين من حوله تقول إنه صاحب قصائد عالية الجودة. إحدى القصائد كتبها الشاعر في رثاء الثائر (روفائيل سانشيز ميجاس)، مع ثلاثة مسرحيات نالت نجاحاً منقطع النظير في مدريد في أوساط المثقفين. إحدى تلك المسرحيات كانت بطلتها (ماغاريتا كسيرغو) الحاذقة جداً في تحريك المشاعر والاستحواذ عليها كلياً، وغارسيا لوركا هو مؤلف مجموعة أشعار بعنوان: (روما نسيرو جتيانو) هاجم فيها الحرس المدني بضراوة!.
من كل ذلك الرِّكَام من المعلومات، توصَّلَ فونسيكا للسبب الحقيقي من سَعي المندوب رويز الونسو للايقاع بالشاعر وآل روزال!.
مؤسس حزب الكتائب كان يكنُّ احتقاراً كبيراً لحزب الاتحاد الإسباني اليميني المستقل، ويخصُّ باحتقاره تحديداً رويز ألونسو، ولدى الأخير تجمَّعَ حقدٌ أسودٌ ضدَّ كلِّ ما يَمِتُّ للكتائب بصلة!؛ إذن: الشاعر حُجَّة، مجرد حجة؛ أما المقصود فهو: الاساءة للكتائب والسعي لزوال نفوذهم لدى برجوازية غرناطة!.
عَرِفَ فونسيكا كل ذلك بوضوح وجلاء، ولكنه احتفظ بهذه المعلومات لنفسه، وبدأ يَنْشَط ويُوغِل في تضخيم إضبارة الشاعر، لتكون مكتظة بالمعلومات، أية معلومات، ولكنها يجب أن تكون في نهاية الأمر كافيةً لاستصدار إدانة بحق الشاعر، ولابد لمثل تلك (الإدانة) ـ التي غالباً ما تحدث بسهولةٍ ويُسر ـ أن تقود الضحية إلى جدار مقبرة (سيرو ديل سول)، أو بجوار إحدى المدافن المجهولة فوق تلال (فيزنار)!.
محتويات الإضبارة ضدَّ الشاعر:
------------------------------
1- فيدريكو غارسيا لوركا أكَّد مراراً، وأمام شهود، تبريره، بل تأييده، لقتل كالفو سويتلو.
2- فيدريكو غارسيا لوركا كان عضوياً مؤسساً لجمعية أصدقاء الاتحاد السوفيتي.
3- فيدريكو غارسيا لوركا كان منذ العام 1934م عامل إثارة لمشاعر الجماهير، لحساب الكرمليين كانت هذه هي قائمة التهم ضد الشاعر التي أدت به إلى الموت، لم تكن هنالك مجرد إشارة إلى مؤلفاته، فلم يكن لهم علمٌ بها حتى ذلك الوقت، وكان الشاعر وقتها ـ أيضاً ـ مشهوراً على نطاقٍ واسعٍ محلياً وعالمياً!.
سأل فونسيكا (رويز آلونسو):
- ولكن كيف علمتَ أن فيديريكو غارسيا لوركا يختبئ عند الأخوة روزال؟!.
وبانشراح شاذٍّ ونزقٍ شيطانيّ، بدأ المندوب في شرح الأمر.
- منذ أيام كنت في المقهى مع شلة من الأصدقاء، وإذا بالراديو يعلن نبأ مقتل (دون ما سينتو بينا فانت)!، وهو الحادث الذي ارتكبه التشيكيون في مدريد!.
(بينا فانت) أكبر مؤلفي الدراما المسرحية الأسباني، ذلك الشيخ الجليل الذي لم يؤذ ذبابةً طيلة حياته، وعندئذ فكرتُ بلوركا؛ وأجريت حسابات دقيقة لأصل إلى مبتغاي!.
- هل تعلم أنه قد أُعلن رسمياً أن (بينا فانت) لم يمت، وقد طلب اللجؤ إلى إحدى السفارات، وهو سالمٌ معافى؟!.
- نعم أعرف، وهذا لا يغير في الأمر البتة؛ فقد ذهبت مع (ديونيزيو) وثلاثة من رجالي إلى (هويرنادي سان فيسانت) حيث آل لوركا يقضون الصيف، وهو يكتب أشعاراً في مقصورته، أو يعزف موسيقى على بيانو خاص، ولكننا لم نجده هناك؛ وجدنا والده، دفعتُهُ بعنفٍ وصرختُ فيه أن يرينا أين نجد ولده، وحاصرناه وضربناه فاستولى الرعب والخوف عليه، وقال أن لوركا ليس مختفياً، ولكنه ذهب لقراءة ودراسة الشعر لدى أحد أصدقائه الشعراء، وضيَّقنا عليه الخناق والعنف، وقلنا له أنه لا يوجد في غرناطة شاعراً سوى (لويس)، رابع الأخوة روزال، اعترف هوريس لوركا الشيخ بأن ولده بالفعل هناك في منزل آل روزال!.
وصل الرَّكب التَّعس في مفرزة كاملة من الحرس المدجج بالسلاح والحقد، وهم ـ جميعاً ـ على استعدادٍ كاملٍ لازهاق الروح وإسالة الدم. طرقوا الباب الكبير للمنزل ذي الطوابق الثلاثة، المحاط ببعض الحرس من الكتائب، فتحت الباب سيدة ضخمة، وقالت تخاطبهم:
- أنا (دونا اسبرانزا كاما شودي روزال)، وأنا هنا في بيتي!.
- رامون رويز آلونسو المندوب، وهذا السيد الذي يرافقني هو الكابتن فونسيكا الملحق بمكتب حاكم غرناطة المدني. وواصل حديثه مواجِهَاً للسيدة:
- فيديريكو غارسيا لوركا موجودٌ عندكم يا سيدتي؟!
رمقتهما السيدة بنظرات احتقار وغضب، وقالت:
- فيديريكو غارسيا لوركا موجود في هذا البيت وهو ضيف أولادي!.
وبدهاء القَتَلة، بدأ المندوب يوضح للسيدة روزال أن معه مذكرة توقيف بحق الشاعر، وأن عليه أن يذهب لمقابلة الحاكم المدني لغرناطة، وفي الغالب أن في الأمر سوء فهم سوف يزول بمجرد إجراء المقابلة، والكابتن فونسيكا سيكون مسروراً بإعادته بسيارته إليكم. كان يخادع وكان يكذب!.
فزعت ورفضت السيدة الشجاعة ذلك التبرير، وصرَّحت بأن الشاعر لن يبرح المنزل إلا بصحبة أولادها، وهي تعرف بأسهم ومنزلتهم لدى سلطات تلك الايام!.
- إنني لا أصدق كلمة واحدة من رواياتكم حول الالتباس وسوء الفهم، لقد جئتم هنا قاصدين قتل غارسيا لوركا. أضافت السيدة في غضبٍ ظاهر.
ومن بين أصداء تلك الوجوه التي يلوِّنها الحقد والحقارة، بألوانٍ جدُّ كئيبة ودَبِقَة، أضافت بحسرةٍ واضحةِ النبرات:
- إسبانيا بلدٌ ينبتُ وينمو فيه الحقد والحسد، كما تنبتُ وتنمو الحشائش الطفيلية الضَّارة بكثرةٍ لا حدَّ لها!!.
والحسد هو من عيوب الإسبان المعروفة، وقد تحدث في ذلك العديد من كتابهم، مثل (أونا مونو)، و (كان خوان رامون خيمينيث، وهو شاعرٌ ذو لَمَعَانٍ كبير؛ هو الذي تكلَّف باخباري عن الحسد الإسباني الخرافي)*. في تلك اللحظات الحذرة، دخل عليهما إبنها ميكيل روزال الذي أبدى احتقاره الواضح لتلك الزمرة البشعة، وهو الذي يعرف أهدافها ومراميها وأعمالها القذرة كلها؛ موجهاً حديثه تجاه رويز آلونسو، سأله مُبَاغِتاً إياه ومهاجماً له:
- ماذا تفعل في بيتي؟!
- جئت بطلب فيديريكو غارسيا لوركا الموجود ضيفاً على أسرتكم منذ عدة أيام، ومعي في جيبي مذكرة توقيف بحقه من الحاكم المدني!.
في الطابق الثاني للمنزل حيث صعدوا جميعاً، وبالقرب من نافذةٍ مفتوحةٍ يغمرها الضوء والنور، كان يقف الشاعر، بوداعةٍ وبراءة الأطفال في عينيه: شاباً مرحاً، قامته فوق الوسط، ولكنه أميل للنحافة، يرتدي بنطالاً أسود، ضيِّقاً لدى الأطراف، وفوقه قميصٌ من القماش الأبيض مفكوك الازرار. هيئته يسودها المرح، ولكنها مرتَّبةٌ وتشي عن رجلٍ فنانٍ كبير. يديه دقيقة وناعمة وبيضاء، وبمرونة ظاهرة يفرك إحداهما بالأخرى بعصبيةٍ ظاهرة، ما أن أبصر الزمرة حتى صاح ولكن بمرح طفولي:
- آه! عسكري؟!.
ثم واصل اندهاشه الغريب:
- أسطح المنازل المحيطة بنا ملأى بعناصر الحرس المدني، وجميع بنادقهم مصوبةٌ نحو نوافذنا؛ وتحت في الشارع، يعجُّ المكان بعناصر من السَفَلَة الرعاع، مسلَّحةٌ بالرشاشات؛ هل تستطيعوا أن تقولوا لي لِمَ كل هذا؟!
وضع ميكيل روزال يده على كتفه وقال:
- أصغ لي يا فيديريكو. لا يرهبنك ذلك المشهد، يجب أن تذهب معي إلى دار الحاكم المدني ـ الحاكم يريد أن يراك!.
- أنا؟!
تغيَّر لونُ وجهِ الشاعر. كانت جبهته عريضة، محدبةٌ تعكس النور الآتي عبر النافذة المفتوحة، وكأنها كرةٌ من الزجاج الصَّافي، عيناه داكنتان، صغيرتان، حادَّتان ووديعتان، تظللهما رموشٌ طويلةٌ سوداء، تغضَّنت شفتاه كطفلٍ يوشكُ على البكاء، ارتعش وقال بألم ويقين جلي:
- إذن، كل هذه الجموع في الشارع، وكل هؤلاء الحراس المدججين بالسلاح والنار على الأسطحة، كلها من أجلي أنا؟!.
أجابه ميكيل وهو يود أن يضفي على الشاعر اطمئناناً مستحيلاً:
- أنت تعلم كيف تجري الأمور هذه الأيام، هي إجراءات أمنية بسيطة!.
وكان بالقطع يكذب، وفي ظنه أنه سوف يطمئن الشاعر الذي بدأ يحدس كما يفعل في أشعاره العميقة.
- إنهم سيقتلونني!.
قالها الشاعر بيقينٍ كاملٍ وبنبرةِ حزنٍ واضحة، وأضاف:
- ولكن حسناً لنذهب!.
ثم شرع في وداع أفراد الأسرة التي آوته لآخر مرةٍ في حياته، أخذ بيد ميكيل روزال وسارا باتجاه الباب، ولكنه توقف في منتصف الطريق، نظر إلى ما حوله وتفحص محتويات الغرفة: السرير الأندلسي الكبير المصنوع من الحديد من طراز القرن الثامن عشر، ومقاعد الخيزران، وباقة الزهور الكبيرة البديعة التكوين، ورود حمراء وياسمين تتخللها الأوراق الخضاراء والزهور، البراعم المتفتحة من توها للحياة موضوعةٌ بعنايةٍ فائقةٍ قدَّام الشُّباك، وهنالك بيانو بديع الصنع مفتوحٌ على مقطوعةِ كلود ديبيسي، الموسيقار العظيم، أضاف الشاعر بنبرةِ عرفانٍ وأسىً بالغ:
- لقد كنت سعيداً جداً هنا!.
الشاعر، خلال تواجده في بيت آل روزال، أنهى كتابة مسرحيته الحوارية الرائعة (بيت برناردا)، ونقَّح ديواناً كاملاً لقصائد جميلة ورائعة، صدرت فيما بعد في ديوانه (حديقة القصائد).
خيوط المؤامرة تبدأ تتشابك:
--------------------------
(في بلدٍ ما.
في سجنٍ ما.
في شارعٍ ما.
قد يحدث،
أن يموت الإنسان بلا مشنقة)!!.
محمود درويش***
بعد اجتيازهم لبوابة الخروج، وكأنما الشاعر قد تذكر أمراً هاماً، توقف فجأة ليقول:
- قد يكون من اللازم أن ألبس سترةً وربطة عنقٍ لمقابلة الحاكم، أليس كذلك؟!.
بادره ميكيل وبسرعة:
- نحن في حالة حرب يا فيديريكو، ثم إننا في عز الصيف، إرم المراسيم للشيطان!.
- معك حق. أنا لا أطيق ربطة العنق. ما لبستها مرة إلا وشعرت أن الحبل يشد على عنقي!.
وبعد برهة أضاف لوركا:
- هذه حماقة قلتها: في إسبانيا لا يشنقون الناس!.
تنهد، وبحزنٍ حقيقي أضاف:
- إنهم يسقطون الناس جثثاً هامدة!!.
أخذوه فيما بينهم، زمرةً مدججةً بالسلاح، متخمةٌ بالجهلِ والحقدِ والحقارة، في مواجهة شاعرٍ كبيرٍ بريءٍ كما الطفل، وحيدٌ ومستسلمٌ لمصيره الغامض؛ حاولوا أن يضعوه في أحد أقسام الشرطة حتى الصباح، ولكنهم في القسم رفضوا استلامه، فقد أحسوا أن في الأمر غموضاً ونذالة تبلغ حدَّ الجريمة؛ كان السلاح وحده سيِّد الساحة وقانونها، والقتل المجاني كان هو وجه إسبانيا في تلك الأيام المظلمة من تاريخها؛ وأصبح الشاعر هو الضحية المعدة للذبح في ذلك المسلخ البشع؛ مسرح الجريمة جرى إعداده بعناية، والقتلة جاهزون، والضحية بين أيديهم!
أما الشاعر نفسه فقد كان من بين جميع الشعراء الإسبان الأكثر محبوباً، الأكثر معشوقاً، الاكثر شبهاً بطفلٍ لما له من بهجةٍ رائعة. من كان يمكن له أن يظن أن ثمة فوق هذه الأرض، وبخاصةٍ فوق أرض إسبانيا، مَرَدَةً مسوخاً قادرةً على اقتراف جريمةٍ غير مفسَّرةٍ مثل هذه)*



#جابر_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغة في الرحيق ... !
- كن في الحشود الرفيق ، إلي صديقي الشاعر والمناضل المغربي محمد ...
- الرفيقة عطا أو ... المرأة التي أحببت !
- حياة و ... موت زكريا !
- عقد من التنوير ... !
- صالح محمود عثمان ، أعطيك صوتي و ... باقة ورد !
- محاورة النص ، بوجع أقل ... !
- كلمتان ، لأقولها للتجاني الطيب بابكر
- الثقافة في صف الجماهير : تحية للجنة التحضيرية لملتقي قصيدة ا ...


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جابر حسين - لوركا ، رياحنة الألفية الثالثة أيضا !