أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - اخيرا مات محمود واقفا














المزيد.....

اخيرا مات محمود واقفا


عادل علي عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 3581 - 2011 / 12 / 19 - 11:22
المحور: الادب والفن
    



بالالتفاف الكبير الذي ضم الأدباء والكتاب والمثقفين وهم يسورون بقلوبهم قبل أجسامهم قبر فقيدنا الراحل الكبير محمود عبد الوهاب في مقبرة الحسن البصري ، لم أجد إلا دفئا حميميا يعود بيّ إلى مضماري الخصب وأنا اعزي نفسي بهؤلاء الثلة التي يتشرف بها كل من هب ودب .. ولطالما شمخت بهامتي وأنا اعزي نفسي بهذه القامات السامية ، وهي تشخص بعيونها المتوهجة بشمس تموز ، وتفتح شباك أضلعها إلى برد كانون الذي يستحي من أن يجتاح ضلعا ولو كان خاويا .. كان الأدباء لا يلتفتون إلى غريب الوجود وحوشي المكان الذي لا يغير ما في قناعاتهم ، وهم يدفنون وجودهم في بحار النور والالق إذ لا هتاف يطربهم سوى هتاف العزة الممزوجة بأسمائهم والشاخصة بوجودهم الذي لا يذعن إلى الطارئ الدخيل ، ولا يركع إلا للخالق الازلي العظيم . كان صوت بكاء الشاعر عبد الستار العاني غير المنقطع يحول دوننا والأصوات المتطفلة التي لم تشغل ولو فسحة لما بين قبر وآخر .. لذا راح الأدباء يعبرون عن تطلعاتهم في حضرة الموت من دون وصاية او رقيب او ظل متطفل يتجنى على شاخص ظلهم .. لا يتصور الآخر أن الأدباء فقراء ، ولا يتوقع يوما أنهم يستدرون عطفا من حاكم او سلطان وصولا إلى غاية او تماسا لنزعة او نزوة مشتتة طائشة . ولطالما تضحكنا تقليعات المنح والعطايا والمكافآت ، بل حتى المنحة التي أسبغت علينا قسرا ، نحن الذين نتسنم بشرف استثنائي مسيرة الفقر المدقع ، نحن الذين لم نلوث أموالنا بغريب الفلس ومهادنة الدولار ، وبقينا نحتضن بجيوبنا المثقوبة وقمصاننا ذات المقاسات المفتوحة كل موجات الهواء المتطفل والصديق .. لا عجب إذ ترى أي منا ممتطيا دراجته الهوائية وهو يستقبل خلوف الغبار الثقيل وجماح هواء العجلات ذات الدفع الرباعي والزجاج الأسود الذي يخفي القلوب قبل العقول .. ولا ضير في أن ترى احدنا منزويا يأكل وجبة (الفلافل) الرخيصة أملا بأن يستجمع دراهمه لشراء كتاب في النقد والمعرفة ذاك .. نعم فذاك هو ما يشغلنا وهو جزء من همنا الكبير الذي يتحدد بهم العراق الكبير .. لا بأس أن تجرب وتقف على سذاجة أي أديب بأن تذكر اسم العراق فقط لتجيبك دموعا ساخنة او قصيدة عصماء او قولا ساحرا قبل الكلمات .. نعم ذلك هو همنا الكبير وأي غربة تلك التي حملناها ولا يدركها الآخرون . قد يحس الآخر أننا مفلسون ، ونقول مبتسمين نعم لا بأس بافلاس الجيوب وخواء المحفظات التي لا تحمل سوى الهواء والصور السود القديمة والقصاصات التي تزدحم في ثناياها ، المهم أن تكون العقول ممتلئة راصدة ، والعيون شاخصة لكل ما يحدث . نعم ستكون القلوب شاهدة وشهيدة من اجل أن ينهض الفقراء وتكون لهم مساحة وفسحة من العيش الهانيء ، لا باس ، ذلك ما يجعلنا نجتاز ذلك الفضاء الدهيم الذي يهيمن على ليلنا الطويل ..
لم يترك محمود أراض وعقارات وبساتين ، لم يترك ضيعا غناء اوقصورا منيفة او سيارات فارهة ، لم يترك سوى مكتبة جلها من اهداءات تلامذته االنجباء ، وأصدقائه الأوفياء .. لم يترك سوى شهادات تقدير واعتزاز .. لم يترك دارا او حتى شبرا واحدا او طابوقة مثلومة في اي ساحة او زقاق .. غادرنا كغيره خال الوفاض لا اهل ولا وطن .. غادرنا ولم يفصح لأحد ببنت شفة حتى المقربين منه من انه لطالما عجز عن تسديد إيجار شقته .او .... كنا ندرك عظم وجسامة ما يمر به ، وكنا نستحي ونهاب وجوده حتى في السؤال عن حالته ، فلم يجرؤ أي منا على الخوض في خصوصيته .. كنا نستحضر عباراتنا الوجلة الخانعة في حضرته ، اتفقنا يوما على انه والراحل قاسم البدر (اشيك) أهل الأدب بلا منازع ، فلم نجده يوما إلا متهندما أنيقا جميلا .. لكنه شاطرنا أخيرا عبثيتنا باختيار الألوان على الرغم من محافظته الشديدة على أن يكون مهيبا .. كنا ندرك أن الحوج يتقزم أمام شخصيته ، والفاقة لا تجرؤ على ان تطأ أعتاب داره .. لكنه كان عزيزا أبيا حسم تقولاتنا بابتسامة أخرستنا حتى بعد أن غاد طيفه ليتوارى خلف الشمس .



#عادل_علي_عبيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طفوف 4
- طفوف (3)
- طفوف (2)
- طفوف (1)
- كتاب الحوارات - لعبة التضاد
- كتاب الحوارات ( بقايا الأثر)
- كتاب الحوارات (اقتفاء الطيف)
- 100قصة من 6 كلمات
- ادباء المزاح والضحك والسخرية
- بقايا سخام
- وطء على الجمر
- هناك في القبر
- الرصيف الثقافي
- مرثية لابن الرومي
- سرة ام مجيد
- المربد ..التاريخ والابداع
- ملحمة كلكامش
- طوة الغيب / الكتاب - الانتشار والاندثار -
- قصائد
- صور


المزيد.....




- -طحين ونار وخوف وأنا أحاول أن أكون أمًا في غزة الجائعة-
- وفاة الفنانة ديالا الوادي في حادثة سرقة بدمشق
- مشروع قانون فرنسي لتعجيل استعادة الممتلكات الثقافية المنهوبة ...
- أكثر 10 لغات انتشارا في العالم بعام 2025.. ما ترتيب اللغة ال ...
- مشروع قانون فرنسي لتسريع إعادة منهوبات الحقبة الاستعمارية
- خلال سطو مسلح على شقتها.. مقتل الفنانة ديالا الوادي بدمشق
- فن الشارع في سراييفو: جسور من الألوان في مواجهة الانقسامات ا ...
- مسرحية تل أبيب.. حين يغيب العلم وتنكشف النوايا
- فيلم -جمعة أغرب-.. محاولة ليندسي لوهان لإعادة تعريف ذاتها
- جدل لوحة عزل ترامب يفتح ملف -الحرب الثقافية- على متاحف واشنط ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل علي عبيد - اخيرا مات محمود واقفا